الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي

هيثم بن محمد شطورو

2021 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


إن ما يشهده التاريخ العربي المعاصر ملحمة كبرى في اتجاهين متـقاطعين. الاتجاه نحو تـثوير الذات أو الداخل المتمثل في عمقه الشعبي نحو الانتـقال من فكرة المشروعية السياسية والاجتماعية والفكرية القديمة التي امتدت من لحظة سقيفة بني ساعدة وتأسيس مبدأ الخلافة إلى غاية سقوط الخلافة في تركيا سنة 1924، وكل ما يمثله ذلك من ثورة على بنية فكرية وعقائدية وطريقة تـفكير في الذات والمجتمع والعالم، والاتجاه الآخر نحو الخارج في صراع العرب لأجل التحرر من الاستعمار الأجنبي مع ما مثله هذا الاستعمار من لحظة صدمة عميقة واهتزاز للبنية الداخلية التـقليدية مما جعل حركة التحرر في تـقاطع مع مفاهيم التـنوير الأوربية مع مجابهة الأوربي المستعمر وهذا الخط في تقاطع مع الثورة على المنطق القديم في الخلافة والمشروعية القائمة على الشريعة الإسلامية بما مثلته في الوقت نفسه من انحياز نحو العصرنة والتـفكير في الذات نقديا في تمحور مع العلاقة المتـشابكة من الصراع والاقتباس من الغرب في نفس الوقت..
فاليوم بعد داعش وبعد العنوان الأساسي الذي برز شعبيا في المظاهرات المختلفة من بغداد إلى القاهرة إلى تونس والسودان فالرأي العام العربي الشعبي الذي حسم أمره في النهاية عند غالبيته لصالح المطلب في الدولة العلمانية، سواء بشكل صريح أو ضمني من خلال القول بإبعاد الدين عن السياسة، أي انه حسم أمره في الانتـقال من المشروعية القديمة التي يقوم عليها الحكم، ولكن الأمر أكثر عمقا من ذلك برغم عدم التمثل الواضح للمسألة. فالسياسي هو في تـشابك مع المجتمعي ومع الفكري الثقافي العام، فحقيقة الحسم مع الإسلام السياسي هو في النهاية تعبير عن الحسم مع بناء المجتمع والثقافة العامة على أساس الثـقافة التـقليدية القائمة على فكرة الشريعة الإسلامية الهلامية. وهذه الحقيقة هي التي تستوجب توقف النخبة الفكرية والثقافية عندها، للتحفز نحو تعميق المسار والاشتغال النظري في اتجاه بناء تصورات تقدمية مع تجادلها مع الواقع نقديا وتثويريا. هذا التجادل يجب أن يخرج من منطق الاستهلاك للثقافة الفلسفية المعاصرة إلى منطق الأخذ بالمناهج لاستعمالها في العملية النقدية التي يجب أن تتحمل كافة أعباء الجرأة والشجاعة. تلك الشجاعة التي لن تتأتى إلا على أساس الإيمان بالحقيقة. أي أن العملية النقدية هذه يجب أن تقوم على طلب البحث عن الحقيقة وتمثلها ذاتيا بصدق. وبالتالي فالمثـقف المطلوب هو المثـقف الحقيقي المنـشغل بالفعل بالحقيقة وليس بإرادة الظهور والبروز والانتـفاع المادي. إننا هنا بحاجة إلى القطع مع المثـقف المرتـزق..
فظاهرة داعش مثلا هي قد تمثلت الثـقافة القديمة بحذافيرها ولكن التناقض الذي لم يتم استيعابه هو أن تلك الثـقافة متـناقضة بالتمام والكمال مع هذا العصر. هذا العصر الذي هو عصر التـنوير الأوربي والحضارة الإنسانية الجديدة القائمة على مقولة الإنسان الحر. الإنسان الحر ليس في مجموعه أي في الوطن أو القبيلة أو الملة والطائـفة وإنما الإنسان الفرد الحر. لأجل ذلك وجدت داعش نفسها مضطرة لتمارس ذاك الزخم من العنف والوحشية كإجابة عن إرادة تجسيد ما هو غير قابل للتجسيد لان الوعي العام قد تجاوز فعليا منظور السلفية الإسلامية ومنظور الشريعة الإسلامية كتعبير عن حرفية نصية تأويلية وفق منظور الإتباع وبالتالي الخضوعية لممثلي الشريعة. فالتمثل لممثلي الشريعة والإسلام اهتز من حيث المشروعية سواء من حيث التناقض الداخلي من ناحية انقطاع حبل السلالة المقدسة من الهاشميين والأمويين والعثمانيين، أو من زاوية التعدد الفعلي للرؤية إلى الإسلام من خلال ما تم تحاوره في القرن العشرين من المثـقـفين والسياسيين. بحيث أن الإسلاميين نظروا باحتقار إلى الزخم الكبير الذي قامت به النخب المختلفة في القرن العشرين في التحرر والتقدم، ذاك أن الإسلاميين بحكم الضرورة الفكرية الداخلية المسجونين داخلها لا يمكنهم أبدا تمثل الآخر وبالتالي قراءة فعلية وواقعية لانجازاته ومدى رسوخها في الواقع...
اليوم في العالم العربي بشكل عام، هناك حقيقة واضحة كان المفكر التونسي هشام جعيط قد أشار لها في حواره الأخير مع جريدة العرب، حيث قال أن الواقع العربي أثبت سقوط وفشل دولة الوحدة الإسلامية والعربية وأثبت تمسكه بالدولة الوطنية. الدولة الوطنية التي تأسست في القرن العشرين والتي كان يتم النظر إليها على أنها هشة حتى من قبل التيارات الماركسية أثبتت أنها راسخة وقوية وهي التي تمثلتها الشعوب العربية كتعبير عن أحقية مشروعيتها السياسية والمجتمعية. لذلك في تونس اليوم يعود الزعيم الحبيب بورقيبة كأيقونة تحررية برغم ماضيه الاستبدادي، ولكنه يعود كمرجعية في النظر بحكم تأسيسه للدولة التونسية الحديثة، وذلك في النهاية تعبير عن الاستـناد إلى المشروعية الجديدة للدولة العربية الحديثة القائمة على إرادة العصرنة مع محاولة استـنهاض التنوير الإسلامي برؤية تنويرية أوربية في النهاية، والتي هي قائمة على المناهج العلمية الحديثة.. المهم في كل ذلك أن مشروعية الدولة الدينية أو القائمة على إسناد نفسها إلى مشروعية الشريعة الإسلامية قد تم الحسم معها بشكل عام شعبيا وهذا هو المهم..
وهنا، فظاهرة داعش في النهاية خدمت هذا الهدف للعقل الماكر، فهي أظهرت بشكل حاد عدمية المشروعية الإسلامية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال