الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية سعيد ناشيد: غياب الحكمة وطغيان الأهواء

سعيد هادف
(Said Hadef)

2021 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سعيد ناشيد مفكر مغربي عصامي، وفيلسوف بالمعنى الواسع، يفكر ويتأمل ويتفلسف بحرية تشع بروح المسؤولية، وبمسؤولية تشع شفافية وشجاعة وحبا.
لم يحدث أبدا أن قرأت عن سيرته، ولا أدري لماذا كنت أظن أنه يعيش خارج المغرب، إلى أن شاع خبر فصله عن وظيفته، عندها فقط خصصت وقتا لأعرفه أكثر، ثم بعثت له بدعوة صداقة وتواصلت معه.
من خلال قراءتي لبعض أعماله، وحواراته ومقالاته، وعبر ما كتبه عنه المقربون منه بعد قضية الفصل عن الوظيفة، وجدت سعيد ناشيد من الصنف الذي لا يستهويه لعب دور الضحية ولا دور البطولة كما هو حال عدد من المثقفين والسياسيين والحقوقيين. وهو من ذلك الطراز الذي لا يشكو، ولا يبوح بآلامه إلا لوسطه الحميم. ولو لم يضق حوله الخناق لما أخرج معاناته إلى الرأي العمومي.
وما تعرض له ليس طارئا، وقد اتضح من خلال منشوره أنها قصة "لا يعرفها سوى القليلين"، حرصا منه على إخفائها وحتى لا يكون "التعاطف" مدخلا إلى شهرته. أزعم أني أفهم هذا النوع من التفكير، وهو تفكير يترجم سذاجة صاحبه (بالمعنى النبيل لكلمة سذاجة)، وقد عرفت عددا من المثقفين الذين تعرضوا إلى الحيف والظلم وسعوا إلى معالجة وضعهم بعيدا عن الضجيج والإثارة.
في وسط اجتماعي مختل، نجد صنفا من المثقفين الدهاة عرفوا كيف يبنون فيه وضعية مريحة، بينما دفع صنف آخر ثمنا غاليا فمنهم من فقد صحته العقلية أو الجسدية ومنهم من قضى في فقر مدقع، وهناك صنف ثالث نجا بأعجوبة وبما يشبه الأسطورة، بعد أن عبر مسافة مفخخة بالأهوال.
ومع أنني لم ألتق بناشيد ولا أعرف عن وسطه الاجتماعي شيئا، إلا أنني أزعم أني أعرفه، أزعم أن تجربتي وهبتني قسطا وافرا من الفراسة بعد أن عبَرتُ صحراء خيباتي وأصبحت أحيط علما بسذاجتي وما جنيته بسببها من خسارات في مجتمع يغفر لك كل شيء إلا تشبثك بسيادتك وحريتك. قد يتساءل أحدهم عن سر هذا البوح. والسبب هو رسائل اللوم التي وصلتني من بعض أصدقائي بعد أن نشرت على جداري قصة سعيد ناشيد، معتبرين أن فصله عن وظيفته لا علاقة له بالتضييق على حرية التفكير، وأن القضية لا تحتاج إلى التضامن، ذاهلين عن غياب الحكمة والتعقل في الطريقة التي عولج بها ملف القضية. وتبين لي أن بعضهم تحفظ عن التعاطف معه لأسباب أيديولوجية وأعني بذلك المناهضين للتطبيع. فسعيد ناشيد، بعد موقفه من التطبيع، أصبح رأسه مطلوبا لدى عدد من القبائل الأيديولوجية حتى من جهات حقوقية، تواطأت بصمتها، بدل الذود عن حرية التعبير.
أزعم أن سعيد ناشيد لم يلجأ إلى البوح بالضرر الذي تعرض له، إلا في سياق التواصل مع محيطه الواسع حتى يجيب بشكل عمومي على سؤال المئات من الأشخاص الذين وصلتهم بشكل أو بآخر أصداء حرمانه من وظيفته وحرمانه من حقه في التقاعد المسبق. أما المحن التي عاشها فقد عالجها دون ضجيج، بل استخلص منها علاجا تقاسمه مع كل من شغف بقراءة كتبه ولاسيما كتابه الذي اعتبره الجزاء الكافي عن المحن التي واجهها: "لو كان الجزاء الذي بإمكاني نيله مقابل المحن التي واجهتها في حياتي أن أكتب مثل هذا الكتاب، لكان هذا الجزاء عزاءً كافيًا لي، بيد أن الثمن الحقيقيّ قبضتُه مسبقًا على دفعات تحت الحساب. لقد حرّرتني الفلسفة من سطوة الأهواء الحزينة، وغرائز الانحطاط، ودوافع الموت، ومن مجمل أمراض الكينونة، من قبيل الرّعب، السأم، التذمّر، الجشع، الندم، الذنب، والحنين، وبالتالي منحتني القدرة على النمو والحياة".
وهو يبوح بما حدث له، فليس من باب الشكوى والبكاء بل من باب الإخبار والاختبار، إخبار أصدقائه وقرائه والوسطين السياسي والحقوقي بما حدث له، واختبار معدن الأفكار والمشاعر حتى يتميز النفيس منها عن الزائف، فيذهب الزبد جفاء ويبقى ما يضيء طريق التغيير الخلاق.
إنه بوح المتعافي الذي عاد من الأقاصي، عاد بعد أن رأى واستبان ليقول للملأ الذاهل: "أشعر أنني الآن معافى بما يكفي لكي أستخلص الدروس، وها هي بعض أوراقي. وقبل البدء: أنثُر الفرح على أبواب المقابر.. تلك حرفتي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاب كويتي «مبتور القدمين» يوثق رحلته للصلاة في المسجد


.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ




.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب