الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة ولا عقاب!

ضيا اسكندر

2021 / 5 / 7
كتابات ساخرة


كلما صدر مرسوم عفو عن الجرائم المرتكبة، أعيش حالة من الغبطة والسرور وأقول في نفسي: «ها قد نفدتُ من المساءلة القانونية عن جرمٍ لا شكّ أنني ارتكبته بـ(نظرهم!)». ربما لأنني أعمل بالحقل السياسي المعارض منذ حوالي خمسين عاماً. ودائماً يحوم شبح الاعتقال في أجوائي النفسية بسبب الضعف الشديد لمنسوب الحرّيات. فليس أسهل على السلطات المختصة من تلفيق تهمة ما، تودي بي وبأمثالي إلى غياهب الظلمات. هذا إذا اضطرّت إلى التلفيق. فما بالكم وأنني لا أشك مطلقاً من أنني بالتأكيد مرتكب سرّاً ما يخالف القانون؟
أذكر أنني حضرتُ سهرة تلفزيونية بالأبيض والأسود منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكنني للأسف لم أعد أذكر اسمها أو أسماء الممثلين والمخرج والكاتب.. إلّا أنها أثّرت بي كثيراً، وما زلتُ أذكر ملخّص قصتها المشوّقة والمثيرة على الوجه الآتي:
رجلٌ يقود سيارته في ليلةٍ عاصفةٍ ممطرة. تتعطّل السيارة على الطريق قرب إحدى البلدات. فيلجأ إلى أقرب بيت يصادفه مستنجداً، عساهُ يستدلّ على ميكانيكي. يستقبله صاحب البيت ويوضّح له أنه أن البلدة صغيرة وتخلو من مصلّحي السيارات. ويقترح عليه المبيت لديه حتى الصباح. ولمّا كانت الخيارات الأخرى معدومة لدى السائق، فقد وافق شاكراً على استضافته.
وحيث أن الكهرباء مقطوعة بسبب العاصفة، فقد كانت سهرتهم على ضوء الشموع. اقترح صاحب البيت على ضيفه أن يلعبوا لعبة غريبة لتمضية الوقت في هذا الليل الطويل. خلاصتُها، أن كل إنسان في هذه الدنيا سبق وارتكب جريمة ما، لم يطلْها القانون بسبب سرّيتها. وطبعاً كلمة جريمة تعني مخالفة القانون (من مخالفة السير إلى ارتكاب جريمة قتل). على أن يمثّل الضيف دور المتهم، والمُضيف دور المحقق. فوجئ الضيف بهذه اللعبة المدهشة واستوضح عنها، فأجابه المُضيف:
- دعنا نقول أنك أنت الآن في قسم تحقيق للشرطة، أو في قفص الاتهام في محكمة. وأنك تبرّر ارتكابك للجريمة التي اقترفتها. مبيّناً مجموعة الأسباب التي دعتك لارتكابها. وأنا سأكون المحقق، أو ممثل النيابة العامة لا فرق. وسنمضي السهرة نتسلّى معاً؛ أنت تضع مبرراتك مدافعاً، وأنا أحاصرك بالقوانين وبشناعة تصرّفك، المخالف للعادات والتقاليد والأعراف ومنظومة القيم الإنسانية والأخلاقية.. هيّا، تفضّلْ واذكرْ لنا ما هي الجريمة التي ارتكبْتها، وما هي الأسباب؟
ذُهِل الضيف من هذه اللعبة الشرّيرة، وشعر أنه في ورطة حقيقية. فهو دون أدنى شك، مرتكب في حياته كغيره من البشر، الكثير من الجرائم دون أن يسمع بها أحد. حاولَ التملُّصَ من هذه اللعبة المقيتة التي ستفضحه، متذرّعاً بأنه متعب من السفر، ويرغب بأخْذِ قسطٍ من الراحة والنوم. لكن، وأمام ضغط وإصرار المُضيف على خطّته الجهنّمية في تزجية الوقت، أذعن الضيف أخيراً وطَفِقَ يفكّر بأيّة جريمة سيفتتح..
وتبدأ اللعبة بين الطرفين، ويعترف الضيف في سياق التحقيق بإحدى جرائمه. ليتبيّن للمشاهد أنه ما من إنسانٍ على وجه الأرض، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، إلّا وارتكب جريمة ما، وبقيت في منأى عن أعين السلطات المعنية. ولو أن مرتَكِبوها ضُبِطوا، لاحتجْنا إلى مئات آلاف السجون الإضافية في العالم.
قصة السهرة ممتعة ومعبّرة، ولها دلالات وأبعاد سيكولوجية. من أن الإنسان خطّاء بطبعه، نتيجة جُملة من العوامل والظروف. وهيهات أن نصل إلى مرحلة من الرُّقيّ والتحضُّر والإحساس العالي بالمسؤولية، بحيث يسلّم المرء نفسه خلالها للسلطات المختصّة ومن تلقاء ذاته، معترفاً بجريمة ارتكبها، ولا يعلم بها أحدٌ غيره.
تُرى، هل سأعيشُ وأُعاصِرُ نظامَ حكمٍ أُسلّم فيه نفسي لسلطاته، لأنني بلحظةِ غضبٍ وقهر، شتمتُ في سرّي، رموزه القيادية المسؤولة عن انقطاع الكهرباء عن بيتي خمس دقائق، دون أن يعتذر أيّ مسؤول عن هذا الخطأ الجسيم، الذي سبّب لي الاستياء الشديد، ما جعلني أخرجُ عن طوري؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير