الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقصُ ... بجناح مكسور

فاطمة ناعوت

2021 / 5 / 2
حقوق الانسان


Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

اليومَ، 29 أبريل، "اليومُ العالمي للرقص"؛ كما أقرّته منظمة اليونسكو تخليدًا ليوم ميلاد راقص الباليه الفرنسى "جان جورج نوفر". والرقص هو أحد الفنون الستة التي قسّمها الإغريق قسمين: قسمٌ يعتمدُ الإيقاعَ البصري: “العمارة- النحت- التشكيل"، وقسمٌ يعتمد الإيقاع السمعي: “الموسيقى- الشعر- المسرح"، ويدخل الرقصُ تحت مظلّة فنِّ المسرح. الرقصُ فنٌّ فطري ابتكره الإنسانُ الأول للتعبير عن مشاعر الفرح والخوف والعبادة والحزن والحيرة والأمل. وعلى جدارياتنا المصرية الثمينة نكتشف أن سلفَنا العظيم، الجدَّ المصري، قد خلّد هذا الفن ضمن ما خلّد من علوم وفنون رفيعة سبقنا بها العالمَ والحضاراتِ. كذلك كان سكّانُ أفريقيا، ولا يزالون، يقومون برقصات خاصة من أجل جلب المطر أو اتقاءً لشرور مرتقبة.
واليومَ أحكي لكم من عالم "الباليه" في الشرق الأقصى قصة حقيقية عن الأمل والإرادة الفولاذية. أُجريت مسابقة للرقص فاز فيها اثنان كوّنا فريقًا واحدًا. شابة وشابٌّ، مختلفان عن بقية المتسابقين، وفريدان في عالم الرقص. لذلك ظل جمهور الحضور يصفق لهما وقوفًا مدة طويلة دون انقطاع.
هي: راقصةُ باليه محترفة. تواظبُ على تمارين الرقص منذ طفولتها. وفي حادث مروّع، فقدت ذراعَها من منبته بالكتف! ضربها اليأسُ برهةً. ثم قررت إنشاء مدرسة لتدريب الأطفال على الرقص. وهنا أدركت أن عشقها للرقص يسري في شرايينها مسرى الدم، ولا مهرب لها منه. الفراشةُ الجميلةُ مازالت تريدُ أن ترقصَ، رغم انكسار جناحها. جرّبت حركات بسيطة كانت تتقنها منذ طفولتها، فسقطت، لأن فقدانها ذراعها أفقدها الاتزان. فصممت رقصات تتوافق مع تركيب جسدها الجديد “الناقص”. كانت ترقص وحيدةً بعيدًا عن العيون، خجلا من مواجهة الناس بإخفاقاتها وعثراتها. أما هو، فلم يكن راقصًا. بُتر ساقُه في حادث، وسقط أيضًا في بئر اليأس التي لا قرار لها. ثم التقيا.
كان هدفُها مساعدته ليغدو إيجابيًّا تجاه الحياة من جديد. علّمته الرقص، في أستوديو الرقص الخاص بها، المأوى الذي تهرب إليه من العالم. ثم صممت رقصاتٍ تناسب جسدين: أحدهما بذراع واحدة، والآخر بساق واحدة، وعصا خشبية يتوكأ بها على عجزه. وخلف الأبواب المغلقة، كوّنا معًا جسدًا واحدًا مفعمًا بالتحدي والإبداع، يكسره الإخفاقُ أحيانًا. وراحا يحلمان بما أسماه الآخرون: "المستحيل". واجهتهما صعابٌ وإحباطات وهزائمُ تقول لهما بصوت غليظ ومتعالٍ: (توقفا! اِنهيا فورًا ذلك العبث!) فيفترقان. ثم تناديهما الوحدةُ والأمل، فيلتقيان، ويحاولان من جديد. وقد ازداد إصرارُهما على المضي في الطريق الشاقّة. وأنجزا بالفعل رقصتهما المشتركة. ثم كان القرار الأصعب؛ أن يرقصا أمام أصدقائهما، ليعرفا آرائهم فيما أنجزاه طوال تلك المدة داخل أسوار الشرنقة التي شهدت دموعًا وانكساراتٍ لشابين رفضا الاستسلام للعاهة، ورفضا التسليم بالنقص. ورقصا خارج الشرنقة للمرة الأولى فأذهلا الأصدقاءَ الذين شجعوهما على الاشتراك في المسابقة. اشتركا في المسابقة. وفازا. وصورت رقصتَهما تليفزيوناتُ العالم. شاهد الرقصةَ المتفرجون فبكوا. وشاهدتُها فبكيتُ. بكيتُ احترامًا لتلك الإرادة وذلك الفن الرفيع. فراشتان مبتورتا الأجنحة ترقصان كأجمل ما يكون الرقص وتقدمان فنًّا من أرقى ما يكون الفن!
يقول جورج برنارد شو: (أنتَ ترى الأشياءَ، فتقول: ’كيف ولِمَ؟‘ بينما أنا أحلمُ بأشياء غير موجودة فأقول: ’ولِمَ لا؟‘) هكذا يفكرُ الشعراءُ والعلماء. لهذا يرسمُ الشاعرُ في قصائده صورًا غير موجودة، يخطف القمرَ ويضعه تحت وسادة حبيبته، يلضمُ النجومَ في حبل ليصنع لها عقدًا، ويجرفُ السحابَ والغيماتِ بأظافره ليفرشَ بها الأرضَ تحت قدميها. كذلك الرسامُ الذي يخلق على اللوحة البيضاء عالَمًا خياليًّا، والموسيقيُّ الذي ينحتُ بموسيقاه كونًا مدهشًا من الخيال. وكذلك العالِمُ الذي يخترع ما لم يخطر على بال إنسان، ويحقق للبشرية ما كانت تظنه مستحيلا. إحدى أجمل العبارات وردت في رواية "الخيميائي" لباولو كويللو: إذا حلمتَ بشيء وآمنتَ، تآمر الكونُ كلّه من أجل تحقيقه!" “الدينُ لله، والوطن لمن يُكملُ بنقصه تمامَ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة


.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي




.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة


.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين




.. رياض أطفال بمبادرات شخصية بمدينة رفح تسعى لإنقاذ صغار النازح