الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


“أورينت” وتزوير التاريخ!

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2021 / 5 / 6
القضية الكردية


نشر موقع وقناة “أورينت” العائدة لرجل الأعمال السوري “غسان عبود” مقالاً تحت عنوان؛ (في رسالة له منذ تسعين عاماً: محمد كرد علي يحذر الدولة السورية من المهاجرين الأكراد!) وكما تلاحظون فهناك تحامل على الكرد وقضاياهم ونية خبيثة من مسألة الوجود التاريخي لشعبنا بمناطقه وذلك عندما يصفهم ب”المهاجرين” ولكي لا نقع في إشكاليات المواقف المسبقة رغم معرفتنا المسبقة لهذه القناة وصاحبها وتوجهاتهم السياسية العروبية التي لا تقل عن سياسات البعث والنظام السوري على مدى نصف قرن وربما الأصح سياسات ناصر -جمال عبدالناصر- ومحاولاته تعريب كل شيء بالمنطقة، بدءً من الجغرافيا وهوية الدولة السورية التي تغيرت من الجمهورية السورية على أيام الاستقلال لتصبح مع مسألة الوحدة بين سوريا ومصر تحت حكمه باسم “الجمهورية العربية المتحدة” وبعد الانفصال بين البلدين؛ “الجمهورية العربية السورية” وصولاً لتعريب تاريخها وإنسانها وهويتها وإن استطاعوا فحتى هوائها وبحارها وجبالها، كما الحال مع “جبل الأكراد” الذي تحول وفق العقلية العروبية السابقة ل”جبل حلب”، بالرغم من أن الاسم التاريخي لها وفق تسمية أبناء المنطقة لها هو “جاي كرمنج” وقد ترجمها العثمانيون ب”كرداغ” وهي تعني نفس المعنى الكردي تركياً وجاءت الدولة السورية في بدايات الاستقلال لتترجمها بنفس المعنى إلى اللغة العربية، كما سبق وقلنا وذلك عندما أسمتها ب”جبل الأكراد”، قبل أن يحورها النظام البعثي العروبي ل”جبل حلب”!

إذاً وبعد المقدمة السابقة دعونا نعود لمقالة أورينت وضغائنها وسمومها ضد شعبنا وقضايانا الوطنية حيث جاء في المقال ما يلي: “في عام 1931 قام وزير المعارف محمد كرد علي في حكومة الشيخ تاج الدين الحسني، بزيارة إلى لواء الجزيرة الذي كان قد أنشئ حديثاً… وقد لاحظ العلامة محمد كرد علي الحركة التي قامت من بناء جسور وشق طرقات وإنشاء دور للحكومة.. فكتب إلى رئيس حكومته الشيخ تاج الدين يطالب فيها بإنشاء المدارس الابتدائية لدعم حركة التعليم التي تقع ضمن مسؤولية وزارته” وتضيف؛ “الرسالة التي نشرها محمد كرد علي لاحقا ضمن مذكراته.. تكشف جانبا هاما عن رؤيته المستقبلية إزاء تدفق الهجرات الكردية إلى منطقة الجزيرة نتيجة الثورات التي قامت ضد الدولة التركية بزعامة كمال أتاتورك، والتي بدأت بثورة الشيخ سعيد بيران سنة 1925، وانتهت بإخماد ثورة سيد رضا في درسيم 1938عام”، وقد جاءت هذه المقدمة من “أورينت” لتقول: ((فقد نتج عن هذه الثورات تدفق هجرات كردية إلى منطقة الجزيرة السورية، والرسالة التي تشكل وثيقة تاريخية، لباحث ومؤرخ بارز، كرديّ الهوية والانتماء.. رأى قبل تسعين عاما من اليوم… ما يجول في خاطر أبناء قوميته اليوم، وأشار إلى أنهم سيتسغلون أي مشاكل سياسية لتأليف دولتهم، ولو على حساب الدولة التي استقبلتهم مهجرين ولاجئين! الأمر الذي رأى فيه محمد كرد علي تهديدا مستقبليا لوحدة الأراضي السورية، فدعا إلى استيعاب هذه الهجرات وتوطينها، لكن شريطة ألا يكون ذلك في مناطق حدودية خشية “اقتطاع الجزيرة أو معظمها من جسم الدولة السورية” في حال حدوث مشكلات سياسية قد تؤدي إلى تمكن الكرد من تشكيل دولتهم)).

وبالأخير لا تنسى هذه القناة العنصرية أن تكشف لنا عن “إكتشافها المفاجئ” لهوية كاتب الرسالة؛ “محمد كرد علي” وذلك عندما تكتب: “فيما يلي نص الرسالة التي تشكل وثيقة تاريخية، لباحث ومؤرخ بارز، كرديّ الهوية والانتماء.. رأى قبل تسعين عاما من اليوم… ما يجول في خاطر أبناء قوميته اليوم، وأشار إلى أنهم سيتسغلون أي مشاكل سياسية لتأليف دولتهم، ولو على حساب الدولة التي استقبلتهم مهجرين ولاجئين!”، طبعاً ربما في ظروف أخرى كانوا قد تناسوا الأصول العرقية لكاتب الرسالة وذلك ما فعلوه حقاً على مدى نصف قرن من حكوماتهم العروبية؛ الناصرية والانفصالية والبعثية حيث لم يرد يوماً في مناهجهم أصل وزير المعارف السوري رغم ورود كلمة الكرد في كنيته، لكن وعندما تطلب الأمر للمصداقية والاستشهاد به تم تذكر العرق والأصل لكاتبها مع العلم الجميع يدرك تماماً؛ بأنه أحد أكثر المخلصين للعروبة وربما عروبيته لا يقل عن “ميشيل عفلق” المسيحي؛ مؤسس البعث وبالتالي هذه الأصول العرقية لا يعتد بها وهناك في التاريخ -وحديثاً أيضاً- عشرات الأمثلة عن شخصيات عملوا لصالح الطوائف والفئات السائدة ضد أبناء جلدتهم ونعتقد أن شخصية وزير الدفاع التركي الحالي؛ “خلوصي آكار” والمنحدر هو الآخر من أصول كردية، كافية للدلالة على مواقف وشخصية هؤلاء المهزومين ثقافياً وأخلاقياً من قضايا شعبهم وهكذا فإن موقف وزير المعارف السوري السابق “محمد كرد علي” لا يختلف كثيراً عن مواقف آكار وإن كان كل منهما يعمل ويخدم الآخرين الغاصبين في موقع وحقل مختلف، فالأول خدم الآخرين ثقافياً، بينما هذا الأخير يخدمهم عسكرياً ضد من ينتمي لهم جذوراً أصولية تاريخية.

لكن ورغم ما سبق من حقائق تاريخية بتنا نعرفها جميعاً عن هذه الشخصيات المستلبة والمهزومة -أو بالأحرى المستعبدة- من قبل غاصبي بلدانهم وجغرافيتهم وتاريخهم مثال صاحب الرسالة الذي تحاول “أورينت” الاستشهاد به وبرسالته للقول؛ بأن الكرد في سوريا مهاجرين دخلاء وليسوا أصلاء في مناطقهم، فإننا سنقدم الدلائل ومن الرسالة نفسها على دحض أكاذيب هذه القناة والتي أخذت بعض المقتطفات من الرسالة وأخرجتها عن سياقاتها لتخدم توجهاتها العنصرية وظيفياً ومنها مسألة العدد السكاني للكرد في الجزيرة حيث جاء في تقرير القناة؛ بأن “الرسالة التي تشكل وثيقة تاريخية، لباحث ومؤرخ بارز، كرديّ الهوية والانتماء.. رأى قبل تسعين عاما من اليوم… ما يجول في خاطر أبناء قوميته اليوم، وأشار إلى أنهم سيتسغلون أي مشاكل سياسية لتأليف دولتهم، ولو على حساب الدولة التي استقبلتهم مهجرين ولاجئين!” ورغم ضعف المعلومة، بل عدم صدقيتها وعدم ورودها في الرسالة أساساً، كما ستلاحظون من خلال قراءتها كاملة عندما نرفقها هنا مع ردنا، فإننا نود أن نذكر أورينت وكل العنصريين ومن مختلف الأعراق والقوميات التي تحاول نفي الوجود التاريخي للكرد بالمنطقة وكأنهم نزلوا من أحد الكواكب فجأة في هذه الجغرافيات، بأن الرسالة تقول: “أما عمل الأهلين في أرض الجزيرة فهو أعظم أثراً ذلك لأن الحسجة (1) التي لم تكن قبل ست سنين سوى قرية صغيرة أصبح سكانها اليوم نحو خمسة آلاف وكذلك يقال في القامشلي (2) التي لم تكن تضم قبل ست سنين سوى بيت واحد وطاحون فأصبحت اليوم تحوي اثني عشر ألفاً من السكان مخططة على صورة هندسية جديدة منارة بالكهرباء مغروسة بالأشجار، وغداً تلحق بها عين دوار وغيرها”.

وهكذا نلاحظ بأن تلك المناطق الحدودية وخلال “ستة سنين” قد تضاعفت أضعاف مضاعفة ما كانت عليها قبلها وهذا شيء طبيعي حيث وبحكم الصراعات الدولية والإقليمية في فترة النزاع على الحدود وترسيمها كانت هذه المناطق الحدودية تتم تفريغها من سكانها بشكل “طبيعي” وذلك هرباً من ساحات النزاع والمعارك، كما يفعله أي كائن عندما تقع الكوارث وما نشهده اليوم لا يختلف عما حصل في الماضي، ثم علينا أن لا ننسى بأن مجتمعاتنا في ذاك الحين كان مجتمعاً رعوياً والقبائل تنتقل وفق ما تقتضيها الظروف وحاجة الرعي ولكن وبعد الهدوء وترسيم الحدود والاستقرار، فإن الأهالي أرادوا العودة لمناطقهم وبناء الدور السكنية للاستقرار والعيش بسلام وخاصةً بعد أن فصلت الحدود المدن والحواضر الكردية وجعلتها في الجانب الآخر من الحدود -تركيا- حيث أصبحت “نصيبين” خلف حدود الدولية والتي رسمت وفق السكة الحديدية -أو الحدودية- بحيث لليوم أهالي الجزيرة يقولون؛ “فوق وتحت خط سكة الحديد” وكان الأمر شبيهاً بإنشاء مديني/بلدتي عفرين حيث تشكلت مع بدايات الوجود الفرنسي من خلال بناء مخفرهم على ضفاف النهر المسمى بنفس الاسم وذلك في بدايات عشرينيات القرن الماضي حيث حينها كانت عفرين عبارة عن عدد من البيوت القليلة وأنشأت أو عمّرت لضرورات اقتصادية قبل أن تكون لحاجات سياسية إدارية كمركز قضائي حيث حلب كمدينة كانت بعيدة عن الريف العفريني فكان أهالي المنطقة يتسوقون في كل من “كلس” و”عنتاب” ولكن المدينتان -ومع رسم الحدود- باتتا خلف الأسلاك وضمن الأراضي التركية؛ أي في الجزء الشمالي من كردستان المحتل من قبل تركيا وبالتالي كانت لا بد من وجود مركز اقتصادي بديل فكانت عفرين وبازارها المشهور ليومنا!

وللتأكيد على تزويرهم للتاريخ وتحريفها فها هي الرسالة التي تحاول القناة الاستشهاد بها وذلك بخصوص المهاجرين عموماً وليس فقط الكرد، كما دونتها هذه القناة في تقريرها متقصدة تغافيها عن هجرات الآخرين؛ العرب والسريان الآشوريين وغيرهم حيث تقول الرسالة: “وتعلمون أن معظم من هاجروا إلى تلك الأرجاء هم من العناصر الكردية والسريانية والأرمنية والعربية واليهودية”، لكن وبحكم موقف كاتب الرسالة وانسلاخه لصالح القومية السائدة ومحاولاته كأي شخصية مستعبدة مهزومة داخلياً وتحاول إرضاء “السيد” وفق سلوكية العبد، بأن يكون وفياً على مصالح سيده أكثر من السيد نفسه وبحسب منهجية أن يكون “ملكياً أكثر من الملك”، فإنه يضيف؛ “وجمهرة المهاجرين في الحقيقة هم من الأكراد نزلوا في الحدود. وإني أرى أن يسكنوا بعد الآن في أماكن بعيدة عن حدود كردستان لئلا تحدث من وجودهم في المستقبل القريب أو البعيد مشاكل سياسية تؤدي إلى اقتطاع الجزيرة أو معظمها من جسم الدولة السورية لأن الأكراد إذا عجزوا اليوم عن تأليف دولتهم فالأيام كفيلة بأن تنيلهم مطالبهم إذا ظلوا على التناغي بحقهم والإشادة بقوميتهم، ومثل هذا يقال في أتراك لواء إسكندرونة فإن حشد جمهرتهم فيها قد يؤدي إلى مشاكل في الآجل لا يرتاح إليها السوريون فالأولى إعطاء من يريد من الترك والأكراد أرضاً من أملاك الدولة في أرجاء حمص وحلب… ومهاجرة الكرد والأرمن يجب في كل حال أن يمزجوا بالعرب في القرى الواقعة في أواسط البلاد لا على حدودها اتقاء لكل عادية ونحن الآن في أول السلم نستطيع التفكير والتقدير”.

وهكذا وبعد قراءة المحتوى السابق، أعتقد من يدقق بها سوف يصل للنقاط التالية:

أولاً- هناك إعتراف واضح؛ بأن المنطقة المعروفة باسم الجزيرة السورية -أو “معظمها” كما يرد في الرسالة- هي جزء من جغرافية تعرف تاريخياً باسم كردستان وذلك وفق خرائط الدولة العثمانية نفسها وهذه يعرفها كاتب الرسالة جيداً ولذلك هو يخاف من أن يتم “اقتطاعها” كما ترد في الرسالة حرفياً لتلحق بالدولة الكردية القادمة.
ثانياً- إن محاولات “محمد كرد علي” في إذابة وصهر أبناء شعبنا وتعريب مناطقنا قد سبق مشروع “محمد طلب هلال”؛ ضابط الأمن في مناطق الجزيرة في فترتي الانفصال والبعث، صاحب “مشروع صهر الكرد في بوتقة العروبة”.
ثالثاُ- إن العقلية الأمنية البعثية العروبية ومنذ حقبة ناصر مروراً بعهد الانفصال وصولاً للبعث، لم تتغير حيث هو ساكن بهاجس تعريب سوريا بكل مكوناتها وفئاتها وجغرافياتها وإن أمكن هوائها ومائها، ناهيكم عن ثقافتها وتاريخها!
رابعاً- أن “الشخصية المستعبدة” تكون أسوأ وأكثر كارثية على أبناء شعبها الذين ينحدر أصولاً منها، من الغاصب المحتل، كما في مثالي صاحب الرسالة والوزير التركي ذوي الأصل الكردي.
خامساً وأخيراً- إن العقلية السائدة في هذه الجغرافيات الملعونة والتي أبتلينا بها وبثقافاتها العنصرية، ما زالت بعيدة عن “مفهوم المواطنة” و”الدولة الوطنية” والتي يتشدقون أحياناً بها على الإعلام وذلك وفق مقتضيات الحاجة والضرورة التي تخدمهم وتخدم عقلياتهم العنصرية الشوفينية.
وأخيراً وختاماً نقول: نحن أبناء ما تعرف بسوريا بمختلف مكوناتها العرقية الاثنية والدينية المذهبية الطائفية والمناطقية الجغرافية، علينا أن نعي حقيقة مفادها؛ أن هذه الجغرافيا السياسية والتي تسمى سوريا كدولة تضمنا جميعاً، قد تشكلت ورسمت حدودها ليس وفق إراداتنا نحن أبنائها، بل وفق مصالح الدول الاستعمارية حينذاك وقد مضى على تكوينها بحدود قرن من الزمن وبالتالي بتنا جميعاً سوريين -على الأقل دستورياً وإن لم يكن ثقافياً وطنياً سياسياً وذلك لغياب المنهجية الوطنية السورية لصالح تغليب منهجيات فاشية؛ قوموية عنصرية أو دينية سلفية- كما علينا أن ندرك جميعاً ووفق ما سبق؛ بأن لا أصيل ولا دخيل بخصوص سورية أحدنا كهوية حيث الكل هنا بات سورياً، نعم ربما يكون هناك من يعود بجذوره التاريخية لمئات وربما آلاف السنين وهو جزء من جغرافيتها والبعض الآخر هاجر إليها مما لا يقل عن قرن كامل -وهذه تنطبق على كل مكوناتها وليس عرقاً أو فئة محددة نعني بها- ولذلك أمامنا ووفق هذه الحقائق إحدى ثلاث خيارات بقناعتي؛ إما المزيد من الصراعات الداخلية والحروب الأهلية وفق عقلية قبلية طائفية عرقية قوموية عنصرية دينية مذهبية حزبوية منغلقة على الذات وبالتالي المزيد من المآسي والكوارث والقتل والتهجير والتغيير الديموغرافي وبالأخير الذهاب إلى حالة التفتيت والتجزئة والدويلات وفي أحسن الحالات الاستقلال والكانتونات، أو البقاء تحت ظل الدولة العنصرية الشوفينية البوليسية الاستبدادية والمزيد من القمع وحجز الحريات والاعتقالات والسجون.. أو الجلوس معاً والاتفاق على كتابة دستور وطني يجعل من البلد دولة وطنية ديمقراطية علمانية ليبرالية لكل مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية، دولة اتحادية لا مركزية تراعي حقوق كل مكوناتها دون تمييز بينها على أساس العرق أو الدين أو الإقليم.. فهل حان الوقت لنكون سوريين أم ما زال نحتاج للمزيد الضحايا لندرك أخيراً؛ بأن الحروب لا تقدم الحلول؟!

-الرابط المرفق هو تقرير القناة مع الرسالة

في رسالة له منذ تسعين عاماً: محمد كرد علي يحذر الدولة السورية من المهاجرين الأكراد! (orient-news.net)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال


.. ماذا ستجني روندا من صفقة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في ب




.. سوري ينشئ منصة عربية لخدمة اللاجئين العرب