الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب بين باب العمود ودير السلطان

وائل رفعت سليم

2021 / 5 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


منذ اليوم السادس من شهر رمضان الحالي 1442 هجرية الموافق لشهر إبريل 2021 ميلادية ، أتت إعتداءات صهيونية جديدة من جماعة تسمي ( لاهافا ) اليمينية المتطرفة علي الفلسطينيين في القدس من خلال مسيرة لها بغرض منع المرابطين من التواجد بمنطقة باب العمود ( وهو أحد مداخل القدس الشرقية والذي يمثل ساحة للإجتماعات الثقافية والإجتماعية والسياسية ، ويكتسب أهميته بكونه المدخل الرئيسي للمسجد الأقصي ، وكنيسة القيامة ، وحائط البراق ) .
وقام المتطرفين الصهاينة بوضع حواجز حديدية بدعم من الشرطة الإسرائيلية لمنع دخول الفلسطينيين للمسجد الأقصي ، وكالعادة يُعطي الفلسطينيين درساً جديداً للأمة العربية ولخونة التطبيع في الصمود والذود عن المسجد الأقصي لمدة تقترب من ثلاثة عشر يوماً ، ووفق BBC عربي :- ( أعلنت إسرائيل عن إزالة الحواجز الحديدية من منطقة باب العامود ، وهي الخطوة التي اعتبرتها الفصائل الفلسطينية إنتصارا لها ، بعدما تسببت الإشتباكات في إصابة أكثر من 100 فلسطيني ) .
ثم أتي مشهد آخر لا يقل إستفزازاً بقيام مجموعة من الرهبان الإثيوبيين بالإعتداء علي دير السلطان الأثري المملوك للكنيسة المصرية للأقباط الأرثوذكس ، وذلك بإقامة خيمة داخل الدير ورفع العلم الأثيوبي .
والمشهدان ليس بجديدين علي الصراع العربي الإسرائيلي منذ إحتلال فلسطين عام 1948 فكم من مرة تم فيها الإعتداء من الصهاينة علي أراضي ومقدسات إسلامية أو مسيحية ، وكم منها إنتهت بسقوط قتلي ( فلسطينيين طبعاً ) ، وكم من سيناريوهات وضعت من أجل وصف المقاومة العربية والإسلامية بالإرهاب ، وهو ما يسألك :- هل للأمر بُعد ما في الفكر الصهيوني ؟ وهل للحادثين علاقة بالمشهد السياسي الإسرائيلي والعربي والدولي ؟ ولماذا تصر أثيوبيا علي شد طرف الحبل مع إسرائيل حول مصر ؟ وإلي متي سيتسمر هذا ؟
لذا علينا الإدراك بأن المشهدان متلاحقان لا ينفصلان ولا يتجزءان حيث التكوين الفكري للعقل الصهيوني القائم علي فكرة ( الفصل العنصري – الأبارتهايد ) فالصهاينة علي إختلاف تنوعهم إلا أنهم يؤمنون بشئ قائم علي العلياء والكبر بظنهم ( إنهم شعب الله المختار ، وأن باقي البشر ما هم إلا بهائم خلقوا ليكونوا خداماً لهم ) وهذا الظن يمنحهم حق إبادة الآخرين أياً من كانوا ، وإستعبادهم من منطلق عنصري لإرادتهم وهيمنتهم .
كما أن الفكر العنصري الأبارتهايد الذي يحملونه بكون الأرض حقاً وميراثاً خاصاً ( أرض الميعاد من النيل للفرات ) تمنحهم تصور بإستباحة أرض الآخرين وما عليها ، كما تمنحهم ( من وجهة نظرهم ) حقاً في إزالة ممتلكات ومقدسات الآخرين دون هواده أو رحمة ، والوقائع عدة ومثبتة يصعب شرحها وتفنيد جميعها الآن ، وإن كانت تجتمع في أمر واحد هو التمييز والإنتقام من كل ما هو عربي بمعتقداته وأرضه بصرف النظر عن كونه مسلم أو مسيحي .
ناهيك عن الفكرة القائمة في تكوين الإيمان اليهودي وهي ( مجئ المسيح المخلص أو المشياح ) وأن مجئيه يقترن بإستباحة كل المحرمات لدي الأمم الآخري فهذه الإستباحة ( عمل مقدس وفق تصورهم ) .
ومن ثم لا تجد ثمة محاسبة قانونية في الداخل ( سواء من الشرطة أو القضاء الإسرائيلي ) عن أي من هذه الجرائم ، بل أحياناً كثيرة تقف الحكومة الإسرائيلية من وراء الستار السياسي لدعم هذه الإنتهاكات إن جاءت من الجماعات اليهودية الأشد تطرفاً ، وقلما تجد أي إدانة دولية بعدما فرضت إسرائيل هيمنتها علي المؤسسات الإقليمية والدولية وعلي رأسها ( الأمم المتحدة ) لتطويع أي جهة دولية يمكن أن تسألهم عن أفعالهم الإجرامية في العالم ، وفي ذات الوقت الحفاظ علي توجيه القرار الدولي وفق ما يخدم أهدافهم .
ويأتي سؤال آخر :- هل للحادث علاقة بالمشهد السياسي الإسرائيلي و العربي والدولي ؟
فتجد أن الأمة العربية في أسوء فتراتها قبحاً وهي في حالة تسابق مذمومة من ( النظم العربية ) لتقديم فروض الولاء والطاعة لإسرائيل ( من خلال شرعنة التطبيع ، وجعله أمراً مقبولاً للشعوب ) ، وهذه المشاهد تتلاحق بعد كم رهيب من المخاطر التي تُحيط بالشعوب العربية بداية من فشل الحكومات العربية في التصدي لفيروس كورونا المستجد ، وتلاحق الحدث مع فشل محاولة الإنقلاب في الأردن بعد رفض الملك عبدالله ضم مستوطنات الضفة الغربية وغَور الأردن إلى إسرائيل ، وإمتناعة عن نقل الوصاية علي الأماكن المقدسة في القدس والتي تشمل الأدارة العامة لأوقاف القدس من الأردن إلي السعودية ، بالإضافة لغرق غير مسبوق ( بفعل فاعل ) في الفشل والإنهيار بالدول المحيطة بإسرائيل .
أما إسرائيل عسكرياً في حالة صدمة بعدما تبادلت إطلاق صواريخ علي مفاعل نطنز الإيراني وردت إيران بالقرب من مفاعل ديمونة وهو ما يثير الشك حول القبة الحديدية برمتها ، ونتنياهو يسعي لتحسين صورته أمام الرأي العام في ظل المطالب المتصاعدة بمحاكمته لفساده ومظاهرات ضدة لفشله وإصراره علي تجميد المشهد السياسي الإسرائيلي ، وإنتخابات رابعة خلال عامين لم تمنح أي حزب للحصول علي أغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً وهو ما يدخل إسرائيل في سيناريوهات معقدة لأنها تفرض خصوم متعارضين متنافرين في تحالف واحد بل ستجبر ساسة يبغض بعضهم البعض في تحالف لا يمكن أن يستمر بأي حال من الأحوال .
ثم إعلان اليهود المتدينين عن ظهور المشياح أو المسيا اليهودي الصغير ( راف شلومو بن يهودا ) وهو شاب يهودي من مواليد 1988 جل قيمته في حفظة للتوراة كاملة ، وهو ما يعني أن إسرائيل ومن ورائها ستصعد من مشاهد العنف والإستباحة لكامل المقدسات والأراضي العربية لتنتقل إلي مرحلة تهويد القدس بشكل كامل ، تمهيداً وأستعداداً لقرب ظهور ( المسيا أو المشياح ملك اليهود الذي سيمكنهم من حكم الأرض ألف عام ) .
وهو ما يفسر لك مساعي إسرائيل الحثيثة في هذ التوقيت لبدء الدخول في مرحلة إسرائيل الكبري من النيل للفرات بإعادة تقسيم المقسم في الوطن العربي ، ونشر مزيد من الفرقة والخلاف العقائدي والعرقي والطائفي والحزبي ( بحيث يحارب العرب بعضهم البعض نيابة عن إسرائيل ) ، وسأحيل القارئ لتفاصيل ذلك إلي مقال ( مشروع دولة إسرائيل الكبري .. وكيف بدأ التطبيق له – أ / أحمد أهل السعيد – بتاريخ 23/2/2020 – علي موقع رأي اليوم ) .
أما الدولي فهو إنشغال العالم بتطور فيروس كورونا المستجد وتصاعد موجاته ، وما سيترتب علي ذلك من خسائر بشرية وإقتصادية ونتائجه في إعادة رسم خريطة التحالفات الدولية والإقليمية ، وإنشغال كل دولة علي حدة بمواجهته ، ومناوشات لفظية ودبلوماسية بين أمريكا وروسيا ، وتفحل الصين إقتصادياً وعسكرياً مع تقارب صيني إيراني ، ثم إستمرار التصعيد الفرنسي ضد المسلمين بما يعرف ( بالإسلاموية ) ، ومرور مائة يوم علي حكم الرئيس الأمريكي بايدين دون نتائج إيجابية حقيقية علي السياسة العالمية .
ولماذا تصر أثيوبيا علي شد طرف الحبل مع إسرائيل حول مصر ؟
هجوم الرهبان الأثيوبيين علي رهبان مسيحيين بدير السلطان بالقدس غير مبرر ويتناقض مع قيم التسامح المسيحية ، ويتناقض مع حدوثه قبل يوم أو إثنين من الإحتفال بعيد القيامة ويتناقض مع وجود حكم قضائي إسرائيلي يؤكد ملكية الدير لمصر فقد جاء بجريدة المصري اليوم بتاريخ 30-4-2021 كتب - رجب رمضان وتريزا كمال الآتي :- ( أنه بالرغم من المحاولات المتكررة للإستيلاء على الدير لمئات السنين إستطاعت الكنيسة القبطية الإحتفاظ بالدير وفي كل مرة كان يصدر الحكم في صالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باستلام الدير بكل مشتملاته حتى المرة الأخيرة في اعتداء 25 أبريل 1970م حكمت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بتاريخ 16 مارس 1971م لصالح الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ) لذا فالأمر يحمل في مضمونه رسالة سياسية .
حيث أثيوبيا منذ القدم وهي تحمل مشاعر غير طيبة تجاة مصر غرزت هذه المشاعر علي يد الإحتلال والذي عمل علي وضع بذور الخلاف دائماً حتي يبقي متحكم ومسيطر وإن مضي كإحتلال صريح ، وعلي أثر ذلك تعاملت أثيوبيا مع مصر علي كون المصريين ليسوا أفارقة بل عرب ، بل هي إحدي أهم الدول في أفريقيا التي تثير ذلك ضد الشمال الأفريقي العربي كله ، ولعبت جنوب السودان معها في ذات الطريق ضد السودان ذاته وأثارت إشكاليات حول هوية السودان ( عرب أم أفارقة ) وهو أحد المحاور التي أدت إلي تقسيم السودان إلي دولتان إحداهما مسلمة والآخري مسيحية .
ولعبت إسرائيل دوراً بارزاً في تنمية هذه المشاعر والإيعاذ بأن التنمية عاجزة في أثيوبيا بسبب رفض مصر بناء سدود علي النيل من أثيوبيا تنظم الحفاظ علي المياه وتوليد الكهرباء ودخلت إسرائيل لدعم بناء السد ( والهدف الحقيقي تحقيق مصالح إستراتيجية لضمان الوجود الإسرائيلي ) .
وقد إستغلت إسرائيل تواجد يهود الفلاشا بأثيوبيا ووظفت نظرية ( أن الشعب اليهودي أينما وجد فهو جزء من إسرائيل ) وإعتمدت علي اللوبيات الصهيونية التي وجدت في أفريقيا منذ منتصف الستينات بعد حركات التحرر من الإستعمار ، ليس هذا فقط بل إستغلت أخطاء كارثية من الدبلوماسية المصرية والتي تعاملت مع أثيوبيا بل مع القارة جميعها من منطق الكبر والعلياء وأن أفريقيا بالنسبة للدبلوماسيين المصريين مجرد محطة وظيفية للترقي والذهاب لأوروبا من أجل البيزنس الشخصي ، وبالتالي خسرت مصر جانب مهم جداً قائم علي الدعم الإنساني والعلاقات الخاصة ، ناهيك عن تراجع البعثات الأزهرية للدعوة الإسلامية ، وخروج الكنيسة الأثيوبية الأرذوكسية عن سلطة الكنيسة المصرية الأرذوكسية ، وتحول اللقاءات والبطولات الرياضية بين مصر ودول القارة إلي معارك وخصومات ، وبالتالي خسرت مصر دورها المستمد من القوة الناعمة .
إسرائيل عملت في أفريقيا من أجل تقليم أظافر مصر بالقارة ، وحينما لم تجد مقاومة تحولت إلي مرحلة قطع أصابع مصر في القارة ، والآن تنتقل إلي مرحلة قطع ذراع مصر في القارة ( النيل ) والهدف خنق مصر وإجبارها علي توصيل ماء النيل إلي إسرائيل عبر ترعة السلام وعند حدوث ذلك سيتتابع التالي وهو إجبار مصر علي الخلاص من غزة ، ثم السكوت عن إستكمال سيناريوهات تهويد القدس ونزع أي أمارة أو دليل إسلامي أو مسيحي ، ثم مرحلة الوحل بهدم المسجد الأقصي وبناء الهيكل .
وللإجابة عل ذلك السؤال :- إلي متي سيتسمر هذا ؟
تأتي الإجابة صارخة بما قاله أد/ يوسف رزقة بمقال له علي موقع فلسطين أون لاين بتاريخ 15 مايو 2020– تحت عنوان :- ( 72 ) عاماً بلا تحرير .. لماذا ؟ جاء فيه :- ( لم ينجح الفلسطينيون في تحقيق أهدافهم ، والسبب الأرجح في ذلك لا يعود إلى قوة دولة الاحتلال ، وقوة دعم أميركا لها ، بل يعود إلى الدول العربية والقيادات الفلسطينية ، لأن الدول العربية بعد توقيع اتفاق الهدنة مع إسرائيل ، لم تكن تؤمن بتحرير فلسطين ، ولم تكن تعمل له ، وكانت تمنع الفلسطينيين من العمل له ، وتحرم الفلسطينيين من الحق في مقاومة العدو ، إما باعتقال المقاومين ، وإما باحتواء قيادات المقاومة وإخضاعهم لإرادتها .
نعم جرت حروب عربية مع ( إسرائيل ) ، مثل حرب ١٩٦٧، و١٩٧٣م ، ولكنها حروب دفاع عن الأنظمة العربية نفسها ( مصر وسوريا والأردن ) ، ولم تكن حروباً عربية لتحرير فلسطين ، لأن إرادة التحرير لم تكن موجودة ، وقرار التحرير لم يكن موجوداً البتة ، وحتى حين تمكنت القوات المصرية من مفاجأة العدو والدخول إلى جزء من سيناء ، توقفت لأنها أرادت حرب تحريك للمفاوضات لا حرب تحرير لفلسطين ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا