الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط ليس ظاهرة خليجية فقط

حسن مدن

2021 / 5 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النفط ليس ظاهرة خليجية فحسب، من زاوية أخرى غير إنتاجه وتصديره، فهو في مفاعيل العوائد الناجمة عنه بات ظاهرة عربية، من خلال ما بات يعرف في دراسات علمي الاجتماع والاقتصاد بـ«الهجرة إلى النفط»، حيث تعمل وتعيش جاليات عربية كبيرة، هي عرضة لأوجه متناقضة من التأثيرات الناجمة عن ذلك، فهي من جهة تشعر بشيء من الغبن وسوء المعاملة، ومن جهة أخرى فإنها تتأثر بشكل كبير بنمط الحياة الاستهلاكي السائد في المجتمعات النفطية، وبالقيم المحافظة التي تَسِمُ هذه المجتمعات، بالقياس للمجتمعات المنفتحة التي أتت منها العمالة العربية المهاجرة، ومن ثم تحملها، أو تنقلها، إلى مجتمعاتها الأصلية، في تأثير عكسي، لا يمكن أن نعده إيجابيًّا.
يفترض أن يشكل هذا موضوعًا لأعمال إبداعية، ولكن ذلك لم يحدث كما تفضلت «الفيصل» في سؤالها، ما يتطلب بحثًا معمقًا، وبخاصة أن قضية النفط وتأثيراته نالت قدرًا كبيرًا من البحث والتحليل من الزوايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وإذا كان النفط ليس ظاهرة خليجية فحسب، فهو موجود وبكميات كبيرة في بلدان عربية أخرى غير خليجية، إلا أنه في الخليج بالذات يمتلك مكانة محورية لا في بنية الاقتصاد وحده، إنما في مجمل التحولات الاجتماعية، وفي التكوين الثقافي والنفسي للبشر. على الصعيد الخليجي، يمكنني القول، كاجتهاد شخصي: إن الأمر يعود، في جانبٍ رئيس منه على الأقل، إلى حقيقة أن المدينة الخليجية الحديثة، من حيث كونها نتاجًا للحقبة النفطية ما زالت حتى اللحظة في طور التشكل، ولم تثبت على حال بعد، فهي دائمة التغير والتحول، ما يجعلها في حالة من «السيولة» وعدم الثبات، وهو يعيق التراكم الضروري الذي يسمح بتشكل ذاكرة إبداعية، وبخاصة على صعيد السرد، الذي يتطلب بانوراما واسعة في الزمان والمكان؛ لذا نلحظ تعدد الأعمال الإبداعية التي تناولت المرحلة السابقة للنفط، كونها مرحلة تاريخية منجزة جرى تجاوزها، وشكلت ذاكرتها المنجزة، مقابل التهيب من الاقتراب من البيئة التي شكلها النفط.
تجربة عبدالرحمن منيف فريدة، كمًّا ونوعًا، لكن علينا ملاحظة أن «منيف» لم يعش البيئة التي دارت فيها أحداث خماسيته «مدن الملح»، لقد فعل ما يفعله الكتاب الكبار الناضجون المتمكنون من أدواتهم الفنية، بأن اشتغل على مادته شغلًا، ولم يشتغل على مادة متاحة منجزة عاشها. وفي الأصل فإن «منيف» درس اقتصاديات النفط، وفيها نال درجة الدكتوراه، وعمل كخبير في هذا التخصص، في سوريا والعراق، وفي بغداد رأس تحرير مجلة «النفط والتنمية». هذا الأمر أتاح له معرفة تفاصيل دقيقة عن الصناعة النفطية كاملة: استخراجًا وتكريرًا وتسويقًا واستهلاكًا، وتفاصيل دقيقة عن اقتصاديات النفط، وعن مكانة هذه السلعة الإستراتيجية في الأسواق العالمية وصلة ذلك بالسياسة، لقد أصبح خبيرًا فيما يمكن تسميته مجازًا «الاقتصاد السياسي للنفط». هذه المعرفة الواسعة التي عززتها التجربة المتابعة الدؤوبة جسَّدها في «مدن الملح»، التي بدأ فيها عارفًا بتقنيات النفط، وبالآثار الحاسمة الناجمة عن اكتشافه على الحياة الاجتماعية في الجزيرة العربية وعلى نفسيات الناس فيها.
فقد أفلح «منيف» في الخماسية في تتبع التحولات العميقة التي حدثت في البنية الاجتماعية والقيمية في منطقة الخليج بعد اكتشاف النفط وما جاء به من آثار متناقضة، ولا شك أن المقاربة الإبداعية لهذه التحولات هي الأكثر رهافة في اقترابها من العالم الروحي للإنسان الذي يتمزق بين بيئة نفسية وثقافية راسخة التأثير في وجدانه يجدها تتصدع أمامه، وبين ثقافة جديدة تحمل في ثناياها نقائض لا سبيل للخلاص منها؛ لأنها خرقت مسارًا مستقرًّا كان يمشي الهوينى، فإذا بنا أمام انقلاب عاصف أصابنا بما يشبه الدوار.
يمكن أن تكون تجربة «منيف» ملهمة للمبدعين من أبناء هذه المنطقة، ومن خارجها أيضًا، في تتبع أوجاع الإنسان الحائر بين ماضٍ اقتلع منه قسرًا وحداثة مشوَّهة غير مكتملة، وليست في طريقها نحو التمام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر