الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الفلسطينية والنفاق الديمقراطي

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2021 / 4 / 28
القضية الفلسطينية



النفاق من الميّزات المعهودة للأيديولوجيا الإمبريالية الغربية، وهو نابع من التناقض الصارخ بين قِيَم الديمقراطية التي انتصرت في بلدان الغرب والتي تقوم حكوماتها على أساسه وبين سيطرة هذه الحكومات على بلدان أخرى، وهو أمر لا يتمّ سوى قسراً رغم أنف شعوب البلدان المقهورة، إذ ليس من شعب يرضى بأن تخضع بلاده لحكم بلد آخر. فتضطرّ الحكومات الإمبريالية الغربية على الدوام إلى التظاهر بالوفاء لقِيَم الديمقراطية وهي تدوسها، تأكيداً للحكمة القائلة «إن النفاق ثناءُ الرذيلة على الفضيلة» فالنفاق الديمقراطي هو حقاً ثناء الإمبريالية على الديمقراطية في عصرنا الراهن. طبعاً، هذا النفاق غريب عن الدول الإمبريالية غير الديمقراطية، والدولة الروسية أبرزها، إذ ليس بوسعها ادّعاء تجسيد القِيَم الديمقراطية ولا هي تدّعي ذلك، وإن تظاهرت باحترام أسس الديمقراطية في عقر دارها، فتعمل يداً بيد بلا حرج مع أعتى الأنظمة الدكتاتورية كنظام آل الأسد في سوريا أو حكم عبد الفتّاح السيسي في مصر على سبيل المثال، لا الحصر.
أما النفاق الديمقراطي لدى الحكومات الغربية، فقد حقّق في المنطقة العربية بعض أبرز نماذجه. وقد حاول بعض المنظّرين للإمبريالية تخطّي عقدة النفاق بإحياء الزعم الاستعماري القديم بأن ثمة شعوبا غير مؤهلة للديمقراطية، لا بدّ من تأهيلها من قِبَل التسلّط الإمبريالي قبل الإذن لها بممارسة حقّها في تقرير المصير. بيد أن زمن الاستعمار القديم قد ولّى منذ وقت طويل، وباتت الديمقراطية ذريعة خبيثة لا بدّ منها في تبرير التسلّط الإمبريالي مع كل ما ينتج عن ذلك التناقض الصارخ من إشكالات. هكذا فقد احتلّت العراق إدارة جورج بوش الابن وهي تدّعي تخليص البلد من حكم صدّام حسين الاستبدادي لإحلال الديمقراطية محلّه، لكنّها سريعاً ما أدركت أن انتخابات حرّة لن تأتي لها بنتيجة ترتاح لها، فحاولت سلطة الاحتلال استبدال الانتخابات بتعيينات، لكنّها اضطرّت إلى التراجع أمام التحرّك الشعبي العارم الذي واجهها وفرض عليها إجراء الانتخابات في عام 2005، وكانت مدخلاً إلى فقدان واشنطن للسيطرة على العراق.
وقد اندرج في هذا الإطار ذاته موقف واشنطن من الديمقراطية في الساحة الفلسطينية. فبعد أن شاركت إدارة بوش في عزل ياسر عرفات بحجة فقدانه للشرعية، ورحّبت بخلافة محمود عبّاس له إثر وفاته، ظنّت أن الوقت مؤاتٍ لإضفاء شرعية ديمقراطية على «السلطة الوطنية» كي تسير قدماً في طريق تصفية القضية الفلسطينية والتعاون مع الاحتلال الصهيوني. ذلك أن الولايات المتحدة يهمّها أن يحوز أعوانها على شرعية شعبية حقيقية بما يجعل حكمهم أكثر متانة في تعاونه معها وتحقيق مآربها. فشجّعت واشنطن على إجراء انتخابات فلسطينية وضغطت على حليفها آرييل شارون كي يسمح بعقدها، بما في ذلك داخل القدس الشرقية.

غير أن عبّاس أدرك عشية انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي أجريت في مطلع عام 2006 أن حركة فتح سوف تخسرها، إذ إنها عانت من انقسام لوائحها بينما صعد نجم حركة حماس بفضل حملة انتخابية ذكيّة بانفتاحها السياسي، وقد استفادت من التذمّر الشعبي إزاء فساد «السلطة» الذي جعلته حماس أقوى حججها (من المعلوم أن حماس حصلت آنذاك على 44 بالمئة من الأصوات بحيث استطاعت أن تحصل على أغلبية مطلَقة في المجلس بسبب انقسام صفوف فتح على الأخص).
وفي مقال حديث في مجلة «فاذُم» الصهيونية، التي تصدر عن «مركز الاتصالات والأبحاث البريطاني الإسرائيلي» كشف إليوت أبرامز، وهو من «المحافظين الجدد» وقد كان نائباً لمستشار الأمن القومي في إدارة بوش في الولاية الرئاسية الثانية لهذا الأخير، أي بين أوائل عام 2005 وأوائل عام 2009، كشف أن موفداً من طرف محمود عبّاس طلب من شارون اتخاذ إجراءات تحول دون إجراء الانتخابات في القدس بحيث تكون لدى «السلطة» ذريعة لتأجيلها إلى أجل غير مسمّى. غير أن شارون رفض الأمر، إذ سرّه جداً في الحقيقة أن تفوز حماس لعلمه أن ذلك سوف يؤدّي إلى انحطاط علاقة الحكومة الفلسطينية بالدول الغربية وبالتالي تعزيز قدرته على التصرّف بما يحلو له.
جاء هذا الخبر بين هلالين في مقال أبرامز الذي حمل عنوان «الانتخابات الفلسطينية: فكرة خطرة مثلما كانت في عام 2006». ويتّضح من مقاله أنه امتعض من إجراء انتخابات المجلس التشريعي قبل خمسة عشر عاماً، بل رأى أن شرط إجرائها يجب أن يكون حظر مشاركة حماس فيها لكونها منظمة «إرهابية» حسب التعريف الأمريكي، فضلاً عن التعريف الصهيوني. وهو ينصح الإدارة الأمريكية الحالية بأن تشجّع على عدم إجراء الانتخابات التي قرّر محمود عبّاس في مطلع هذا العام إجراءها في الشهر القادم. ويلوم أبرامز رئيس «السلطة» على دعوته إلى الانتخابات، التي يعزوها إلى رغبة عبّاس إضفاء الشرعية على سلطته بعد انقضاء مدة طويلة جداً على انتخابه رئيساً، مع اعتبار إضافي هذه المرّة، هو تزايد عدد الحكومات العربية المشاركة في عملية «التطبيع» مع الدولة الصهيونية.
وها نحن اليوم أمام هزيمة محتومة لقائمة «السلطة» وبصورة تفوق هزيمتها في الانتخابات التشريعية السابقة، وذلك لسبب جليّ هو أن انقسام صفوف فتح الراهن يفوق بكثير انقسامها قبل خمسة عشر عاماً.
والحالة تختلف اليوم أيضاً في أن بنيامين نتنياهو غير راغب لأسباب أيديولوجية وسياسية أن يسمح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وليس من يضغط عليه اليوم في سبيل ذلك إذ إن إدارة جو بايدن قلقة مما قد تسفر عنه الانتخابات، وبات الأوروبيون قلقين هم أيضاً.
لذا وبالرغم من أن الالتفاف على القرار الإسرائيلي بطرق شتى لإشراك المقدسيين في العملية الانتخابية ممكن تماماً، تتوفّر اليوم الذريعة التي لم يحصل عليها محمود عبّاس في عام 2006. ومن المتوقع أن يقرّر هذا الخميس مصير الانتخابات التي دعا إليها قبل أربعة أشهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا