الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باب الشيخ حافلة بالتاريخ...ج2

عبد الخالق الفلاح

2021 / 4 / 29
الادب والفن


هناك صلة وثيقة بين مستوى ارتباط الإنسان بمحيطه الاجتماعي،وبين استقامة السلوك ودرجة الفاعلية والإنتاج ،لقد فقدت الروح الاجتماعية بوصلتهاعند أكثر الناس لصالح الاهتمام الفردي، حيث أصبح كلّ واحدٍ من عندنا مشغولاًبنفسه، وفي بعض الأحيان حتى عن عائلته وأُسرته في الوقت الحالي نتيجة الظروفالمتغيرة والسياسات الخاطئة للحكومات المختلفة التي ادارت العراق وفقدت العلاقاتالاجتماعية بريقها حيث لم تعد تلك العلاقة كما كانت  و باب الشيخ التي يعودتاريخها  الى زمن ما قبل العهد السلجوقي (395هـ- 1133م) لم تكن بعيدة عن هذهالظاهرة المؤلمة حيث غادر اهلها الاصلاء وتوزعوا في الشتات برغبة البعض منهم اوالاجبار بسبب التغييرات التي استحدثت في اواخر السبعينات وبداية الثمانيناتلتوسيع  ألمرقد والتي جاء اسمها من وجود الحضرة القادرية من اسمهاالقديم الذي اشتهرت به تاريخيا بـ(باب الازج) كما ذكرنا وتعتبر نموذجا صادقاللحياة البغدادية بتنوع سكانها وجمال طقوسهم الاجتماعية والدينية ذات النكهةالعريقة والتي لاتزال تحافظ على ذلك الارث الثمين الذي هو من سمات محلات بغدادالعريقة و بكل أبعادها الحضارية من معمار وممارسات اجتماعية وفنون وطقوس دينية عبرالعصور. واشتهرت المنطقة بالحياكة واتت مهنة البناء بكل تفاصيلها المعقدة من المهنالتي واشتهرت ألمنطقة  كذلك بصناعة أليزار قبل شيوع العباءة لدى النساءالمسلمات والطوائف الاخرى كالنصارى واليهود بعد كانت النساء يلبسن الفوطة والجرغدوالشيلة على رؤوسهن على الاشهر، وكانت تتميز بالوانها الزاهية وتطرز الفاخرة منهابالخيوط المذهبة ، واشتهروا كذلك من غير الحياكة  وبأتقانهم لقرائة  المقام العراقي ومعرفة فنونه هذا الفن العريق ولكن اتقان المقام فيباب الشيخ يرجع الى وجود الضريح الشريف في تربة المحلة والذي كانت تقام فيهالاذكار ورفع  الاذان وتجويد القرآن والتمجيد والتسبيح والابتهالات ومن أشهر قراء القراَن في المنطقة عبد الستار الطيار  والشيخ القلقاليوملا مهدي واحمد دبيس الشيخلي  وملا مامي الكوردي وملاخالد الشيخلي والحافظ خليل اسماعيل  والحافظ ابراهيم وابراهيم برم واخرون وكل ذلك جعل الكثير من رجال المحلة يتقنون اصول وفروع المقام العراقيبكل صنوفه مثل الرست ونهاوند والحجاز والبيات وسيكا والصبا والعجم والكورد
مقام النهاوند...الخ: ومن اشهر القراء الذين تواجدوافي المنطقة ومن رواد مقهى المكفوفين  ، مطرب المقام العراقي الشهير يوسف عمروعباس گمبير الذي كان يعمل حارس ليلي في كراج مصلحة نقل الركاب في الشيخ عمرونجمالشيخلي وحمزة السعداوي وعبد الرحمن خضر وحسن خيوگة وتعدُ منطقة باب الشيخ منالمناطق البغدادية التي اهتمت و التي اشتهرت بهذا الفن ووكذلك المربعاتالبعدادية ومن اشهر قرائها ، جاسم الشيخلي والحاج حامد السعدي ورشيد القندرجيومحمد العاشق وعدنان الشيخلي ونجم الشيخلي وقدوري العيشة واخرون، ومن الفنانين الذي سكنوا المنطقة سلمان شكرا استاذ العودالشهير وياسين الشيخلي عزف الكمان والمطرب جاسم الخياط ووالمطربة مائدة نزهت ومنفناني السنما والمسرخ والتلفزيون وسالم شفي وهاني هاني و اسيا كمال و جواد الشكرجيوفاطمة الربيعي واختها زهرة الربيعي و عبد الجبار عباس وراسم الجميلي  واخرونولهذا السبب فقد حظيت  المنطقة بأهتمام المؤرخين والباحثين لما لها من اهميةدينية واجتماعية وتاريخية، وانجبت نخبة متميزة من كبار العلماء والمثقفين والادباءوالفنانين والسياسيين والعسكريين، اضافة إلى انها كانت تضم في ارضها بعض المعالمالاثرية التاريخية منها (طاك باب الشيخ) الذي بني قديماً على شكل نفق تعلوه بنايةقديمة ويبلغ طوله نحو عشرة امتار وعرضه خمسة امتار، ويوصل هذا الطاك محلة فضوة عرببشارع الكيلاني الذي يربط شارع الكفاح بشارع الشيخ عمر، وكانت تحكى عن هذا الطاكالقصص والحكايات الشعبية الخرافية والتي على اثرها جعلت البعض من اهالي منطقة بابالشيخ (الشيخلية) يخشون المرور منه وقت الليل ويقدر عمر بنائه باكثر من خمسمائةسنة ، ظناً منهم بان هذا المكان كما تشير إليه تلك القصص والحكايات المحيوكةمسكوناً بالجن والطنطل، كانت تصدر في الظلام الدامس تحت الطاك اصواتا وحركات غريبةوفي الحقيقة ان مصدر هذه الاصوات والحركات كانت من بعض الفقراء العجزة الذين لاماؤى لهم ينامون فيه ليلاً خاصة ايام فصل الشتاء البارد وكذلك قيام بعض السكارى مناهل المنطقة او من المحلات القريبة، بحركات واصوات تخيف السامعين لها من الناسالمارين عبر هذا الطاك.كنّا نعيش  في منطقتنا باب الشيخ  التي تضربجذورها في أعرق مشارب التاريخ بكل محبة وتودد وانسانية ، جمعت سكانها في بوتقةواحد رغم تتابع الويلات والآلام، العلاقات بين أبنائها كانت متينة وتشكل مختلف الطوائفوالقوميات والاديان واللهجات ، الكوردي و العربي والتركماني ،المسلم والمسيحيوالصابئي واليهودي ، حيث ترابطت المواقف فيما بينهم في أوقات وأزمان مختلفة،وفرضوا أنفسهم على التاريخ، في حفظهم الذكريات ،بتواصل مكثَّف في مجتمعنا فيالسابق  حينما كانت الحياة على بساطتها، وكان الناس يعيشون في منطقة محدودالجغرافية ، وضمن اهتمامات ، وطموحات بسيطة لكنّنا الآن، ومع التطوّر الذي حصل علىواقع حياتنا، لم نعد نعيش درجة التواصل الاجتماعي السابقة فقد طغت على الحياةالامور المادية . ولعلّ من أبرز الأسباب هي الظروف السياسية والتغييراتالديمغرافية والجغرافية التي حدثت خلال السنوات الخمسين الماضية في المنطقة ، فقدكانت علاقة الإنسان بمجتمعه وثيقة دافئة، كان أقرب إلى الاستقامة والصلاح في سلوكهوسيرته، وأكثر اندفاعاً لألفاعلية وألانتاج او ألحياة بطبيعتها فيها ضغوطومشاكل، خصوصاً في هذا العصر، فيحتاج الإنسان إلى مَن يتضامن معه نفسياً، وإلى مَنيقترّب منه روحياً، ليخفف عنه الآلام، ويرفع من معنوياته. ويحتاج الإنسان إلى مَنيستشيره ليستفيد من رأيه.بينما يساعد الفتور والبرود في العلاقات الاجتماعية علىظهور ونمو السلوكيات المنحرفة الخاطئة . حلول شهر رمضان في محلة باب الشيخ له طعمونكهة خاصة يعرفها اهالي بغداد كما يعرفها اهالي باب الشيخ ويعيشها اهلها عبرالعصور،كان اهل محلة يستقبلون قدومه  شهر رمضان حين يقترب موعد مراقبة الهلالوعن رؤيته يصعد اهالي باب الشيخ الى سطوح دورهم العالية لمراقبة السماء وحين يظهرالهلال تزف البشائر بالتكبير  والتهليل وبأاطلاق العيارات النارية منمسدسات مثل (ألوبلي) ابو البكرة في الهواء وتهلل النسوة بالزغاريد ويكبر المؤذن منعلى منارة الحضرة القادرية فرحا وابتهاجا لمقدم الشهر بعد ذلك تبدأ مراسيم استقبالرمضان بأعداد المطبخ العائد الى المسجد القادري (الشوربة خانة) وتطهى في القدورالكبيرة وجبات الافطار الواسعة العامرة والتي تقام في كل يوم من ايام شهر الصوم .ولهذه الموائد التي كانت تقام في الماضي البعيد في ديوان الاسرة الكيلانية(الدركاه او الديوه خانه) من قبل السادة الكيلانيين باسلوب خاص متبع لديهم منذالعهد العثماني، اذ كانت هذه الوجبات تقدم لجميع شرائح المجتمع من كل يوم وجبةافطار لطبقة من الناس وكانت تتم طيلة ايام شهر رمضان في (الديوه خانة) اي ديوانالحضرة القادرية التي تقابلها والتي يفصل بينهما شارع الكيلاني.لقد اشتهرت المنطقةبرواد المقام العراقي و بأتقأنهم لقرائته ومعرفة فنونه حيث انتشرت المقاهي التيكانت تحيط بالمرقد وتضج بأشهر قراء المناقب النبوية والاحتفالات الدينيةوالمناسبات الخاصة مثل الزواج والختان   ويقال ان عملية الجلوس لساعاتالطويلة خلف ألة  ( ألجومة ) وهي ألة فيها عتلات يتم ربطالخيوط فيها يستفاد منها للحياكة  وكانت من أهم  ألاسباب التي جعلتهم  ان يجدوا ما يؤنسهم في قراءتهم لهذا الفن العريق والاصيل،وكم اليوم نحن في امس الحاجة لمثل هذه الممارسات والانشطة فيجعل الانسان يقترب  نفسياً مع اخيه  وإلى مَن يقترّب منه روحياً، ليخفف عن مصائبه، ويرفع من قدرته لمقاومة الصعاب. ويحتاج الإنسان إلى مَن يقف الى جانبة  ويُعبّر عنه بإدخال السرور إلى قلب أخيه....عبد الخالق الفلاح 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع