الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدرج سنة قرآنية دون نسخ الآيات ( الصيام - الخمر ) نموذجاً

هفال عارف برواري
مهندس وكاتب وباحث

(Havalberwari)

2021 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فصيام شهر رمضان لم يبدأ بصيام شهر كامل بل بل بدأ بـ 3 أيام من كل شهر أختلف فيه المؤرخون بداية ومنتصف ونهاية الشهر او بعد مرور كل 10 أيام من كل شهر
وقد كان الصيام تدريجياً { أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚوَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (184) لان الصيام مشقة بدليل أن تكليف الصيام
1- جاء بالتخفيف (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)
2-وكان التخفيف للمرضى والمسافرين( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
3- وتخفيف ترفيهي على الذين يطيقون ولايصومون لكن شريطة إعطاء دية إطعام مسكين عن كل يوم لايصومون فيه( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ)
4- ومن تطوع خيراً فهو خير له كتخفيف تدريبي على العطاء وذلك بفتح دائرة اطعام المسكين لأكثر من واحد ولم يحدد العدد لكي يبقى باب العطاء مفتوحاً (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ )
5- مع التاكيد في النهاية على أن الصيام هو خير لهم مهما أنفقوا وقدموا السخاء في العطاء وهي إشارة مسبقة لأهمية عبادة الصيام والإستعداد النفسي لهذه الفريضة الصعبة!
(وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)

ولما نزلت آية صيام شهر رمضان لم يخيرهم في الصيام بل بيّن أن كل من شهد منكم الشهر فعليهم الصيام أمراً من عند الله صياماً لايتهاون فيها (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) في الآية
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚفَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗيُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(185)
وتم خفض التخفيف المنطقي بالمرضى والمسافرين فقط (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
وتم نسخ التخفيف التدريبي الترفيهي !
لكن يبقى فاعلية الآية غير معطلة وفاعلة كي لايظن أحد أن هناك آية منسوخة!
فيبقى الحث
1-على صيام الايام المعدودات في كل شهر
2- وعلى التدريب على الدّيات الطوعية عن التقصير في إي عمل بإطعام مساكين أو التصدق بها
3-وعلى الإكثار من العناية بالمساكين
4- والتأكيد على خيرية الصيام وأنها فيها من الخير الكثير
ولايوجد تبرير تأويل كلمة ( يُطِيقُونَهُ )لبيان أنها تعني الذين يطيقونه لكن بصعوبة وبمشقة
لأن الصيام في أصله شاق ومن أصعب العبادات لذلك جاءت الآية بصيغة التخفيف في النداء سنذكره في شرح مفصل عن عبادة صيام شهر رمضان
والذي يرى أنه سيهلك أو أنه طاقته لاتتحمل بسبب عمله الشاق او دراسته المكثفة او أي واجب ينهكه أو لكهولته فعليه أن يقضي ما نقص من صومه بحسب الآية {....فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
وهو يقع ضمن الآية القرآنية
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...} (286)البقرة
و{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ} (195)البقرة
وكل يعرف وسعه وقدرته بحيث لايتهاون في الصيام ولايلقي بنفسه للتهلكة كالمسافر والمرضى الذين قد يستشيرون لكن في النهاية هم الذين يقررون ....

وكانت سنة التدرج جارية حتى على منع شرب الخمر فقد كان المجتمع غارقاً في شرب الخمر والسمر
فانظر الى التدريب الإلهي على الأجتناب النهائي من الخمر
الآية الأولى /
نزلت آية {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ( وَ )رِزْقًا حَسَنًا ۗإِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (67)النحل
والعرب كانوا يعلمون أنه اذا ما وصف بعد الواو المعطوف على ماقبلها وصفاً لم يوصف به ماقبل الواو بمعنى أن ماقبل الواو يخالف هذا الوصف !!
أي فهموا أنه مادام الرزق حسن بمعنى السكر ليس بحسن !!
فحرم فئة قليلة من المسلمين من تعاطي الخمر والتجارة به !
والآخرين تحججوا بأن الآية لم تصرح ولم تحرم ولم تنهى عنه

الآية الثانية/
ثم نزلت الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا....}(219)البقرة
فحرم جزء كبير من المسلمين على أنفسهم شرب الخمر والمتاجرة به لكن فئة أُخرى بقيت وقالت بأن النفع موجود بنص الآية لكنه أقل من الإثم ومادام تحدث القرآن عن النفع فليس بمحرم ، ما دام ذكر النفع موجود ....
الآية الثالثة/
ثم نزلت الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ....}(43)النساء
وأختلف المسلمون في التحريم على أنفسهم وأن مراد الله في الأمر هو النهي فحرم فئة من المسلمين على أنفسهم الخمر وهناك من تحجج بأنه سيشرب القليل بين الصلوات وأنهم سيشربونه بعد صلاةالعشاء ويكونون مهيئين قبل صلاة الفجر !

4- ثم نزلت الآية الرابعة
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90)المائدة
بعد أن أصبح المسلمين مهيئين لتقبل هذا الأمر الإلهي
تجنب المسلمون هذا الفعل وأنتهوا منه تماماً وكانت نقلة نوعية لسلوكهم وتغيير جوهري وجذري وبنيوي لسلوكهم تجاه تعاطي الخمر ومقرباته من السمر والليالي الملاح....
وسأحيلكم الى جزء من بحثي القديم عن الخمر وقد قلنا حينها أن
كل هذه الآيات لانسخ فيها وهي آيات سارية المفعول وقد بقيت حكمها وستبقى الى يوم الدين , وقد أخطء من قام بتسميتها أنها آيات الخمر كون هذه الآيات تعالج أمور أُخرى غير قضية الخمر
فالآية الأولى / 

{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}67 النحل

تبين أن الثمرات تعتبر رزقاً حسناً أما عندما يستخدمها للسَكَر وذلك بتخمير الثمرات وإفسادها وتحويلها الى خمور ضارة للصحة يصاب من يتعاطاها بالسَكَر فسيكون سبباً لرزق غير حسن !
فالآية تبين أخباراً عن استخدمات الثمرات والحذر من أن يفسدوا رزقهم , لذلك أكَّد الله تعالى في نهاية الآية أن المعنيون بها هم الذين (يعـــقلـــون) أي الذين يميزون بين الرزق الحسن والأضرار الموجودة فيها عند سوء إستخدامها !
فهل الإخبار عن شيء يستنسخ ويُعَطَّل وبالتالي يُكذَّب !حاشاه
والآية الثانية /

{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}219 البقرة
تبين كون الخمر فيها منافع لكن الإثم الموجود فيها أكبر بكثير من منافعها وهذه الآية أيضاً صحيحة وهي حقيقة موجودة ولايمكن أن تنسخ !
وعندما يكون الإثم الموجود فيها أكبر من منافعها فهي حتماً تبين تحريمها كون الإثم تعني التحريم كما في الآيات المكية البيّنة والواضحة أي التي نزلت في مكة قبل الهجرة أي في بديات سنوات نزول الوحي {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}الأعراف33

{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ}الأنعام120

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}الشورى37

{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}النجم 32
فالخمركما هو معلوم فيها إثم كبير والله قد بيَّن فيه هذه الآيات البينة أن الإثم حرام بصريح العبارة وبالتالي يكون الخمر محرم قطعاً ثم أنه كما قلنا أن هذه الآيات تتضمن أمورأً أُخرى قد بيَّنها المولى المتعال وبالتالي لايمكن مطلقاً ان تسمى بآيات الخمر فقط ولايمكن مطلقاً أن تنسخ !
بل من قالها او أعتقد ذلك فقد أرتكب إثماً عظيماً...
خاصة وأن هذه الآية أبتدأ بسؤال عن الخمر وعن الإنفاق فكان الرد الإلهي في هذه القضايا , فمن يمتلك الحق أن ينسخ جواباً إلهياً !!

والآية الثالثة / 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}43 النساء

تبين في عدم التقرب من الصلاة وهم سكارى , وهذه الآية أيضاً لايمكن أن يستنسخ بل هي باقية كون هناك فرق بين شرب الخمر وبين أن يصاب المرء بالسَكَر , أي بمعنى لا يعي مايقوله , وهي إجابة أيضاً للذين يبررون شرب الخمرفي حالات عدم إقامة الصلاة !
وقولهم هذا هو إفتراء وبهتان مبين ..
فكلمة السَكَر تعني الغطاء المعنوي , وكلمة الخمرتعني الغطاء المادي , وعندما نتعمق في دلالات الكلمتين يتبين أن لكل من الكلمتين دلالاتها الخاصة:

* السَــــكــَر بمعنى الغطاء المعنوي
فالآية المذكورة بعدم التقرب من الصلاة وهم سكارى ,, تعني كلمة السَكَر التغطية المعنوية أي تغطية الإدراك وسد منافذها وهي تعني الشرود الفكري أيضاً , فالسَكَر ينتج من حالة شرب الخمر عندما لا يعرف مايقول وكذلك تعني الشرود الذهني والفكري في حالات أخرى كأن يكون مهموماً فلا يعلم مايقول في الصلاة أو يصاب بهذه الحالة جراء أخذه الحبوب المخدرة للذهن والإدراك خاصة في حالات الأمراض النفسية أو حتى عندما يتعاطا المخدرات أوبقاء مفعول التخدير من أجل عملية جراحية التي لم يكن معروفاً في الأزمان السابقة فلايجوز التقرب من الصلاة وإقامتها في كل هذه الحالات ,فكيف يقال أن هذه الآية منسوخة ولم تعد لها فاعليتها في الحياة وهو كلام رب العزة الذي لاريب فيه ...
ويتبين ذلك عندما أكَّدَ الله في آيات متعددة أن السَكَر هو إدراك حسي يصاب فيه الفكر والإدراك ويتبين في هذه الآيات , الدلالات الواسعة في القرآن :و الدليلُ على ذلك قوله تعالى عن [ السُـكارى ] :{لـعَـمْـرُكَ إنّهُـمْ في - سَــكْرتهـمْ - يعمهُـون } الحجر 72 ،
أيْ هُـم في حالة ضـياع فكـريّ دائـم وكذلك في الآية التي توصف حال المرء عندما يتوفاه الله : { وجـاءتْ سَــكْرةُ المـوت بالحـقّ }ق 19 

وكذلك في هذه الآية التي تبين حال الناس عند نهاية العالم: { وتـرى الناسَ سُـكارى ومـاهُـم بسُـكارى}الحجّ2
أي يكونوا في حـالة ضـياع و شُـرود فكْـري
وكل هذه الآيات تدل على أن هناك بَون شاسع بين كلمة الخمر والسكر فإحدى نتاج تعاطي الخمر هو الَسَكَر لكن هناك حالات عِدة يصاب به المرء بالسَكَر دون شرب الخمر كأنواع خاصة من الحبوب أو المخدرات او تعني عندما يُصاب المرء في حالة شرود ذهني لأي سبب كان جراء هموم الحياة وما الى ذلك فلا يمكنه حينها ان يقترب من الصلاة .

* الـخــمــــر بمعنى الغطاء الحسي المادي:

فالله تعالى بيَّن في هذه الآية { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } يعني ليضربن بغطائهن.. وهذا الغطاء تعني الغطاءالمادي المعروف
لذلك بيًّن الله تعالى في هذه الآية{ إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ} دلالة كلمة الخمر هنا تعني المشروب المعروف وممكن تعني كل آليه او حيثية تفعل فعل الخمر وتغطي العقل, وممكن تعني فيما تعني الحبوب المخدرة او الكيميائية او المخدرات بأنواعها, أي بمعنى كل وسيلة مادية حسية تغطي العقل وتفقده وعيه .
ومن هنا يتبين أن الآية التي تبين عدم الإقتراب من الصلاة وهم سُكارى هي آية جارية المفعول ولايمكن أن يستنسخ !
وهي كما قلنا تحل إشكاليات في كيفية الصلاة وهو الإدراك فالصلاة هو ذكر لله تعالى فكيف سيذكر الله وهو فاقد لوعيه أو مصاب بشرود ذهني !
لذلك نرى أن المسلمون قد أبتعدوا عن المعاني العظيمة في إقامة الصلاة الذي هو إرتباط وثيق بالله عز وجل. 
والجدير بالذكر أن الآية تحل إشكاليات أُخرى غير السَكَر فتكميل الآية (.... وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} يتبين فيه بيان حكم الصلاة بأن يكون طاهراً أي لايكون جُنُباً مع مشروعية التيمم وأحكامها !
وأهم من ذلك كله هو بيان صفات الله العظيمة وبيان أنه هو العفو وهو الغفور !
لهذا كان المعنيون بهذه الآية هو المؤمنين دون غيرهم عندما بدأت الآية بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ..} فهل يستنسخ كل مافي الآية !!
أما التحجج بالنسخ على أن التحريم جاء بشكل متدرج أي بمعنى كل آية تنسخ التي تليها فهذا غير صحيح بل التدرج كان في التعبير القرآني لفهم النص وكيفية الإستنباط منها فعندما بيَّن أن فيها إثم كبير هو تعبير على تحريمه كون الإثم قد حرَّمه الله في بداية نزول القرآن كما ذكرناه !

* والآيات التي تلتها هي للتأكيد على تحريمه بمعنى أن الناس ملزمون بكل الآيات الى يوم القيامة !


* ولايجوز التحجج بنسخ الآيات القرآنية كون أن هناك من كان يشرب الخمر حتى نزلت آيات الإجتناب النهائي!

* لأن الصحابة كانوا متفاوتين في مستوى التفكير وفهم رسائل الوحي وحتى في المستوى الإيماني فهناك من السابقين الذين أقترفوا ذنوباً ليست أقل من تعاطي الخمر لكن الله عفا عنهم !

* ومن المهم القول أننا غير ملزمين بالسياق الزمني التاريخي الذي طبق كسنة من سنن التدرج في قضية الخمر بل كان الأجدر أن نعتبر لمفهوم التدرج في القرآن لكي نستفيد في كيفية التعامل مع الذين يرغبون بدين الإسلام أو إستخدام هذه السنة في كيفية توعية الأجيال اللاحقة لا أن نحكم عليهم بأحكام ما أنزل الله بها من سلطان !

* لذلك يجب معرفة كون أن فيها منافع متعددة ولكن إثمها أكبر من نفعها, وقد بيّن الله تعالى أن الإثم محرم وإجتناب كبائر الإثم هو من أركان هذا الدين المبينة في الآيات المكية القطعية الدلالة آنفة الذكر نذكرها للتذكير ..
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}الأعراف33

{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ)الأنعام120
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}الشورى37

* أما بيان العِلّة في تكرار الآيات بتحريمها فهو من باب التذكرة وكذلك بيان جوانب متعددة لقضية ما , فصفة التكرار موجودة بكثرة في القرآن بل هناك آيات تكررت بنصها للتأكيد على تذكرة هذا الأمر !
فهل بعد ذلك يستطيع أحد أن يتجرء ويقول أن هناك آيات منسوخة ؟ أو أن السَكَر هو الخمر بعينه !
* وهناك معلومة هامة هو أن الإسلام جاء للتأكيد على الحنفية السمحة للملة الإبراهيمية والذي كان الخمر أصلاًً محرم عندها لذلك لم تستقل آية معينة تبين صراحة تحريمها بل جاء التحريم في سياق آيات تبين مفاهيم متعددة من ضمنها بيان إثمها ورجسها الشيطاني وإجتنابها !

الآية الرابعــة / 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}90 المائدة

وجاءت هذه الآية الفيصلية لتضيف الى الآيات السابقة – لاتلغيها- وتستخدم أسلوب التدرج في تحريم الخمر وذلك بالتشديد على نهيه وإجتنابه بعد أن ألِفَ الأوائل هذه المعصية فهذا التدرج يشمل الرعيل الأول فقط دون غيرهم ,حتى تستقيم الأجيال اللاحقة ويتم القضاء نهائياً على هذه الفعلة الذميمية والتي أُبتليَ بها الأُمم لغاية الآن ,, فالقرآن كتاب هداية للناس لذلك كان الله رؤوفاً بهم عندما تدرج في حرمته فهو يتضمن منهجية إصلاحية متكاملة , فقد كان شرب الخمر حالة مستشرية في مجتمعاتهم وعندما بيّن الله تعالى أن فيها إثم كبير تركه الكثيرون لكن لم يكن النص قطعي ثم بين المولى المتعال أن المسكر منهي عنه الإقتراب من إقامة الصلاة , أدّى ذلك أن تركه شريحة كبيرة من هذا الجيل وأصبحوا مهيئين للأمر الإلهي القطعي في النهي والتحريم فنزلت هذه الآية التي تبين الإجتناب من هذه الفِعلة الذميمة الآثمة في قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}90 المائدة
وتمت القضاء الالهي على شرب الخمر بالآية التي تلت آية الإجتناب بقوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖفَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}91 المائدة
وهي آية واضحة تبين أن الله يريد لهذا الأُمة أن تجتنب نهائياً عن شرب الخمر لأنه رجس وعمل من أعمال الشيطان يريد بها أن يخلق أزمات داخل المجتمع تؤدي بالضرورة الى عداواة وبغضاء والأكبر من ذلك هو الصد والمنع عن ذكر الله فكيف بفكر شارد وعقل غائب أن يكون من الذاكرين لله !

* وللعلم فإن كلمة [ اجتنبوه ] أقوى من كلمة [ حرام ] اي بمعنى لايجوز الإقتراب منها , لذلك تجد أن القرآن بيَّن في آية أُخرى على لسان إبراهيم عليه السلام عن [ عبادة الأصنام ] بقوله {و اجْـنبْني و بَـنيّ أنْ نعـبُد الأصــنام}
إبراهيم 35
وهذا دليل أن كلمة الإجتنباب أبلغ في التعبير عن النهي من كلمة التحريم فمن المعلوم أن من أكبر الذنوب هو الشرك بالله .


* ثم بيَّن المولى المتعال أن هذه الأفعال المذكورة في الآية ومن ضمنها الخمر هو رجــس 
والرجس : هو كل فعل نجس قبيح وقذر توجب التنفر والتجنب منه ....

وهي تشمل القذارة والرجاسة المعنوية كالشرك والكفر وأثر العمل السيء أي أدراك شعوري وإعتقادي كما في قوله تعالى 
{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجساً إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ}التوبة 125

{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤمِنُون}الانعام 125َ

وكذلك تشمل القذارة والرجاسة المادية كما في قوله تعالى 
{.....أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ}الأنعام 145

وقد تأتي بالمعنى المعنوي والمادي عندما تسبق الكلمة ب[الـ] التي تفيد العموم كما في قوله تعالى 
{.... لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الأحزاب 33

* ثم أن الآية بدأت بخطاب للمؤمنين في قوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}90 المائدة
وبيَّنت أن هذه الأفعال من أعمال الشيطان ! فهل يرضى بأعمال الشيطان أم بالذين يعملون الصالحات !! والله يأمرنا أن نعمل الصالحات , ثم ختمت الآية بالفلاح لمن يجتنب هذه الأفعال , أي إن لم يفعلوا فلن يكون من الفالحين ......

وأخيــــرأً /
يجب معرفة أنه يجب إستعمال الإستقراء والإستنباط من القرآن وكذلك العلوم في التحريم ..
وبما أنه قد أثبت العلم الحديث أن تأثير المُسْكر إنما يعود لوجود مادة الكحول والذي يسمى بالخمر، لذلك فإنه يلزم التحريم من تعاطي أي شيء يحتوي على الكحول مهما كانت صورة هذه المادة (طعاماً كان أم شرابا)، كذلك لا يجوز تعاطي الكحول بأية صورة من الصور,,, وشرب الكحول محرم لأنه ثبت بالعلم أنه هو العنصر المؤدي إلى السكر حتى لا يعلم الإنسان ما يقول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah