الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستطيع الحكومة العراقية الجديدة المقبلة مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق ؟

عادل عبد الزهرة شبيب

2021 / 4 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مر الاقتصاد العراقي ببعض الصدمات التي أضرت بالبنية التحتية لمؤسساته ودمرت ممتلكاته اضافة الى انهيار الصناعة والزراعة والسياحة والتعدين ومعظم القطاعات الاقتصادية بسبب الاحتلال الامريكي وسياسات الحكومات المتعاقبة الفاشلة منذ 2003 واحتلال داعش لثلث الأراضي العراقية وانخفاض اسعار النفط في الأسواق العالمية وتفشي الفساد الكبير بكافة اشكاله وغيرها من الأسباب , والتي ادت الى ان يعاني العراق من ازمة اقتصادية كبيرة انعكست سلبا على شؤون البلاد. وعلى الرغم من ان العراق يعد اغنى تاسع بلد في العالم بموارده الطبيعية من نفط وغاز طبيعي حيث بلغ احتياطي النفط العراقي الثابت حوالي ( 150 ) مليار برميل ما يجعله ثاني اكبر خزان نفطي في العالم بعد السعودية . كما انه يمتلك ثروة معدنية مختلفة مع توفر المياه وخصوبة الأرض , الا ان هذه الثروات غير مستغلة بالشكل الأمثل بسبب الفساد المالي والاداري والاقتصادي والتخبط الحكومي ونهج المحاصصة والفشل في التخطيط مما اعاقه عن تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي لشعبنا.
يتميز اقتصادنا الوطني بعدة ملامح تحتاج الى معالجة جادة ومسؤولة : فهو:-
1. اقتصاد ريعي بامتياز وحيد الجانب يعتمد على عائدات النفط الخام المصدر الى دول العالم وبنسبة 95 في المائة ولا يفكر حتى بتصنيع النفط الخام وتحويله الى منتجات نفطية لسد الحاجة المحلية وتصدير الفائض للخارج والتي تكون اسعارها اعلى من سعر برميل النفط الخام
2. كما انه وعلى الرغم من توافر المياه بكثرة داخل الاراضي العراقية الا انها لم تستغل اقتصاديا نتيجة تدهور احوالها وعدم وضع الحلول لمعالجة اوضاعها . وما عاناه العراق من ازمة مائية في السنوات الأخيرة ناجمة عن عدم بناء سدود جديدة وغياب المعالجات الفعالة لمعالجة هذا الملف .
3. يتميز الاقتصاد العراقي بأنه اقتصاد استيرادي يستورد كل شيء مع اهمال القطاعات الاقتصادية الاخرى غير النفطية من زراعة وصناعة وسياحة وتعدين ونقل وغيرها , اضافة الى انه اقتصاد استهلاكي وليس انتاجيا .
4. ضعف التخصيصات المتعلقة بالاستثمار واعادة اعمار المدن التي دمرتها الحرب مع داعش والتي ينبغي اعادة اعمارها واعادة النازحين الى ديارهم .
5. تدني مستوى الخدمات والبنى التحتية خاصة في قطاع الكهرباء والماء حيث لم تنجح الحكومات المتعاقبة في معالجتها لا سيما وان العراق يستورد الكهرباء والغاز من ايران على الرغم من كونه دولة نفطية كبيرة .
6. مكافحة الفساد المستشري في معظم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية, ويعتبر الفساد الآفة الكبرى التي توازي آفة الارهاب او قد تتجاوزه في حجم المخاطر بسبب تغلغله في مفاصل الدولة العراقية وعلى كافة المستويات. ولهذا على رئيس الوزراء القادم وضع استراتيجية شاملة من اجل مكافحة الفساد والمفسدين وتقديمهم للمحاكمة واستعادة الأموال المنهوبة وعدم الاكتفاء بإطلاق الوعود كما فعل سابقيه .
7. من اكبر التحديات التي ستواجهها الحكومة المقبلة تحدي المديونية الخارجية الكبيرة والبالغة اكثر من 130 مليار دولار بفوائد 47 مليار دولار. وتعتبر الديون الخارجية الكبيرة احد معوقات تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستقبلية في العراق وتحد بارز يواجه الحكومة المقبلة في ظل انخفاض العوائد المالية النفطية بسبب انخفاض اسعار النفط وبسبب عدم تفعيل المصادر المالية الاخرى كالضرائب والرسوم وتهميش الصناعة والزراعة والسياحة والتعدين .
8. تحدي البطالة , فالبطالة مستشريه في العراق بين صفوف القوى القادرة على العمل وبين الخريجين واصحاب الشهادات العليا وقد واجهتهم الحكومة المستقيلة بالماء الساخن والغاز القاتل والرصاص الحي الى جانب الخطف لكونهم يطالبون بحقهم في العمل والذي يقتصر حصرا على ابناء المسؤولين واقاربهم.
9. تحدي الخصخصة والانتقال الى اقتصاد السوق تنفيذا لتوجيهات صندوق النقد الدولي. حيث لسياسات الخصخصة آثار اجتماعية خطيرة على المواطن العراقي في ظل عدم وجود شبكات للأمان الاجتماعي.
10. تحدي الاستقلالية في اتخاذ القرار الاقتصادي الخارجي بعيدا عن تأثيرات الجانب الايراني والأمريكي .
11. تحدي التحول التكنولوجي في العراق وبناء قاعدة علمية وبحثية وطنية ونقل التكنولوجية .
12. سرعة اصلاح المناخ الاستثماري في البلاد من اجل جذب الاستثمارات الأجنبية الى البلاد للمساهمة بتطوير الانتاج الوطني .
13. تحدي الفقر وانخفاض مستوى المعيشة للغالبية العظمى من السكان مع وجود اقلية ثرية اغتنت من اموال السلطة .
لقد عصفت عدة عوامل بالبنية التحتية للبلاد كالاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ودوره في تدمير البنى التحتية تدميرا هائلا من طرق وجسور ومباني حكومية ومعامل ومشروعات ومؤسسات تعليمية ومدارس وسرقة كل شيء يعود للدولة العراقية وتهريبه للخارج . كما شهدت الفترة السابقة بعد 2003 والى اليوم مستويات متدنية لمقاييس المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل البطالة التي تراوحت نسبتها بين 30 – 35 % والتي ادى استفحالها الى انتفاضة الجماهير الشعبية في بغداد والبصرة ومدن الجنوب ومحافظات العراق الاخرى مطالبة بتوفير فرص العمل وتحسين خدمات الماء والكهرباء وغيرها من الخدمات .الا ان الحكومة ( الديمقراطية ) واجهت المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والهراوات والاعتقالات الكيفية الغير قانونية والاغتيالات. كما استشرى الفقر وتعطلت معامل القطاع الصناعي كافة اضافة الى تدمير القطاع الزراعي , اما معدل التضخم فبلغ اعلى مستوى له في عامي 2006 و2007 ليسجل ما نسبته 53,2 % و 30,8 % على التوالي نتيجة لتدهور الوضع الأمني والاختلال الهيكلي بين القطاعات الاقتصادية. وهذه الأوضاع السلبية تتطلب وقفة جادة وحلولا جذرية من الحكومة الجديدة. كما يواجه العراق العديد من التحديات الكبيرة الاخرى التي تتطلب مواجهتها وضع الحلول الناجحة لها واهمها :
الركود الاقتصادي وقلة التمويل , , سيطرة الميليشيات والاحزاب المتنفذة على واردات العراق والمنافذ الحدودية , السكن العشوائي وازمة السكن وارتفاع الايجارات , خدمات التعليم والصحة وضرورة توسيعها لتشمل الريف والمدينة والمحافظة على مجانيتها. الملف النفطي الذي يعتبر من اكثر الملفات غموضا في الاقتصاد العراقي حيث لم يتم اطلاع الرأي العام على العقود التي تبرمها الوزارة . وبلغت خسائر العراق من تهريب النفط منذ سنة 2003 قرابة 120 مليار دولار , علما ان موضوع تهريب النفط في تزايد مستمر في ظل سلطة الميليشيات وتدخلاتها , كما ان للمنافذ الحدودية والفساد المستشري فيها دورا اساسيا في هذه الازمة حيث اصبحت المنافذ الحدودية في العراق آفة ينخر فيها الفساد وتسيطر عليها مافيات مختصة تقوم بنهبها, ويقوم المتنفذون في هذه المنافذ بابتزاز التجار وتمرير بضائع غير صالحة وغيرها من الاساليب التي جعلت من المنافذ مرتعا كبيرا للفساد المالي والاداري .
ومن ابرز التحديات الاخرى التي تواجه الاقتصاد العراقي هي, ما يخسره العراق سنويا بحدود (5) مليارات دولار بسبب نفط كركوك وعدم تصديره عبر الانبوب الناقل عن طريق اراضي اقليم كردستان , والعراق بحاجة الى تطوير او اعادة تطوير حقول النفط لزيادة قدرة الانتاج وتركيب محطات معالجة الغاز لتعزيز انتاج الغاز وتوسيع البنى التحتية للضخ والتخزين في جنوب البلاد لتعزيز القدرة التصديرية , واعادة بناء المصافي المتضررة وخصوصا مصفاة بيجي وتحديث محطات الطاقة للتحول الى الغاز الطبيعي .
نحن في عام 2021 والبلد محمل بأعباء الديون والتي تقدر بمليارات الدولارات , وحجم الدمار الذي خلفته العمليات العسكرية ضد داعش الارهابي , اضافة الى ما يحتاجه العراق من اعادة اعمار المدن المحررة من داعش واعادة المهجرين الى ديارهم واعادة اعمار هذه المدن وبناء المشاريع فيها ولكن كيف ستكون الأوضاع في ظل سيطرة مافيات الفساد والأحزاب المتنفذة التي لا يهمها الاعمار بقدر ما تهمها مصالحها الذاتية الضيقة ؟ صفقات ومشاريع الاعمار الفاسدة والتي تعتبر هدرا للمال العام واحد المنابع الرئيسة للسراق في نهب اموال البلاد . ولغاية الان لم تقدم كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 سياسات اقتصادية ناجحة وفاعلة لتوزيع مصادر ايرادات الموازنة وتطوير البلاد اقتصاديا واجتماعيا ومعالجة البطالة والفساد والازمات الاقتصادية التي تواجه البلاد وتميز نهجها في ادارة شؤون البلاد بالفشل الذريع.
منذ التغيير في 2003 والى اليوم لم تعالج المشاكل الرئيسة في الاقتصاد العراقي وبقيت الخسائر تتراكم حتى عام 2014 واحتلال داعش للموصل وثلث الأراضي العراقية وتوجه الحكومة لمحاربة داعش الذي كلف خزينة الدولة اموالا طائلة , ومنذ منتصف 2014 أدى هبوط اسعار النفط لأكثر من 50% بدأت ملامح أزمة مالية في الاقتصاد العراقي تلوح في الافق بسبب اعتماده المفرط على ايرادات النفط التي انخفضت كثيرا وعدم تنويع مصادر الدخل القومي ثم جاءت جائحة كورونا لتعمق ازمات البلاد, وبدأت الحكومة مسيرة العلاج التقشفي منذ منتصف 2015 لتقليل النفقات , وبسبب العجز المالي الكبير في الموازنة بدأت الحكومة بالاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين وهذه الأموال ستصبح عبئا في تسديدها فيما لم تعالج الحكومة المشاكل الجذرية لاقتصاد البلاد وفي حال عدم تمكن العراق من تسديد ديونه الى المؤسسات الرأسمالية الدولية فإنها ستتدخل بكل صغيرة وكبيرة في الشأن العراقي اضافة الى انها لا تمنح قروضها للبلدان الا بعد الموافقة على تطبيق وصفاتها الجاهزة .
كما ان من التحديات الاخرى التي تواجهها الحكومة العراقية المقبلة هي التهديدات التي تمثلها بعض القبائل للاستثمارات والتي قد تصل لحد اختطاف المستثمرين وابتزازهم وتهديدهم بالسلاح في ظل الموقف الضعيف والمتفرج للحكومة مما يؤدي الى تعطيل الاستثمارات وهروب المستثمرين وبالتالي يؤدي ذلك الى ضعف النمو الاقتصادي , والعراق دولة ذات فرص استثمارية كبيرة ولكن ينبغي وضع حد لتدخلات العشائر وتهديها وابتزازها للمستثمرين والعمل على حصر السلاح بيد الدولة وتوفير الحماية من قبل الحكومة للمستثمرين , كما يجب تشريع قانون صارم ضد المجرمين لوقف استخدام الاسلحة ووضع حد للتهديدات القبلية لفتح ابواب الاستثمار .
فهل تستطيع الحكومة العراقية الجديدة مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق ووضع البرامج والخطط الاقتصادية من اجل القضاء على الفساد الكبير وتقديم الفاسدين للمحاكمة لينالوا جزاءهم واسترجاع الاموال المنهوبة , ومكافحة البطالة والخلاص من الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب والاقتصاد الاستيرادي والاستهلاكي وتحويل البلد الى بلد منتج ومصدر وتحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي وبناء الدولة المدنية الديمقراطية , دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية . وان نجاح الحكومة المقبلة يعتمد على حل التحديات التي تواجهها وبخلافه ستكون كباقي الحكومات الفاشلة التي سبقتها تطلق وعود عرقوب ولا تنفذها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة