الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية يعقوبيل ناصر قواسمي

رائد الحواري

2021 / 5 / 2
الادب والفن


رواية يعقوبيل
ناصر قواسمي
في حالة الصراع مع العدو يفترض أن يكون الأدب منحازا للقضية الوطنية/القومية ، أو دعم فكرة / موقف / وجهة النظر المُعتدى عليهم إنسانيا على الأقل ، وفي أسوء الحالات ، وإذا وصل الواقع إلى حالة متردية جدا ، على الأدب أن يقدم هذا التردي بصورة أدبية ، أو يعبر عنه بشكل/ الفانتازيا/العبث/السخرية ، فتصل فكرة التقهقر للقارئ من خلال الشكل الأدبي .
لكن أن يأتي نص أدبي يتبنى وجهة النظر التاريخية للعدو، وأن يكون هذا العمل مستند على العهد القديم(التوراة)المؤسِسَة للرواية الصهيونية ، فهو أمر يستدعي التوقف عنده والتفكير فيما يُراد منه ومن وراءه .
عنوان الرواية "يعقوبيل ، رحلة نبي في قميص الأرض" يأخذنا إلى قصة يعقوب ، حسب ما جاءت في العهد القديم ، والذي تحول اسمه إلى إسرائيل ، بعد أن (استبسل) في صراعه مع ملاك الرب ، ورفض أن يُطلقه إلى أن وعده الملاك بأن يكون اسمه "إسرائيل" (قوة الرب)، فالعنوان "يعقوبيل"/"يل" متطابق مع معنى قوة/"يل"، كما أن التوضيح "رحلة نبي في قميص الأرض" يشير إلى علاقة "يعقوب /الأرض" وهذا يستفز القارئ ويجعله في حيره ، فبعد أن تم سرقة "إيل" إله الفلسطيني من خلال "يعقوب/يل" يتم سرقة الأرض ، ومن قبل "نبي"/ مقدس، بحيث لا يعود للفلسطيني وجود لا في المكان ولا في التاريخ، جاء في مقدمة الرواية:
"قبل الدخول
الرجاء أن تضع مفاهيمك ومعتقداتك المسبقة جانبا وتدخل بكامل البياض والنقاء كي تدرك المعنى والغاية المرجوة من هذا العمل أو لم تفعل، فلا تسقط معتقداتك على العمل وتتهمه بما ليس فيه، لأن هذا في حد ذاته امتهان للرأي ومصادرة للحوار، ليس المطلوب منك أن تقرأ لمجرد القراءة أو الاستمتاع، بل أن تكون شريكا في البحث للوصول إلى حقيقة الأمر دون زيف أو محاباة" ص2، هذه المقدمة تحمل التناقض، فهي تدعو إلى الحياد والموضوعية "تضع مفاهيمك جانبا، فلا تسقط معتقداتك"، وتعتبر عدم إسقاط المعتقد "امتهان للرأي ومصادرة للحوار" وفي الوقت ذاته تريدنا أن نتبنى وجهة نظر العمل الأدبي لـ"نكون شريكا في البحث للوصول إلى حقيقة الأمر دون زيف أو محاباة" كما أنها تزيل أهم شرط من شروط الأدب ألا وهو الاستمتاع بالقراءة، فإذا لم يكن هناك متعة في ما نقرأ ، فكيف سنفعل/سنصل إلى ما في العمل من (أفكار/معتقدات/جمال/أدب)؟، من هنا نجد أن المقدمة غير موفقة!، وغير منسجمة مع دور الأدب ومهمته!.
وبعد أن تنتهي الرواية بفوز "إيثان/يوسف" وسجود اخوته له، وبعد أن يتم دفن "آرام/يعقوب" في "حبرون" بجانب والده "حاييم/إسحاق وجده "أفراهام/إبراهيم" حسب وصيته، ينهي السارد الرواية بقوله: "تمت ولم تنته" ص158، فماذا أراد السارد بهذه الخاتمة؟، وكيف تمت ولم تنته؟، هل هي (فبركة) أدبية، أراد أن يثير بها القارئ ليجعله ينتظر عملا روائيا آخر مكملا لسير يعقوب ويوسف؟، أم أنه أراد أن يوجعه أكثر بسياط التاريخ التوراتي الذي ما زال يلسع ظهوره ؟.
اعتقد أن المقدمة والخاتمة لم تكن لتخدم فكرة الحياد والموضوعية التي تبنتها، بل جعلت القارئ مستفز ومضطرب وغير (فاهم) ماذا أراد أو أُريد بعمل أدبي يتبنى بشكل كامل الرواية التوراتية عن يعقوب ويوسف، فكان يمكن للقارئ العودة إلى العهد القديم ليقرأ سيرة يعقوب وكفى الله المؤمنين شر "اسقاط معتقداتهم" على العمل، لهذا اعتقد أن تبني الرواية للفكرة التوراتية أراد بها أن يثير القارئ ويستفزه، بحيث يتخذ موقفا سلبيا مما جاء في العمل الأدبي/الرواية، ومن ثم ينحاز لموقفه/لمعتقده السابق، وبهذا تكون المقدمة قد فعلت (عكس) ما تطرحه، من حياد وموضوعية، فهي جعلت القارئ ينحاز ويدافع عن موقفه ومعتقده وما لاقاه من "يعقوبيل"..
السرد الروائي
يستخدم السارد تداعي ضمير المخاطب في بداية كل فصل من الرواية، ثم يبدأ السرد الخارجي والسارد العليم في التكملة ومتابعة الأحداث والشخصيات، وأحيانا يترك المجال لضمير أنا السارد ليتحدث بما يريد، وهذا التعدد في أشكال السرد يحسب الرواية التي تعددت الأشكال فيها : " دخول حرّ كان عليك أن تخرج من روحك المستعدة لطيران إلى ظل تهيأ للقفز من جسد صاحبه في لحظة كي يستلقي على الأرض، وكانت الأرض كعادتها تحتشد بالغيب واحتمال الغياب الممكن إلى شكل أكثر صلاحية من ثوب الشمس تمطط في سماء من حيرة وقلق تتم معناها في معناك أنت.." ص4، نلاحظ أن السرد بمجمله جاء من خلال تداعي ضمير المخاطب.
ومن أشكال أنا السارد/المتكلم: "هل كان علي أن أموت من الغيض، لأن أخي سبقني في النزول من رحم أمي بمسافة زأرة ريح أو أقل قليلا فيحظى بالبكورية المشتهاة والحظ الوفير؟" ص8، أما عن السارد العليم: "يشمر "آرام" عن ساعدين وساقين نحيلين طمعا ببعض هواء عابر يلاطفهما، وقد نالت الشمس منهما وجلدتهما بسوط ساخن حتى أسالت العرق كالأدمع مدرارا" ص14، فتعدد أشكال السرد يضفي لمسة ناعمة على الرواية، ومن ثم ُيحدث المتعة للقارئ، وهذا يأخذنا إلى أن الهدف من المقدمة ليس ما جاء فيها، بل أن نعمل/نأخذ بنقيضه.


اللغة الأدبية
إذا ما توقفنا عند ما جاء في المقطع الأول نلاحظ أن اللغة الأدبية عالية في الرواية، فهي تمتع القارئ وتجعله يهيم بها، لما لها من فضل ودور في تخفيف السواد والقسوة التي تحملها الأحداث ، كما أن اللغة الجميلة ـوبشكلها المجرد ، تجذب المتلقي وتأخذه إلى حالة من النشوة والفرح، وهذا يتناقض مع ما جاء في مقدمة الرواية، فالاستمتاع باللغة يؤثر ايجابيا على القارئ، كما أن المتعة/الاستمتاع نجده في شكل التقديم وفي اللغة التي حملت العمل الروائي.
الأرض
صراعنا مع المحتل على الأرض ومن أجل الأرض، فهم يعتمدون على وثيقة الرب التي اعطاها لإبرام، يقدم السارد تعلق وارتباط "آرام/يعقوب" بالأرض في أكثر من موضع في الرواية، منها عندما سرق بركة أخيه من أبيه الضرير وفرّ هاربا: " واصل المشي يا "لآرام" فخلف النهر نهر يمشي إلى بحره، وخلف الأرض أرض تنتظر مواليدها ينهضون من جيب الرحم... كلما قطعت منها شبرا تمددت تحتك أكثر، وكلما قضمت من لحمها قضمة توالدت في بعضها واتسعت" ص18و19، تركيز الفقرة على "الأرض تنتظر مواليدها" لا يمر عليها القارئ مرور الكرام، فهي تؤكد على أن هناك ارتباط/علاقة بين "آرام/يعقوب" والأرض،ونلاحظ كيفية السيطرة على الأرض والتوسع فيها، "قضمت قضمة".
ولا تقتصر فكرة السيطرة على الأرض من خلال المعنى الكامن في المقطع فقط، بل نجده من خلال شكل السرد "تداعي ضمير المخاطب" فبدا السرد وكأن هناك (قوة سماوية/خارجة) تدعو/تخاطب "آرام/يعقوب" ليستمر في المسير، وبهذا يكون السارد قد أوصل علاقة يعقوب بالأرض بأكثر من شكل وطريقة.
وحتى أثناء عمل "آرام/يعقوب" عند خاله "عازر" وبعد أن خدعه بتزويجه من ابنته الكبرى "لوليتا" بدل الصغرى "إيليان"، والتي تتطلب أن يعمل سبع سنين أخريات عند خاله "عازر" تم ذكر الأرض بطريقة مريبة: "ستركض طويلا وكثيرا كي تقطع الأرض، فإذا وقفت في لحظة ظنا بأنك انتهيت منها ستجدها ما زالت أمامك ممتدة لا تنتهي كأن لا آخر لها ولا وصول" ص54، كل هذا يستوقف القارئ ويجعله يشك في ما تحمله الرواية، وما أُريد من ورائها.
فالسرد الفكرة، وطريقة السرد يتحالفان في تأكيد الارتباط بين "آرام/يعقوب" والأرض.
قلنا أن الرواية تتبنى سيرة يعقوب حسب ما جاءت في الرواية التوراتية: "... أقاموا هناك أياما بعد أن نصبوا خيامهم وأعجبهم جمال البلدة وعراقتها فاشترى "آرام" أرضا من أحد رجالات شكيم، أقام عليها خيامه وأطلق قطعانه ترعى في خضرتها اليانعة متخذا منها مستقرا مؤقتا إلى حين، قبل رجوعه إلى ديار أبيه في حبرون" ص100، المسافة بعيدة بين شكيم/نابلس الواقعة في الشمال، وبين "حبرون/الخليل والواقعة في الجنوب، فما الداعي ل"آرام/يعقوب" أن يتجه إلى الشمال/شكيم؟ فوجهته من المفترض أن تكون إلى "حبرون/الخليل" (أرض أبيه)، وليس إلى "شكيم" التي لا يعرف أهلها!؟.
وهذا يعيدنا إلى ما تحمله الرواية من أفكار توراتية توثيق ارتباط "آرام/يعقوب" بالأرض، حيث ("اشترى أرضا في شكيم)، بمعنى أنه أصبح له مكان/حصة في "الشمال/شكيم/نابلس" كما هو الحال في أرض الجنوب/حبرون/الخليل، وهذا ما يثيرنا ويجعلنا منحازين لمعتقداتنا، فيبدو للوهلة الأولى أن هناك ملامح مريبة تحملها الرواية وتدعو إليها، وهذا يجعلنا نتساءل: هل نبقى محايدين، فها هو "آرام/يعقوب" يستولي على الشمال/شكيم بعد أن ادعى أن الجنوب/حبرون أرض أبيه؟، فكيف لنا أن نحافظ على هدوئنا في ظل هذه الهيمنة على الأرض والسيطرة عليه؟، مرة من خلال الادعاء/أرض أبيه في حبرون، مرة بالشراء/أرض شكيم.
وبعد أن يتم اغتصاب ابنه "آرام" "دينا" من قبل "شكيم" ابن "حمور" حاكم "المدينة، يُتفق على أن تزويجه منها، لكن بعد أن يتم ختن كل الذكور في شكيم، وبعد أن يختنوا ولم يعودوا قادرين على الحركة، يتم قتلهم جميعا: "في اليوم الثالث للختان وفي حين جميع أهل البلدة في حال يرثى لها من ألم الختان وصعوبة الحركة جراء التوجع والألم يحمل إخوة دينا الكبيرين "متى" و"مزراخ" سيفاهما وينطلقا باتجاه البلدة يأتون على كل ذكورها بالقتل، ولا يوفرا "شكيم" وأباه "حمور" ويسوقان كل قطعان البلدة ونسائها وغلمانها أسرى لديهم بعد أن نهبوا كل شيء فيها واستردا اختهما "دينا" معهما وعادا إلى خيامهما على السفح يسوقون بالجميع" ص103، اعتقد أن هذا التناول الدموي لا يمكن أن يأتي لأنه متعلق بالتاريخ التوراتي، بل قصد منه السارد تذكير القارئ بنهج ابناء "يعقوبيل" فهم يمارسون الخداع والغدر كنهج حياة، وهذا الأمر لم يقتصر عليهم فقط، بل مارسه أبيهم من قبلهم حينما سرق بركه أخيه"آرون/عيسو" من أبيه "حاييم/إسحاق، من هنا يمكنا القول أن الرواية تحمل في باطنها غير ما تظهره في العلن، وأنها تعدو إلى التمسك والثبات والاحتفاظ بما نعتقده، وأن "يعقوبيل" ومن يسير على نهجه ما هو إلا مخادع قاتل.
نهاية الرواية
يخاطب السارد "آرام/يعقوب" بعد أن مات في مصر، وحمله "إيثان/يوسف" ليدفنه في "حبرون" بهذا الخطاب: "ماذا ورثت من أسلافك؟ ماذا أورثت لأبناء سيتوزعون في كل أصقاع الأرض حاملين معهم بشائرك ودعوتك؟
ها أنت تعود إلى حبرون كما خرجت منها أول مرة، لكنك تعود محمولا على الأكتاف كي تدفن فيها وما لك إلا ما يتسع لجثتك لا أكثر، وخرزاتك التي جمعتها كل خرزة بتعب تنفرط الآن تباعا في الأرض كل واحدة تذهب في اتجاه دون الأخرى.
..فنم قرير العين يا آرام، ستقوم الساعة بعد حين وخرزتك ما زالت تكرج في الأرض تبحث عن معنى لمعناها وروحا لروحها، ذلك أنها ظنت أن الحياة غزالا سائغا للصيد ترديه بسهم من البعيد ثم تشويه على نار موقدة وتأكله، ونسيت أن الحياة طير لا يقيض عليه بسهولة ويسر، أن سرّ الوجود يكمن بالمحبة والإيمان وما طال الوجود أو قصر أن الإنسانية سبقت الدين والعرق واللون.
وأن هذا الكون له رب أكبر بكثير مما يعتقدون وله على الأرض شؤون لن يدركوها دون الرجوع إليه" ص157 و158، نلاحظ أن مغامرات "آرام/يعقوب" انتهت بالموت، بمعنى أنها من الماضي، وأن ابناءه/خرزاته تفرقوا في الأرض وتشتتوا، أي أن كل ما فعله من سرقة البركة من أخيه ثم فراره عند خاله والعمل عنده أكثر من خمس عشرة سنة، ثم تزويجه وهروبه وملاقاة أخيه "أرون" انتهت، لم يعد لها أي وجود، لقد أصبحت من الماضي.
كما أن تركيز السارد على الأخلاق والمفاهيم الدينية التي تدعوا للعمل والالتزام بها، تتناقض تماما مع نهج "آرام/يعقوب" وأبناءه، من هنا نقول أن الرواية عرّت نهج"آرام" وكشفته لنا، فكيف بنا أن نسلكه، أو نسير على خطاه؟.
الرواية صدرت عن دار ومضة للنشر والتوزيع والترجمة – الجزائر 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن