الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطران مهولان يهددان صحة بني البشر

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 4 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في المركز الثقافي في لندن.

يعيش البشر اليوم حياة أطول وأكثر صحة ويعانون من أمراض أقل من أسلافهم في أي وقت سابق في التاريخ. على سبيل المثال، يمكن للطفل المولود هذا العام في دولة متقدمة أن يتوقع أن يعيش لمدة 80 عام أو أكثر، وهو ما يقرب من ضعف متوسط العمر المقدر بـ 40 إلى 50 سنة والذي كان هو المعتاد منذ 100 عام فقط في بداية القرن العشرين.
هذا المكسب غير المسبوق في الصحة وطول العمر هو انتصار للطب الحديث وتدخلات الصحة العامة. إنه يعكس بشكل أساسي نجاح اللقاحات والمضادات الحيوية، والتوافر على نطاق واسع للأغذية الصحية ومياه الشرب الآمنة، وانخفاض بنسبة 90 ٪ في وفيات الرضع بسبب اتباع نهج أكثر نظافة للمساعدة في الولادة للأمهات الحوامل، والسيطرة على الأمراض المعدية القديمة - الكوليرا والجدري والتيفوس والحمى الصفراء والحمى القرمزية والسل والحصبة والملاريا والسعال الديكي وشلل الأطفال - التي قضت في السابق على عدد كبير من سكان العالم وخاصة الأطفال.
ومع ذلك، هناك تطوران سلبيان يلقيان بظلالهما على هذا التقدم الاستثنائي ويهددان بشدة بعرقلته.
الأول هو اختراع عشرات الآلاف من المواد الكيميائية الجديدة ونشرها على نطاق واسع في البيئة الحديثة - مواد جديدة لم تكن موجودة من قبل في الطبيعة ولم يتم العثور عليها في بيئة الأرض. تُستخدم هذه المواد الكيميائية الاصطناعية التي يصنعها الإنسان اليوم في ملايين المنتجات الاستهلاكية. بعضها شديد الثبات وسيبقى في التربة والمياه لعقود، إن لم يكن لقرون، في حين أن هناك أنواع أخرى من هذه المواد الكيميائية قد تستمر في النظام البيئي إلى الأبد مثل التفلون Teflon، وهو غير قابل للتحلل الحيوي حتى بعد آلاف السنين. تدخل هذه المواد الكيميائية إلى أجساد بني البشر عند استهلاكها، بما في ذلك الرضع والأطفال. على سبيل المثال، كشفت الدراسات الاستقصائية التي أجريت في العديد من البلدان المتقدمة عن أكثر من 200 مادة كيميائية اصطناعية في أجسام جميع سكانها تقريباً، حتى في حليب الثدي للأمهات المرضعات وفي دم الحبل السري للأطفال حديثي الولادة.
التطور السلبي الثاني هو ظهور الأمراض غير المعدية. على مدى السنوات الخمسين الماضية، أصبحت الأمراض والاضطرابات غير المعدية وبائية بين أطفال العالم. في الواقع لقد حلت الأمراض والاضطرابات غير المعدية محل الأمراض المعدية كأسباب رئيسية للعجز والوفاة. وهم في ازدياد. فيما يلي بعض الإحصائيات الأساسية:
• تضاعف معدل الإصابة بالربو في الطفولة ثلاث مرات تقريباً منذ أوائل السبعينيات.
• تؤثر صعوبات التعلم على طفل واحد من كل 6. في المتوسط، يتم تشخيص طفل واحد من كل 68 طفل ولدوا في العالم المتقدم باضطراب طيف التوحد.
• اللوكيميا وسرطان الدماغ، النوعان الرئيسيان من سرطانات الأطفال، ازداد كلاهما بنسبة 40٪ تقريباً منذ أوائل السبعينيات في جميع أنحاء العالم. على الرغم من التقدم الهائل في علاج السرطان، أصبح السرطان الآن السبب الرئيسي للوفاة المرضية بين الأطفال.
• تضاعف معدل حدوث بعض العيوب الخلقية، وأصبحت العيوب الخلقية السبب الرئيسي للوفاة في الطفولة.
• لقد تضاعفت السمنة لدى الأطفال أكثر من ثلاث مرات منذ السبعينيات في العالم المتقدم. اليوم، يعاني طفل واحد من كل خمسة أطفال في الدول المتقدمة من السمنة المفرطة.
• أصبح مرض السكري من النوع 2، الذي كان يصيب البالغين في السابق، وباءً بين الأطفال وتم تشخيصه في سن مبكرة.
بدأ وباء الأمراض غير المعدية لدى الأطفال في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية ودول أخرى عالية التطور، ولكنه ينتشر الآن في جميع أنحاء العالم. يُلاحظ ارتفاع معدلات الإصابة بالربو والسرطان والتشوهات الخلقية والسمنة اليوم بين الأطفال في الهند والصين، وكذلك في أجزاء من أمريكا اللاتينية وأفريقيا لم تعرف المجاعة إلا منذ جيل واحد. يعد الوباء العالمي للأمراض غير المعدية لدى أطفال العالم أحد أكبر المشاكل الصحية في عصرنا. إذا لم يتم التحقق منه، فإنه يهدد بإلغاء جميع المكاسب العظيمة التي حققها الطب وتدابير الصحة العامة في القرن الماضي.
المواد الكيميائية السامة هي من الأسباب المهمة للأمراض غير المعدية عند الأطفال. المواد الكيميائية السامة في الهواء والماء والتربة والمنتجات المنزلية وحليب الثدي تعرض الأطفال لمخاطر صحية يمكن أن تسبب أضرار جسيمة مدى الحياة. يُظهر لنا البحث في الصحة البيئية للأطفال وعلم الأوبئة أن الرضع والأطفال معرضون بشكل كبير للمواد الكيميائية السامة. لقد ثبت أن التعرض أثناء الحمل وفي مرحلة الطفولة المبكرة لمستويات منخفضة جداً من الرصاص وميثيل الزئبق ومبيدات الآفات العضوية الفوسفاتية وثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs) يتسبب في أضرار لأدمغة الأطفال في طور النمو، و هو ما يفصح عن نفسه بانخفاض معدل الذكاء، وقصر فترة الانتباه، والسلوك العقلي و النفسي المضطرب. علاوة على ذلك، فإن التعرض المبكر لتلوث الهواء يسبب الربو والالتهاب الرئوي بشكليه الحاد و المزمن، وضعف نمو الرئة، وموت الرضع المفاجئ. يرتبط التعرض قبل الولادة للمذيبات العضوية والمبيدات الحشرية بأشكال متعددة من سرطانات الأطفال. وترتبط اضطرابات الغدد الصماء عند الأطفال التي تسببها مواد صنعية شائعة الاستخدام تدعى بيسفنول A bisphenol A و مادة أخرى تدعى ثاليتس Phthalates بالعيوب الخلقية، وتقلص الوظيفة الإنجابية، والسلوك الجسدي و النفسي المضطرب. تجدر الإشارة دائماً إلى أن التعرض للمواد الكيميائية السامة يسبب المرض لدى الأطفال عند مستويات تعرض أقل بكثير من البالغين بسبب صغر حجم أجسامهم ولأنه لم ينضج نظام التمثيل الغذائي والجهاز المناعي لديهم.
على الرغم من المكاسب الكبيرة التي حدثت مؤخراً في المعرفة بتأثير المواد الكيميائية السامة على صحة الأطفال، إلا أن هناك قدراً هائلاً ما زلنا لا نعرفه. على سبيل المثال، لم يتم اختبار العديد من المواد الكيميائية الأكثر استخداماً اليوم من حيث السلامة أو السمية، و لم يتم تقييم سوى عدد أقل من المواد الكيميائية من حيث قدرتها على تعطيل النمو البدني المبكر في أجساد الأطفال. بدون بيانات اختبار السلامة، لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت المادة الكيميائية قد تؤذي الأطفال أم لا أو كيف يمكن أن تفعل ذلك.
على الرغم من أن الكثيرين منا يعتمدون على اللوائح الحكومية لحمايتنا من أضرار المواد الكيميائية، إلا أن الحقيقة هي أن الحماية في معظم البلدان المتقدمة غير كافية بشكل صادم ولا تحمي الأطفال من مخاطر المواد الكيميائية السامة. لقد افترضت معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم ببساطة أن المواد الكيميائية الجديدة آمنة حتى تثبت بشكل قاطع أنها تسبب ضرراً، ولم تطلب هذه البلدان سوى القليل من الاختبارات الأولية، أو لم تطلبها على الإطلاق لمعظم المواد الكيميائية.
في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل النامية بسرعة حيث يتفشى التلوث الكيميائي، تكاد الضوابط تكون معدومة، وتعرض الأطفال للتلوث الكيميائي شديد. لنأخذ على سبيل المثال تلوث الهواء في المناطق الحضرية في بكين ونيودلهي والتلوث بالزرنيخ لمياه الشرب في بنغلاديش.
نتيجة لضعف سياسات المكافحة الكيميائية الموجودة اليوم في معظم البلدان، يتعرض الناس في جميع أنحاء العالم وخاصة الأطفال بشكل يومي للعشرات من المواد الكيميائية ذات المخاطر غير المعروفة. بدأ للتو التعرف على مدى مساهمة المواد الكيميائية السامة في البيئة في ارتفاع معدلات التوحد، وسرطان الأطفال، والعيوب الخلقية، وصعوبات التعلم، وانخفاض الخصوبة. وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أننا بدأنا الآن فقط، بعد أكثر من قرن من صعود صناعة المواد الكيميائية، إدراك أن التعرض للمواد الكيميائية السامة في وقت مبكر من الحياة قد يسبب المرض والإعاقة ليس فقط في مرحلة الطفولة، ولكن طوال فترة الحياة بأكملها. لقد بدأ الآن الربط بين التعرض المبكر للمواد الكيميائية السامة وارتفاع ضغط الدم الذي يظهر عند البالغين، وأمراض القلب، والسكتة الدماغية، والسرطان، فضلاً عن الأمراض التنكسية العصبية، مثل مرض باركنسون والخرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة