الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية /لا ماء يرويها / للكاتبة/ نجاة عبد الصمد /الأنثى في ظل الموروث الاجتماعي

هيفي الملا

2021 / 4 / 29
الادب والفن


رواية لاماء يرويها للكاتبة السورية نجاة عبد الصمد
الأنثى في ظلِ الموروثِ الاجتماعي

العنوان :
لاماء يروي تلك الطبيعة الجغرافية القاسية٠
ولاماء يروي عطش الذكر لظلم الأنثى مأخوذاً بثقافةِ السلف، والنظرةِ الدونيةِ للمرأة وإنكار قيمة وجودها ٠
لاماء يروي تعطشَ المرأة المقموعة للحرية في حاضنةٍ تتنكرُ لها وتلغي وجودها ٠
لاماء يروي أنثى تُعامَلُ كخردة، سجينةً في القبوِ تترقبُ صدى صوت ، كلمة، وقع خطوة، وربما انبثاق فجرٍ ٠
حتى للسماء مزاجها الخاص هنا وخير الأرض مرتهنٌ بجودها، والجدات تروين للأحفاد اكتواء جيلهن بجمر العطش، وللسماء مزاجها السادي، قد تجرش أرواح السكان بسنين عجاف بلا ذنب اقترفوه سوى أنهم ولدوا على الأرض هذه البعلية الشقية (ص١٥)
عنوانُ الروايةِ كان العامل الأول في اتصالي الحميمي بالنص، وهو كعتبة نصية موازية أحاطني بالنص ووضّح دلالاته ٠

الحكايةُ وبطلتها المحورية :
تقعُ في فضاءِ السويداء في مجتمعٍ تأخذُ فيه العاداتُ والتقاليدُ مكاناً مقدساً، والأنثى تتحملُ النصيبَ الأكبرَ من الإجحافِ والتجاهل، بل واعتبار مجرد وجودها محفوفٌ بالخوفِ من الفضيحةِ والتعامل معها كأثاث عتيق، وزرع فكرة جهلها وعدم جدوى معرفتها في ذهن أطفالها لرسمِ نسقٍ فكريٍ نظيرٍ لسابقه
سلطان مُخاطباً والدته حياة قائلاً : ماما كيف فيني أعرف إذا كنتِ عبتعلميني صح ولاغلط؟ بابا قال : أنو النسوان ما بيفهموا شي
الأمُ الساردةُ حياة تعيشُ في أسرةٍ مفككةٍ على تخومِ المدينة، وتبدأُ ملامحُ الذكر القاسي بالظهور في مخيلتها مع قسوة أبيها الذي تزوجَ أُمها مُكرهةً، لتتبلور تلك الصورة مع هجران الحبيب، وخذلان الأخ، وغطرسة الزوج ٠
ورغم أنها الأنثى وبطلة الحكاية المحورية، لكن أسماء أنثوية عديدة يجودُ بها السردُ كشخصيات ثانوية، لكنها تتقاسم المصير الأنثوي المشترك مع حياة بشكلٍ أو بأخر،
وكل واحدة منهن تعيشُ مصير مُرتهن بنظرة ذلك المجتمع٠
حياة ذاقتّ الحبَ مع ناصر الزعفراني دون أن تحظى بالزواج منه بسبب أم ناصر الحاقدة على أم حياة، فتسبب هذا العداء بعدم تتويج هذا الحب بالزواج، حتى يتقدم خليل لخطبتها ويوافقُ والدها على بيعها مقابل المال، ولم يأبهْ لمصيرها البائس بعد الزواج، رغم تكالب مظالم خليل عليها وسوء تعامله وشذوذهِ المثير للاشمئزاز، وحياة لاتمتلكُُ الجدارَ الآمنَ الذي تستندُ عليه آمنةً حالَ كل أنثى في تلك الرقعة الجغرافية القاسية ٠
خذ ابنتك، خلّلها مع أخواتها، وأتحاسب وإياك فيمابعد
طول بالك يابن عمي اللحم لك والعظم لنا (ص١٥٤) هذه العبارة البائسة رافقت مصائرَ نساء عدة في أقسى حالات التخلي والخذلان ٠

التدوير العكسي للرواية :
تبدأُ حكاية الأنثى المقموعة بمقولةِ الأم بعد أن فجَّ ممدوح رأس أخته هصص بدل أن تبكي هاتي البشارة، كل مكان يسيلُ فيه دمك يكتب لك فيه موطئ قدم (ص٧)، ومع بعض التقريب البسيط في المكان تبدأ الرواية بانزلاق حياة في ذلك الموضع الذي هو القبو، أو الذي يسمونه غرفة الكرش مكان الأشياء القديمة والبالية تراكمت فيهِ بشكلٍ فوضوي كأرشيفٍ للذكريات٠
بعد كل ماعاشتهُ حياة من حياةٍ حالمةٍ في المدرسة، ومن قصة حب مع ناصر وحياة زوجية قاسية مع خليل، ترجعُ مطلقةً حاملةً العار لتقضي حياتها الباقية حبيسةَ ذلك المكان الذي ظهرتْ فيه أول الرواية، وكأن هذا التدوير يلمحُ لمصير الأنثى المحتوم مابقي ذاك الانسياق الأعمى والتقليد للعادات والتقاليد الموروثة، فكانت الحبكةُ مركبةٌ لانمطية حيث المقولةُ التي تنبأتْ بمصيرِ حياتها كانت ْفي البداية لاستعراض الأحداث التي أدتْ إليها ٠

نماذجٌ للوجع :
كلُ أنثى في الرواية نموذجٌ للونٍ من الوجع حيثُ امتطتْ صهوةَ أفكارها الجامحة لمواجهة رحلتها الحياتية، وأن اختلفتْ أشكالُ تلك المعاناة لكن الألمَ يوحدها في ظلِ العقائد ورواسب التفكير ٠
- جدة حياة لأمها والتي رحلتْ لبيت أبيها مهزومةً مكسورة ، وهي تحملُ بناتها الأربع بعد موت زوجها ٠
-الأم ذهبية والتي تزوجت من ابن عمها مرهج مُكرهةً، لأنها ضُبِطت في حالة حبٍ مع أحدِ الغرباء ٠
- حياة التي حُرِمَتْ من حبها وأحلامها بالدراسة الجامعية وعاشتْ مع خليل زوجةً ذليلة مُهانةً في نفسها وجسدها، ولذلك بقي حبها القديم في داخلها حياً
وحدي هنا في بيت خليل، أجلسُ لأكتبَ لك ما تقرأ، لأعاتبكَ :لماذا لم تعلمني أن الفراقَ موتٌ صغير (ص٢٥٣)
- صديقاتُ حياة في المدرسة والتي شهدتْ كل واحدة منهن مصيراً مأساوياً من قتلٍ أو طلاقٍ أو إجحافٍ وسوء تعامل ٠
-ربما وجود العمة زين كعنصرٍ تنويري وإن لم يكن متكاملاً وناضجاً ،أعطى بعضَ الأملِ في تجميل الصورة المشوهة، فالعمة ورغم طلاقها من زوجها المتدين وعودتها لبيت أهلها لم تنكسرْ تماماً، واتسمتْ بحكمةٍ معهودة واستطاعتْ الاستماعَ لشكوى المتألماتِ وتفهم أمور المحبين وتقديم النصحِ لَهُن، وكما شغلتْ نفسها في جمعِ النباتات لمعالجة الأمراضِ ٠

المرأةُ عدوةُ نفسها :
هناك فكرةٌ تداولناها كثيراً، وأخذتْ الكثيرَ شرحاً وتأويلاً، وهي
إن المرأةَ عدوةُ نفسها، ولن تخطو خطوةً واحدةً نحو انعتاق روحها وفكرها وتقديس أنوثتها ورغباتها، إلا إذا آمنت بنفسها وقيمها وجعلت من معاناتها مرسى أمان لغيرها حتى لايعيدُ التاريخُ نفسه٠
فالام ذهبية والتي أُرغِمتْ على الزواج من ابن عمها، تقمعُ ابنتها حياة التي أنصتتْ لصوت عقلها وآثرتْ البقاءَ مع عائلتها لا السفر مع ناصر، ولم يشفعْ لها ذلك لأنها ارتضتْ على نفسها اللقاء بحبيبها بعد عشرين سنة غياب، لتحبسها في غرفةِ الخردة والتي ستقضي فيها حياة عقوبتها
انغلقَ البابُ عليَّ، أقفلتهُ أمي من الخارج ودستْ المفتاح في عبَّها قرب قلبها الأبعد من أن يصغي إليَّ (ص٨)
ذهبية امرأةٌ عانتْ الظلمَ وعاشتْ حالةَ حبٍ في ماضيها وأُجبِرتْ على الزواج بسببها مِمّن لاتحب، والأهم هي أُمٌ فكيف تقسى بهذا الشكل على ابنتها؟؟!!
و كانت هي الأنثى التي تميزُ جندرياً بين ممدوح وأخواته، وتحرمُهنَ ليدرسَ هوَ وينعم ويعشق في مدينةٍ ذهبَ للدراسةِ فيها فكان نموذجاً للخذلان٠

البناء الروائي :
الروايةُ محبوكةٌ بتقنيةٍ عالية، ولا تُخفى فيها الجماليةُ والثراءُ الفني، ولغةُ الرواية العالية منكهةً بالتراثِ الشعبي الأصيل في محافظة السويداء٠
الأحداثُ صيغتْ على لسانِ البطلةُ الساردةُ حياة لكنها عكستْ مدى إدراك ووعي الكاتبة في تصوير وضع المرأة في تلك الحقبة الزمانية وهي العقد الأخير من القرن العشرين ٠ وفي فضاءٍ مكاني هو/جبل العرب/ على تخومِ المدينةِ وأيضاً في قُرى ريفية زراعية ٠
وإن كانتْ مهمةُ الأدبِ هي الفضحُ وتعريةُ الآفاتِ الاجتماعية، فقد أصابتْ الكاتبةُ الهدفَ من خلال مقابلة نموذج الأنثى المقموعة بنموذج الذكر السلبي، من خلال شخصيات متعددة
ومواقف وأحداث وسلوكيات متعددة، برز فيها الفاعلُ السلبي وهو الذكر بعقليته الشرقية الُمطعمةِ بقصر النظر تجاه حقوق المرأة وعدم احترام كينونتها٠

نماذجٌ سلبية :
- الأبُ القاسي وتمييزه الجندري بين الأخوة كأولِ خطوةٍ لاضطهاد الأنثى وتأثير ذلك على نفسيتها وإحساسها بقيمتها ٠
-الحبيب الذي تخلى وهاجرَ ليكون فدائياً في فتح ٠
- الزوجُ الظالمُ والنموذجُ الأسوأُ بشذوذهِ الجنسي واغتصابه لزوجته وبخله وقسوته٠
-الأخ الأناني المنتشي بذكوريته، الحاصد رزقه وأرزاق أخواته من المالِ والاهتمام ، لذا لم يبالي عندما تقربتْ منه اختهُ حياة وسألتهُ أن يكون عوناً لها حتى تسكن معه لإكمال دراستها الجامعية، فكان سلبياً كما لم يكنْ يوماً في حياتهن عنصراً محركا وفاعلاً ٠
- في كل مجتمعٍ رازحٍ تحت ثقل العادات والمفاهيم الخاطئة وغير متشبع بروح التغيير وانفتاح العقل على مشروعية حقوق المرأة وقدسية وجودها، نسمعُ الصوت الآخر المُستنير يرفضُ الموجودات ويطالبُ بما ينظر إليه المجتمع في ذلك الوقت كمحظورات، محاولاً في تفكيرهِ المستقل وايديولوجيته المختلفة نسف منظومة القيم السلبية،مطالباً بالمساواة وفتحَ الآفاقِ أمام الأنثى لتثبت فعاليتها٠
لكن مقابل كل النماذج السلبية الذكورية لم نرَ إلا صوتَ الأنثى الخافت فانتهتْ في غرفةٍ انفراديةٍ تحت الأرض ٠








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في