الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاندماج

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


بينما تملآ العلمانية البيوت السورية،كما تملؤها الإسلامية تماماً، فالرجل العلماني يفضل أن تكون زوجته محجبة و إسلامية إلا إذا كان من الأقليات الإسلامية التي لا تتحجب سابقاً ، و التي هي في طريقها للبس جلابية الإسلام السّني تحت اسم اسلام علماني .
يمكنني القول أنّنا شعب مندمج ، فرغم تقديسنا للفقر واعتباره قيمة اجتماعية لكنّنا ننفي صفة الفقر عنّا ، وقد لا حظت ذلك في حديث الكثير من الرجال الذين التقيت معهم في كامب اللجوء ، فقد كان أحدهم يشرح لي عن دعمه للطبقة المسحوقة، وكيف كان يملك ثلاثة معامل ، بينما كنا نبحث أنا وهو عن أحذية في الصليب الأحمر نستطيع السير فيها على الثلج، وفقت بحذاء رجل استعملته لأكثر من عام فأنا لا أفرّق في الأحذية بالجندر، لكن صاحبي صاحب المعامل وضع في كيس أكثر من خمسة أزواج من الأحذية . نظرت إليه وقلت: من المؤكد أنك تكذب ، فلو كان لديك هذا العدد من المعامل لم تكن تعيش معنا في ذلك المكان!
عندما استأجرت منزلي ، وفي المدينة التي أقيم فيها التقيت بابن بلدي، ومدينتي، ففرحت ، أملت أن نبني علاقات أسرية. قال لي: أعمل دكتور في جامعة لندن، و أذهب خمسة عشر يوماً إلى هناك ثم أعود لأعمل بالجامعة هنا. طبعاً نظرت بعين الريب إليه ، فيما بعد عرفت أنه يعيش على المعونة الاجتماعية ، و أنه تخلى عن زوجته و أولاده.
نحن مندمجون ، نقبل الواقع، نتحدّث عنه بجرأة فبينما يعرض لنا أحدهم رحلة طريقه إلى دمشق ، يستعرض أسعار المواد ، ثم يقول: " الله يعين الفقير" ، فالفقر صفة لا تقربه ، والبعض يهاجم من ترك" الوطن" بينما يعيش على ما يرسله له البعض. نحن مندمجون لدرجة أن تعبير " الله يرحم البطل" أصبح شعارنا، و البطل هو كل من هبّ ودب حتى من سجننا ، وأخذ المفتاح معه، ثم مشى بسلام إلى مكان آمن، و أصبح منظراً لنا، فمات من التّخمة التي أعطاه أياها التنظير ، فصلينا جماعة و أفراداً على جثمانه الطاهر ، ونسينا مفتاح السجن معه. في أحيان كثيرة أسأل نفسي: هل نحن منافقون ؟ أتراجع عن السّؤال ، وبعد حين أجيب: نعم إننا منافقون ، يكون ذلك بعد أن أرى سجيناً سياسياً-بغض النظر عن انتمائه-يكتب قصيدة مديح في ثائر كان بيده مفاتيح السجن.
ليس نحن هكذا فقط بل ربما أغلب الفارين من بلادهم ، فقد كنت أتحاور مع طالب صومالي كان يدرس معي اللغة السويدية ، و أشرح له سبب لجوء السوريين إلى الغرب، و أن أحد أسبابها الفقر، سألته: هل أنتم في الصومال كذلك؟ فضحك حتى كاد يقلب على قفاه ، وقال: " الصومال غنية، فيها ذهب ، ونحن أيضاً أغنياء ، فقط هربنا من النظام وتركنا خلفنا ثرواتنا" .
بالنسبة لي لم أشعر بالاندماج في أيّ مكان أقمت فيه ، حتى في مسقط رأسي ، وكنت أشعر بالخوف من شبح الفقر حيث أغلب الأشياء الضرورية للحياة مفقودة ، وطوابير الخبز موجودة. إنني لا أرى في الوضع حالياً أمراً مختلفاً عن الماضي سوى ذوبان الطبقة " المستورة" في الطبقة الفقيرة .
إنّني أندمج في كل الأمكنة، لكنّني ملولة ، أكتشف بعد فترة أنّني أرغب في التّجديد إلى مكان جديد، و أدفن الأمكنة القديمة ، وكوني أعيش اليوم بين مرضى السّرطان ، وحتى الآن أنا مندمجة كثيراً ، لكنّني قد أغادر إلى مكان آخر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تأييد
غسان صابور ( 2021 / 4 / 30 - 17:07 )
يا سيدة خــلــوف
كلماتك.. كلماتك صحيحة كاملة واقعية.. كتبت عنها أطروحات دراسية متعددة.. أعتبرها ضرورية لغالب آرائي وتجاربي ولقاءاتي.. خلال ثمانية وخمسين سنة من وجودي بفرنسا.. ومدينة ليون LYON التي لا أبدلها لقاء أية جــنــة.. لأنها حضتني كإنسان.. من أول يوم.. وأول لقاء.. وتعلمت فيها كل شيء.. بعد أن مسحت كل ذكرياتي السوداء..لأيام فتوتي وشبابي... منا نساء ورجال.. نجحوا دراساتهم وأعمالهم.. دون أن يلعنوا -الكافر- الذي فتح لهم صدره وبيته وكل المساعدات التي احتاجها.. لحاجاته كإنسان غريب.. ولكن غالب قومنا (المهجري) كان يعتبر هذا البلد الذي احتواه كأخ وإنسان.. أرض سلب واستفادة سلب ونهب... وأن ما يكسبه غنيمة حرب... وأصبحت كلماتي لفضح هذه العادات والتقاليد السلبية.. كشتيمة دينية.. وأنني العدو الكافر.. رغم أنني حضنت واستقبلت منهم ببيتي عشرات ومئات.. ومنهم لقيت ورقات الحقد وتشريعاتها وتفسيراتها...
اكتبي يا صديقتي.. وتابعي... فكتباتنا الحقيقية.. أفضل وسيلة لرد الجميل الذي وهبنا إياها هذا البلد.. بعدما احترقت كل ذكريات البلد الذي جئنا منه.. والذي يحتاج دوما.. لحقيقتنا
غسان صابور ليون فرنسا

اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب