الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل يوم كتاب؛ الرفاعي رواية لجمال الغيطاني

مهند طلال الاخرس

2021 / 4 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


#كل_يوم_كتاب
الرفاعي رواية لجمال الغيطاني، رواية تقع على متن 137 صفحة من القطع المتوسط، والرواية صادرة بطبعتها الاولى عام 1976 وصدرت بعدها بعدة طبعات اخرها طبعة دار الشروق المصرية.

الرواية تتحدث عن اسطورة الصاعقة المصرية ومؤسس المجموعة 39 قتال العميد اركان حرب ابراهيم الرفاعي.

الرواية قيمة وجميلة وتتناول سيرة ومسيرة البطل الشهيد ابراهيم الرفاعي في الثلاثة عشرة يوما الاخيرة قبل استشهاده، حيث تبدأ الرواية بهذه الصيغة الفريدة، اذ يبدا العد التنازلي ابتداء من الرقم 13 من عند اول صفحة، ومن هنا تبدأ الحكاية ويبدا التشويق؛ اذ يفاجئك هذا الاسلوب في العد التنازلي، والذي سريعا ما يتناول من خلال العد التنازلي سيرة وحياة البطل ابراهيم الرفاعي في هذه الايام الاخيرة من حياته، وهذه الايام تروي وقائع واحداث حقيقية قام بها بطل الصاعقة المصرية ورفاقة (المجموعة 39 قتال) في مواجهة العدو الاسرائيلي خلال حرب اكتوبر المجيدة.

تدور احداث الرواية خلال الثلاثة عشرة يوما الاخيرة من حياة البطل ابراهيم الرفاعي، ومع شروق شمس كل يوم، يكون القاريء على موعد مع فصول جديدة من البطولة والفداء والتضحية يجسدها ابراهيم الرفاعي ورفاقه في مواجهة العدو الاسرائيلي، كل ذلك يتم طبعا من خلال كم هائل من العمليات الفدائية النوعية خلف خطوط العدو، فيستعرض الكاتب اهم وابرز تلك العمليات الفدائية، ليس هذا وحسب، بل ان الكاتب اثبت خلال نص الرواية انه كان قريبا من المجموعة وقائدها، وإلا لما تمكن من نقل الاحداث بهذه الصورة الحيوية والمشوقة والمزودة بكل التفاصيل التي تحبس الانفاس.

اجاد جمال الغيطاني وابدع وهو يجسد اسطورة الصاعقة المصرية ابراهيم الرفاعي وتمكن عبر تفاصيل وحكايا كثيرة ان يضعنا بمواجهة شخصية البطل بصورة حقيفية، حتى اننا اصبحنا نمتلك القدرة على استباق كثير من الاحداث في الرواية علاوة على قدرتنا بالتنبؤ بتصرفات البطل وصولا لمعرفتنا بالنهاية الحتمية والاستشهاد قبل وقوعها بصفحات، حتى ان القاريء يبطيء عمدا في تقليب صفحات الرواية، لانه مع تقدم الصفحات كان اليقين يزداد لدى القاريء ان الكاتب والبطل سائرون بنا الى النتيجة الحتمية، وهذا على الدوام كان ديدن الايام وصنعتها الدائمة؛ فمن نحبهم بشدة يختارهم القدر بعناية فائقة...

ولأن الكاتب تعامل مع الرفاعي كقيمة سامية ومعنى يعانق السماء لذا فقد خلص إلى أنه ستبقى سيرة الرفاعي خالدة عبر العصور حتى وان اعتلاها الكثير من الغبار، لكن سيرة الدم لا تنتهي ولا تختفي، لذا كان من المحتم على كل صاحب علم ودراية وايمان ان سيرة الرفاعي وامجادها لا يمكن ان تموت، فهي وان غابت، لا تلبث ان تعود من جديد باسماء واشكال اخرى متعددة، وسيظهر الرفاعي مرة اخرى في شتى الأزمنة والمواقف ... فالمعاني والقيم لا تختفي ..وكذلك البطولة...

في الرواية وفي سبيل تعريفنا بالبطل وجوهر حكايته يكتب الغيطاني فيقول:"جاء إلى الدنيا ليقاتل دفاعًا عن كل الذين مرّ بهم وعرفهم أو مشوا معه وحاوروه في تلك القرى والمدن، عن كل من يعيشون في هذه المساحات التي طار فوقها بالهيلوكبتر والأنتينوف وبالأليوشن، كل من رآهم يرشفون الشاي في المقاهي ويحتفلون بأعياد الميلاد ويهمسون بالنجوى...إنه العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعي، مؤسس وقائد المجموعة 39 قتال، هذه المجموعة الاستثنائية في تاريخ العسكرية المصرية، والتي قُدر للمؤلف أن يقترب منها ويعايش أفرادها وأعمالهم القتالية عن قرب في فترة صعبة واستثنائية".

في الرواية ورغم سماع صوت الرصاص والقدرة على شتمام رائحة الدم والموت في معظم صفحات الرواية إلا ان الغيطاني نجح وبصورة مذهلة ان يعيد لقلوبنا فطرتها الانسانية السليمة، ليس هذا وحسب؛ بل انه نجح بغسل قلوبنا وانفسنا بشلال من الدموع في وقت كنا قد اوشكنا على مغادرة اخر صفحات الرواية ورائحة الدم تملأ اصبع الابهام والسبابة، والغل يعمي النفوس، والشرر يتطاير من العيون، كدنا ان نلعن الايام ...وما حولها...

لكن وتحت عنوان النشور (وتلك الايام نداولها بين الناس) (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) يعود الغيطاني ليذكرنا بانسانيتنا وباجمل ما فينا ... وعبر نص رائع تمثل بذلك الالم وتلك الذكريات المتدفقة على لسان زوجته بعد فراغها من العزاء واختلائها مع نفسها وبدء مواجهتها لحقيقة فقدانها للرفاعي الانسان والذكريات والفدائي والقائد والبطولات.. اختارت الزوجة ان تحاور الذكريات وان تخاطب ذلك الحنين، فكانت هذه السطور الفواحة برائحة الفقد والخسران من اكثر السطور الماً ونواحا حتى انك تسمع صوت النحيب من بين اطراف السطور...

"جاءت معه إلى الأسكندرية المبتلة بقطرات أيامها الأولي والتى تستعيدها الآن فترويها بدوع سخية تسح ولا تشح أبداً لأنها لن تراه ولن تسمع صوته فهو لم يعد يمشي فوق الأرض، ولأنها لن ترصد الإرهاق الذي لا يبوح به، ومن كلماته القليلة تجهد نفسها لاقتفاء آثار المعاني، ولأنه لم يكن يشأ إزعاج محبيه بآلامه، ولأنه كان يفيض بالفرح على من حوله، ويضن بالأوجاع والأحزان، وعندما جاءها الخبر يوم الجمعة، حط على كتفيها ثقل بغيض، وتوقف الزمن فى صمت باتر، وأدركت أنها الخاسرة الأولى في الدنيا ، وبدا البيت عمراً كاملاً وكل ما فيه مضخماً بروائحه، فكل قطعة اختارتها معه، وهنا جلس وهنا ضحك، وهنا حمل سامح فوق كتفه، وعندما بلغ من العمر سنة وأمام حجرتهما توقف وسأل ، هل نام سامح؟ هل نامت ليلى؟

في الصالة انتظرته وخفق قلبها عند سماعها لخطوتيه الأخيرتين قبل ولوج المفتاح في الباب ، وعرفت أنها ستعيش انتظاراً من نوع آخر لأنه طويل المدى ومضن ومرهق للعمر ، وفي كل مرة خرج فيها إلى القتال كانت تثق من عودته وتجلس فى الشرفة مع الليل ، وبعيداً عنها وفوق نقطة معينة من الأرض التي يحتلها العدو يتحرك ويضرب ، وكان يقول إن الذهاب إلى العدو ومحاربته أفضل من البقاء فى انتظاره ، وقبل مجىء الفجر تصغي إلى الهليكوبتر التى تتجه إلى المطار القريب وفي إحدى الليالي قال إنه يحب أن يراها بعد عودته، ونفذت كلماته حتى أطرافها....

وعندما جلس مرتدياً ثيابه المثقلة بآثار القتال أدركت من إطراقته ونطق كلماته مدى ما أصابه من نجاح ، ولم تكن تضيع ثانية إنما تتحرك فى هدوء لتعد قربة الماء الساخن وعشاء خفيفاً ، وكان يضيق إذا قالت له إنها لم تتناول طعامها وهي تساعده فى خلع الأفرهول...

وعندما بدأت الحرب يوم السادس من أكتوبر أزدحمت السماء بالهليكوبترات ولم تدر في أي طائرة هو ؟ ولم تدر ميعاد عودته.

وبعد سماع الخبر لم تواجه سامح وليلى إنما دخلت إلى غرفتهما وهوت فوق المقعد المجاور للسرير ومن كل شىء نفذت إليها رائحته ، ورأت بيجامته الشتوية خاوية وزجاجة كولونيا مصرية الصنع لم تفرغ بعد ، وفوق المنضدة غطاء الرأس العسكري الذى أحتوى رائحة شعره ، وتحته كتاب باللغة الإنجليزية وبين صفحاته تطل ورقة بيضاء مستطيلة ، أما مكانه فوق السرير فمستو وتذكرته عندما كانت تفتح عينيها فتجده جالساً ومستيقظاً قبلها ، وفى تلك اللحظة استقر داخلها ثقل مرير وأدركت أنها لن تجرؤ على ان تسند رأسها إلى نفس الوسادة لأن الحجرة أصبحت كهفاً من الوحدة".

وفي سؤال اخير وعبر الصفحة 137 والاخيرة في الرواية، لم يفت الغيطاني ان يختتم روايته بسؤال كبير متخيلا الرفاعي واين يكون وما هي احواله؟ وسرعان ما يأتينا الجواب بقوله:
"سيمشي الرفاعي فارداً طوله ومتطلعاً إلى الأمام ، واضعاً نفسه في أكثر الأماكن تعرضاً للخطر ، سيمشي ليجادل هذا ويناحر ذاك ليعود بحق ولوضئيل لأحد الرجال ، وليمضي إلى الثكالى ، يخفف عنهم البلايا ، ويقضي الحوائج المنسية ، ويؤكد وعوده بالثأر للقلوب المجروجة بسبب رحيل الأحباب ، وليعلم الناس لغة العدو فيأمنوا الخطر المباغت ، وليعرفوا ما سيفعل ، وما سيأتي به إلى الغد ، ومن قبل ذلك يعلمهم لغتهم فيمحو أمية كل من خاصمه الزمن ، سيحمل البلد فوق رأسه ، سيقتفى آثار من ضلوا ليعود بهم ، سيسعى خلف كل من يهدده الفناء فى الصحراء ......... لكم قال الخبراء وعلماء البحر إن الرياح عتية والإبحار مستحيل ، ولم يثن هذا الرفاعي ، من كل لحظة فى عمر هذه الدنيا سيجىء ،سيبدو للكل ، من رآهم ومن سيعمل معهم ، ومن سيلتقي بهم على غير اتفاق ، سيظهر فى الجهات الأربع الأصلية ، ويسري إلى الكل ، عندئذ سيمضون إليه ، فواحد يحنو عليه ، يضمه ، وآخر برداء الحرب يظلله ، وآخر بالصمت ينظر إلى وجهه ، وآخر فى الهجوم يفديه وآخر قبل الأقتحام يستأذنه ، وآخر بعد الجرح يلوذ بجانبه ، وآخر يقول نأيت عنا زمناً طويلاً ولم نعتد منك البعد ، فيقول أبو الفضل عندئذ ، كان سكنه في العمر ، وضريحه في قلبي ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي