الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوك فيري (1952 -  )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 5 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



فيلسوف يميني فرنسي متعصب للحضارة الأوروبية، رغم مواقفه الفلسفية النقيضه للميتافيزيقا واللاهوت، شغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا ما بين 2002 و2004. "هو واحد من الفلاسفة الفرنسيين الجدد، الذين أحدثوا تحولاً عميقاً في الأوساط الفلسفية السائدة، برموزها المعروفة أمثال (جاك دريدا) و(جاك لاكان) و(جيل دولوز) و(ميشال فوكو) وغيرهم، لاعتقادهم أنّ الفلسفة ضلت الطريق بتوغلها في مباحث فكرية ومعرفية عويصة ومعقدة لا يفهمها إلا خاصّة الخاصّة"([1]).
"عُرِفَ لوك فيري وبدأ يسطع نجمه إثر إصداره مع "ألان رونو" سنة 1985 الكتاب الذي أثار ضجة كبرى في فرنسا تحت عنوان “فكر 1968″ الذي وجه نقداً لاذعاً للأيديولوجيا السائدة قبل وبعد أحداث 68 بفرنسا. ثم توالت إصدارات غزيرة له، لاقت بعضها نجاحاً كبيراً في المكتبات كــ”النظام الإيكولوجي الجديد” و”الإنسان-الإله أو معنى الحياة” و”ثورة الحب، من أجل روحانية علمانية” وغيرها.
في حوار مع لوك فيري على صفحات مجلة "الجديد" اللندية تاريخ 13/3/2016، أجاب على سؤال: هل تصبح الفلسفة عقيدة بدورها؟([2]).
يجيب قائلاً: "في الواقع وعلى عكس الديانات الكبرى، تُعدْ الفلسفة أولئك الذين يريدون تكريس حياتهم لها، بأنهم سيتمكنون من إنقاذ أنفسهم بأنفسهم، وعن طريق العقل، في حين أن الأديان الكبرى تُعِدْ الإنسان بإمكانية الوصول إلى الخلاص ولكن عن طريق الآخر، الله (وليس بنفسه)، وعن طريق الإيمان (وليس العقل). وهنا يكمن في رأيي الفرق الحقيقي الوحيد بين الفلسفة والدين".
فالرغبة في الحكمة، ونشدان السكينة، تلك هي الترجمة الأحسن والأقرب لكلمة فيلو-صوفيا، إنها القناعة –كما يضيف لوك فيري- بأننا ما دمنا مطوّقين بالخوف، فمن المستحيل أن نصل إلى "الحياة الطيبة"، ومن المستحيل بلوغ السكينة ومن هنا، فمن المستحيل أن نكون أحراراً في نفوسنا، وأن ننفتح على الآخر، وأن نتمتع بأريحية ما: حينما نخاف نكون مضطربين، متلعثمين، بمعنى نكون غير أحرار ومتقوقعين على ذواتنا في آن. لكي نصل إلى السكينة، من الضروري التغلب على خوفنا وهواجسنا، وخلافاً للديانات التوحيدية الكبرى، تَعِدْنا الفلسفة بأننا نستطيع وبأنفسنا وعن طريق العقل بلوغ تلك السكينة، وليس عن طريق الغير أو الإيمان"([3]).
ورداً على سؤال: هل اختفى المقدس في أوروبا؟
يقول لوك فيري: من يزعم بأن المقدس قد اختفى من المجتمعات الأوروبية الحديثة، يرتكب خطأً مزدوجاً: فأولاً تبقى الديانات في هذه المجتمعات حاضرة، بالمقدار الذي يحبذه الأفراد، وثانياً توجد رموز غير دينية فيما يخص العلاقة بالمطلق، إذ المطلق ليس هو المقابل للدنيوي فقط، بل هو أيضا ما يمكن أن نضحي بحياتنا من أجله، ولا نحتاج أن نكون مؤمنين لنقدس أوطاننا أو ببساطة الأشخاص الذين نحب مثلا.
"وبعيداً عن السقوط في خواء روحي، بسبب عدم وجود ما فيه الكفاية من الدين، فعلى العكس تماماً، فمجتمعاتنا الأوروبية، هي أول المجتمعات المعروفة، التي أصبحت حرة، وأكثر أخلاقية، في نفس الوقت من كل المجتمعات المعروفة حتى الآن في التاريخ كما في الجغرافيا، ومع ذلك يريد البعض أن يوهمنا بأن أوروبا هي الاستعمار وتجارة الرقيق والإبادات الجماعية فقط!".
الجديد: ولكن تلك حقائق لا ينبغي نكرانها، ويرد لوك فيري بقوله: الحقيقة أن قارَّتنا هي بالأحرى من ألغى العبودية، ولم يكن ذلك الإلغاء مفروضاً بالقوة، وإنما جاء نتيجة الأنوار الأوروبية، ويقال أيضا إن شعوب الجنوب لم يعد يغريها النموذج الغربي الذي هو في سقوط حر! وأُلاحظ العكس تماماً، وخير شاهد على ذلك الآلاف من المهاجرين الذين يقصدون قارتنا اليوم مضحّين بحياتهم أحياناً، وعلاوة على ذلك، لقد مال كل شيء في العالم لصالح القيم الديمقراطية في السنوات الخمسين الماضية، في الشرق كما في أميركا اللاتينية، بل حتى في الصين التي تسير بخطى سريعة نحو التغريب، ويبقى العالم الإسلامي الاستثناء الوحيد"([4]).
وفيما يخص الحروب الدينية السائدة اليوم، يقول لوك فيري: "هي مقرفة تلك الحروب الدينية التي تلطخ العالم بالدماء اليوم! ولكن هل هذا يعني ويكفي للقول بأننا نعيش في عصر الخواء، إزاحة السحر عن العالم، والهروب المدني؟ لا أرى ذلك إطلاقاً، بل ذلك هو وهم الوعي الشقي النموذجي الذي لا يحبّ أن يحبّ.
ما نعيشه ليس إجهازاً بأيّ حال من الأحوال على المقدس أو كسوفاً للقيم، وإنما هو تجسيد جديد لها في وجه جديد، وجه الإنسانية. إطرح على نفسك بكل أمانة السؤال التالي: من أجل من أو ماذا أنت مستعد للتضحية بحياتك؟ بكلمات أخرى، ما هو الشيء الذي تعتبره كمقدس، كجدير بالتضحية؟ سيكون الجواب –يقول لوك فيري- بالنسبة إلى أغلبيتنا الساحقة في أوروبا: الإنسان هو المقدس القريب والبعيد وليس التجريدات الفارغة للدين والسياسة التقليديتين، وبفضل هذه الليبرالية المفترى عليها كثيرا، نحن نعيش ولادة وجه إنساني جديد، مغاير لإنسية فولتير وكانط وحقوق الإنسان والعقل، وتلك الأنوار التي كانت حقا حاملة لمشروع تحرر واسع، بيد أنه قاد أيضاً إلى الامبريالية وإلى الاستعمار، وهذا غير صحيح، فما  نعيشه هو على النقيض من ذلك: إنسية ما بعد كولونيالية وما بعد ميتافيزيقا، إنسية تعالٍ وحبّ وغيرية، لذا ينبغي علينا ابتداع مقولات فلسفية جديدة من أجل التفكير في إشكاليات هذه الإنسية الجديدة والآمال المعلقة عليها، وأقل ما نقول هو إنّ هذا الرهان يستحق كل اهتمامنا"([5]).
وفي الاجابة على سؤال مجلة الجديد: هل لديك فكرة عن الفلسفة العربية اليوم وهل تعتقد أن هناك فلسفة غير غربية؟
"يقول لوك فيري: يبدو من تعريف الفلسفة الذي اقترحت منذ قليل، أنها لا بد أن تكون علمانية أو لا تكون، وبطبيعة الحال، يوجد علماء لاهوت ومفكرون كبار في مجال الدين، كالقديس توما الإكويني وباسكال لدى المسيحيين، وابن سينا وابن رشد في العالم العربي الإسلامي، فكتاب “فصل المقال” لابن رشد هو عمل رائع حقيقة، ومؤلفه شارح عظيم لأرسطو، وكان له تأثير كبير جداً على العالم المسيحي وآدابه، ولكن مهما كان الفكر عميقاً، فإن ذلك لا يجعل منه فلسفة إذ لا يمكن التفلسف دون التحرر نهائياً من قبضة الدين"([6]).
 في كتابه "أجمل قصة في تاريخ الفلسفة"، تحدث لوك فيري، عن مراحل الفلسفة، ابتداءً من الفلسفة اليونانية، ثم التنويرية، والإنسانوية، والتفكيكية، واختتم كتابه بالحديث عن فلسفته الخاصة أو قراءته للفلسفة القادمة، والتي يقرأ انتشارها في الواقع، ألا وهي "الإنسانوية الثانية" كما اختار التعبير عنها، يقول([7]):
نأتي الآن إلى ما أعتبره فلسفتي الخاصة، المرتبطة بتلك الحقبة الخامسة من التفكير، التي نحياها الآن، وقد أسميتها “الإنسانوية الثانية” … فبدل أن تقصر هذه الإنسانوية الجديدة قيمة الحياة الإنسانية، على ما يتبع العقل والحقوق والتاريخ والتقدم، فإنها تبدو إنسانوية قائمة على الحب.
أعتقد -كما يستطرد لوك فيري- أن هذا الشعور ليس واحدًا من بين مشاعر أخرى يمكن مقارنته بالخوف والغضب والاستياء، على سبيل المثال، بل إنه قد أصبح مبدأً ميتافيزيقيًا جديدًا، إذ هو يعطي لحياتنا معنى. وبالفعل، هو وحده قادر على إضفاء طابع مثالي على كل ما يمكن أن يكون محبوبًا، على وجه الدقة، في جميع المفردات الإنسانية، مع إيجاد مُثل جَمعية جديدة، لأننا نريد أن نترك عالمًا يمكن العيش فيه، ويكون أكثر ما يمكن استقبالًا لمن نحبهم، لأطفالنا وللأجيال القادمة. ومن هذا المنظور، يؤدي الحب تجاه الأقرباء إلى الاهتمام بالإنسان الآخر المثيل (وهو عكس القريب، أي من لا نعرفه)، كما نرى ذلك بالخصوص في نشأة الإنسانوية الحديثة .
فالحب، هو ما يجعل البشرية تقوم بما يلزم لتوفير مناخ وحياة أفضل للأجيال القادمة. بل أن البشر، في وقتنا الحالي، يبدون أكثر استعدادًا للتضحية في سبيل من يحبون، أكثر من استعدادهم للتضحية في سبيل الأفكار أو المعتقدات أو حتى الأوطان، فقد تخلصت البشرية من كل الأوهام الميتافيزيقية، بما في ذلك أوهام الأنوار، وتحررت بهذا أبعاد الوجود التي ظلت إلى ذلك الحين مهملة أو مقموعة، فإنه (أي التفكيك) سيعطي الكائن البشري مزيدًا من الاستقلالية وحرية أكثر لصنع المصير واختيار أشكال الحياة التي تناسبه – علمًا بأن تلك الحرية هي بالتأكيد محيّرة ولذيذة على حد سواء. لذا يجب توفير الوسائل الذهنية الكفيلة بتجاوز التناقضات الملازمة للتفكيك ؛ وتلك في نظري–كما يقول لوك فيري- إحدى المهمات الأكثر جوهرية التي تضطلع بها الفلسفة المعاصرة كما أتصورها، وإني أرى لأسباب تاريخية وفلسفية بالأساس، أن ما سيمكننا اليوم، في هذه الرؤية الخامسة للعالم، من الإجابة عن مسألة معنى الحياة، إنما هو إذًا الدور المركزي من الآن، الذي نعطيه تلقائيًا لهذا الشعور الفريد للغاية، ألا وهو الحب"([8]).
فالحب سيصبح برأي (لوك فيري) هو المعنى لوجودنا، ليس في دائرة الحياة الخاصة فحسب، وإنما في دائرة الحياة الجَمعية أو الاجتماعية، ثم يتحدث –لوك فيري - بعد ذلك عن مجالات الفلسفة، فيقول:
"تنقسم الفلسفة، بكل بداهة، إلى مجالات متعددة: (المعرفة ما الحقيقة؟)، الأخلاق والسياسة(ما العدل؟(، مسألة معايير الجمال، وأخيراً مسألة الخلاص (ما الحياة الطيّبة؟). ولا أنسى أن الفلسفة تهتم أيضًا، وحتى في البداية، بما يجعل المعرفة الموضوعية ممكنة، وبالتفكير النقدي في تعريف ما هو عادل، وبالنظرية السياسية أو منابع الإحساس الجمالي. ولا أنسى كذلك أن بعض الفلاسفة، الذين تركوا بلا شك بصماتهم في تاريخ الأفكار، لم يَنكَبُّوا إلا على البعض من هذه الموضوعات، بل إن بعضهم لم يعالجوا إلا موضوعًا واحدًا"([9]).
 


([1]) أحمد بادغيش – الإنسانوية الجديدة، أو الحب كمعنى للحياة- موقع ساقية - http://www.saqya.com.
([2]) حوار مع مجلة "الجديد" الشهرية الثقافية اللندينية 13/3/2016 – ترجمة حميد زنار.
([3]) المرجع نفسه.
([4]) المرجع نفسه.
([5]) المرجع نفسه.
([6]) المرجع نفسه.
([7]) أحمد بادغيش – الإنسانوية الجديدة، أو الحب كمعنى للحياة- موقع ساقية - http://www.saqya.com.
([8]) المرجع نفسه .
([9]) المرجع نفسه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر