الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية الآثر المترتب على الحكم الصادر بعدم دستورية القانون المطعون فيه

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 5 / 1
دراسات وابحاث قانونية


تختلف آثار الأحكام القضائية تبعاً لطبيعة الحكم فيما إذا كان كاشفاً أو مقرراً لحق قائم من قبل ولا ينشئ وضعاً جديداً، أو إذا كان منشئ لحق أو حالة قانونية لم تكن موجودة قبل صدور الحكم، فقي الحالة الأولى فإن الأثر الكاشف للحكم القضائي يرتبط بالضرورة بموضوع الرجعية فالحكم عندما يكشف عن حق قائم فإن ذلك ينسحب إلى وقت نشوء الحق ويذهب البعض الآخر إلى يوم رفع الدعوى ، في حين أن الحكم المنشئ تترب أثاره من وقت صدور الحكم، وطبقاً لنص المادة (4 / ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة (2005) فإن الآثر المترتب على صدور الحكم بعدم الدستورية هو إلغاء القوانين التي تتعارض مع الدستور، لذا فإن طبيعة رقابة المحكمة الاتحادية العليا على دستورية القوانين هي رقابة إلغاء لاحقة لصدور التشريع، ويترتب على صدور الحكم بعدم دستورية القانون هو إلغاء القانون المخالف للدستور إلا أن المشرع لم يحدد النطاق الزمني لسريان حكم الإلغاء فذهب جانب من الفقه إلى أن الإلغاء يرتب آثاره اعتباراً من تاريخ صدور الحكم ، في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى ضرورة أعمال القواعد العامة في حالة سكوت المشرع وهذه القواعد تقضي بأن الأحكام الصادرة بعدم الدستورية هي أحكام كاشفة للمخالفة الدستورية وبالتالي فإن أثر الإلغاء ينعطف إلى تاريخ صدور التشريع مع مراعاة الحقوق المكتسبة والمراكز القانونية المستقرة .
أما المحكمة الدستورية العليا في مصر فقد أكدت بأن الحكم الصادر بعدم الدستورية يتمتع بأثر رجعي بإعتبار أن الحكم الصادر بعدم الدستورية يعني تجريد النص من قوته التنفيذية اعتباراُ من تاريخ صدوره وإن ما ورد في المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا المصري رقم (48) لسنة 1979 المعدل بعدم جواز تطبيق النص المحكوم بعدم دستوريته اعتباراً من اليوم التالي لنشر الأحكام الصادرة بشأنها في الجريدة الرسمية، لا يعني أن يكون لهذه الأحكام أثراً مباشراً لا تتعداه، فالنص الباطل منعدم ابتداءً لا انتهاءً فلا يكون قابلاً للتطبيق أصلاً منذ أن نشأ معيباً، فبطلان النصوص القانونية لا يتجزأ ويستحيل أن ينقلب العدم وجوداً ولا أن يكون مداه متفاوتاً أو متدرجاً فالساقط لا يعود أبداً، ذلك لأن القول بأنه لم يكن لهذا الحكم أثر رجعي لأصبح على قاضي الموضوع الذي أرجأ تطبيق القانون الذي طُعن في دستوريته أن يطبق هذا القانون المشكوك في دستوريته بعد صدور الحكم بعدم دستوريته على وقائع سابقه للحكم بإعتبار أن الحكم الصادر بعدم الدستورية لا يسري بأثر رجعي وهذا ما يتأباه المنطق القانوني السليم ، لذا نجد أن مسلك المشرع العراقي غير محمود في عدم تحديده النطاق الزمني لسريان الحكم الصادر بالإلغاء منعاً للإشكالات التي قد تثار بشأن الأوضاع والمراكز القانونية التي نشأت في ظل القانون المقضي بعدم دستوريته وهذا يتطلب قطعاً تدخلاً تشريعياً سريعاً لمعالجة هذا الخلل وإلاّ فإن أزاء هذا هذا السكوت فإن القواعد العامة هي الواجبة التطبيق والتي تقضي بسريان حكم الإلغاء بأثر رجعي، وكذلك الحال نجد أن سكوت المشرع عن معالجة حالة الطعن بدستورية قانون صدر في ظل دستور سابق للدستور الذي يتم الطعن بدستورية هذا القانون خلال فترة سريانه يثير التساؤل فيما إذا كانت المحكمة ستقرر دستورية أو عدم دستورية هذا القانون المطعون فيه وفقاً للدستور الذي صدر في ظله القانون أم وفقاً للدستور الجديد القائم؟ وقد انتهت المحكمة العليا في مصر إلى أن العبرة بعدم الدستورية هو في ظل الدستور القائم إذ يعتبر هو المرجع عند البحث في مدى دستورية التشريعات حتى وإن كانت هذه التشريعات قد صدرت في ظل الدستور السابق.
وازاء هذا الاغفال التشريعي في تحديد النطاق الزمني لسريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا باثر رجعي ؟ ام باثر فوري ؟ ، ذهبت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها المرقم (28/اتحادية/2018) في 12/2/2018 الى تحديد النطاق الزمني لسريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا تلافياً لهذا الاغفال ، حيث جاء في حيثيات قراراها ما ياتي (... لدى التدقيق والمداولة حول الطلب الوارد الى المحكمة الاتحاديه العليا من الامانه العامة لمجلس الوزراء/ الدائرة القانونية بالكتاب المشار اليه في اعلاه تجد المحكمة الاتحادية العليا ان الاحكام والقرارات التي تصدر من المحكمة الاتحادية العليا تكون نافذه اعتباراً من تاريخ صدورها مالم ينص في تلك الاحكام على سريان نفاذها من تاريخ محدد بالحكم او القرار او ينص على سريانها على واقعه محددة كما هو وارد بالحكمين بالعدد (6/ اتحادية/2010) والعدد (7/ اتحادية/2010) المؤرخين في 3/3/2010 وفي الحكم المرقم (12/اتحادية/2010) في 14/6/2010 المشار اليه في الطلب المنوه عنه في اعلاه ، وصدر القرار بالاتفاق في 12/2/2018 ).
ولنا على هذا القرار الملاحظات الاتية :
1. ان المحكمة الاتحادية العليا قد حذت حذو المشرع المصري في المادة (49) من قانون المحكمة الدستوريه العليا رقم (48) لسنة 1979 المعدل التي نصت على (.....ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون او لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم مالم يحدد الحكم لذلك تاريخاً اخر اسبق ، على ان الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لايكون له في جميع الاحوال الا اثر مباشر .....الخ ) ، والذي يتبدى من ذلك ان الاصل هو الاثر المباشر للاحكام الصادرة بعدم الدستورية والاستثناء هو الاثر الرجعي ، والحقيقية ان الاثر الفوري او المباشر يحقق مبدأ استقرار المراكز القانونية ويحقق الامن القانوني ، الا ان ترك سريان الاثر الرجعي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا لتقدير المحكمة يحتاج الى تنظيم تشريعي في قانون المحكمة لضمان عدم تعارض القرارات الصادرة من المحكمة باثر رجعي مع الدستور وتحديدا المادة (19/ تاسعاً/عاشراً) من دستور 2005 منه.
2. ان قرار المحكمة الاتحادية العليا اعلاه لم يحسم الجدل الفقهي حول تاثير الحكم الصادر بعدم دستوريه نص في قانون او نظام ونطاق سريانه الزمني ، حتى باقرارها بالاثر الفوري والمباشر، لان جانب من الفقه يرى بان الاثر الفوري لايعني سوى تجريد النص الذي صدر حكم بعدم دستوريته من قوته التنفيذية بالنسبة للمستقبل ، كون النص المخالف للدستور منعدم ابتداً وليس انتهاءً.
3. ان الاتجاه الفقهي الذي يؤيد الاثر الفوري لقرارات الالغاء له مبررات قانونية وعمليه ابرزها الحفاظ على المراكز القانونية المكتسبة بصورة مشروعة وهذا من شانة تعزيز مبدأ الامن القانوني والامن القضائي المنوط بالمحاكم العليا وتعزيز ثقه المواطن بهذه المؤسسة الدستورية ، الان ان هذا الاتجاه له كلفه التشريعية الخاصه اذ يتوجب على المشرع تعديل نصوص الدستور وقانون المحكمة بما يسمح بالتعويض عن الاضرار الناشئة عن القوانين والانظمة الصادرة بالمخالفه لاحكامه ، لان التعويض في مثل هذه يكون مكملاً للالغاء ، والغريب ان دستور 2005 اغفل النص على التعويض في حين نجد نص القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 في المادة (86/1) التي نصت على التعويض (.......واذا صدر قرار من هذا القبيل يكون القانون او القسم المخالف منه ملغي من تاريخ صدور قرار المحكمة على ان تقوم الحكومه بتشريع يكفل ازالة الاضرار المتولدة عن تطبيق الاحكام الملغاة ).
لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى تنظيم موضوع نطاق سريان الاحكام الصادرة بعدم الدستورية زمنياً بشكل دقيق حسماً للاتجاهات الفقهية المتعارضة والتي لكل منها مبرراتها النظرية والعملية المقبولة ، وهذا يقتضي من المشرع ان يرجح احد هذه الاتجاهات ويتبناها تشريعياً ، كما ينبغي عليه ان ان يتبنى مبدأ التعويض عن الغاء النصوص الواردة في القوانين والانظمة المخالفه للدستور، وهذا لمن يبغى ليس بمنيع د.احمد طلال البدري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل