الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكسل هونيث (1949 -   )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 5 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


6/5/2021

" أكسل هونيث فيلسوف ألماني معاصر، ويعتبر من أهم رموز مدرسة فرانكفورت (الجيل الرابع) وهو أيضاً رائد النظريَّة الاجتماعيَّة النقديَّة، التي تحاول النَّظر في الأسُس التي قام عليها الاجتماع البشري في حياتنا المعاصرة، ويدرُّس منذ سنة 2011 بجامعة كاليفورنيا بنيويورك، ونال سنة 2015 جائزة ارنست بلوخ وسنة 2016 جائزة برونو كرايسكي.
تتلمذ هونيث على يد هابرماس الذي أشرف على تأهيله الجامعي، وشيَّد هونيث في أطروحته لنيل درجة التأهيل مقاربة فلسفيَّة حول نظريَّة “الصراع من أجل الاعتراف” التي نحت هيجل أسسها الأولى، فيما يعرف بجدليَّة العبد والسيد، ليضع معالم نظريَّة اجتماعيَّة ذات مضمون معياري، يتخذ من الظواهر العينيَّة أساساً للتميِّيز بين مختلف علاقات التعارف.
"تتمحور فلسفة هونيث حول مفهومين هيغليين، هما: الاعتراف والكفاح. هو يرى أن الحصول على الأول هو هدف كل الممارسات الجماعية والفردية، وأن الثاني هو الطريق إلى تحقيق ذلك، وهو الدم الذي يجري في عروق المجتمع ويدفع به إلى التطور والتغيير"([1]).
في بداية فترة التلمذة الفلسفية " تأثر أكسل هونيث بأقطاب الجيل الأول للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: ماكس هوركهايمر و ثيودور أدورنو ، و هربرت ماركوز، ثم بدأ بعد ذلك بالاطلاع على أهم اعمال فلاسفة الجيل الثاني، مُمَثَّلين في كل من : ألبرشت فيلمر، كارل أوتو آبل ، و يورغن هابرماس ، ثم انكب بعدها على إعادة بناء النظرية النقدية من جديد، لتواكب المنحى الفلسفي المعاصر و تقلبات الحياة المعاصرة تاريخيا و فكريا و ثقافيا، لهذا كان لزاما عليه أن ينفتح على عديد فلاسفة و مفكرين كبار خاصةً هيغل، و لوكاش ، و مشال فوكو، و جون بول سارتر و جون ديوي، و كذا علماء الاجتماع أمثال، بيار بورديو، وإميل دوركايم.
استطاع آكسل هونيث، إعادة بعث نظرية جديدة، تقوم على جملة مفاهيم وأطروحات، وعلى رأسها مفهوم الإعتراف الذي يحتل منزلة مركزية في الفلسفة الاجتماعية ، ولكن هذا لا يعنى بأنه نأى بنفسه عن فلسفات رواد الجيل الأول و الثاني و انما أخذ منهم الشيء الكثير ، و أهم فيلسوف حظي بمكانة مركزية في مخيال اكسل هونيث هو يورغن هابرماس، ولكن بعد مناقشة مستفيضة من لدن هونيث لنظرية هابرماس، توصل إلى قناعة فكرية مفادها ان التواصل لم يعد كافيا لتفسير النزاع الاجتماعي، لهذا كان ملتزما بتقديم اجتهاد جديد يوحي ببراديغم الإعتراف، معتبرا أن العالم المعيش الأولي الخاص بالوجود البشري هو عالم الإعتراف وليس عالم التفاهم اللغوي، والأولوية طبعا للإعتراف لا للتفاهم ، وهو أمر يمكن إثباته بكل يسر وبساطة وذلك لأن الاعتراف كأنموذج عاطفي يسبق دوما و أبدا من الناحية التكوينية عملية اكتساب اللغة"([2]).
" لم ينِ هونيث يُشددُ، منذ أن نشر بالألمانية كتابه "النضال من أجل الاعتراف" الصادر عام 1992، على حقيقة أن معظم النزاعات في المجتمعات المعاصرة إنما سببها جميعا هو انعدام ثقافة الاعتراف بين الأفراد، أو بين الفئات الاجتماعية، أو بين الشعوب ذاتها، ففي كتابه هذا عرض هونيث أهم الأفكار والمفاهيم الأساسية لنظريته في الإعتراف التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
إنّ كل مقاربة لمفهوم الاعتراف حسب هونيث- تستدعي العودة إلى كتابات هيغل وماركس، ذلك إن الفيلسوف أكسل هونيث لم يجسد فحسب الرؤى والأفكار النقدية الموضوعية التي طرحها من قبله أساتذته في مدرسة فرانكفورت عموماً، وأستاذه الفيلسوف هبرماس خصوصاً، بل قدم أيضاً أفكاراً غامرة بالرؤى الإنسانية التي تؤكد على الاعتراف بالإنسان كإنسان واحترامه لذاته كأولوية تعلو على كل الأولويات، وهو هنا جَسَّدَ في الجوهر المعاني الإنسانية العظيمة للفكر الماركسي التقدمي، دون أن نتجاوز تأثير الفيلسوف الكبير هيجل عليه.
ذلك إن أهمية هيجل، ترجع إلى كونه أول من حاول دراسة العلاقات الاجتماعية بوصفها علاقات بين ذوات تسعى لتحقيق الاعتراف المتبادل، ثم عمّق هونيث فكرة الاعتراف المتبادل الهيغلية استنادا إلى مكتسبات ونتائج العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع الماركسي، علم النفس الاجتماعي، التحليل النفسي).
يرى إكسل هونيث، أن الاعتراف المتبادل كفيل بوضع حد للصراعات الاجتماعية القائمة على السيطرة و الهيمنة و الظلم الاجـتماعي، ومن ثمة يستطيع الأفراد تحقيق ذواتهم وفق ثلاثة أشكال أو نماذج معيارية متميزة للاعتراف هي : الحب و الحق والتضامن([3]).
1– الحب: الحـب –حسب هونيث– هو الصورة الأولية للاعـتراف، إذ أنه يربط الفرد بجمـاعة محددة وخاصة الأسرة التي تمكنه من تحقيق مقصد أساسي يتمثل في الثقة في النفس.
2– الحق: الحق عند هونيث فهو ذو طابع قانوني وسياسي، بحيث يتم الاعتراف بالإنسـان كذات حاملة لحـقوق ما، ولهذا الاعتراف أهمية كبيرة لاكتساب ما يسمى احـترام الـذات.
3– التضامن: أما التـضامن فهو يحيلنا –حسب هونيث- إلى الصورة الأكثر اكتمالا من العلاقة العملية بين الذوات وهذا لتحقيق مقصد أساسي يتمثل في إقامة علاقة دائمة بين أفراد المجتمع، بحيث يتمكن كل الفرد أن يتأكد أنه يتمتع بمجموعة من المؤهلات والقدرات التي تسمح له من الانسجام الإيجابي مع ضعه الاجتماعي، فيحقق ما يسم بتقدير الذات.
غير أنّ تحقيق الاعتراف من خلال هذه الأشكال أو المستويات الثلاثة ليس أمراً هَيِّناً من الناحية الواقعية، إذ كثيرا ما يجد الأفراد أنفسهم أمام ما يسميه هونيث بالامتناع عن الاعتراف، والذي يأخذ بدوره ثلاثة أشكال أساسية تؤدي في نهاية الأمر إلى ما يسمى بالاحتقار الاجتماعي وهي([4]) :
أ- من الناحية الجسمية والنفسية: حينما يتم إلحاق الأذى أو الضرر الجسماني والنفسي لشخص ما، مثل حالة التعذيب أو الاختطاف أو الاغتصاب، وهذا ما يؤدي إلى فقدان الثقة في النفس.
ب- من الناحية القانونية: حينما يتم إلحاق الضرر للفرد ويتم استبعاده أو تهميشه من الناحية القانونية فلا يحصل على حقوقه لأسباب إثنية أو جنسية أو طبقية أو دينية (كحالات المغتربين، النساء، السود، الخ)، غير أنّ الملاحظ عندما نتحدث هنا عن حقوق الأفراد أو الجماعات فلا يتعلق الأمر فقط بعدم التساوي في الحقوق أو في التوزيع العادل للخيرات و الثروات و إنما يتعلق الأمر أيضا – من الناحيتين النفسية والأخلاقية- بشعور هؤلاء الأفراد المهمشين أو المحرومين بالإهانة وهذا الشكل من الاحتقار يؤدي إلى فقدان الفرد أو الجماعة لما يسمى احترام الذات.
ج- من الناحية الاجتماعية: وهذا حينما يتم إلحاق الضرر للفرد عندما لا ينال الاعتراف الذي يستحقه بالنظر إلى مؤهلاته وقدراته وكفاءاته. فلا يحقق المرتبة الاجتماعية التي يستحقها، على غرار ما يحدث مثلا في مؤسسات العمل التي لا ينال فيها الفرد التقدير الاجتماعي اللائق به.
وهذا الشكل من الاحتقار يؤدي إلى فقدان الفرد هذا التقدير، لذلك فإنّ معايشة الأفراد لتجارب الاحتقار الاجتماعي تؤدي لا محالة إلى صراعات اجتماعية وسياسية، يبحث هؤلاء الأفراد من خلالها على الاعتراف في مختلف أشكاله"([5])، ذلك "إن التشخيص الأنثروبولوجي للعلاقات بين الأفراد يؤكد على أن كل إنسان لا يحقق اعترافًا ذاتيًا بنفسه إلا بفضل الاحترام الذي يُبْديه له الآخرون، وعلى النقيض من ذلك، فإن هُوِيتنا الأخلاقية قد تتدهور وَفْقاً لتجارب الاحتقار والحرمان التي نعيشها يوميا، ذلك أن الصورة التي نرسمها عن أنفسنا تعتمد كثيرًا على الصورة التي يرسمها عنا الآخرون، أو نأمل أنْ يرسمها عنا هؤلاء الآخرون، وهو ما يعني بالنسبة إلى هونيث، أن الاعتراف الحقيقي هو ذاك الذي يتم فيه تبني ثقافة الاحترام المتبادل بين الناس كأساسٍ يُشَيدُ عليه كل فردٍ منهم صرحَ كرامته الشخصية"([6]).
وهنا يؤكد أكسيل هونيث على أن " الحل الممكن لإخراج الفرد من حالة الازدراء والاحتقار التي تردى فيها، إنما هو في طرح مقاربة أخلاقية تحقق "التقدم الأخلاقي" تقوم على ثلاثة مبادئ هي الاعتراف العاطفي الذي يحقق "الثقة بالذات"، والاعتراف القانوني الذي يضمن "احترام الذات"، والاعتراف الاجتماعي والمهني الذي يحقق "تقدير الذات"([7])، ذلك إن " مواصفات المجتمع الجيد -عند اكسيل هونيث- هو المجتمع الذي يسمح لأفراده من خلال توفير الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بتحقيق ذواتهم واستقلاليتهم. كما أنه المجتمع الذي يسمح لأفراده بتحقيق أحلامهم بدون المرور من تجربة الاحتقار أو الإقصاء، أو بعبارة أخرى جامعة، فالمجتمع الجيد هو الذي يضمن لأفراده شروط حياة جيدة"([8]).
"إنّ الاحتقار عند اكسيل هونيث هو مشكل سياسي، ذلك إنّ المجتمع المعاصر قد جرّد الفرد من شخصه الإنساني بأنْ اختزله في ثمن العمل الذي يمكنه القيام به، أي أننا نساوي نوع العمل الذي يمكننا أن نبيعه بمقابل، كما أن كلّ تحويل للعمل المأجور إلى سلعة هو عمليّة تشيّؤ تُجرِّد الشخص الإنساني من كرامته؛ أي من منزلته الأخلاقية كإنسان، وهكذا لا توجد الدولة الحديثة (الرأسمالية) إلاّ بقدر ما تُجرِّد الأفراد من هويتهم الشخصية وتحوّلهم إلى موظّفين.
الاحتقار إذن، هو الخلط العقلاني بين الثمن والكرامة -كما يقول هونيث- وإنّ جوهر الرأسمالية هي كونها قد نقلت الاحتقار من الضجيج الأخلاقي حول الانفعالات الحزينة إلى ديناميكية اجتماعية تقوم على الاستيلاء الوظيفي على الأجساد المدرّبة واستثمارها بشكل نسقي، نعني في شكل إدارة تضبط سياسة الحياة الخاصة للفرد المعاصر بوصفها ثروة اقتصادية يمكن الاستثمار فيها.
قال هونيث: "أن نصبح غير مرئيين (invisibility)... هو نتيجة لتشوّه قدرة الإدراك لدى الكائنات الإنسانية التي هي مرتبطة بالاعتراف"، ولابدّ من التمييز هنا بين "أن نعرف" شخصا وبين أن "نعترف به".
إنّ المجتمع الرأسمالي يحصر العلاقة مع الفرد في مجرّد معرفته حتى يمكن استعماله، لكنّه لا يقيم وزنا لمسألة الاعتراف به بما هو ذات خاصة، بل يعمل على تحييدها"([9]). وهو بذلك –كما يقول رشيد العلوي- "قد لفت الانتباه إلى ظواهر الإهانة الإنسانيَّة المرتبطة بنظام العمل الرأسمالي لكي ينتبه الماركسيون وأنصار البروليتاريا إلى الأسس الجديدة التي يقوم عليها الاستغلال والتي ستكون بدون شك سبباً مباشراً في تنامي وتجذر المقاومة الاجتماعيَّة الجديدة"([10]).
 


([1]) رشيد بوطيب – أكسيل هونيث: في حلبة تفسير الإرهاب – الانترنت – 27 نوفمبر 2015.
([2]) كمال طيرشي – مراجعة كتاب أكسل هونيث فيلسوف الاعتراف – الحوار المتمدن – العدد 5956 – 7/8/2018
([3]) نور الدين علوش – حوار خاص مع الدكتور كمال بومنير – الانترنت – 2 أيار (مايو) 2012.
([4]) المرجع نفسه .
([5]) المرجع نفسه .
([6]) عبد الدائم السلامي – اكسيل هونيث: مرض الحضارة اليوم هو احتقار الإنسان – القدس العربي – 23 أغسطس 2018.
([7]) المرجع نفسه .
([8]) مرجع سبق ذكره - نور الدين علوش .
([9]) فتحي المسكيني – مجتمع الاحتقار – الانترنت – 22 فبراير 2018.
([10]) رشدي العلوي – اكسيل هونيث: الاحتقار أساس المجتمع الرأسمالي المعاصر – 21 أغسطس 2018- الانترنت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا