الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة السعيدة في فكر أرسطو

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 5 / 7
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


ترجمة محمد عبد الكريم يوسف
الكرم حالة وسط بين البخل والإسراف. والوقار حالة وسط بين احتقار الذات والخيلاء أما الفطنة – تلك الخصلة الجميلة من الفضائل نظهرها عند حفلة العشاء – فحالة وسط بين الجلافة والمجون ، ونحن نعلم بالتأكيد الناس الذين يفشلون في تحقيق الوسطية ويلتصقون بالتطرف.
وسنخلص في نهاية هذه المقالة إلى أن السعادة نشاط يتفق والفضيلة ولكنه يتركنا رهن سؤالين مؤرقين هما :
ما الفضيلة ؟ وكيف نتصرف وفق شرائعها ؟
لقد ناقش أرسطو أن الفضيلة شيء نكتسبه بالعادة . وكلمة العادة في الإغريقية القديمة معناها ethike وبالإنكليزية ethics ( علم الأخلاق) ، ولذلك عندما يربط أرسطو بين الفضيلة والعادة ، فإنه يشير إلى أن الفضيلة أو اللطف تكتسب في علم الأخلاق بالعادة . وتأكيدا لذلك ، يعرض أرسطو لمفاهيم التغيير والاكتساب ويقدم مناقشات تغني الموضوع.
وعند مناقشة الفكرتين ، يبين أرسطو أن الفضيلة تكتسب بالعادة وليس بالطبيعة . ويشير إلى أن الخصائص التي تحكم الفن والأداء الرياضي هي من نفس الأشياء التي تنتج التفوق فيها أو تدمره . على سبيل المثال ، إذا تدربنا على بناء منازل رديئة ممزقة ، فإننا نصبح نجارين سيئين ، أما إذا تدربنا على بناء المنازل الراقية بعناية ، فإننا نصبح نجارين جيدين ، وينطبق ذات الشيء على الفضيلة الأخلاقية التي نكتسبها بالتمرين الجيد والتصرف الجيد حتى نصبح جيدين.
تثير هذه المناقشات حكاية البيضة والدجاجة ، فإذا تحلينا بالفضيلة في ممارساتنا لأفعالنا، كيف يمكن أن نؤدي أفعالا فاضلة ؟ كيف يمكن أن نكون فاضلين في تلك الحالة ؟ يقول أرسطو أننا يمكن أن نميز الشخص الفاضل من سعادته وهو يمارس فضيلته . ويميز أرسطو بين أداء عمل يحدث وفق القواعد والأصول الأخلاقية وبين اضفاء الصفة الذاتية على هذه القواعد والأصول الأخلاقية. هناك فرق بين أداء عمل شجاع ومنطقي وبين أن تكون الشجاعة والمنطق جزءا تلقائيا من روح الإنسان ويستمتع بها .
ثم نعود ونسأل أنفسنا ذات السؤال: ما الفضيلة؟ وفق أرسطو ، الفضيلة دائما حالة وسط بين غايتين متناقضتين . والسبب في ذلك يعود لأن الجودة يتلفها الزيادة والنقصان والمغالاة والاهمال. ومن الصعب أن يكون الإنسان طيبا لأنه لا يستطيع أن يصل حد الوسط بالتمام . بالطبع ، يختلف حد الوسطية باختلاف الناس .
وتحقيق الفضيلة نوع من الفن الذي يتطلب المحاكمة العقلية والخبرة .
لا تكفي الفضيلة لوحدها لتحقيق السعادة . إن ما نبحث عنه هو نشاط يتم وفق الفضيلة ونشاط يتطلب الاختيار وبدوره يتطلب الحكمة . قد نتساءل: أليست حكمة أرسطو العملية نوعا آخر من الفضيلة؟ الجواب : كلا. لأن الحكمة العملية ليست حدا وسطا فقد يمتلك الإنسان منها الكثير الكثير ، والحكمة قد تخدم الفضيلة والرذيلة .
لكن الفضيلة والحكمة العملية ليستا كافيين لتحقيق السعادة أيضا ، ونحن نحتاج إلى بُعدِ القوة الأخلاقية . من الممكن أن يمتلك الإنسان الرغبة في فعل شيء أخلاقي أو أن يقوم بشيء أخلاقي لكنه يفشل في انجازه أو تحقيقه لعجز جسدي ما أو عدم القدرة الفكرية أو بسبب انحراف أو إغراء . إن حدوث مثل هذا الشيء مثال على الضعف الأخلاقي . والقوة الأخلاقية تتضمن فيما تتضمن التصاق الإنسان بتحقيق هدفه رغم صعوبته وقساوة تحقيقه ، إنه يتضمن الجلد والإقدام والثبات.
نؤكد مرة ثانية أن القوة الأخلاقية ليست فضيلة لأنها ليست حالة وسط ، وهي مثل الحكمة العملية قد تخدم أغراض الفضيلة والرذيلة .
أما فيما يخص الأشياء المكتسبة ، يرى أرسطو أننا نمارسها أولا ثم نطورها لدينا ثانيا . على سبيل المثال لا الحصر ، إن ممارسة بناء الأبنية ، تجعل من الإنسان بنّاء جيدا .

وكما رأينا فإن السعادة تتطلب الفضيلة والحكمة العملية والقوة الأخلاقية وهذه الخصال الثلاث هي خصال داخلية. ويتطلب الأمر لإنجازها خصلتين داعمتين خارجيتين هما : القوة المادية من مال ملائم يمكّن الإنسان من العناية بصحته وتحقيق حاجاته الاجتماعية وانتمائه المشرف للمجتمع. وبالنسبة لأسطو ، الصداقة في معناها العريض ضرورية لتحقيق حياة ذات معنى ومغزى وهي ما يربط المجتمعات والدول ويعطيها متانتها. تمنحنا التزاماتنا المتبادلة سببا للعمل معا للخير العام والمساهمة في بناء المجتمع.
يميز أرسطو بين ثلاثة أنواع من الصداقة ، فهناك الصداقة التي تعتمد على المتعة والفائدة والخير . وتكثر صداقة المتعة بين الشباب ، وهناك صداقة المنفعة التي تنتعش بين متوسطي العمر والكهول ، وهذان النوعان من الصداقة عرضيان محصوران بغايات محددة ، وهما نتيجة لشيء ما أو حالة مؤقتة ، ولا يساعدان في الفضيلة ، رغم أنهما يساهمان بها.
الصداقة بمعناها الواسع والكامل وفق أرسطو هي الصداقة الفاضلة بين شخصين يجمعهما الخير والرغبة في إحداث الخير لبعضهما . وهذا النوع من الصداقة يتطور ببطء شديد ويدوم للأبد. أنه ذلك النوع من الصداقة الذي يجعل حياتنا لها معنى ومغزى ويستديم فضيلتنا وسعادتنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا