الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر والأمة العربية

أميرة أحمد عبد العزيز

2021 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


أبناء الشعب العربي في مصر اليوم يسعون سعي غير مجدى لإحياء موتى الزمن السحيق وارتداء أسمالهم وقد تعالت نبرة (فرعونية فرعونية)، مما أوجب سعيا مقابل ذو جدوي، وهو تذكرة بحقيقة مصر العربية، وبالرجوع لمبحث هام للفيلسوف العربي الدكتور عصمت سيف الدولة والذي حلت ذكرى وفاته الخامسة والعشرون في نهاية الشهر الماضي المتزامنة مع ذكرى يوم الأرض الفلسطينى. هذا المبحث هو (المحددات الموضوعية لدور مصر في الأمة العربية) والذي أعاد نشره المهندس محمد سيف الدولة تحت عنوان (مصر والأمة العربية).
ووجدت أن نشر هذا المبحث والحث على قراءته والتنويه بما فيه من معلومات ثمينة تخص حقيقة مصر الموضوعية هو من الفروض الوطنية لهذه الأيام.
وحديثي هنا هو للحث بالكلمات على قراءة المبحث وليس عملا يمثلا تلخيصا له، حيث أن مبحثنا هذا كتبه الدكتور في حوالى أربعون صفحة، اختار فيها كلماته بعناية لا يبدو فيها زيادة أو انتقاصا عن الضرورة.
وفيه عمل الدكتور على اكتشاف وتحديد المحددات الموضوعية الثابتة نسبيا لدور مصر في العالم العربي، وقسم المبحث لمحددان:
الأول: المحدد الجغرافي (عن الماضي الإقليمى)
الثانى: المحدد التاريخي (التكوين القومى)

المحدد الأول: المحدد الجغرافي ( عن الماضي الإقليمى)
يتحدث فيه عن مصر كموقع جغرافي قبل وجود دولة مصر أو أى دولة في العالم العربي أو العالم أجمع، حين كانت تمثل مصر بموقعها الجغرافي قوة جذب للقبائل الغازية فيما يليها شرقا وغربا وجنوبا، وقد سرد في هذا الجزء نماذج لتلك للجماعات القبلية الوافدة. وذلك حتى وصول العرب سنة 640 ميلاديا ليستقروا بها وحيث تعربت جملة.
وفي هذا الشق يوضح المؤلف ما فرضته الجغرافية على مفهوم أمن الإقليم المصري ويقول: ((بما أن مصر ـجغرافياـ ذات قوة جذب للغزاة من ناحية، وبما أنها توفر لمن يغزوها أسباب الاستقرار فيها، من ناحية ثانية، فإن المواقع المناسبة للدفاع عن مصر تقع خارج حدودها الجغرافية في جميع الاتجاهات شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ...... ويكاد تاريخ مصر الفرعونية أن يكون تأريخا لهذا الدور ))
وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر من الأمثلة التى أعطاها الدكتور عصمت سيف الدولة، فما قام به أحمس (1570- 1546 ق.م) حين طرد الهكسوس من مصر فتراه يتعلم من الجغرافيا انهم لن يكونوا قد خرجوا من مصر إلا بخروجهم من فلسطين فيتعقبهم ليخرجهم منها. كما تعلم الجغرافيا فراعنة مصر أن هذا البعد لا يكفي فيتعلموا أن أى اعتداء على الشام هو اعتداء على حدود مصر، وعلي سبيل المثال لا الحصر ما قام به تحوتمس (1490-1436 ق.م) حين اعتبر أن الاعتداء على سوريا اعتداء على حدود مصر فيتحرك على هذا الأساس. ومنه ما قام به رمسيس الثاني من عناية أكبر بهذا البعد الأمنى بإقامة تحالفات وتعاهدات بين مصر وجيرانها باعتبار أن أية اعتداء على احدهم يمثل اعتداء على الآخر فيما يعرف باتفاقية الدفاع المشترك.
وحين لم يستوعب الحاكم هذا البعد كانت تقع مصر تحت يدا الغزاة، وذلك ما حل منذ دخول اليونان والبطالمة والرومان. ويوضح المؤلف أن الفتح العربي لمصر تم بسهولة حين لم يتعلم البيزنطيون ما تعلمه ملوك الفراعنة فاعتقدوا خطأ أن بإمكانهم الدفاع عن مصر من داخلها فكانت هزيمتهم.
المحدد الثانى: المحدد التاريخى( التكوين القومى)
يوضح الدكتور عصمت في هذا المحدد تطور دور مصر منذ الفتح العربي الإسلامى فيقول: ((بعد ستين سنة فقط تصبح اللغة العربية لغة مصر، ابتداء من عام 706 على وجه التحديد. ويدخل الناس في دين الله أفواجا. ويعفي التاريخ ما فرضته الجغرافيا فلن تدافع عن ذاتها بعد ذلك. لقد أصبحت جزءا في موقع القلب من الامبراطورية العربية الاسلامية. تحيط بها أقطار بعدها أقطار تباعد بينها وبين مسارح المعارك الضارية التي لم تنقطع على حدود الامبراطورية شرقا وشمالا وغربا))
ويبين بالقول: ((طالما كانت القيادة المركزية في دمشق أو في بغداد قادرة على الدفاع عن حدود الامبراطورية التي انتقلت اليها حدود مصر . كانت مصر تؤدي دور الشريك في الدفاع عن الدولة المشتركة.......... أما حين تضعف السلطة المركزية فقد كانت مصر تعود الى دورها الدفاعي ولكن بصيغة صنعتها الجغرافيا والتاريخ معا . فهي لم تقم بالدفاع منفردة عن ذاتها ، منفردة أبدا ، بل موحدة القوة مع أكثر من قطر عربي آخر ومع سورية على الدوام)) .
ومثال على ما تقدم موقعة حطين 1187 ومعركة عين جالوت 1261.
كيف تشكلت الأمة العربية:
كانت البداية بالهجرة من مكة للمدينة ونشأة مجتمع المدينة والبذرة الأولي للأمة العربية.
كما يذكر دكتور عصمت سيف الدوله في مبحثه عن تشكيل الأمة العربية ووجودها الموضوعي فيقول ((انطلق العرب بالإسلام الى ما يجاورهم فالتقوا واختلطوا بمجتمعات كانت قد تجاوزت الطور القبلي. واستقرت شعوبا متجاورة ولكن السيطرة الفارسية والرومانية عليها جميعا قرون عدة كانت قد أوقفت نموها فلم تتحول الى أمم متجاورة........فجاء الفتح العربي الاسلامي ليحررهم جميعا ويرفع عنهم قيود العبودية أولا ثم يلغي الحدود فيما بينهم ثانيا. ثم يقدم لهم لغة مشتركة ثالث. ثم يعرض عليهم عقيدة أرقى من عقائدهم رابعا. ثم ينظم حياتهم طبق لقواعد عامة واحدة ( الشريعة الاسلامية ) خامسا. ثم يتركهم قرونا في حماية دولته ضد أي تهديد خارجي فيتفاعلون تفاعلا حرا فيما بينهم، ومع الأرض المشتركة قرونا متصلون بدون حدود أو سدود أو قيود على حرية الانتقال والمتاجرة والعمل والتعليم والتعلم سادسا. ثم يشركهم معا في الدفاع عن حدود الدولة المشتركة وفي الجهاد من أجل العقيدة المشتركة حتى اذا ما اشتركت أربعة أجيال متعاقبة منهم في الدفاع ضد الغزو الصليبى الذي استمر قرنا بعد خمسة قرون من الحياة المشتركة. كان الشعب قد أصبح واحدا واصبح الوطن واحدا، وارتفع بناء الحضارة الواحدة، وتاهت الانساب، واندثرت المواطن الاولى وانتشر البشر على اتساع الوطن الواحد فأصبحوا جميعا أمة عربية واحدة. ولم تعد مصر جارة للعالم العربي، ولا حليفة في الدفاع ضد الخطر المشترك، ولا شريكا في مصلحة عابرة، بل أصبحت جزءا من الأمة العربية التي صنعها التاريخ ولم يصنعها أحد على عينه)) ((الأمة العربية وجود موضوعي غير متوقف وجودا أو عدما على إرادة أحد، فمصر جزء من الامة العربية بدون توقف على ارادة أحد من مصر أو من غير مصر. كما أن العربي عربي ولو كره ذلك. هكذا تعلمنا من اساتذتنا الرواد. ثم أضفنا أن مجرد هذا الوجود القومي دليل موضوعي غير قابل للنقض على أن ثمة روابط وأسبابا موضوعية، قد نعرفها وقد لا نعرفها، توحد مصير الامة بحيث يكون من العبث الفاشل أن يحاول أي عربي أو جماعة عربية أو قطر عربي أن يفلت بمصيره الخاص من مصير امته سيفشل حتما ولو في المدى الطويل. روابط وأسباب موضوعية قد نعرفها اذا درسنا تاريخنا وواقعنا لنكشفها لا لنختلقها. فاذا لم ندرس فاننا نكتشفها ـبسهولةـ في خلاصتها الحضارية)).
يوضح الدكتور بعرضه وجود محددان ثابتان نسبيا لدور مصر في العالم العربي ويبين أنهما متناقضان على أن كلاهما توقف بالاحتلال البريطاني حين أصبحت مصر تؤدى الدور التي تريده بريطانيا، كما تم تقسيم الأمة العربية بنهاية الحرب الأوربية الأولي إلى دول بفعل الاستعمار الأوربي وذلك بعد تمهيد ومراحل متتابعة سابقة.
دولة مصر ومشكلة الإزدواج:
يؤضح لنا الدكتور عصمت في هذا الجزء كبداية أن ما ينطبق على مصر الدولة في الوطن العربي ينطبق على كل دول الوطن العربي من حيث الازدواج بين دور الدولة والواقع الموضوعي لكون كل هذه الدول هى أجزاء مقتطعة أو مقسمة لكيان واحد هو الأمة العربية.
والدولة في القانون الدولي مؤسسة لها عناصر ثلاثة هى ( الشعب والإقليم، والسيادة بمعنى سيادة الشعب على إقليمه)
وبناءا عليه يكون عمل مؤسسات الدولة حفظ سيادة الشعب على إقليمه وسلامة أرضه، ولا يستطيع أى حاكم لدولة أو مؤسسة بها أن تخرج خارج هذا النطاق حيث يمثل هذا الخروج عملا غير مشروع. وعليه فإن دولة مصر لن تقوم في الوطن العربي بأي دور إن لم يكن يحقق مصلحتها ولا يشكل ما يمس بعنصر السيادة فيها. كما أن دولة مصر محكومة بالقواعد والقانون الدولي. ويبين الدكتور عصمت كيف أن هذا هو المحدد الجغرافي الإقليمي الذي عمل في ضوئه حكام مصر وقيادتها، لنجد ذلك في ثورة 1919 وزعيمها سعد زغلول، وفي حركة حزب الاغلبية الوفد، الذي لم يجد غضاضة خلال مفاوضات الجلاء مع الانجليز عام 1950- 1951 أن يطرح فكرة إجلاء القوات البريطانية من مصر إلى غزة. كما عمل في ضوئه السادات واضعا مصر الدولة اولا واخيرا، حتى تجاوز الحد حين اعترف ب(اسرائيل) دولة منحازا الى الصهيونية ضد العرب.
مصر الشعب العربي وليست مصر الدولة الاقليمية
وهنا يبين الدكتور العقبة أمام دور مصر العربية فيوضح أن في مواجهة المحدد الجغرافي الإقليمي يوجد المحدد التاريخى الذي يشير إلى أن مصر جزء من الأمة العربية فيحدد انتمائها الموضوعي القومى، وعليه تكون مصر العربية وليس الدولة ضد ما يشكله المحدد الاقليمى الجغرافي من حبس إمكانيات مصر وطاقاتها عن أمتها العربية وضد الانحياز للصهيونية ليس كموقف اخلاقي ولكن كموقف وطنى باعتبار مصر جزء من الأمة العربية التى تمثل الصهيونية و(اسرائيل) فيها اعتداء على مصلحة الأمة العربية كلها بما فيها مصر ويصبح دور كل الوطن العربي هو تحرير الأمة العربية من كل احتلال او اغتصاب او ما يمثل اعتداء على سيادة الشعب العربي على كافة وطنه العربي، وأن المشكلة تكمن في الازدواج والوقوع بين قوتى جذب أحدهما اقليمى والآخر قومى. مما أدى بمصر القيام بأدوار متناقضة في الظروف المختلفة، وحيث أن تأثير المحدد التاريخي القومى أقوي من المحدد الجغرافي الإقليمي نظرا لأن مصلحة مصر في المدى الطويل تتشكل ضمن المصلحة المشتركة بينها وبين العالم العربي والتى تمثل في حقيقتها الموضوعية مصلحة واحدة. مما يثبت من خلال الممارسة للاقليميين أن الوحدة إضافة وليس انتقاصا. كما أن التناقض والازدواج بين المحددين الموضوعيين (مصر الدولة ومصر جزء من الأمة العربية) يحول بين مصر وقيامها بدور استراتيجي في العالم العربي.
وعليه، فنظرا بأن المشكلة تكمن في التناقض بين المحدد الجغرافي الاقليمى الممثل في دولة مصر وبين الحقيقة الموضوعية لكون مصر جزء من الامة العربية. فيكون الحل في عودة الجزء للكل وهدم العائق والحائط. وينطبق هذا على مصر الدولة وعلى كل الدول العربية فتكون الوحدة العربية هي الحل.
أما كيف فهذا حديثا يفضل للقاريء أن يعود لمبحث الدكتور عصمت سيف الدولة ليقرأه فلا مجال لاختصار أى كلمة فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو


.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط




.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط


.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو




.. عبد اللهيان: الهدوء والاستقرار سيعود إلى كافة أرجاء المنطقة