الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الهاوية -10*

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 5 / 7
الادب والفن


أصبحنا مجموعة نلتقي كل يوم ، يمكننا القول أننا مجموعة نساء في أعمار مختلفة ، ورجل واحد هارب من نفسه. هذا اللقاء المسائي يشدنا إلى بعضنا البعض لأنّنا نتحدّث بما نريد، وعما نريد . أصبحنا ننتمي لهذا المكان . قام الرجل بزراعة البستان ، وسقاه بالدّلو فأعطى خضاراً ، وثماراً، سوف يطور العمل، وسوف نساعده ربما كمتطوعات في البداية، لكن إن أعطانا فيما بعد بعض الخضار كمقابل نكون قد كسبنا.
نشعر جميعاً بالانتماء ، خلال اجتماعنا في المساء ننسى همومنا اليومية، نتحدث عن أشياء ليست من الأحلام . البارحة تحدثنا عن موضوع هام وهو الجوع ، وفكرنا بطرق كثيرة كيف يمكن أن ننقذ أنفسنا من الجوع لو عمّت البلد مجاعة ، و قد باتت قاب قوسين أو أدنى . أنهينا النّقاش بناء على رجاء من السّيدة ، قالت أن الأمر سياسي ، وتخشى أن يعتقد أصحاب السلطان أننا نتحدث بالسياسة . لذا اقترحت أن نسمي الجوع :" حيوان الغابة"
من هو ذاك الرجل الذي يشارك النساء معاناتهن ؟ إنّه الأسير عند العدو الذي عاد ، ولم يجد عائلته ، ويخشى أن يتقدم بطلب لتجديد هويته فيسجن كي ينتهي التحقيق معه، و أحياناً لا ينتهي التّحقيق!
أسأل : أين نذهب بأنفسنا إن لم نجد مكاناً يحتضن بعض ما نشعر به؟
لا مكان،
فلا دار العائلة تسمح لنا ،
الشارع يراقبنا ،
عين الفقر ترعانا
للفقر عيون خبيثة تفتك بالناس ،
هو ضرورة كي يستمر الغنى .
عندما مرّ الفقر بنا سلّمنا مفاتيح القيم
لو نرحل على حميرنا كالغجر
لكن الحمير لدينا قطع نادر
لا رحيل
لا حياة
لا خبز
لا حبّ
نعيش في قلب المستحيل
ولا زال الرّجال يكتبون الشعر، يتغزلون بالنّساء
يحتسون النبيذ ، أو يصلون التراويح
عندما تراهم تعتقد أنك في بلاد الحياة
. . .
عندما كنت طياراً ، وقبل أن أقع في الأسر اعتقدت أنّني ذو قيمة عالية، لم أفكّر في الحروب ، فأنا لم أختر المهنة بإرادتي ، بل إنّها ربما بإرادتي ، فلم أترك طريقاً إلا وسخرّته من أجل قبولي حتى لو لم أكن مقتنع به. صديقي خرج بعد البكالوريا وعمل عامل بناء في دولة عربية ، وهو اليوم له شأن ، و أولاده برعوا في العلوم ، يرحب بهم الغرب .هل يمكن أن تقولي لي يانوال لماذا فهم صديقي اللعبة، و لم أفهمها؟
ليس هذا فحسب، بل كنت أسخر من وضاعة عمله بيني و بين نفسي.
في الأسر : تعلّمت أن هناك أوطاناً أخرى، ورؤساء آخرين، تعلّمت أنّه ليس بالضرورة أن تهين الأسير فهو بين يديك ، و تعلمت أنّ الوطن كذبة كبيرة طالما ينسى من يعلّمهم - الدّفاع عنه-
-لا تتعب نفسك يا ياسر . نحن أبناء اللحظة ، وهذه اللحظة عبثية . كان رأسي يابساً مثل جدار اسمنتي ، وتمسكت بترّهات اعتبرتها قيماً ، فكنت أحتقر الدّاعرة على سبيل المثال ، لم أكن أعرف أن الدعارة مهنة شريفة-حتى لو لم أستطع أن أمارسها -هي مهنة مربحة إن انضممت للمؤسسة، وهي مدمّرة بالنسبة للمجتمع الفقير ." أم ثورة" كانت تعمل تحت إمرة الضابط حسين ، أتتها الفرصة، غادرت إلى أمريكا هي اليوم صاحبة دار دراسات يتنافس على الفوز بصورة معها كبار القوم . غيّرت حسين ، و أصبحت مع خلف فأغناها ، وفتح لها الأبواب. هي الآن صوت النسوية، صوت الثورية، وصوت الشعب، ذكية بما يكفي لتعرف أنّ عمر الأربعين لا يصلح للدعارة. فتحت مؤسسة للدراسات الاستراتيجية يديرها " باحثون كبار عينهم خلف" بينما نحن نتحدث عن خيباتنا.
-هل يعني أنّك نادمة لأنك لست مثلها؟
-لست مؤهلة لأكون مثلها ، كما تحدثت عن صديقك . كانت تفهم اللعبة، ولو دخلت أنا اللعبة لفشلت ، ولوقعت في فخ حسين حيث يملك داراً لعبودية الجنس.
لا أصلح لشيء ياعزيزي إلا لقتل الوقت . لو فكرنا اليوم بشكل إيجابي لحاولنا الفرار من هذا الواقع، و لآننا جبناء نتمسك بمفردات لا قيمة لها. هناك ألف باب غير الدّعارة و أقذر من الدّعارة يمكن أن تسلكه ، و تحصل على المال، تفرّ وتبني لك مجداً في مكان آخر .
نتمسّك ببعض الأشياء ، نتغنى بها ، تصبح أرجوحتنا التي نغفو على اهتزازها ، تكون وهماً ، نجعلها كالحقيقة ، نمجدّها ، ونصنع لها بطلاً من خيالنا، فيحكمنا ، ونسجد له .
أتدري يا ياسر أن تلك المزرعة الصغيرة جداً والتي نتغنى بثمارها يومياً لن تجعلنا مكتفين . كانت خطوة جميلة في البداية، أصبحت مملّة ، أسأل نفسي : من أنت؟ أنت في حكم الميت فلا سجل ولا هوية لك ، و أنا أقتل الزمن وقد تجاوزت السّتين ، و الفتيات صديقاتنا يكبرن وهن يتحدّثن عن نفس القصة . نكرّر حياتنا بشكل لا يطاق . مللت الزمن، الأمل، وكل الحكايات عن الصبر.
-أعتقد أن معكِ كلّ الحقّ ، نحن نعيش بلا هدف نسعى إليه . نقضي يومنا ولا نصدّق أن نأوي إلى أسرّتنا كي نسبح في أحلام يقظة، و بعدها كوابيس. إن لم يكن لحياتنا هدف فإن وجودها، أو عدم وجودها واحد . نعيش الرّعب في كلّ لحظة. الخوف من الفقر، من السجن، من الموت، و نحن راضون حيث نضع لأنفسنا أهدافاً وهمية . آن الآوان لنعترف بالحقيقة .
أتدرين ماهي الحقيقة؟
أن نولد من جديد في مكان جديد
أن نشعر بقيمتنا
ندافع عن وجودنا
ينتهي من داخلنا الخوف
أن نزرع الأشجار ، ونقطف الثمار دون خشية من اللصوص
-كفاك ندباً ! هناك طريقة واحدة للنجاة : أن نموت ثم نولد من جديد
لو ولدت مثلاً كلباً شارداً أو طفلأ في مكان سعيد لوفرّت هذه المعاناة. ضحكوا علينا عندما قالوا أن من يجتهد لا بد أن يصل، فالواصلون ليسوا مجتهدين . التقمّص فكرة جيدة . لو أصبحنا أنا و أنت شجرتا نخيل في صحراء ، أو ذبابتان تحومان على أطباق الفقراء.
-توقفي أرجوك . تعالي نذهب إلى بستاننا ، نتغنى به أفضل من الندب:
يا زهر الفول . . أنت وطن
أيها الملفوف . . ما أجملك
أيها المال . . هل يمكن أن تبتعد عنّا أكثر
أيها الجهل . . املآ قلوبنا كي نكون أسعد
اليوم سوف ننصب لمزرعتنا إلهاً يحافظ على خضرتها ، نعبده ، نملآ وقتنا بالتسبيح و الصلاة. يصبح من الأسهل أن نقضي عمرنا.
. . .
ما الحل؟
لو كان بإمكاننا أن نركّب لنا أجنحة نطير بها كالعصافير
نتغذى على بذور الأرض ، نهاجر في الفصول
لو كنا أرانب في غابة لها قانون
لكنا نقفز كل يوم ، نقتات على الجذور
نحن كالطيور ، و لسنا طيور
كالآرانب ، ولسنا بأرانب
أجسادنا في مرمى الصياد
قلوبنا خائفة مستسلمة
نحن في ورطة. خلقنا على هيئة بشر، و لسنا ببشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج