الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((التواصل مع الأجيال بغية إحساس ناضج لمعنى الحياة))

رائد مهدي
(Raed Mahdi)

2021 / 5 / 1
الادب والفن


مقالة نقدية كتبتها إضاءة على النص السردي الحكائي (ماضينا البسيط) النص ينتمي لسلسلة (حكايات قديمة) للأديب العراقي ناظم عبدالوهاب المناصير .
النص الحكائي :
______________
حكايات قديمة / ماضينا البسيط
لا أكتم أي شيء عما يحصل في سنوات عمرنا الماضية و ما كان يجري فيها من
حياة بسيطة ، لكنها كانت بألوان جذابة جميلة .. ففي بداية منتصف القرن الماضي ،
كنتُ أرى وأنظر وأستطلع كل صغيرة وكبيرة تحدث أمامي أو من وراء ستائر
شفافة وأنا حدث صغير .. كنّا ننهض مبكراً نتناول فطور الصباح ومن بعيد نسمعُ
نهيق حمار ، حيثُ أنحنى ظهره وهو يحمل عليه أكثر من مائة كغم من الملح
الصحراوي ثلاث أو أربعة أكياس كل كيس فيه ما يقارب خمسة وثلاثون كيلوغراما
من الملح ، صاحبه يسوقه في أرض الله الواسعة ..توقف ذلك اليوم بالقرب من باب
بيتنا ، كان عطشاناً ، سقيته بالماء .. يبيع صاحبه الكيس الواحد بحدود 250 فلساً
وبعد التداول معه من قبل المشترين ، يبيعه عليهم بمائتي فلس ..
ولابد من حدوث ضجة تتعانق مع كهوف الذات ، بائعي النفط .. نفط ..نفط ..
مصلحي المواعين الفرفوري المكسورة وجراخي السكاكين والمقاصيص .. وفي
الضحى تمر القابلة والممرضة ماري عبو يحملها وراءه سائق الدراجة الهوائية
لقاء مبلغ من المال فتذهب إلى البيوت لغرض توليد النساء بمواليدهم ، وكانت
قبلها أم أمل....( ام امل هي التي من ولدٌتني --- اي جدتي ) واخرى نعيمة أسطيفان .. وهناك نشأت في القرية امرأة أمية أتخذت
نفس العمل وبسعر أرخص ..
اضافة لذلك فإن القرية لا تخلو من آخرين فهناك من يبيع البطيخ والمتوت
بالمقايضة مقابل تمر يابس أوحشف .. يعقب ذلك رجل يهودي يدعى ( الملقن )
يشتري البيض من ربات البيوت بسعر البيضة الواحدة ستة فلوس وبدوره يبيعها
في العشار بسعر عشرة فلوس أو أقل ..
أم صالح اليهودية بوجهها السمح والمبتسم دائماً ، تدخل البيوت تحمل صرة كبيرة
لبيع القماش بألونه الجميلة وبسعر مناسب وأقل من سعر السوق ..
أبو عزيز المطهرجي يحمل شنطته الصغيرة وخاصة في فصل الصيف ليقوم
بعمليات ختان الأطفال من الذكور .. الأطفال بعد الختان يلبسون دشداشة خيطت من
قماش ( الململ ) ..
هناك مهمة صيانة القدور والصفريات ، فيأتي بين وفترة أخرى الصفارون
ليقوموا بتصفير وتلميع هذه المواعين ..
في هذه القرى يوجد نجارون ، يصنعون الكراسي وبرادات الماء ( صندوق ثلج )
والكرويتات ولوالك للأطفال الرضع ..
وكنا كل شهر نذهب إلى الحلاق يحلق رؤوسنا ( نمرة صفر ) لأن المعلم
المرحوم عبدالوهاب فعيل لآ يقبل إلا نمرة صفر محاربة للقمل وعدم أنتشاره بين
الطلبة .. كان المرحوم كاسي من الحلاقين المشهورين في مناطق القرية وقرى
أخرى ..الحلاقة بـ ( عشرين فلساً ) أو يدفع له سنوياً عند موسم التمر ..
عادة تفتح الحسينيات النسائية ( أم جمال ) وأخرى ( بيت البناء عبدالواحد )
وأخرى رجالية تعود لبيت الزوار .. النسوة الفقيرات أو أبناؤهن يبعون ( اللبلبي )
ويصيحون ( لبلبي حار ومستوي بيع أمك وأشتري ) .. وأتذكر عندما مرضت
نذرت والدتي أن تقوم بعمل ( الجداوة ) في هذه الحسينيات إذا تحسنت صحتي
، فتمسك بيدها طاسة مصنوعة من مادة البرنج وتدور بين النساء هذه تضع
عشرة فلوس وهذه فلسين وأخريات عانة ( أي أربعة فلوس ) .. بعد الإنتهاء من
هذه المهمة تضع ما جمعته في صندوق التبرعات الحسينية ..


المقالة النقدية:
______________

كان إنسان تلك الحقبة من تاريخ العراق يعيش حياة بمستلزمات بسيطة إلا أنه كان قادر على الإستمتاع بحياته نتيجة لعدم تشتت وعيه ولأنه أبعد مايكون عن ضجيج الفكر المتمثل بهموم الحاضر المتشعبة والقلق على مستقبله ومصيره.

إن أجدر الناس بتوثيق تلك الأجواء من تلك الحقبة على ماتضمنت من البساطة والمتعة
هو شخص نبت على تلك الأرض، تجذر بها، عايش فصولها حرها وبردها ،حلوها ومرها ، سلمها وحربها، طوفانها وصيهودها، وله ذاكرة ممتدة على سبيل أيامها الحافل بالأحداث .

جميل أن تكون ذاكرة الأديب ناظم المناصير مهتمة بحفظ هذا الكم الهائل من خبرات الجمال الإنساني ، وجميلة هذه المساحة الشاسعة من قلبه وهي تحوي مشاعر إنتماء عذبة ومرهفة بكم هائل من الحنين، وجميلة أدواته في التوثيق وهي تشمل تلك التفاصيل الدقيقة لعينة من تلك الحقبة وماذلك إلا لتقريب القارئ أقصى مايمكن من المساحة التي يريد له معايشة أجواءها والإحساس بطبيعة إنسانها.

الجبل الشاهق لم يكن سوى ذرات صغيرة تراكمت على بعضها واقتربت من بعضها اقصى مايمكن ،كذلك الذوق الإنساني وإحساسه بجماليات الحياة هو عملية بناء وتراكم تتطلب أحيانا مثل ذلك التقارب مع تفاصيل جمالياتها.

أحيانا يتساءل البعض عن مغزى كتابة تفاصيل ومذكرات خاصة بفرد باعتبارها تجربة شخصية خاصة جدا بصاحبها لاتضيف أحداثها أي خبرة جديدة للمجتمع لكني أذهب الى أن كاتب النص الأدبي (التوثيقي) على شاكلة مايكتبه ألأديب ناظم المناصير هو معني بتربية الحس والذوق الإنساني لكونه أديب و باعتباره مسؤول عن إيصال مايشعر به إنسان تلك الحقبة مع مايمكن أن يشعر بها إنسان المرحلة الحاضرة
من أجل خلق وتركيب إحساس أسمى وبلوغ حالة من نضوج الوعي ورفعة الذوق وبالتالي نضوج الهدف نحو الإرتقاء والتطلع لما هو أفضل.

إن الأديب المعني ببناء الحياة ستكون أبرز عناوين خطته وعمله الإبداعي معنية بتوثيق الجمال وربطه ببعضه كالنسيج ليكن قطعة واحدة ممتدة من الماضي مرورا بالحاضر ونحو المستقبل.

الأديب ناظم المناصير قلم دافق بجماليات الحياة وجسر لحقبتين إحداهما متجذرة بأعماق الماضي والأخرى على سطح حاضر في خضم عواصف وأعاصير قد تعيق الوعي لدى إنسان هذه المرحلة من الشعور بلذة ألانغراس في حاضره وتجمد فيه الإحساس بالمتعة اللحظية للحياة.

ولأن إحساس الإنسانية ملك وميراث لكل أجيالها فلا ضير من فتح ملفات تلك الحقبة بغية الإستعانة والتحفيز من أجل ربيع أخضر للذوق الإنساني ومن أجل الإرتقاء بالإحساس بمعنى الحياة ومتعتها لهذا الجيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير