الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يحمل قطار المصالحات حين يعبر الأراضي الفلسطينية؟

سعيد مضيه

2021 / 5 / 8
القضية الفلسطينية


المصالحات الجارية في المنطقة بين أنظمة تركيا ومصر والسعودية وقطر تستجيب لمناخات الحرب الباردة التي يدأب بايدن لتحشيد عناصرها ضد روسيا والصين . فلكي تكتل إدارة بايدن القوى التابعة وتحشدها ضد الخصمين، يجري إعادة بناء حلف الأطلسي وتهدئة الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط لتمكين تبعية أنظمتها الى جانب أنظمة اخرى مثل دول الاتحاد الأوروبي ونظام مودي بالهند لضمان مساندتها في المواجهة مع روسيا والصين، التي قد تسفر ، كما تشير الدلائل عن كارثة نووية دولية. فالاستراتيجيون الأميركيون، وبصراحة غير مألوفة، يبنون خططهم العسكرية على احتمالية التصعيد الى المواجهة النووية مع الصين ، يائسين من قدرتهم على المواجهة بالأسلحة التقليدية.
مقابل الامتثال لمخطط الحرب الباردة تعد الإدارة الأميركية لكل نظام جائزة ترضية لا تنتقص من الهيمنة الأميركية: إعفاء بن سلمان من عواقب اغتيال خاشقجي؛ إطلاق يدي نظام أردوغان في الجوار ، مثل سوريا والعراق وليبيا وبحر إيجة وأذربيجان؛ حمل إثيوبيا على تقديم تنازلات محدودة لمصر والسودان في مياه النيل بعد أن استمرت تحرض إثيوبيا على التشدد ؛ كما تقلص حملات الإخوان المسلمين المنطلقة من تركيا وقطر ضد نظام السيسي؛ وربما تقلص أيضا نفوذ الصهيونية الدينية ، بقدر ما تسمح الأوضاع المحلية في الولايات المتحدة، من أجل تقديم حيز دويلة فلسطينية منقوصة السيادة ، لإغراء الرئيس الفلسطيني على المشاركة في هوجة المصالحة.
الملاحظ أن بيانات المصالحة بين الأنظمة لا تتطرق للموضوع الفلسطيني ، رغم أن الإدارة الأميركية لا تكف عن ترديد حل الدولتين، ورغم أن الموضوع الفلسطيني يحتل في العادة مركز الاهتمام في المزادات الدعاوية لأنظمة المنطقة. تريد إدارة بايدن، كما هو واضح، الانفراد بتقرير صيغة الدولة الفلسطينية؛ ربما يدخل في باب التسويات أيضا اعتذار نتنياهو المفاجئ والنقيض لتشبثه المعتاد بالسلطة؛ يقال انه سيحاول التنافس على منصب الرئيس، (هناك نقاش قانوني بشأن نجاعة هذه الخطوة) ولا شك أنه سيبذل قصارى الجهد لاختيار من يتوسم فيه المساعدة لتفويضه لاحقا بعد الانتخابات الخامسة بتشكيل الوزارة، أو يدفع باحتمالية منح العفو إذا أدانته المحكمة. بانحسار فرص نتنياهو لتشكيل الحكومة سوف تفقد الصهيونية الدينية التأثير المباشر على سياسات إسرائيل، حيث نجحت طوال عشر سنين في تمرير سياساتها من خلال إدارة نتنياهو. فالتصريحات الصادرة عن إدارة بايدن بصدد " حل الدولتين" وفتور الموقف من نتنياهو ، واحتمال إخراجه من الحلبة السياسية تشي بوضع اللمسات الأخيرة على الكيانية الفلسطينية الموعودة. وعلى هامش المداولات الجارية يتبارى كل من فتح الرسمية وحماس على الفوز بدور المعتمد للدولة الموعودة. في هذا السياق يمكن فهم إصرار حماس على إجراء الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني بادعاء أنها سوف تكتسح تأييد اغلبية الناخبين؛ وهذا وهم ، حيث ان سخط الناخبين على نهج فتح الرسمية سوف ينصب على قائمة فتح لثانية ( القدوة – البرغوثي)، وليس لصالح حماس كما جرى في نتخابات عام 2006.
ضمن سياق إعادة بناء مناخات الحرب الباردة سوف تزيح إدارة بايدن النقاب عن الكيان الفلسطيني الموعود، وسط اجواء موافقة عرب "الاعتدال". "بين أصدقاء وأعداء يعيد الرئيس الأميركي بايدن بناء مناخ الحرب الباردة "، يقول البروفيسور ريتشارد فالك ، أستاذ القانون الدولي بجامعة برينستون الأميركية ونائب رئيس مؤسسة السلام في العصر النووي، ويضيف "في هذا المناخ الدولي، ينبغي عدم تجاهل إعلان تشارلز ريتشارد، قائد الاستراتيجية الأميركية، بصدد العلاقات مع الخصمين على الولايات المتحدة التحول في مركز ثقل مخططاتها عن الفرضية الدارجة بأن استعمال الأسلحةالنوويةامر غير محتمل الى فكرة ان استعمال الأسلحة النووية محتمل جدا، والانطلاق من ثم الى زيادة النفقات الحربية المكرسة لتحديث الترسانة النووية الأميركية المتضخمة". ورد قول فالك ضمن تبادل آراء بينه وبين ديفيد كريغر رئيس المؤسسة، ونشر يوم الرابع من أيار الجاري على موقع كاونتر بانش الإليكتروني. يخلص البروفيسور فالك الى أن "على مؤسسة السلام في العصر النووي التوجه لبلورة بديل إلغاء السلاح النووي كليا في المستقبل. علينا التحلي باليقظة ونبذل أقصى الجهود لتجنب السيناريو هات التي يخطط الأدميرال ريتشارد بجعلها محتملة" .
لحسن الحظ يجري تقرير صيغة ومضمون الكيان الفلسطيني وسط أجواء تصاعد مد المقاومة الشعبيةالفلسطينية في مناطق الشيخ جراح والأقصى وباب العمود بمدينة القدس الشرقية. اتضح تأثير ذلك على موقف إدارة بايدن. قالت مؤخرا غالينا بورتر ، المتحدثة بلسان الخارجية الأميركية " مع دخولنا فترة حساسة"، سيكون من الضروري "التشجيع على التهدئة وتجنب مواجهة عنيفة ... معربة عن “القلق بشأن عمليات الإخلاء المحتملة للعائلات الفلسطينية” من أحياء في القدس الشرقية، ومقرة ان ”كثيرا منهم، بالطبع، يعيشون في منازلهم منذ أجيال”. وأضافت المتحدثة الأمريكية “قلنا مرارا وتكرارا إنه من الضروري تجنب اجراءات أحادية من شأنها مفاقمة التوتر أو تبعدنا أكثر عن السلام، وهذا يشمل عمليات الإخلاء والأنشطة المتعلقة بالاستيطان”.
مما لا شك فيه ان أقوال المتحدثة الأميركية تأثرت بالهبة المتواصلة في مدينة القدس الشرقية؛ وهي تشكل المصد لإجراءات الضم والتهويد اللاحقة ، ولا تناقش الإجراءات السابقة. كان بالامكان، لو دفعت السلطة الفلسطينية بتوسيع نطاق الهبة لتشمل أرجاء الأراضي المحتلة كافة، أن تتطرق المتحدثة الى انتهاكات سابقة مثل قانون قومية دولة إسرائيل لعام 2018، الذي جرد أهل البلاد الأصليين من حقوقهم المدنية، وكذلك مشاريع التوسع الاستيطاني الوجرائم المستوطنين والأنشاطات العدوانية المسلحة لجيش الاحتلال طوال سنوات الاحتلال، والتي تصاعدت وسط صمت مطبق من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحتى منظمة الأمم المتحدة.
في أجواء مقاومة الشيخ جراح صدر بيان 180 عالما وأديبا إسرائيليا موجه الى المحكمة الجنائية الدولية يندد بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل. البيان بمثابة عريضة موجهة الى فاتو بنسودا، مدعية المحكمة الجنائية الدولية، التي سبق لها أن فتحت تحقيقا في أعمال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وكذلك في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب التي شنتها على قطاع غزة عام 2014. وكانت الإدارة الأميركية قد أدانت موقف بن سودة وأعلن نتنياهو بصلف تحديه للمحكمة الجنائية .
وادانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها فضح نظام الأبارتهايد المنطوي على الفصل العنصري والاضطهاد الممنهج ضد الجماهير الفلسطينية "في مختلف أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة" ، كما أشار بيان المنظمة إلى سياسات إسرائيل في القدس التي تهدف «الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة» و«تحدد النسب الديمغرافية التي تأمل في الحفاظ عليها» خالصة أن ما يحصل ليس احتلالا تعسفيا بل سياسة عنصرية تمنح امتيازا لشعب على آخر، ودعت بدورها المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الضالعين في هذه السياسة ومقاضاتهم.
لقد ولى الى غير رجعة الزمن الذي اتاح الحرية المطلقة للصهيونية الكشف عن كامل مشروعها في فلسطين ولتغول في إرهاب الجماهير الفلسطينية لحملها على الخضوع للمشيئة الصهيونية، بتأيد دولي ضمني وصريح. وحتى من يسمون أنفسهم " معتدلين داخل الكيان الإسرائيلي ما زالوا متمسكين بنهج المصادرة على الحقوق الفلسطينية. فقد اعتبر إيهود أولمرت، في مقالة نشرها يوم 30 إبريل بصحيفة معاريف، نفسه مغاليا في التنازلات السخية، حين "يجزم أن نتنياهومنذ عاد إلى منصب رئيس الوزراء في العام 2009، يفعل كل شيء لعرقلة أي إمكانية للتقدم نحو حوار حقيقي مع الفلسطينيين، بينما هم تعاونوا لمنع الإرهاب وسفك الدماء".الفاشيون يعرفون نتنياهو جيدا "يعرفون أنه يجهل مواجهة الضغوط، وأنه يرد بفزع وقت الخطر. ولهذا فإنهم يؤيدونه ويفضلونه على كل مرشح آخر. لأكثر من عشر سنوات وهم يضغطون عليه في الأماكن الأكثر حساسة. وهو يرد كما هو متوقع- بالخنوع".
ينذر أولمرت: "حان الوقت لوضع الأمور في سياقها الصحيح؛ فمنذ فترة طويلة يجري عمل منظم ومنهاجي لمحافل يهودية في مناطق مختلفة في الضفة الغربية تستهدف الفلسطينيين وإلحاق أضرار اقتصادية جسيمة بهم، بل وإيقاع الأذى الجسدي بهم. فصور فتيان التلال الذين يهاجمون المزارعين الفلسطينيين يضربونهم ويدمرون زيتونهم، ويرشقون بالحجارة، ويضربون بالعصي رؤوس المواطنين دونما أي صلة بالإرهاب، تشهد ظاهرة خطيرة واستفزازيةمنذ فترة طويلة يجري عمل منظم ومنهاجي لمحافل يهودية في مناطق مختلفة بالضفة الغربية تستهدف الفلسطينيين وإلحاق أضرار اقتصادية جسيمة بهم. ذكر باستنكار "فتيان الجبال ودورية بن لاهفا بقيادة أيتمار غفير من الصهيونية الدينية"... المحافل الفاشية تستهدف " طرد الفلسطينيين وسلبهم وإبعادهم عن أماكن حياتهم". منظمةبن غفير وشركاؤه أتباع مئير كهانا الذي اعتبر في عقد الثمانينات إرهابيا وحرم من المشاركة في انتخابات الكنيست، مكنهم نتنياهو من عبور الكنيست... "تعمل صراحة على إشعال النار والتسبب بردود فعل عنيفة تنتهي بموجة اخرى من الإرهاب".نشاط الفاشيين يوصف "عمل منظم ومنهاجي "، بينما رد الفعل الفلسطيني "موجة اخرى من الإرهاب". يقر أولمرت بعدم "نجاحنا (يقصد الاحتلال) في منع الإرهاب مقابل غياب الإرهاب بشكل شبه تام في المناطق التي تقع مسئولية الأمن فيها للسلطة".
لكنه يزعم أن نشاط المقاومة بقيادة عرفات قبل عشرين عاما وأثناء رئاسة أولمرت لبلدية القدس عكَس" عدم قدرة عرفات على فك الاشتباك مع ماضيه الإرهابي، ليصبح سياسيا مثل ميناحيم بيغن ونيلسون مانديلا" . يمضي أولمرت على النهج الصهيوني الذي يصف النضال الوطني التحرري إرهابا ، ويتجاهل ان كلا من بيغن ومانديلا انجز هدف تقويض النظام الذي كافحه وصولا الى الهدف الاستراتيجي. فالمقارنة مع بيغن ليست عرجاء بل جائرة و كسيحة. اما مانديلا فاعتبر حرية بلاده منقوصة طالما لم يتوصل الشعب الفلسطيني الى الحرية.
وعلى الضد من النهج العرفاتي"يقف على رأس السلطة الفلسطينية زعيم يعارض الإرهاب . تقدمتُ(أولمرت أثناء رئاسته للحكومة) له بعرض لتسوية سلمية تستجيب لقسم مركزي من التطلعات والمطالب الفلسطينية ، لم تكن فيه الشجاعة للاستجابة والتوقيع". تجاهل أولمرت أنه ، وليس محمود عباس، الذي افتقد الشجاعة للاستجابة للاتفاقات والقرارات الدولية . تصريح يفضح الإصرار على تجاهل القانون الدولي الإنساني في مشروع الحل المقترح.
أثبتت المقاومة الشعبية ، من جديد نجاعتها في انتزاع تنازلات لصالح الحقوق الفلسطينية ووضع حد للإرهاب الممارس ضدهم. المقاومة الشعبية تنجز ما تعجز عنه الصدامات المسلحة؛ وهي بالطبع تحرم العدوانية الصهيونية من التعاطف الخارجي إذ تمارس هوايتها المحببة ، اضطهاد الجماهير الفلسطينية وهدر الكرامة الشخصية والوطنية للجماهير الفلسطينية. ومما لا شك فيه أن الاحتياطي المجمد للمقاومة الفلسطينية من شانه ان ينجز المزيد إذا ما أخرج من الثلاجة الى حيز الممارسة العملية.
االشعب الفلسطيني له ظإسهاماته في تقرير صيغة وممضمون الدولة المرتقبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ