الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من كان وراء مجازر 8 مايو 1945 في الجزائر؟

سعيد هادف
(Said Hadef)

2021 / 5 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يوم السبت القادم سيحيي الجزائريون يوم الثامن مايو، وهو يوم خرج فيه الجزائريون لمطالبة فرنسا بالوفاء بالتزاماتها. حدثت تلك التظاهرات في سياق الانتصار الأممي على النازية. واسمحوا لي أن أقف قليلا عند هذا المفهوم، فالنازية (nazisme) كلمة مختصرة من (national-socialisme)، وهي الأيديولوجية التي آمن بها حزب هتلر.

في الوقت الذي أسست أوروبا الغربية دولها على خلفية القومية المدنية (Nationalisme civique)، كانت ألمانيا ومعها إيطاليا وإسبانيا،على غرار بلدان أوروبا الشرقية، تؤمن بالقومية الإثنية/الأيديولوجية (Nationalisme Ethnique). هذه النزعة العنصرية كانت من عوامل اندلاع الحرب الثانية التي انبثق عنها نظام أممي جديد.

لقد شارك الجزائريون في الحرب على النازية، وكان من المفترض أن يحتفل الفرنسيون والجزائريون بالنصر معا، فكيف تورطت فرنسا في ارتكاب مجازر مرعبة ضد المتظاهرين الجزائريين؟ كيف لفرنسا التي حاربت ضد النازية أن ترتكب جريمة نازية؟ ومن كان وراء مجازر 8 مايو 1945؟

قد يبدو هذا السؤال غريبا لدى أغلب الجزائريين، فالمسؤول هي فرنسا. نعم هي فرنسا، لكن من هي "فرنسا" بالتحديد؟ فما من شك أن الدولة الفرنسية تورطت في تلك المجازر لكنها لم تكن ضالعة؟ فمن هي الجهة الفرنسية التي خططت لتلك المجازر؟ ولمصلحة من؟

تفيد المعطيات التاريخية، أن الجزائريين، ومن أجل الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية بدأوا بالتظاهرات منذ الفاتح مايو المصادف لعيد العمال. بدأت المظاهرات في أكثر من عشرين مدينة من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق. كانت التظاهرات على شكل تجمعات ومسيرات، وكان الهدف من ورائها الضغط على الفرنسيين من أجل الوفاء بوعودهم، ومن ضمنها إطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر. كانت المظاهرات سلمية، وادّعى الفرنسيون أنهم اكتشفوا (مشروع حرب) بعد مقتل شرطيين في الجزائر العاصمة، ومن هناك بدأ العنف.

بدأ الحراك السلمي في الاضمحلال وحل محله العنف، مع 1947 ظهرت المنظمة الخاصة (OS) وهي منظمةجزائرية مسلحة انشقت عن حركة انتصار الحريات الديمقراطية (حزب الشعب سابقا)، أما على المستوى الفرنسي فقد ظهرت اليد الحمراء وهي منظمة مسلحة قامت بعدة جرائم. اشتد الصراع بين أعضاء حركة انتصار الحريات، بين المركزيين والمصاليين فخرجت من صلب هذا الصراع حركة جديدة هي "اللجنة الثورية للوحدة والفعل" (CRUA) التي فشلت في التوفيق بين الطرفين؛ وفي بلجيكا منتصف يوليو 1954؛ وهذا الاجتماع جاء بعد اجتماع جماعة 22 يونيو، وقبل اندلاع حرب التحرير بثلاثة أشهر، كان مؤتمر الانقسام النهائي للحركة.

جماعة 22 اجتمعت في يونيو 1954 بهدف تأسيس جبهة التحرير الوطني وجناحها المسلح جيش التحرير الوطني، وتحديد موعد إعلان الحرب على فرنسا في الفاتح نوفمبر.

مع 1954 اندلعت الحرب المسلحةواندلعت معها حرب الأجنحة بين الجزائريين، مع 1960، بدأ التحضير للاستقلال في سياق مفاوضات إيفيان، وفي ذات السياقبرزت منظمة مسلحة سرية(OAS)كانت ضد الاستقلال، قامت بأعمال إرهابية ضد الجزائريين وضد فرنسا. ومع الاستقلال لم تتوقف نزعة العنف بل استمرت بين عُصبٍ جزائرية، وكانت أكثر تجليا في العشرية السوداء.

لا بأس أن نعود إلى ما يمكن أن أسميه بالعهد المؤسس للجزائر الحديثة في سياق بروز نخب فكرية وتيارات سياسية جديدة مع الربع الأول من القرن العشرين، وتطورها، مع الربع الثاني إلى تنظيمات بدءاًبنجم شمال أفريقيا (1926)، ونادي الترقي (1927)، وجمعية العلماء المسلمين (1930)،وحزب الشعب (PPA-1937) وأحباب البيان والحرية(AML-1944) وحركة انتصار الحريات (MTLD-1946). هذه أهم التنظيمات السياسية والثقافية ذات النزعة المدنية السلمية، ولأسباب عديدة، أهمها المقاربة القمعية التي اعتمدتها السلطات الفرنسية العسكرية/الأمنية، اضمحل النزوع السلمي وحل محله العنف مع المنظمة الخاصة (OS-1947). سياسة التضييق على الأحزاب وارتكاب مجزرة 8 مايو 1945، رجحت كفة النضال المسلح على النضال السلمي، وانتهت سيرورة النضال السلمي بتأسيس جبهة التحرير الوطني (FLN-1954) وجناحها المسلح جيش التحرير الوطني (ALN)،والحركة الوطنية الجزائرية (MNA-1954) وجناحها المسلحالجيش الوطني للشعب الجزائري (ANPA).

في خضم حرب التحرير، اضمحلت كل التنظيمات السياسية المدنية وبقيت الكلمة العليا في يد جبهة التحرير الوطني كتنظيم سياسي عسكري، استطاع عبر جناحه المسلح أن يسحق الجيش الوطني للشعب الجزائري الذي كان على رأسه بلونيس الذي كان على خلاف مع جبهة التحرير الوطني.

في هذا السياق تشكلت الحركة القومية الجزائرية بذاكراتها وهوياتها المتطاحنة، ونشأت الدولة الجزائرية دون أن تحسم في النقاش حول مفهوم الأمة.

لا بأس هنا أن أذكّر أن الدول الأوروبية تأسست في سياق النزعة القومية (Nationalisme)التي تميزت بصنفين:

أولا: القومية المدنية(Nationalisme civique)، أي الأمم المدنية الطوعية المتضمنة، وهي تلك التي مثلتها القومية الغربية ذات النزعة الإرادية التي تطورت حول المحيط الأطلسي. تمثلها سويسرا في أقصى الطرف الشرقي. استمدت هذه القومية زادها الفكري من إرث النهضة والتنوير. وقامت على مبدأ الفردية والليبيراليا من الناحيتين القانونية والسياسية. كان ذلك بفعل بورجوازي علماني ديمقراطي، حيث جنحت السياسة القومية التي تبلورت في كنفها نحو الانفتاح والدمج. فالمواطنة الأمريكية، الفرنسية، البريطانية والهولندية والسويسرية لم تنحصر في الأصل والمولد بل اتسعت لتشمل الانضمام الطوعي حيث كل متجنس في هذه البلدان يعتبر عضوا في الأمة قانونيا وأيديولوجيا. وتعتبر القومية في الغرب، باستثناء إيرلندا، ظاهرة أصلية تبلورت استنادا إلى قوى اجتماعية-سياسية محلية من دون تدخل خارجي. وقد ظهرت بصورة عامة بعدما أصبحت الدولة، المنهمكة في سيرورات الحداثة، حقيقة قائمة، أو جنبا إلى جنب مع قيامها.

ثانيا: القوميةالإثنية(Nationalisme Ethnique)، وقد نشأت في وسط وشرق أوروبا (باستثناء التشيك كنموذج متميز). هذه الهوية القومية العضوية التي نشأت يالراين وتمددت في اتجاه الشرق وضمت ألمانيا، بولندا، أوكرانيا وروسيا نشأت عن تحفيز خارجي مع حملات نابليون، ونشأت كحراك معارض لقيم التنوير وإرثه الفكري. وقد ظهرت قبل نشوء الدولة الحديثة، بل بمعزل عن جهازها وبسبب ضعفها تبنت الطبقة المتوسطة هوية قومية اتسمت بالرعونة والتهيب وانعدام الثقة، ما جعلها تعتمد على روابط الدم والأصل. والفلسفة القومية التي ازدهرت بداية القرن التاسع عشر في الأقاليم التي أنجبت ألمانيا، على أرض بولندا التي لم تكن قائمة، أو في روسيا القيصرية، كانت مطبوعة بطابع رجعي غير عقلاني. أصبحت كيانات إثنية بيولوجية أو إثنية دينية منعزلة ترفض الانضمام إليها كل من لم يتوفر على هذه الشروط.

من القومية الإثنية (Nationalisme Ethnique) انبثقت إسرائيل وأغلب دول الفضاء العربي والإسلامي. كانت ألمانيا وإيطاليا، قبل الحرب العالمية الثانية، تنزعان إلى القومية الإثنية على عكس بلدان أوروبا الغربية، وقد كان الإرث السياسي الألماني والإيطالي ملهما للقومية اليهودية والعربية على حد سواء [انظر كتابنا: الأزمة الخليجية في ضوء التاريخ- من المسألة الشرقية إلى الشرق الأوسط الجديد].

بخصوص الجزائر كان هناك نقاش حول الدولة-الأمة المفترض تأسيسها، وكان هناك خلاف في الرؤى، فالبعض كان يتصورها جزائر عربية، وآخر يراها جزائر أمازيغية وثالث يراها جزائر فرنسية، وهذه التصورات كانت (ومازالت) نابعة عن نزعة قومية إثنية(Nationalisme Ethnique)، ولا أحد فكر في الجزائر الجزائرية.

قبل اندلاع الحرب، وخلال نقاش بين حزب الشعب وأحباب البيان والحرية وجمعية العلماء، حدث توافق حول صياغة القومية الجزائرية على أنها "إسلامية عربية أمازيغية"، وهذا التصور نفسه ظل يعاني من إعاقة سياسية ثقافية، فهو تصور إثني ديني: القوميتان العربية والأمازيغية والدين الإسلامي، وبالتالي، لم يخرج النقاش الجزائري، منذ ميلاد الحركة القومية إلى اليوم، من تصوره البدائي للدولة –الأمة أو كما يسميها الجزائريون "الدولة الوطنية". هذا التصور لا يتوفر على قابلية التحقق، من منطلق أن الدولة الحديثة، دولة الحق والقانون لا تتأسس إلا في إطار الأمة المدنية (Nation Civique)، لاحظ معي رجاء، "الأمة المدنية"، هذا هو المصطلح الذي يجب فهمه وليس "الدولة المدنية" التي ينادي بها الحراكيون عن جهل. بمعنى نحن في حاجة إلى حالة تطابق مع ذاتنا الجمعية الجزائرية، أن نستوعب أننا جزائريون، وما معنى أن نكون جزائريين، وأن "جزائريتنا" لا تتحقق إلا في "دولة- الأمة المدنية". فمن غير المنطقي أن تبني دولة الحقوق والحريات والمواطنة في غياب "أمة جزائرية مدنية"، أما تلك الخصوصيات الهوياتية التي يثار الغبار حولها فلا يمكن أن تعالج إلا في إطار النقاش العلمي الرصين.


خلاصة القول، منذ أن تراجعت الثورة السلمية التي كان وراءها حراك سياسي وثقافي بعد الحرب العالمية الأولى طغى العنف خطابا وفعلا، ومع حراك 22 فبراير بدأ الشباب الجزائري يتمرن على ثقافة الاحتجاج السلمي رغم أن البعض مازال يحاول الزج بالحراك في فخاخ العنف.

إن حراك 22 فبراير هو مكسبنا كأمة جزائرية أولا وأخيرا، ويجب أن نصونه وأن نعلي من قيمته دون تقديس وأسطرة، وأن نضعه تحت مجهر النقد دون تخوين أو شيطنة.

على الدولة بجميع مؤسساتها، وهي تستعيد ذكرى الثامن من ماي، أن تتراجع عن سياستها القمعية وخطابها التخويني، ذلك أنه لا جدوى من تجريم فرنسا إذا كان الريجيم السياسي الجزائري الحالي (مثل الريجيمات التي سبقته) يستلهم أساليبه القمعية من الإرث الكولونيالي البائد، فما نحن في حاجة إليه هو الحوار، وفسح المجال للكفاءات والانفتاح على تجارب الأمم والاعتراف بالأخطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا


.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي




.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل