الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواء الجصاني: مع الجواهري في عواصم ومدن العالم 1/2

رواء الجصاني

2021 / 4 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مع الجواهري في عواصم ومدن العالم 1/2
- رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
لا يبدو ان هناك منتهى للكتابة والتوثيق عن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (1899-1997) منجزا، وحياةً، برغم احدى وعشرين اطروحة دكتوراه، وثلاث عشرة رسالة ماجستير، أجيزت عنه، ونحو ستين كتابا ومؤلفا رصينا، ومئات من الدراسات والمقالات والاستذكارات، دعوا عنكم اللوحات والصور والتخطيطات الفنية .. وكل تلك الارقام هي في الحدود الدنيا، ونعني ما هو مرصود وموثق لدينا الى الان (1).
نشير الى ذلك في بدء هذه التأرخة، واضحة العنوان على ما نتوقع، والتي تأتي بعد ما نشرناه في محور مشابه، على النطاق (الجغرافي) العربي، واستقطب اهتماما ملحوظا، مما حرضنا على ان نستمر في تثنية الامر ليكون على النطاق العالمي هذه المرة (2)..
وانطلاقة الجواهري العالمية - الانسانية، شعرا واغترابا، واحاسيس واعجابا، أومشاركة في مؤتمرات وفعاليات ومناسبات ثقافية وغيرها، بدأت وهو في مطلع عشريناته، واستمرت لنحو سبعة عقود، واخرها - كما سنرى في الاستطرادات اللاحقة - عام 1995 وهو السادسة والتسعين من العمر، اي قبل رحيله الى الخلود بنحو عامين ليس إلا.. وجميع تلكم المشاركات كانت، أو كادت، بـ"أخف ما لــمّ من زاد أخو سفرِ" على حــدّ تعبيره، صدقاً، بعيدا عن البهرجات أو المبالغات. اما الغايات من وراء تلكم الأسفار، المعلن منها أو غير المعلن، فكانت الاضطرار والاغتراب القسري، والتمرد احيانا، وعشق التغيير وشغف الاطلاع واستشفاف الافاق، احيانا اخرى.. وبأختصار: حب الحياة والجمال والتنور، والتنوير. وهكذا وبهدف التوثيق الأوضح سنلاحق ونرصد "سياحة" الجواهري، واشعاره، في العديد من مدن وعواصم الدنيا، بحسب تسلسلها الزمني، برغم ان هناك اسبقيات واهميات تختلف في بعضها عن البعض الآخر:

1/ في ايران عام 1924
كانت الزيارة الاولى للجواهري الى ايران عام 1924 وهي ايضا اولى سفرياته الى خارج العراق .. ثم اضطر للذهاب اليها ثانية عام 1941 احترازا من تطورات الاوضاع السياسية في البلاد العراقية بعــد احداث ما كان - وما زال- يعرف بحركة مايس.. اما الزيارة الاخيرة الى ايران فكانت عام 1992 تلبية لدعوة رسمية رفيعة، استقبله خلالها المرشد الاعلى في الجمهورية السيد على خامنئي. ولم تقتصر تلك الزيارات على العاصمة طهران، بل شملت مدنا ومناطق عديدة في البلاد الايرانية..
ومما يرصد عن شعر الجواهري في ايران او عنها، بعض وصفياته، وحنينه، خلال زيارته الاولى، ومنها في قصيدة "الاحاديث شجون" :
جَدّدي ريـحَ الصّبـا عهد الصّبـا، وأعيدي فالأحاديث شُجُونُ..
جدّدي كيف اطّراحي فارساً، ولمرأى وَطَني كيفَ الحنينُ...
جددي ذكر بلادي إنني، بهواها أبـدَ الدهر رهيـــــنُ
انا لي دينان: دين جامعٌ، وعراقي وغرامي فيه دينُ

2/ وفي باريس عام 1946
يصل الشاعر الكبير العاصمة الفرنسية باريس في طريقه الى بولندا عام 1946 للمشاركة في مؤتمر حاشد، اول من نوعه لمثقفي العالم، كما ستبيّنه الفقرات اللاحقة .. ثم يعود لها عام 1948 ليقيم في رحابها فترة امتدت بضعة اشهر، يكتب خلالها بانوراما "أنيتا" ذائعة الصيت، بأربعة فصول، أثـر واقعة حب عنيفة.
كما يحدث ان يزور باريس من جديد عام 1963 قادما اليها من مغتربه في براغ، رئيسا لوفد "اللجنة العليا لحركة الدفاع عن الشعب العراقي" ضد الارهاب والقمع التي تأسست بعد الانقلاب البعثي، الدموي، الاول في شباط 1963.. اما آخرعهده في باريس فكان عام 1984 حيث اجرى فيها – قادما اليها من مغتربه في دمشق- عملية جراحية دقيقة لعينيه، برعاية رسمية سورية..(3).
اما ما نوثقه هنا عن شعـره " الفرنسي" او عن فرنسا، فهو من قصيدته "باريس" المنشورة مقتطفات منها عام 1948:
تعاليتِ " باريسُ" أمَّ النضالْ، وأمَ الجمال، وأمَّ النغـمْ
تَذوَّبَ فوقَ الشِفاهِ الألَم، وسال الفؤادُ على كلِّ فــم
تَضيعُ الحرارةُ بينَ الوصالْ، وبين التّنائي وبين الملالْ
كأنّكِ شمسُك بينَ الجبال، تغازلُ حينت لوحُ القِمَمْ

3/ وفي بولندا عام 1946
كان اول " المقامة" الجواهرية في بولندا بعيّد انتهاء حرب القرن الماضي، العالمية الثانية، حين دُعي الشاعر الكبير للمشاركة في مؤتمر عالمي للمثقفين من اجل السلام عقد عام 1946 بمدينة " فروتسواف" غرب بولندا، وقد كان العربي الوحيد فيه، الى جانب شخصيات عالمية لامعة من ابرزها، الرسام الفرنسي الشهير بابلو بيكاسو. وقد جاءت الدعوة للجواهري باعتباره ناشطا وطنيا مميّزا، وداعية للسلام والحرية، كما تؤكد ذلك قصائده وكتاباته، ومواقفه خلال وبعد حرب القرن الماضي، العالمية الثانية... (4).
وبحسب الجزء الثاني من ذكريات الشاعر الخالد، فأنه زار "فرصوفيا- وارسو" ثانية عام 1963 اي بعد 17 عاما من اول زيارة لها. ويؤرخ ديوانه العامرعن الامر، شعراً، حين القى هناك رائعته متعددة القافية، امام مؤتمر للطلبة العراقيين، وجاء في مفتتحها:
(فـرصـوفيـا): يـا نجمـةً تَـلالا،
تُـغـازلُ السُـهـوبَ والتّـلالا
و تَسـكُب الرقّـةَ والـدّلالا
فوقَ الشفاهِ الظامئاتِ، الحامياتِ الحانيه..
اما الزيارة الثالثة للجواهري فكانت عام 1986 حين لبّى دعوة رسمية للمشاركة في احتفال نظم في العاصمة البولندية – وارسو، بمناسبة الذكرى اليوبيلية الاربعين لمؤتمر المثقفين العالمي، سابق الذكر .

4/ في لندن عام 1947
وردت (بريطانيا) ولندنها في شعر الجواهري، في عدد من قصائده قبل ان يزورها بسنوات عديدة، وشملت، من بين ما شملت، انتقادات لسياساتها في العراق خلال العهد الملكي. اما زيارته الاولى لها فكانت عام 1947 ضمن وفد صحفي، وثمة الكثير من التفاصيل عن ذلك وردت في الجزء الثاني من ذكرياته، واهمها اللقاء هناك مع الضابط العسكري عبد الكريم قاسم، والذي تزعم لاحقا كما هو معروف حركة 14 تموز 1958 التي اسست الجمهورية العراقية الاولى .. وقد كتب من وحي تلك الزيارة مقاطع شعرية قصيرة ومن بينها :
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا، مُقامَ العَذارى بدور الزِنـا
مُقام المسيح بدارِ اليَهودِ، مُقام العذابِ، مُقام الضَنى
وفي موقف مناقض للبيتين السابقين اعلاه، ولأنه أُعجب خلال الزيارة بـحسناء "لندنية" كما يبدو، راح يكتب عنها بضعة ابيات غزل، ومنها:
يا " جينُ " لطفُ الخمر، أنّكِ كنتِ ماثلةً حِيالي..
ما شاءَ فليكتبْ عليَّ، الدهرُ، إنّي لا أُبالي
إذ كان خَصْرُكِ في اليمينِ، وكان كأسي في الشِّمال
كما يزور لندن بضعة ايام عام 1963 ضمن نشاطات تضامنية – سياسية، بوصفه رئيسا للجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، التي تأسست في براغ بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963.. كما نزلها – لندن- منتصف السبعينات الماضية، فترة قصيرة، لتطبيب عينيه، ليزورها بعد ذلك للمرة الاخيرة عام 1991 ويقضي فيها بضعة اسابيع بدعوة شخصية، فُجـع خلالها بوفاة زوجته (آمنة) هناك مطلع عام 1992 .......* يتبع الجزء الثاني والاخير
.
--- هوامش وإحالات ---------------------------------------------------------------------
** المصادر: ديوان الجواهري، كتاب "ذكرياتي" للشاعر الخالد، بجزأين.. اضافة الى وثائق ومعلومات خاصة وشخصية.
1/ للتفاصيل: مادة لنا منشورة في صحيفة المدى البغدادية بتاريخ 2021.3.5 تحت عنوان "الجواهري في اربع وثلاثين اطروحة دكتوراه، ورسالة ماجستير".
2/ لمزيد من التفاصيل: مادة منشورة لنا في مواقع اعلامية عديدة، على الانترنيت بعنوان الجــواهري" شعـرٌ وزيارات، واحتفاءات حميمة، في أربعة عشـر بلـدا عربيا".
3/ لمزيد من التفاصيل عن "المقامة" الفرنسية: كتابنا " الجواهري .. بعيون حميمة" الصادرعام 2016 في بغداد وبراغ.
4/ لمزيد من التفاصيل: مادة منشورة لنا على الانترنيت، ومواقع اعلامية عديدة، بعنوان "الجواهري: قصيدة… وثلاث زيارات لبولندا " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف