الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((ليلي))..القصيدة قبل الفتاة!

زياد النجار

2021 / 5 / 5
الادب والفن


نشر الشاعر "تميم البرغوثي"، الذي يُحاول جاهدا أن يُعيد لشعر الفصحي عرشه ومكانته، قصيدةً جديدة تُدعي ((ليلي))، لمّا قرأت عنوانها لوهلةٍ أثارت لديّ حالةً من الحنين لـ"قيس بن الملوّح" ومعلقته الشهيرة ((مجنون ليلي))، الذي وكأن ((ليلي)) هذه لما تولد إلا في اللحظة التي قيلت فيها هذه القصيدة!..فقررت أن أقرأ القصيدة خصوصاً أن البرغوثي يُعيد لي الأمل في أن يبقي شاعرٍ تُنظم قصائده بالفصحي بعيداً عن فشل العامية، والإسفاف الغنائي، وله جمهور يتحرق شوقاً لقصائده.
تبدأ القصيدة ببعض الأبيات الغزلية بالفصحي:
غزالة شعر تختفي ثم تظهرُ
وفي كف ليلى للغزالة سكَّرُ
تقول لها طيري فتنكر قولها
فتلمسها ليلى برفق فتقدرُ
أحول عنها الطرف احذر حبها
وكل لبيبٍ للمحبة يحذرُ
فالله قلبي ما أشد تصبري
إذا كنت عنها طرفة العين اصبرُ
أدبر عيشي بعدها غير أنني
أري الموت في العيش الذي أتدبرُ
وبي ألم لا تُسكر الخمر ربّه
ومنه وإن لم أشرب الخمر أسكرُ
ولكنه فيما يُقال مقدرُ
ومن ذا الذي يرتد عنه المقدرُ؟!
ثم يضيف بلكنته المصرية ممزوجة بالفصحي البسيطة:
كلام كبير قوي لكن لسا مش جايب
في حاجة في حبك يا ليلي هليهلية
جبنا الخليل الفراهيدي طلع خايب
والفصحي ساعات يا ليلي بتبقي مش هيه
فطاطري طوّح فطيرة في الهوي وسعت
وانا بحاول أوسع دنيتي بقلم
قلتلي اوعي كدا عاملي فيها برم
وجيتي يا ليلي رامية الدنيا في العالي
وقلتِ: بص بقي واتعلم الصنعة
وفضلت الدنيا طبعاً لسا مش واسعة
لكني حبيتها جداً وانشرح بالي
فطاطري طوّح فطيرة في السما رجعت
خِدعة بسيطة يا ليلي إنما نفعت
جيتِ وحطيتِ دنيا كاملة في إديّه
قوليلي بس دي سُلفة ولا دي هدية
في حاجة يا ليلي في حبك هليهلية
لما بشوفها النظام الشمسي يتهمش
تسع كواكب كبيرة شمسهم بلية
ارميها ترجعلي تاني مع كواكبها
كأنها بطة سايقة ولادها في الميه
ليلي تلاعبني بالبلية وألاعبها
ومعاها دستة شمس وبتقولي خد واكبش
وبعتر الدنيا لو كانت متتلمش
يمكن بلعب العيال نقدر نرتبها
أحياناً المعيلة بتبقي سماويّة
لما بشوفها ألاقي الدهر متلبش
كأنه جرسون معاه فوطة وصينية
أقول دي فرصة بقي اتأمر عليه شوية
ألقاها بتقولي اتأمر بحنية
في حاجة يا ليلي في حبك هليهلية
مرة تذكرت إيدي وهي في الكلابيش
في سجن يدّي علي منجم ووكر حشيش
وشخص شِبه الطرمبة معينينه شاويش
ظريف وهو مكلبشني طلب بقشيش
وان بفرفر لكن مديّها خمسة شمم
نفسي أضرب اللي حواليّ بمحل جزم
قاعد بفكر في حلّ الأسئلة الكبري
وفجأة يا ليلي وشك يدخل الذكري
جايبة لكل سجين في الحجز عيش وعلم
ناكل قماش العلم نرفع رغيف العيش
وجايبة ميت ألف كارو محملة طراطير
هدية جاية لعساكر الحجز والمآمير
طرطور عشانك يا باشا تلبسه وتعيش
تستأنسني غولة الذكري اللي فيها ألم
تقولي قرذب ولا عبها دي بمتأذيش
فقولت يا ليلي من دلّك علي ديّه
قولتيلي معرفش لكن شكلها غيّه
أقلب قوانين صباحاتي ولياليّه
تكون إلاهيه تصبح مش إلاهيه
في حاجة يا ليلي في حبك هليهلية
إلي آخر القصيدة الجميلة...
بالطبع لاحظنا الأبيات العربية المبدوءة بها القصيدة، والتي يتضح لقارئها سهولة ألفاظها، ووضوح معانيها، وعذوبة الخيالات فيها، وإن كانت قديمة.
أما الأبيات الأخري التي تطغي فيها العامية علي جانبها الفصحيّ، فيظهر جليّاً فيها التصالح بين الفصحي والدارجة، والقافية المتغيرة منعاً للملل، وتحريراً لوثاق القافية المتواترة، الذي قيّد شعراءً عاصرونا وشعراءً فارقونا، ووصل بآخرين إلي قول ما لا تحويه نفوسهم، واضطر آخرين عنهم إلي ترك الشعر كلياً، أمثال "مصطفي الرافعي" صاحب الوقفة الخطيرة في الأدب العربي 1910م حينما أدّلي بأن القافية والوزن يقيدانه، وهو يملك مشاعراً تملأ قلبه لا يمكنه التعبير عنها في ظل شروط الشعر التقليدي، التي جعلت الشعر أقرب منه إلي معادلةً نحوية وصرفية من شعور صادق، جوهره السامي في معانيه، التي تُعبر عن أماني وأحلام سكان العصر، وليس عن قدرتهم البلاغية واللغوية، فالزمن تغير، وتطورت مع تغيره حصيلتنا اللغوية، فنحن وبكل صدق لا تمثل بضع كلماتٍ من الفصحي تعلمناها في المدارس بجانب فصحي أجدادنا العريقة!، وليس عيباً أن نعترف بضعفنا في اللغة العربية الصحيحة، فلا شئ يبقي علي حاله أبداً في الحياة، خصوصاً في عالم الفنون، لذلك فالتغيير هو النتيجة الحتمية للبشر عندما تفلس الأفكار القديمة، وتبلي، فلا يستطيع الناس مواجهة متطلبات الحياة الجديدة بها، فأين ما وضعه القدماء، ورسخوا له قرونً..ثم بإنسانٍ واحد يهدمه، ويحل عقدةً عجزت القوانين المتوارثة عن الآباء والأجداد عن فك خيطٍ واحدٍ منها!، لأنها ما عادت تصلح أن تجاري تطور الحياة.
إذاً الحل في التصالح بين العامية والفصحي البسيطتين، ولاحظ هذه الكلمة الأخيرة ((البسيطتين))، فلا يصح اليوم استخدام ألفاظٍ تراثية لم نسمع عنها في حياتنا لا من قريبٍ ولا من بعيد، ولا نسمو إلي فهمها إلا بالعودة للمعجم، فيفقد القارئ الاحساس الأدبي المُهيأ خلال القراءة. ولأن بعض الشعراء لا يجدرون علي التعبير إلا بالفصحي، وآخر بالدارجة، إذاً فالحل في الجلوس مع اللغتين ومحاولة حل الخِصام بينهم، ولكن يبقي السؤال: هل التصالح يكون بين الفصحي والعامية؟، أم بين العامية والفصحي؟!، والإجابة يُحددها الشاعر علي حسب مشاعره، وما يستطيع التعبير عنها بحقيقتها في نفسه.
أما موضوع الأخيلة فله نصيبً كبيراً في إعادة أمجاد الشعر، واجتذاب قارئ اليوم، خصوصاً الشباب، ولكي نحل هذه المفارقة يجدر أن نعود إلي موضوع التجديد، فلا نري قصيدةً تحتوي علي تشابيه من زمنٍ فات وتولي ولم يسمع عنه أحداً شيئاً، فمثلاً في القصيدة التي بين أيدينا، نري تميم يقول في القسم العامي منها:
كلام كبير قوي لكن لسا مش جايب
في حاجة في حبك يا ليلي هليهلية
جبنا الخليل الفراهيدي طلع خايب
وبما أن الشعر من المفترض أنه يُخاطب القارئ البسيط، القليل الثقافة قبل القارئ المخضرم، فإذا سألنا هذا القارئ عن "الخليل الفراهيدي" هل سيعرفه؟، حتماً لا، إذاً يتوجب استمداد الصور من زمننا الذي نُخاطب سكانه، لا من زمن غيرهم، لنستطيع أن نُعبر عن أحاسيسهم ونكباتهم.
بالرغم من أن لي مآخذ علي بعض قصائد "تميم الرغوثي" الأخري، إلا أن هذه القصيدة في رأيي نموذج للقصيدة ، التي يجب أن تسير عل نهجها القصائد في عصرنا، إذا أردنا نهضةً شعرية أخري..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن