الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوانين الدستورية تسمو على القوانين العادية

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2021 / 5 / 6
دراسات وابحاث قانونية


الدستور يسمو على سائر السلطات العامة في الدولة، ولا يجوز خرق أو انتهاك أحكامه، فالسلطة التنفيذية ملزمة بالتقييد به، والسلطة التشريعية بدورها مطلوب منها احترام مقتضيات الدستور عن طريق إعمال مبدأ تدرج القواعد القانونية، بألا تصدر تشريعات تخالف روح الأحكام الدستورية النافذة، وإلا اعتبرت تلك النصوص غير مشروعة، يترتب عن ذلك الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها سلطة التأسيس (أي الدستور) كوظيفة يتولاها القضاء الدستوري. يعتبر الدستور القانون الأسمى في الدولة و هو الذي يحوز على أعلى سلطة فيها، و لهذا وجب احترامه من طرف الجميع. والتشريع الدستوري تسمو قواعده على قواعد القانون العادي، وبناء على قاعدة تدرج القوانين فالتشريع العادي لا يمكنه أن يعدل أو يلغي مقتضيات تضمنها الدستور لسبب بسيط هو أن الدستور يتم إقراره عن طريق الإستفتاء. يعرف القانون بأنه كل تشريع يصدر عن البرلمان ، لأن كل تشريع هو بالضرورة قانون. إن التأكيد على هذه المبادئ الدستورية و القانونية الغاية منها محاولة تبيان التعارض القائم بين القواعد الدستورية و القواعد القانونية فيما يتصل بإعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من طرف المحاكم، فالدستور لم يقرر بأنه يحظر عليها فحص دستورية قانون معين عند الدفع بها من طرف أحد أطراف الدعوى المعروضة عليها. وكون الدستور هو الأساس لأي نشاط تقوم به الدولة والمصدر القانوني لكل السلطات أو جميعها، وهو أعلى من السلطة المكلفة بتطبيقه، وهو مرآة لتطور الأمة ومقياس حضارتها وضميرها في مرحلة راقية من تطورها، فيتحقق باحترامه والتقيد بأحكامه احترام الشخصية الإنسانية، لأن الإنسان هو محور كل الحقوق ولا تكون إلا له، وإن كانت مقيدة لمصلحة المجتمع.
تُعد الدولة القانونية السمة الأساسية للمجتمعات المعاصرة، التي يتم فيها تنظيم العلاقات والروابط بين أفرادها الذين ارتضوا العيش المشترك بينهم في ظل نظام قانوني يجسد الحق والعدالة، ويهدف إلى تحقيق المصالح العامة والأهداف الجماعية والغايات المشتركة، وإذا كانت الدولة هي الإطار الذي يتحقق داخله المظهر السياسي لهذه المجتمعات، وهي مجتمعات سياسية بالدرجة الأولى، فإن القانون هو أداة هذه الدولة ووسيلتها لكفالة تحقيق المقاصد والأغراض العامة للمجتمع، لذلك يذهب الفقه إلى أن المجتمعات في الدول الحديثة على وجه الخصوص لا تقوم دون قانون، ومفهوم القانون الحقيقي أنه الحد الفاصل ما بين إطلاق السلطة ومتطلبات حقوق الإنسان، وغايته الرئيسية استقامة التعاطي بين السلطة والمجتمع. اختلفت الدول في تحديد أساليب الرقابة على دستورية القوانين رغم اجماعها جميعاً على أهمية الرقابة بما تكفل ضمان احترام الدستور والقوانين من قبل السلطات العمومية فهناك من أسندها إلى هيئة سياسية مستقلة تختلف تسميتها من دولة إلى أخرى، وهناك من أوكلها إلى الهيئات النيابية، وهناك من أوكلها إلى المحاكم. فالسمو الموضوعي للدستور هو نتيجة طبيعية لما يتضمنه من تنظيمٍ لمختلف السلطات في الدولة وتحديد اختصاصاتها وعلاقاتها مع بعضها بعضاً، أما سموه الشكلي فمستمد من صدوره عن هيئة تأسيسية تعد أعلى من أية هيئة يقيمها الدستور لأنها تمثل الإرادة الشعبية وتنطق باسم الأمة. لاشك إن الحقوق والحريات العامة تحتل قيمة اجتماعية رفيعة في النفوس باعتبارها أسمى القيم الإنسانية إن لم تكن اسماها على الإطلاق، فهي ترتبط بهم وجوداً وعدماً، فأصرت البشرية في أطوارها المختلفة على الإيمان والتمسك بها، كما إنها من مقومات الإنسان نفسه ولا يمكن أن تكون ترفاً، إذ لابد من صيانتها، فجميع الثورات والانتفاضات التي قامت بها الشعوب ضد تعسف السلطات الحاكمة، كان الهدف منها انتزاع هذه الحقوق والحريات ومن ثم فانه في النتيجة تم تسطيرها في نصوص دستورية وقانونية تكفل ممارستها وحمايتها.
والرقابة القضائية علي دستورية القوانين تمتاز ببعض المميزات نذكر منها الاستقلال و الحياد والموضوعية المستمدة من استقلال القضاء وموضوعيته ,وجود قضاة مؤهلين بحكم تكوينهم للاضطلاع بمهمة فحص القوانين والفصل في مدى موافقتها أو مخالفتها لأحكام الدستور, توفر ضمانات للمتقاضين هدفها الوصول إلي الحقيقة المجردة ومن هده الضمانات حرية التقاضي حق الترافع علانية الجلسات و حق الطعن. هي الرقابة التي تمارس بواسطة هيئة قضائية،وينطلق مفهوم هذه الرقابة من فكرة حق الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم المقررة في الدستور، وتشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية.
اما رقابة الامتناع فقد أصبحت رقابة الامتناع القضائية جزءا من النظام الدستوري للولايات المتحدة الامريكية ,ومن الجدير بالذكر أن الأثر القانوني الذي تحدثه هذه الرقابة على القانون المخالف للدستور لا يصل لحد إلغاء هذا القانون و إنما الامتناع عن تطبيقه فقط. كذلك فان قرار المحكمة على عدم دستورية احد القوانين لا يسري أثره , بالأصل إلا على المتخاصمين في الدعوى المنظور بها. لكن نظام السوابق القضائية المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يعني ضرورة تقيد المحاكم الأدنى بالقرارات الصادرة عن المحاكم الأعلى يؤدي إلى تعميم الأثر القانوني للأحكام الصادرة عن المحكمة العليا باعتبارها أعلى هيئة قضائية في الاتحاد . و عليه فان قرارات المحكمة العليا التي قد تعلن عدم دستورية بعض القوانين تكون ملزمة لكافة المحاكم الأخرى في البلاد .إلا أن هذا لا يعني , إلغاء القانون لان المحكمة العليا نفسها قد تعود لأسباب عديدة, وبعد فترة من الوقت عن قرار سابق لها بشان احد القوانين و تعتبره مطابقا للدستور بعد أن كانت قد اعتبرته مخالفا له. ونخلص إلى أن للقضاء دور تاريخي منذ أواخر القرن الثامن عشر ونشأة النظم الدستورية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية لوضع الأساس لمبدأ الرقابة على دستورية القوانين بطريق الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور واستحداث حقوق ومبادئ لم ينص عليها دستور الولايات المتحدة كالحق في التعليم للزنوج مع البيض في مدارس البيض والحق في الخصوصية ، بل توسعت وأسرفت في الرقابة حتى وصفت من بعض الفقهاء انها حكومة القضاة او المجلس التشريعي الثالث وهذا ما نراه الآن في جمهورية مصر العربية ومحكمتها الدستورية في تعقيد الوضع بها بإلغاء مجلس الشعب المنتخب والتهديد الذي لازم رئيس الجمهورية المنتخب بإلغاء قراراته مما دفعه إلى إصدار الإعلان الدستوري الثاني وحصن فيه قراراته من سلطان القضاء مما دفع المعارضين بالخروج في تظاهرات واعتصامات.
إن طرق الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الدول أما أن تتم بطريقة الدفع الفرعي وهي رقابة الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور أو رقابة الدعوى المباشرة وتسمى أيضا" الدعوى الأصلية أو ( دعوى الإلغاء), أو بطريقة المزج بين الدعوى الأصلية المباشرة والدفع بعدم الدستورية ويتم الأسلوب الأخير بان يتقدم الأفراد بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام المحاكم , فان اقتنعت بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية, وهذه الطريقة تفترض وجود دعوى يراد فيها تطبيق قانون معين فيدفع أحد الخصوم بعدم دستورية هذا القانون , وفي هذه الحالة لا تفصل المحكمة في صحة الدفع بل تؤجل النظر في الدعوى وتحيل الطعن في دستورية القانون إلى المحكمة الدستورية التي يكون لحكمها حجية مطلقة تجاه الكافة. إن الرقابة الدستورية يراد منها توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في إطار العمل بمبدأ دولة القانون الذي يستلزم القبول بسلطة الدستور دون تعسف من أي سلطة كانت، وأعمال الرقابة الدستورية تشمل القوانين التنظيمية والعادية، والقانون الداخلي لمجلس النواب ومجلس المستشارين. ونشير إلى أن قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة للطعن، فهي ملزمة لجميع السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية، علما أن الرقابة الدستورية على القوانين نوعان إما إجبارية أو اختيارية.
أما الرقابة على دستورية القوانين بواسطة مجلس دستوري,فهي الاولى للرقابة السياسية على دستورية القوانين وترجع الى الفقيه الفرنسي سييز الذي طالب بانشاء هيئة سياسية تكون مهمتها الغاء القوانين المخالفة و غرضه في ذلك هو حماية الدستور من الاعتداءات على احكامه من قبل السلطة , واذا كان سييز قد فضل الرقابة السياسية على القضائية و ذلك يعود الى اسباب تاريخية و قانونية و سياسية اثرت على النظام السياسي الفرنسي مما حدى بالنظام الى الابتعاد عن انشاء هيئة تسند لها مهمة الرقابة على دستورية القوانين. و بالرغم من كل العوامل السياسية و التارخية الا ان فكرة سييز قد وجدت مساندة و تاييدا لها فيما بعد بل و كتب لها النجاح في الاخير حيث نص دستور السنة الثامنة للثورة ( 15/12/1797 ) على اسناد مهمة الرقابة الى مجلس الشيوخ حامي الدستور على ان تكون هذه الرقابة سابقة على اصدار القوانين و السماح له بالغاء القوانين المخالفة , و تجنبا لوقوع اعضاءه تحت التاثير وجب اتباع طريقة معينة في اختيارهم ضمانة لاستقلالهم , و مع ذلك فان هذا المجلس تحول الى اداة في يد السلطة التنفيذية تسيره كيف تشاء و من اسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على انها لا تراقب الا القوانين التي تحال عليها من طرف الحكومة. و لا يعقل ان تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماش و سياستها للمجلس. و ظهر هذا النظام مرة اخرى في دستور14/01/1852 ووقع في نفس ما وقع فيه المجلس الاول مما ادى الى عدم التفكير فيه . ورغم الانتقادات لم يمتنع مشرعي دستور اكتوبر 1958 من السير على نفس المنهج. و الرقابة السياسية فتتم عن طريق هيئتين هما أولا: الرقابة عن طريق مجلس دستوري وثانيا الرقابة بواسطة هيئة نيابية. ظهرت في فرنسا ويقصد بها إنشاء هيئة خاصة لغرض التحقق من مطابقة القانون للدستور قبل صدوره ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة عن الرقابة إلى الفقيه الفرنسي " والغرض من هذه الهيئة حماية الدستور من الاعتداء على أحكامه من قبل السلطة ويعود تفصيل " Sieyes " للرقابة السياسية على الرقابة القضائية لأسباب تاريخية منها أعمال العرقلة في تنفيذ القوانين في فرنسا والتي كانت تقوم بها المحاكم المسماة بالبرلمانات حيث كانت تلغي القوانين وهو ما جعل رجال الثورة يقيدون سلطات المحاكم ومنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية أما بالنسبة للأسباب القانونية فترجع إلى مبدأ الفصل بين السلطات فقد أعتبر تصدي القضاء للرقابة دستورية القوانين تدخلا في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن الناحية السياسية استند في تبرير عدم الرقابة إلى أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وهذه الإرادة أسمى من القضاء وعليه فلا يجوز له التعرض لمدي دستورية أو عدم دستورية قانون يعبر عن إرادة أمة. ورغم هذا ففكرة " Sieyes " وجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد، بل ولقيت نجاحا في الأخير حيث نص دستور سنة الثامنة للثورة على استناد مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة لصدور القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول إلى أداة في يد ناجيلون يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على أنها لا تراقب إلا القوانين التي تحال عليها من هيئة التربيونات ولا يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماشى وسياستها للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري الذي يتألف من أعضاء كانوا رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثلاثة ويعين رئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منهما ثلاثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من بين الأعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثلاث سنوات كما لا يجوز لهؤلاء الأعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
الرقابة السياسية بواسطة هيئة تنفيذية لقد أخذت بهذه الطريقة دول عديدة لاسيما الدول الإشتراكية سابقا، فبعض الدساتير تنص بأن تشكل الهيئة التشريعية لجنة لهذا الغرض (دستور (ألمانيا الشرقية سابقا) و بعضها جعل إختصاص الرقابة الدستورية للهيئة التشريعية ذاتها (دستور الإتحاد السوفياتي سابقا). و من الدول من جعلت الرقابة الدستورية من إختصاص المكتب الإداري للهيئة التشريعية تحت إشراف هذه الأخيرة دستور يوغوسلافيا سابقا، تشيكوسلوفاكيا سابقا.
والعراق وبعد أن انتقل في ظل دستور عام (2005) من دولة بسيطة إلى دولة اتحادية, وانتقل نظام الحكم من النظام الرئاسي إلى البرلماني وتم اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات والتأكيد على احترام الحقوق والحريات الأساسية سواء في وثيقة قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية أو في وثيقة الدستور الحالي , كذلك نص على مبدأ استقلالية السلطة القضائية والضمانات التي يتمتع بها القضاة من خلال إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وجعله مستقل عن وزارة العدل , وعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في استقلال القضاء , وحفاظا" على صيانة الوثيقة الدستورية كان لابد من إنشاء محكمة عليا للحفاظ على سيادة القانون وتحقيق العدالة . وأراد المشرع الدستوري أن يوضح معالم الدولة القانونية الجديدة من خلال النص على إنشاء محكمة اتحادية عليا تختص بالرقابة على دستورية القوانين إلى جانب اختصاصات أخرى مهمة. أن الدستور الدائم في المادة 93 / ثانيا" منه أضاف هذا الاختصاص إلى اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا , وحسنا" فعل المشرع الدستوري عندما أضاف هذا الاختصاص إلى المحكمة وذلك تلافيا" لما قد يحدث من جدل حول تفسير نصوص الدستور , كما وان المادة 2 من الدستور المتعلقة بثوابت أحكام الإسلام , وتلك المتعلقة بالديمقراطية تحتاج إلى أن يناط بالمحكمة هذا الاختصاص , إضافة إلى ما يحدث مستقبلا" بشأن تنازع القوانين بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم وتوزيع إيرادات مصادر الثروات الطبيعية , كذلك فيما يتعلق بالحقوق والحريات , وخير من يقوم بهذه المهمة المحكمة الاتحادية العليا خصوصا" إذا كان الدستور اتحادي يمنح الحق إلى الأقاليم بتشكيل سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية , كما أن الدستور منح الأقاليم اختصاصات واسعة منها كما جاء في المادة ( 121 / ثانيا" ) حيث ورد (( يحق لسلطة الأقاليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم , في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية )) وهذا البند يكاد أن يكون فريدا" من نوعه في الدول الفدرالية حيث يغلّب قانون الإقليم على القانون الاتحادي.
وفي مصر، أسند دستور سنة 1971 وظيفة الرقابة على دستورية القوانين إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، كما تتولى تفسير النصوص التشريعية ( المادتين 174 و 175 من الدستور) . فالرقابة عن طريق الدفع بعدم دستورية قانون معين تفترض وجود نزاع معروض على المحاكم بواسطة دعوى تستهدف المطالبة بحق إستنادا الى القانون، لكن قد يحصل أن يثير صاحب المصلحة دفعا يتمثل في مطالبة المحكمة عدم تطبيق القانون على الدعوى لكونه مخالف للدستور وفي هذه الحالة يكون صاحب المصلحة قد مارس الدفع بعدم دستورية القانون. وبناء على ذلك فالمحكمة ستتولى فحص الأمر، فإذا ثبت لديها عدم مطابقة القانون للدستور، فإنها تهمله وتمتنع عن تطبيقه على الدعوى ولا تلغي القانون المذكور لأنها لا تملك سلطة الإلغاء بل تملك سلطة رقابة الامتناع. وتتحدد رقابة الامتناع على دستورية القوانين بأنهـا رقابة لاحقة تمارس بواسطة الدفع يثيره صاحب المصلحة بمناسبة وجود دعوى معروضة على القضاء ، فهذا التفسير لنظرية الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع يعتبرها بأنها حق للمتضرر من القانون والمحاكم لا يجوز لها أن تثيره تلقائيا . لكن هذا الرأي منتقد لأنه من حق المحاكم الأخذ بالقاعدة الدستورية واستبعاد القاعدة العادية لان الأولى أسمى والثانية أدنى، ولذلك فلا شيء يحول دون أن يبحث القضاء تلقائيا دستورية قانون معين لكونها مسألة نظامية .كما أن الأمر لا يحتاج الى نص دستوري حتى يتقرر للمحاكم إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع، فالقضاء أخذ بهذا الاختصاص في العديد من الأنظمة القضائية ولو لم يخوله الدستور .
وتعد فكرة رقابة الدستورية من النتائج المهمة لمبدأ المشروعية، وإذا كانت المشروعية تعني الخضوع التام لأحكام القانون بمعناه الواسع ، فإن الدستورية تعني خضوع القوانين جميعها في الدولة للدستور، وفي حال تعارض أي قانون مع الدستور يجب تغليب حكم الدستور على القانون المخالف، وذلك لما يتمتع به الدستور من سمو ورفعة تجعله في المرتبة الأولى بين القوانين. إن التفريق بين القوانين الدستورية والقوانين العادية ضرورة حتمية اقتضتها طبيعة هذه القوانين وأصلها الذي تنحدر منه، وتوطيد النظام القانوني واحترام مبدأ فصل السلطات وتوزيع الاختصاصات بين مختلف هيئات الدولة ومؤسساتها، وإذا لم يراعى التدرج القانوني وترتيب القوة الإلزامية للتشريعات تدب الفوضى القانونية في جهاز الحكم ، وهذا ما جعل فقهاء القانون يفرقون بين القوانين الدستورية الصادرة عن السلطة المؤسسة التي تعد صادرة عن الإرادة العامة للشعب، وبين القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية فعدوا الأولى سابقة على الثانية وأعلى منها مرتبة، وهي ملزِمة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كافة. وهذا يعني بدوره أن على القوانين العادية أن تتطابق في موضوعها مع القوانين (الدستورية) ولا تخالف أحكامها وإلاّ عُدَّت باطلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل