الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيروت وثقافة الحرب السادسة... الحملة الوطنية لمواجهة الهجمة البربرية الاسرائيلية

علي حسن الفواز

2006 / 8 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


من يتذكر يوميات الغزو الاسرائيلي لبيروت عام 1982 ويتذكر معها اليوميات المضادة التي كان يكتبها ويصنعها الشعراء والحكواتيون والحالمون،، يدرك جيدا ان الشعر والحلم وحكي الخنادق يمكن ان يكون هيجانا اكثر من اذاعات دول المحور !!! ويمكن ان يكون صناعة اكثر تسليحا من حائط البنادق ... وان هؤلاء الشعراء والحكواتية طوال مكوثهم عند القلق البيروتي ! قد ابتكروا حروبا استثنائية وأكثر اثارة للعصابات في اللغة وفلسفة الثورة الدائمة غير التي اكتشفها السيد زاباتا والسيد جيفارا والسيد فرانز فانون !! اذ كانوا يمارسون الاشتباك اليومي ألحاد عند منعطفات الشوارع مع لغتهم المبلولة وقصائدهم المباحة وشتائمهم الاكثر عريا !! ربما كانوا يتوهمون استحضار وطنا مغال في مقاومته واكثر صلاحية من الاوطان التي صنعها الواقعيون الاشتراكيون !! وربما كانوا يكتبون نصوصا تمنحهم اطمئنانا اكثر اغواء من توهيمات العرّافين وطنطنة رواد الصالونات والحانات. كانت جلسات الشاي في الزوايا الضيقة والباردة وعند الزمن الغائب عن لحظة الحرب أشبه ما تكون بطقوس ( نضالية) بقطع النظر عن المسميات والمرجعيات ، تحرّض الكثيرين على ممارسة كتابة الوصايا والبيانات وربما الاعترافات النبيلة والدعوة للبوح والبكاء ..ولعل الشعراء والحكواتية وابناء اليسار القديم الذين جاءوا من كل بلاد الدنيا العربية يدركون تلك الليالي الملاح والصحاح بعد ان هاجروها الى مناف ثانوية أكثر اغواء أوربما اكثر يسارية او اكثر تقديرا واحتواء للنزوات وصناعة الزوايا والاعترافات الاقل نبلا ..
تلك هي بيروت المدينة والسيدة والغانية والقديسة التي صنعت كل الطقوس والزوايا والاعترافات ،،،نعم بيروت هي ذاتها التي جاءها العابرون والمغامرون وهاجروها مطرودين او عاطلين !!! فما الذي جرى ؟ واين ذهب الجمع عن زوايا الالفة ؟ والى اين هربت القصائد والحكايات والاحلام ؟ فبيروت هي ذاتها المغناج والمباحة والصلبة عند الطلقة والقصيدة !! والعدو هو ذاته اليانكي والبسطالجي بكل قبحه واستعلائيته ، والشعراء والحكواتية هم انفسهم رغم منافيهم الثانوية والاكثر نعاسا !!! فهل تعطل أحد عن ممارسة دوره في هذا الثالوث!
بيروت جاءتها الصواريخ والطائرات والبوارج بكل نزيفها المسلح ، وجاءها المحاربون بكل الوانهم القبيحة ،اباحوا جنوبها ،وكانه جنوب من جنوبات (القطب الشمالي) لاصاحب له ولا (طابو) يحرّم العبث بجغرافيته !! لقد اشعلوا كل زواياه الثلجية وكل ذكريات الشعراء وخطوطهم العالقة على الحيطان القديمة .. انبرى لحرب بيروت الساسة المحترفون والعسكر الامريكان والاسرائيليون ومباركة من الاخرين بالصمت او بالشماته !! حتى بدت الحرب خليطا سكسكونيا وفرانكفونيا واسرائيلفونيا وربما عربفونيا !!!!!
فاين ذهب الشعراء والحكواتية اذن ؟ الم يدافعوا عن ذكرياتهم وزوايا الشاي والاغاني والقصائد المفتوحة على كل الاحتمالات ؟ اين ذهبت فيروز ذاتها بكل تاريخها الصوتي والشعري والرحباني ؟ هل غادروا جميعا متردم وداحس والغبراء وعكاظ والمربد وسقط اللوى وبيت سليمى وام أوفى هكذا مرة واحدة !! نعم اين ذهب الجميع آل رحباني ومشتقاتهم وجوليا بطرس ومارسيل خليفة ؟ اليست الحرب حربهم ؟ وهل ان الموتى من الاطفال والنساء والشيوخ والابطال هم خارج موروثات الجلد اللبناني الفاقع البياض ؟ وهل ان شادي الفيروزي لم يذهب هذه المرة الى الثلج لتأخذه الشظايا الى العدم ! أم ان الحرب هي حرب الصيف الساخن؟؟ تلك مفارقة عجيبة !!الاغلب قد سكت!! وكأنه ينتظر موت الاخرين ليتفرد هو بكنزهم العائلي ، والبعض اطلق شتائمه على خجل وكأنه لايريد ان يغضب عشيقته الشقراء المحسوبة على مرجعيات ( الليبرالين ) العرب !! والبعض الاكثر مرارة راح يفلسف الكارثة ويطلق توصيفاته دون ادنى حرج !! وربما راح يلقي اللوم وبتجرد غريب على الاخرين لانهم ورطوا البلاد والعباد في حرب لن يعد أحد من المحاربين والساسة والعسكركارتونيين !!ركوب موجتها !
اقول نعم مرة اخرى اين ذهب ادونيس وسعدي يوسف وغادة السمان ومحمود درويش وسميح القاسم وجليل حيدر وشاكر لعيبي وهاشم شفيق واصحاب اليسار وفقهاء الزوايا ؟ واين ذهب شعراء وحكواتية لبنان ومسرحيوه الراكضون على حرائق الحداثة ؟ واين ذهب الشعراء العرب حاملو وصانعو المعلقات وقصائد المدح الطوال ؟ اين ذهب منظرو الحداثة ورواد الفكر العربي المعاصر الذين فلسفوا كل شيء بدءا من غريزة الثورة الى غريزة المقهى ؟ أليس هذا اليوم هو يوم الوقيعة كما يقولون اصحاب الفقه الشرعي ! أو ليست هي فرض عين عند منظري الجهاد الذين باركوا كل الحروب المركزية والهامشية واخرجوا الكثيرين من الملة لعزوفهم عنها ! لكنهم ارتبكوا عند هذه الحرب المعقدة والمتداخلة الخنادق وتعطلت لغة المناهج وتخريجاتها ،ربما لانها تحتاج الى فقه ابستمولوجي ؟ والى تشريع سيميولوجي!! يجعل نظامها الدلالي خارج لعبة القياس والنسق !!
لقد اسقطت هذه المفارقة الكثير من المفاهيم ( مفهوم العدوان / مفهموم الثورة/ مفهوم ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل/ مفهوم الدولة ) من التداول السياسي والثقافي !!! وجعلتنا امام ضرورات اعادة انتاج الكثير من المفاهيم ولعل ابرزها مفهوم ( المثقف العضوي) الذي قال عنه غرامشي ذات مرة واستحضره كمفهوم اشكالوي وكمنظور واجراء ثوري في مواجهة الاعداء الطبقيين والرجعيين!! ربما نحن الان لانحتاج المثقف الاحتجاجي الذي اراده ادوارد سعيد لانه سيكون (بياع كلام) !!! اذ يكون المثقف العضوي بصرامته الثورية وعيونه الشاحبة ورومانسيته الدافقة التي تشبه ملامح ابطال الفولاذ اسققيناه وليلة لشبونة ،هو الوحيد الذي يمكنه ان يصنع (رأيا عاما) وضجيجا واحلاما ونوايا صالحة لتداول فكرة المستقبل ،وربما سيكون الوحيد القادر على الخروج للشارع واعادة حاضنة الزوايا عند بيروت وعند كل المدن العربية المباحة الان لغزاة لاملامح لهم !!!
ان حرب بيروت السادسة بحساب عدد ( الغزوات) العبرية لارضنا العربية ،يبدو انها ستعكس كل ازماتنا وستكشف كل عوراتنا وتفضح كل (جينات ) التدجين في الذاكرة والكتابة العربية ،مثلما ستكشفت ازمة حكوماتنا العربية وحجم اللزوجة الامريكانية (الامبرالية والعولمية) في دمائها ..انها حرب الفضائح وحرب الاقنعة وحرب المفاهيم ،واحسب ان (المعرفيين ) العرب سيجدون في هذه الحرب فرصتهم الاخيرة لفك كل الاشتباكات المفاهيمية !! واعادة انتاج النسق المعرفي الواضح والاليف قبل ان نتبلبل في لغات الاخرين وحروبهم السود .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام