الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق متوسطية على مشارف اللاارضوية؟/2

عبدالامير الركابي

2021 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عاشت المنطقة الشرق متوسطية تاريخها منذ القرن الثالث عشر كحالة انقطاع كلي، نخبها ان وجدت فهي خارج التاريخ، وعيهاانقطاعي، لاديناميات تاريخيه ترتكز لها، وهو ماقد استمر حتى العصر الحديث الأوربي، لتبدا من يومها ومع القرن التاسع عشر،فترة افتعال الديناميات بالاستعارة، وبالتماهي مع الغرب، خارج الاليات التاريخيه الذاتيه، وهو مااطلق عليه من قبل النخب التي اضطلعت به ب "عصر النهضة"، الايهامي الخادع، في وقت كان ينبغي ان يطلق عليه اسم "عصر نهضة الاخر والرغبة بالتشبه به"، ولو وجد وقتها افتراضا نوع اخر من النخبة الحية لا الانحطاطية، لوضع على راس جدول اهتماماته "البحث عن الاليات التاريخيه بمناسبة نهضة الاخر" وهو الشرط الذي كان قد حل على المنطقة منذ الانقطاع وانتهاء الدورة الثانيه التاريخيه مع اللحظة الرمزية في 1258، حيث ماعاد بالإمكان بعد تلك الدورة، تصور أي شكل من النهوض، او بدء دورة أخرى "ثالثة/ نهوض" يمكن تخيلها، من دون شرط "وعي الذات"، وادراك الكينونة والاليات المحركة في هذا الجزء الافتتاحي التاريخي من العالم.
ومعلوم مدى عسر مثل هذه المهمة وشبه استحالتها لسببين، أولهما ذاتي نابع من صورة الماضي ورموزه واشكال تجليه تاريخيا، ونمط تعبيريته الغالبه، وفي المقدمة تاريخ المنظور السماوي النبوي، وختامه، مع استحالة افتراض او تخيل توفر أسباب ادراك مابعده، او كونه من الممكن ان يكون طورا قابلا او مهيئا لان يترك مكانه بعد أدائه مهمته، لبديل له، مايزال مجهولا، واستثنائيا كما يفترض ان يكون، ولا يجب ان ينسى هنا اثر وفعاليه نوع التعبيرية المذكورة، التسليميه والحدسية الدالة على مصدر واقعي محسوس غير مدرك، يعزز مثل هذا النوع من التفكير. بالمقابل صار الغرب الحديث بكل مالمنجزه الحالي الراهن من وطاة وثقل حضور كاسح على مستوى المعمورة، مع كل مايتمتع به من عوامل الاقناع والغلبة المنطقية والعقلية، بمقابل واقع منطقة محكومة لقانون الدورات والانقطاعات، مع فقد الادراكيه، وغلبة الحدسية الالهامية التسليميه المنتهية، حيث مايمكن تصور بقاءه وحضوره، هو اما المزيد من التسليم لمامتبق من صورة واشكال تجلي الماضي والإصرار على استعادته كما هو في غير اوانه، وبعد فقده أسباب استمراره، او القفز الى الطرف الاخر، وتوهم الانتماء له، وجعل ذلك من نوع المشروع، او الحلم الجدير بالسعي خلفه، املا في تحقيقه خارج المعطيات الواقعية المعاشة.
لم يكن ليطرح من باب الاعقال الأوربي المستعار نفسه، موضوع البدئية المناسبة او المطابقة لما يفترض انه منطلق السردية التاريخيه للمجتمعات البشرية، حتى وعلى الرغم مع توفر مايمكن ان يبرر توقفا كهذا، وهو ماظل الغرب نفسه مضطرا للاعتراف به، حتى وان ظل يعمد الى تزويره ونفي دالاته الشاملة، فهذا المكان قد شهد البدء المجتمعي والتبلور التاريخي والمنجز الابتدائي التاسيسي، في حين كرست أفكار من نوع تحريم "الخصوصية"، او الميل الى تحري الجوانب القابلة كاحتمالية فابله للتعميم في أي مكان خارج اوربا، من دون ملاحظة كون مثل هذا المنع صادر عن نزعة "خصوصية"، ومركزية اوربيه غالبة آنيا، ومادام كل هذا لم يحضر على مستوى الاطار التحليلي المعتمد كاساس للبحث والنظر، فان كل ماكان قد درجت النخبة الحديثة الالتحاقية بالغرب عليه، هو الاستعارة بعد نزع قوام منظومه الأصل المستعار التفكرية ، وبالذهاب للامثلة فان من يعرفون بالكتاب و" الاقتصاديين" الاتباعيين العرب، ومن يوضعون بمصاف المحللين اعتباطا، يمكن بسهولة ان يستعيروا مصطلحا مثل "البرجوازية" بدلالته ضمن محيطه الأوربي الحديث، من دون ان يخطر لاحد من هؤلاء ان يقول عن المقصود "البرجوازية في مجتمع احادي دولة نهري" كما ينبغي ذلك في الحالة المصرية الأبرز، او "البرجوازية كطبقة في مجتمعية ازدواج امبراطوري تحولي" في حالة انقطاع تاريخي كما يفترض ان ينظر للطبقة المعنيه في حالة العراق.
فهولاء يقدمون المصطلح، على الخلفية التاريخية والبيئة، وبهذا يطعنون المصطلح والظاهرة نفسها بقدر مايزورون الواقع الذي هم منه، ويفترض ان يكونوا نتاجه، وماسبق التعرض له كمثال، ينطبق على مختلف الظواهر ومناحي الحياة والبنيه المجتمعية، لكن من اين جاء هؤلاء او هذا النوع او النمط من الاستيعاء، ومن ثم السلوك المستجد الفاعل، اول مايلحظ هنا، تأخر حضور الاليات التاريخيه الخاصة عن العمل، او "الاستيقاظ" الذاتي أصلا وابتداء، فهل هؤلاء ليسوا أبناء مجتمعهم، وانهم كما بفترض، افرازه ونتاج تمخضه؟ نعم بالطبع، مثلما ان عمل النخب الميته قبلهم، ابان زمن الانقطاع الأول السابق على حضور الغرب، هم أبناء هذا المكان ونتاجه، مع فارق كون النخب الحداثية الحالية، او ظاهرة الانحطاط الثاني، هي نتاج انعكاس وفعل كينونة وتعبير طاريْ استثنائي، محال الى الخارج وناتج عنه، وعن وطاته.
ولا يذكر من بين العديد من المناحي المطموسة المغفلة، كون الانتقال البرجوازي الغربي الالي هو لحظة انقلاب وتغير غير مسبوق في اللوحة المجتمعية الإنتاجية، لاتبقي، بعكس ماتصور ذلك الماركسه في بدئيات تاسيساتها في القرن التاسع عشر، الثنائية الطبقية التصارعية معها هي الغالبة، أي مايعرف ( البرجوازية/ البروليتاريا)، فاهم مايتصل بالانتقال البرجوازي الراهن كونه يفضي الى ظهور "طبقة جديده" لازمه لعمليه الإنتاج لزوما حيويا، فعالا ومؤثرا مجتمعيا، وطبقيا، بالتفاعل مع الالة واثرها الإنتاجي، طبقة حضورها الأساس تفكري، مع انها حاضره، وتصبح كذلك في قلب القطاعات الإنتاجية المستجده، ليس من صنف ذوي الياقات البيضاء بين العمال، بل على المستوى المجتمعي الإنتاجي الإجمالي، حيث الاليات والعملية الإنتاجية مختلفة ومتغيره كليا، مقارنه بالمراحل التاريخه السابقة، الاقطاعية وماقبلها.
ويصل الامر مع وجود هذه الطبقة والالة، ان تنشا آليات تحول من دون طبقة برجوازية متغلبة، مختلفة عما حصل ابتداء في اوربا، وهو ماحدث في روسيا والصين باسم الاشتراكية، وعن طريق استعمال الطبقة المذكورة للطبقة العاملة، تلبية لمصالحها، ومايؤمن مكانتها وحضورها، ولايتوقف حضور هذه الظاهرة على اوربا، او روسيا والصين فقط، وهي من نوع متغير ومتعدد التجليات بحسب الاشتراطات ونوع الظروف التي تنشا ضمنها وفي رحابها، ومن ذلك النوع المتولد منها وعلى شاكلتها في منطقة الاحتشاد الانماطي الشرق متوسطية، باعتبارها طبقة أساس دالة على انعكاس الحدث الغربي المعاصر، وجودها ومرتكز حضورها كينونة، الايهام الايديلوجي، فهي في روسيا اشتراكية، كما في الصين، وهي في أمريكا ازدواج راسمالي/ ابراهيمي، وفي منطقة الشرق المتوسطي قوة متعددة الأدوار، وخاضعة لاشتراطات وبنية المنطقة وظروفها، ترتكز في العراق على سبيل المثال، الى البنية التاريخيه المشاعية اللاارضوية، بينما هي ترفع استعارة يافطة "الطبقة العاملة"، او البروليتاريا التي لاوجود لها في موضع الازدواج المجتمعي التاريخي، الا بدلالة ماهو حاصل من انقلاب آلي برجوازي على الضفة الثانيه من المتوسط.
طبعا الطبقة الجديده لها مصالحها التي تعيها غرائزيا، وتعبر عنها تلفيقيا وايهاميا بحسب مقتضيات الظرف والحالة، مع ان منطلقاتها الاساس كما وجودها، برجوازية او حتى مايناقض البرجوازية وافكارها ونموذجها، كما الحال مع نظرية ماركس ، التي "تدخل الوعي الى الطبقة العاملة من خارجها"، من دون ان يقال لنا لماذا، ومالسبب في ذلك، وماهي الحكمه البنيوية التي تتيحها وتجعلها معقولة ومقبولة. وفي المجتمعية الشرق متوسطية، تختص هذه بمهمه هي الأكثر محورية، تتعلق بالاجابة على شروط الانقطاع التاريخي، بالاستعارة والتماهي الكاذب والمزور، فتشيع هذه كحزمة من الأفكار والمنطلقات، نوعا من حركة مستنده للغرب ووطاة حضوره، لتطير فوق وخارج الواقع والبنية التاريخيه، باحلال بديل عنها مكانها متوهم، مع فرض النظر الايديلوجي الاكراهي اليه على انه الواقع، والمعاش الراهن.
وليس واردا في المنطق ان تكون الطبقة مدار البحث بدون غايات فئوية، وخاصة، او بلا مصالح تتجلي في الموضع الذي نتحدث عنه شرق متوسطيا بالدرجة الأولى، بالحاجة الى اختراق البنية المجتمعية وتوزعاتها، وفئاتها الرئيسية المتحكمه والغالبة، مع افكارها، باستغلال كونها في حال ترد تاريخي. وهنا تتمثل دعوى "التقدم والعصر"، أي الغربوية النزاعة للإطاحة بسلطات ومواقع مجتمعية كانت متغلبة تقليديا، على امل الحلول محلها، واكتساب مواقع متقدمه في السلم المجتمعي، يفترض اليوم ان يحتله من يمثلون "العصر" و " التقدم" و" الحداثة" وقد صارت قانون العالم ولغته.
ولهذه القوى مصلحة رئيسية أساس في تكريس غلبة الغرب الحديثة الحاسمه، والمصادقه على كونه الممكن الوحيد كما يقدم هو نفسه، فالغرب الراهن هو عدتها الجاهزة التي لم تسهم في تحقيقها ولاعاشت اشتراطاتها، وقد صارت جاهزة وحاسمه بوجه الفئات المجتمعية التقليدية، او التي هي نتاج الواقع التاريخي المنهار، اما اشكال وطرائق تجليها، وتبلور ظاهرتها فيا تي مما لم يذهب الغرب الى البحث فيه، وكان ومايزال من اهم نقائص ظاهرة الغرب، وما يكشف عن عجزه البنيوي عن اكتشاف دلالة الانقلاب الالي الذي حققه، وابعاده الفعلية، واثره على البنى المجتمعية والطبقية عامة، في مقدمتها وبالذات، احلاله الاليه مكان الطبقية، في الموضع الطبقي الكلاسيكي الأوربي، والتاسيسي للانتقال المجتمعي الأحادي الى مابعد أحادية ارضوية، أي الى التحولية التي تصير من يومها ناظمة ومتحكمة بالوجود المجتمعي الأحادي، ونموذجه الأعلى ديناميه، الامر الذي يتلازم مع الانتقال من الإنتاج اليدوي، الى الالي، بما يعني ان طور الإنتاج اليدوي، هو طور الغلبة الأحادية المتعذر تحقق التحولية خلاله، وان الطور الالي الاخير الراهن هو طور انتهاء زمن الأحادية، وبدء الانتقال المجتمعي على مستوى المعمورة الى التحولية مابعد المجتمعية.
وكما قلنا فان الغرب اذ يعجز عن رؤية "حقيقته الطبقية المستجده"، فانه لن يولي ظاهرة "الطبقة الجديده" ماتستحقة من القراءة، ومن اشكال واليات واشتراطات التجلي المجتمعي، الامر الذي يزداد انمحاء، برغم خطورته واثره الاستثنائي خارج اوربا، وبالذات مع تكريس نظرية مثل تلك التي يطلق عليها "اللينينيه"، وموقع لنين نفسه وحزبة، او مثلا عوامل من نوع مسيحية " فهد" يوسف سلمان يوسف(1) كحافز وخلفية، وعلاقة ذلك بالطابع "السري" لخياره، أي مالايتطلب افصاحا عن هويته المجتمعية، مع وجوده في جنوب العراق الاقصى، بعيدا عن اصله الموصلي، وعلاقته بفاسلي المندوب السري الروسي الى الناصرية، والمنحدر من نفس انتماء فهد الديني والطائفي، مع المناخات التي وجد نفسه في غمرتها في الناصرية، حيث مركر التشكل اللاارضوي الحديث العراقي في "المنتفك"، واثر كل تلك الأسباب في دفع هذا الشخص، وتشكيل سيرته، ضمن اشتراطات دولية بعينها، وبالذات اضطلاعه بمهمة تأسيس حزب "للطبقة العاملة" التي لاوجود لها، بينما هو يتغذى، لابل يعتاش بدلها وبغيابها، من احتدام صراعيه المشاعة المساواتيه التاريخيه، مع الحضور الافنائي الغربي الإنكليزي.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هنا تجد الظاهرة التي يجري ذكرها دائما عن لجوء أبناء الاقليات للأحزاب الشيوعيه، تفسيرها. وكمثال فان التصارع على قياده الحزب الشيوعي العراقي بعد "فهد" المسيحي، وبظل وجوده وهو في السجن، تركز بين يهوديين وأربعة اكراد، فاز احد الاربعه الكرد من بينهم عام 1964 بعد اضطراب ساد اثر اعدام "فهد"، اعقبته فترة انتقالية عادت وكرستها بثقلها كما فعلت مع "فهد"، الاحتداميه التصارعية المشاعية مع الحضور الإنكليزي الافنائي، بصعود احد أبناء ارض السواد لقمة قيادة الحزب، والذي كان لابد له هو الاخران يعدم، ليصبح الكردي "عزيز محمد" رمزا لانتهاء زمن شيوعيه الرفض المشاعي للاحتلال الافنائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال