الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الفرعية

سعد سوسه

2021 / 4 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


يشير مفهوم الثقافة الفرعية Sub-culture الى " الثقافة التي تتكون داخل المجتمع الواحد فتكون بعض الفئات لنفسها ثقافة خاصة تختلف عن الثقافة العامة للمجتمع الذي تعيش فيه تلك الثقافة الفرعية على الرغم من تميزها عن الخط العام للمجتمع ، الا انها ليست منفصلة عنه تماماً بل هي تستمد اصولها منه و ترتبط به ارتباطاً عاماً " ( 1 ) .
اما الجماعة الثقافية " فانها تتميز بالمشابهة في طرق التفكير ، و العمل في نطاق ما أو أكثر من نطاق الحياة الاساسية ، فاذا استخدمنا ما اسماه وايسلر Wissler بالنمط الثقافي العام Universal cultural pattern فان الجماعة الثقافية تتميز بالمتشابهات في واحد أو أكثر من الميادين الاساسية في الحياة كاللغة و الحياة الاسرية و المعرفة العلمية و السمات المادية و الميثولوجيا و الحكومة و الملكية و ان اعتبار الفرد نفسه عضواً في جماعة ثقافية يعتمد على الدرجة التي يكتسب فيها السمات الثقافية المشاعة لدى اعضاء جماعته ، و من هنا فان الجماعة الثقافية قد تشتمل على اعضاء ينتمون في الاصل الى جماعات سلالية او قومية مختلفة " ( 2 ) .
" و قد ظهر مفهوم الثقافة الفرعية لأول مرة في العلوم الاجتماعية خلال البحث الذي اجراه ( فردريك تراشر Frideric Trasher ) حول عصابات مدينة شيكاغو الامريكية في عام 1927 ، حيث راى ( تراشر ) ان هذه الجماعات الجانحة لها تقاليدها و قيمها الخاصة من خلال تاثير البيئة التي نشأ فيها اعضاء تلك الجماعات و التي جعلتهم افراداً منعزلين بل و منفصلين عن الوسط الاجتماعي السوي ..... و يذهب العالم ( كوهين Cohen ) الى القول بان الثقافات الفرعية تظهر و تنمو في المجتمع الذي يتميز بدرجة كبيرة من التباين ، و ذلك عندما يتفاعل عدد من الاشخاص لديهم مشكلات متماثلة ، و ان الثقافة العامة قد تكون غير كفوءة لحل مشكلات الفرد و ارضاء حاجاته ، و بالتالي قد يضطر الى اتباع منهج ثقافي فرعي .
و قد ميز ( ميلتون يانجر Multon Yanger ) بين استخدامين لمفهوم الثقافة الفرعية ....
الاستخدام الاول يشير الى الانساق المعيارية للجماعات التي تختلف عن المجتمع الاكبر ، و ان هذا الاستخدام هو الشائع لمفهوم الثقافة الفرعية ، بينما يشير الاستخدام الثاني الى وجود فكرة الصراع بين الجماعة و المجتمع الاكبر ، و ذلك في اطار مفهوم الثقافة المضادة Contra – Culture و يرى ( يانجر ) ان الثقافة الفرعية في الاستخدام الاول تتصف بالشمول ، لانها تقوم على اساس علاقات الجماعة مع النسق الثقافي الاجتماعي الرئيسي ، بينما الثقافة المضادة يكون فيها الصراع هو العنصر الرئيسي فقط " ( 3 ) .
اما كيف فسر الباحثون ظاهرة عمل الاطفال في الشوارع وفق ما ذكر انفاً ؟
فقد فسر البعض الظاهرة وفق استعمال ( اوسكار لويس Oscar Lewis ) عن ثقافة الفقر " Culture of poverty " و يتلخص ذلك الاستعمال في ان " الفقر هو طريقة حياة ، تكيف الفقراء لها ، و انهم ينقلون قيمها و اساليب تعاملها مع الواقع ، و رؤيتها للحاضر و المستقبل من جيل الى جيل ، و على نحو يجعل الفقر ، حالة طبيعية لهم " ( 4 ) .
و قد اوضح لويس اوسكار ان ثقافة الفقر تتالف من مجموعة من العناصر الشائعة في الاحياء المتخلّفة و هي :-
1- نقص المشاركة الفعالة و صعوبة اندماج الفقراء في اهم مؤسسات المجتمع ...
2- هناك حد ادنى من التنظيم خارج نطاق العائلة النووية او الممتدة مما يضفي على ثقافة الفقر طابع الهامشية ....
3- على مستوى الفرد تتجلى الخصائص الاساسية في الشعور القوي بالهامشية و البؤس و التبعية و الدونية
و يرى لويس ان ثقافة الفقر هي تكيف و رد فعل الفقراء على مكانتهم المهشمة في المجتمع المتعدد الطبقات انه يمثل مجهوداً لمجابهة مشاعر انعدام الحيلة و الياس التي تنبع من ادراك عدم توفر احتمال احراز النجاح بموجب الاهداف و القيم التي يتبناها المجتمع الكبير " ( 5 ) .
و يذهب آخرون الى ان الاطفال العاملين في الشوارع ، يشكلون ثقافة فرعية تميزهم عن باقي اعضاء المجتمع من خلال الآتي :-
1- وجود هوية مشتركة خاصة بالاطفال العاملين في الشوارع ، و هي ليست نتاج رغبة ذاتية و انما تمثل رد فعل طبيعي لنظرة المجتمع تجاههم كونهم جماعة ذات تاثير سلبي على المجتمع و بالتالي فانهم ينعزلون و تتولد بينهم هوية مشتركة و تبدا جماعات الاطفال العاملين في الشوارع بتكوين ما يسمى بالثقافة الفرعية الخاصة بها .
2- هناك مفاهيم و خبرات مكتسبة من بقاء الطفل بالشارع لفترات طويلة و احتكاكه اليومي المستمر بغيره من الاطفال ذوي الظروف و المشكلات المتشابهة و يؤدي ذلك الى اكتساب مفاهيم خاصة تمكن الطفل من التاقلم مع واقع حياة الشارع ...
3- هناك مشكلات تواجه الطفل العامل في الشارع تتمثل من وجهة نظر الاطفال في البعد عن الخصوصية – عدم الاحساس بالامن – عدم امكانية الحصول على خدمات صحية او تعليمية بشكل مباشر – مشكلة الطعام – التعرض للعنف و الاستغلال ، الاعتداء الجنسي ، تعاطي المواد المخدرة ، اضافة الى المشكلات النفسية ( 6 ) .
و هناك من يفترض ان عمل الاطفال في الشارع يجعلهم " في معظم الوقت يرتبطون بشكل او باخر مع اطفال و شباب اخرين ، من تنظيمات و تجمعات تعيش في الشارع و نسميها " مجتمعات الشارع " فحتى يتمكن الطفل من الحياة في الشارع لا بد ان ينضم لاحداها ، لتكوين شكل من العلاقات الاسرية القوية عادة على الرغم من كونها غير رسمية . و بالنسبة للشارع فهو ليس مكاناً فقط و لكنه اماكن عدة ، ثقافية و عقلية و شخصية و ترابطية ، و بهذا المعنى فان الشارع بالتاكيد مكان لتجمعات مختلفة متميزة اجتماعياً و ثقافياً فسكانه هم عامة اولئك الذين انعزلوا عن المجتمع التقليدي ووقفوا خارج القوانين الاجتماعية المتعارف عليها ... و كلهم يعرفون بالهامشيين فهم مجموعة على حافة الوجود الانساني ووجودهم في الشارع يجعلهم يعدونه بيتهم و مدرستهم و مكان عملهم و مصدر ثقافتهم و فيه يعيشون مخاوفهم و تمردهم و اشواقهم كما يعيشون صداقاتهم و علاقاتهم الوجدانية " ( 7 ) .
و بناء على ما تقدم ، يمكن القول ان الاطفال العاملين في الشوارع يشكلون جماعة فرعية ذات انماط سلوكية خاصة داخل المجتمع الكبير " و ان هذه الجماعات و ان كانت تشارك في الثقافة الكلية او العامة للمجتمع الا انها تنفرد بسمات خاصة بالدرجة التي تميزها عن باقي اعضاء المجتمع حيث تتضمن قيماً و افكاراً و نظماً محددة و مغايرة عما يسود المجتمع و تضفي على اعضاء الجماعة الذين يشتركون فيها سمات ثقافية لا يتميز بها سواهم ، فهي انماط من اساليب السلوك المتعلم قامت كرد فعل او استجابة لظروف محددة خاصة بهذه الجماعة الفرعية " .

المصادر
1 . بدوي ، احمد زكي ، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ، انكليزي – فرنسي – عربي ، مكتبة لبنان – بيروت ،1977، ص412 .
2 . اسماعيل ، فاروق مصطفى ، العلاقات الاجتماعية بين الجماعات العرقية – دراسة في التكيف و التمثيل الثقافي ، دار قطري بن الفجاءة للنشر و التوزيع – قطر ، الطبعة الثالثة ، 1986 ، ص 43 .
3 . الاسدي ، عبد السلام نعمة جنزيل ، ثقافة السجن : دراسة ميدانية – انثروبولوجية ، اطروحة دكتوراة ، جامعة بغداد – كلية الاداب – قسم الاجتماع ( بحث غير منشور ) ، 2003 ، ص11-12 .
4 . حافظ ، ناهدة عبد الكريم ، الفقر و الثقافة الفرعية ، مجلة دراسات اجتماعية ، ( قسم الدراسات الاجتماعية - بيت الحكمة – بغداد ) ، عدد خاص ، الفقر و الغنى في الوطن العربي ، العدد 11 ، السنة الثالثة ، 2001 ، ص118 .
5 . مصطفى ، عدنان ياسين ، الفقر و المشكلات الاجتماعية ، مجلة دراسات اجتماعية ،( قسم الدراسات الاجتماعية - بيت الحكمة – بغداد ) ، عدد خاص ، الفقر و الغنى في الوطن العربي ، العدد 11 ، السنة الثالثة ، 2001 ، ص81-82 .
6 . عصر ، سامي ، اطفال الشوارع : الظاهرة و الاسباب ، بحث مقدم الى ورشة العمل التي اقامها المجلس العربي للطفولة و التنمية بشان اطفال الشوارع ، دار الامين للطباعة و النشر و التوزيع – القاهرة ، الطبعة الاولى ، 2000 ، ص 166 .
7 . مجيد ، نجاة ، تجربة جمعية بيتي – المغرب : من تجارب العمل مع اطفال الشوارع ، ورقة عمل مقدمة الى ورشة العمل التي اقامها المجلس العربي للطفولة و التنمية بشان اطفال الشوارع ، دار الامين للطباعة و النشر و التوزيع – القاهرة ، الطبعة الاولى ، 2000 ، ص205- 206 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت