الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الولايات المتحدة (30) - أمريكا والدول الصغيرة

محمد زكريا توفيق

2021 / 5 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ساحة أمريكا الخلفية

"الموت لنيكسون، الموت لنيكسون!"، الحواجز الخشبية كانت تسد الطريق. اهتزت السيارة بعنف عندما حاولت الغوغاء قلبها. الصخور تتساقط على سطح السيارة، وقضبان الحديد تهشم نوافذها الزجاجية. داخل السيارة، يجلس ريتشارد نيكسون، نائب رئيس الولايات المتحدة، وكان في خطر بالغ.

كان ذلك في 13 مايو 1958، في كاراكاس، عاصمة فنزويلا. نيكسون كان يزور المدينة كجزء من جولة ودية في أمريكا اللاتينية. لكنه لم يجد غير الكراهية في شوارع كاراكاس. وقد تم إنقاذ نيكسون عندما شقت شاحنة طريقها خلال الحواجز، لكي تفسح الطريق أمام سيارته وتمكنها من الهرب.

عندما وصلت أخبار الهجوم على سيارة نيكسون إلى الولايات المتحدة، تلقاها الشعب الأمريكي بالصدمة والغضب. لكن الحادث جعلهم يدركون مدى كره بعض دول أمريكا اللاتينية لهم.

أمريكا اللاتينية، هو الاسم الذي يطلق أساسا على البلدان الناطقة بالإسبانية، والتي تقع جنوب الولايات المتحدة. منذ أوائل القرن التاسع عشر، كان للولايات المتحدة اهتمام خاص بما يحدث في هذه البلدان. إنها أقرب الجيران لها، وهي دول هامة لسلامة وأمن الولايات المتحدة. وبالتالي لا يجب أن تكون تحت نفوذ دول معادية للولايات المتحدة.

في الماضي، هذا يعني في كثير من الأحيان، أن حكام هذه البلدان، هم أكثر قليلا من دمى تحركها أمريكا. الزراعة والصناعة في هذه البلاد، كثيرا ما كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة أيضا.

كمثال كلاسيكي، كوبا. حتى الخمسينيات من القرن العشرين، السكك الحديدية والبنوك ومحطات الكهرباء والعديد من أكبر المزارع، كانت مملوكة للولايات المتحدة.

في عام 1933، وعد الرئيس فرانكلين روزفلت بأن الولايات المتحدة ستحترم حق دول أمريكا اللاتينية في إدارة شؤونها الخاصة. كان يسمي هذه السياسة، بسياسة حسن الجوار. أي الجار المؤدب الذي يحترم حقوق الآخرين.

أمر روزفلت الجنود الأمريكيين والمسؤولين الذين كانوا يديرون شؤون دول أمريكا اللاتينية، في الثلاثين سنة الماضية، بالعودة إلى الولايات المتحدة. نيكاراجوا، على سبيل المثال، كانت تحتلها القوات الأمريكية من عام 1912 إلى 1933. كما أنه قد تخلى أيضا عن تدخل الولايات المتحدة في شؤون بنما وكوبا.

لكن العديد من مواطني أمريكا اللاتينية، لم يكونوا مقتنعين بتصريحات الرئيس روزفلت عن سياسة حسن الجوار هذه. صحيح القوات الأمريكية قد تركت دولهم وعادت إلى بلادها، لكن عائلة سوموزا التي حكمت نيكاراجوا، من 1937 إلى 1979، لم تكن تفعل غير ما يمليه عليها الأمريكان.

بسبب الحرب العالمية الثانية، شهدت أمريكا اللاتينية أوقاتا أفضل. انتاجها من المواد الخام، نحاس وقصدير وزيت وغيرها، كانت مطلوبة من قبل المصانع زمن الحرب في الولايات المتحدة. النتيجة، اقتصاد أفضل والمزيد من المال والمزيد من فرص العمل. لكن أيضا المزيد من الهيمنة الأمريكية.

ريجان والثوار الساندينستاس

تقع نيكاراجوا في أمريكا الوسطى. في أعوام 1970s، كان يحكمها ديكتاتور يميني اسمه سوموزا، الذي كان على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. الثوار اليساريون، وكانوا يسمون الساندينستاس، قاموا بتنظيم جيشا لمحاربة سوموزا.

اسم الحركة جاء تيمنا بزعيم حرب عصابات يدعى سيزار أوجوستو ساندينو، الذي قاوم الاحتلال الأمريكي لنيكاراجوا خلال 1920s و 1930s.

الساندينستاس كانوا مدعومين من قبل الفلاحين والعمال والكهنة والعديد من رجال الأعمال. في 1979، نجحوا في طرد سوموزا من البلاد، وتعيين حكومة جديدة. لقد وعدوا شعب نيكاراجوا بالإصلاح الزراعي والعدالة الاجتماعية والحكومة الديمقراطية.

في البداية، رحبت حكومة الولايات المتحدة بحكومة الساندينستاس، وعرض عليهم الرئيس كارتر، المساعدات الاقتصادية. لكن عندما جاء رونالد ريجان عام 1981، تغيرت هذه السياسة.

كان يعتقد ريجان أن الساندينستاس عملاء للاتحاد السوفيتي وكوبا. ثم بدأ يصف حكومتهم بأنها ديكتاتورية شيوعية. هدفها هو تصدير الثورة إلى أجزاء أخرى من أمريكا الوسطى. لذلك، أعطى ريجان المال والأسلحة لمتمردين لكي يقوموا بالإطاحة بحكومة الساندينستاس.

معظم الناس كانوا يطلقون اسم "الكونترا" على المتمردين. أما ريجان فكان يسميهم المناضلين من أجل الحرية.

انتقد العديد من الأميركيين سياسات ريجان. وحذروا من أن عداوته، قد تجبر الساندينستاس إلى الارتماء في أحضان الاتحاد السوفيتي. لكن أمريكان آخرين أيدوا ريجان. بحجة أن أفكار الثورة في نيكاراجوا قد تنتشر إلى البلدان المجاورة الأخرى.

في فبراير 1990، أجريت انتخابات في نيكاراجوا. عندما خسر الساندينستاس، سلموا السلطة إلى حكومة جديدة، كان قادتها أكثر قبولا للولايات المتحدة، ومن ثم زاد الأمل في السلام.

الأمريكيون من أصول تتحدث الإسبانية

في عام 1950، كان عدد سكان الولايات المتحدة من أصول تتحدث الإسبانية، أقل من أربعة ملايين. بحلول منتصف الثمانينيات، زاد هذا العدد إلى 17.6 مليون، وما زال يرتفع يوما بعد يوم. في بعض أجزاء من الولايات المتحدة، وخاصة في الجنوب والغرب، أصبح من الشائع أن تسمع الحديث باللغة الإسبانية في الشوارع بدلا من الانجليزية.

حوالي 60 في المائة من الأصول الإسبانية جاءوا من المكسيك. الباقي جاءوا من أمريكا اللاتينية، من دول مثل كولومبيا وكوبا. المهاجرون حديثا من هذه المناطق، جاءوا لنفس الأسباب التي جاء من أجلها المهاجرون من أوروبا سابقا. وهي الهروب من الفقر أو الاضطهاد السياسي والديني في موطنهم الأصلي.

كانت الزيادة في عدد المهاجرين من أصول لاتينية، أي تتحدث الإسبانية، سببه تغيير مهم في نظام الهجرة الأمريكي. قوانين الهجرة القديمة، التي يعود تاريخها إلى 1920s، كانت تفضل الأوروبيين. لكن في عام 1965، صدر قانون جديد يجعل الأسبقية لمن يقدم أوراق الهجرة أولا.

وكانت النتيجة زيادة كبيرة في الهجرة من البلدان غير الأوروبية. بحلول الثمانينيات من القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة، تقبل 270 ألف مهاجر في السنة. 40% منهم من آسيا، و40% أخرى من أمريكا اللاتينية.

العديد من المهاجرين الآخرين دخلوا الولايات المتحدة دون إذن. في عام 1985، كان تقدير الحكومة لعدد المهاجرين غير الشرعيين هو ما بين 2 و 10 مليون شخص. الكثير منهم دخل البلاد سرا عن طريق عبور نهر ريو جراند الضحل، والذي يفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك.

بمجرد انتهاء الحرب، بدأت دعوات جديدة تهتف وتقول: "يانكي، عد إلى بيتك". كمحاولة للحد من شعور العداء للولايات المتحدة، في عام 1945 أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة في إنشاء منظمة الدول الأمريكية.

فكرة المنظمة، هي تشجيع بلدان أمريكا اللاتينية للتعاون مع بعضها البعض، ومع الولايات المتحدة كشركاء. أحد الأهداف، هو تحسين مستوي معيشة شعوبها.

لكن شظف العيش والجوع، لا زال ينتشران على نطاق واسع في أمريكا اللاتينية. في معظم البلدان هناك، فقر مدقع يعاني منه الكثير والكثير جدا، وثروة هائلة في أيدي قلة، ولا شيء آخر بينهما. الحكومات القمعية، التي يسيطر عليها الأغنياء، والمدعومة من قبل الجيش، لا تفعل شيئا لتحسين حياة الناس.

اتهم الإصلاحيون الولايات المتحدة بمساعدة هؤلاء الطغاة الأثرياء على البقاء في السلطة. وكان هناك بعض الحقيقة في هذا الاتهام. في كثير من الأحيان، يبدو أن الحكومة الأمريكية كانت مهتمة باحتواء الشيوعية وقمعها أكثر من تحسين ظروف الحياة بالنسبة لمواطني هذه البلاد.

في عام 1954، على سبيل المثال، شجعت وكالة المخابرات الأمريكية على الإطاحة بحكومة الإصلاح في جواتيمالا. عندما طلب رئيس جواتيمالا المخلوع من الأمم المتحدة النظر في هذا الأمر، استخدم الأمريكان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع إجراء تحقيق.

في السنوات اللاحقة، استمرت الحكومات الأمريكية في التدخل في شؤون أمريكا اللاتينية. في بعض الأحيان، كانوا يقومون بالتدخل علنا، وأحيانا بطرق أكثر سرية.

في عام 1965، أرسل الرئيس جونسون 22,000 أمريكي من جنود البحرية إلى جمهورية الدومينيكان، لوقف زعيم لا تثق فيه أمريكا من استعادة السلطة. في عام 1973، ساعدت وكالة المخابرات المركزية جنرالات تشيلي في الإطاحة بالرئيس "ألندي"، المتعاطف مع الأفكار الشيوعية، والذي قام بتأميم بعض شركات التعدين المملوكة للولايات المتحدة.

مثل هذه الإجراءات، تبين لماذا تكره العديد من دول أمريكا اللاتينية جارتهم الأمريكية. بالنسبة لكل دول أمريكا اللاتينية، على ما يبدو، كانت الولايات المتحدة تدعم الحكومات القمعية والتي ليس لها شعبية.

لكن في الحقيقة، لم يكن الأمر كذلك بالضبط. لأن الأمريكان كانوا يتعاملون مع أمريكا اللاتينية بإيجابية أكثر. خلال فترات احتلال كوبا ونيكاراجوا، قام الأمريكان ببناء المستشفيات وزودوا المدن بالمياه النقية، وقضوا على الأمراض القاتلة مثل الملاريا والحمى الصفراء. في أوائل 1960s، وواصل الرئيس كينيدي هذه السياسة.

في عام 1961، أنشأ كينيدي منظمة تسمى التحالف من أجل التقدم. أعطت ملايين الدولارات لتحسين حياة فقراء أمريكا اللاتينية. المال كان يستخدم لبناء الطرق والمنازل والمدارس، وتحسين إمدادات المياه ونظم الصرف الصحي.

كما قدمت منظمة التحالف المال للمزارعين، حتى يتمكنوا من شراء المزيد من الأراضي. كينيدي كان يأمل أن مساعدة أمريكا اللاتينية، من شأنها أن تمكن الحكومات من عمل تحسينات كافية، تبعد الناس عن الشيوعية.

لكن الجنرالات التي تحكم الكثير من دول أمريكا اللاتينية، استمروا في الاعتماد أكثر على القوة، لا على الإصلاحات، للحفاظ على السلطة. بالرغم من سخاء مساعدات منظمة التحالف من أجل التقدم، كثير من الناس لم يروا أي فرق بين موقف الولايات المتحدة تجاه دول أمريكا اللاتينية، وموقف الاتحاد السوفيتي نحو أوروبا الشرقية. بمعنى أن القوى العظمى تعمل فقط لحماية مصالحها الخاصة، بالسيطرة على جيرانها من الدول الضعيفة.

فيلق كينيدي للسلام

في تنافسهم مع الاتحاد السوفيتي، لم تنس الحكومات الأمريكية أبدا الدرس المستفاد من خطة مارشال. كانوا يعرفون أن الشيوعية في كثير من الأحيان، هي الأكثر جاذبية للشعوب، عندما يشح الغذاء وتصعب المعيشة.

لذلك من 1950s فصاعدا، أنفقت الحكومات الأمريكية الملايين من الدولارات على تحديث الزراعة، وبناء محطات الطاقة والطرق في بلاد كثيرة مثل تركيا وكولومبيا وباكستان وشيلي.

الفكرة في هذه "المساعدات الخارجية"، كانت لإعطاء الفقراء في جميع أنحاء العالم فرصة لحياة أفضل. لكن السبب الحقيقي وراء تلك المساعدات، كان لكسب أصدقاء جدد ومؤيدين للولايات المتحدة.

المساعدات الخارجية لم تكن دائما في شكل الغذاء، أو في شكل آلات وأموال. في بعض الأحيان، كانت في شكل خبرات مهنية، مثل توفير المعلمين وخبراء التقنية. بعد فترة وجيزة من مجيء الرئيس جون كينيدي، بدأ خطة جديدة من هذا النوع، أصبحت تسمى فيلق السلام.

كانت فكرة فيلق السلام، هي استخدام حماس ومهارات الشباب الأمريكي في مساعدة الشعوب المتخلفة. أي الدول الفقيرة التي لا تستطيع الاعتماد على نفسها. جميع أعضاء فيلق السلام كانوا متطوعين، وافقوا على العمل لمدة عامين في البلدان الفقيرة في آسيا، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

بعض الأميركيين كانوا يكرهون هذه السياسة. قالوا إن فكرة ارسال شباب أمريكي غير ناضج إلى أماكن بعيدة لكي توضح لشعوبها كيف تعيش، هي فكرة ساذجة ومتغطرسة.

لكن يعتقد آخرون أن الفكرة مثيرة وجديرة بالاهتمام. "هؤلاء الشباب يمثلون شيئا، يظن العديد منا أنه قد اختفى من أمريكا". قال طبيب نفساني من نيويورك. "إنها تمثل روح الحدود الأمريكية القديمة"

لكن الحقيقة، أن فيلق السلام، قد حقق شيئا واحدا على الأقل. لقد أعطى وجها إنسانيا للمساعدات الاقتصادية الأمريكية للدول الأجنبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان