الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العود الأبدي عند نيتشه

عماد الحسناوي

2021 / 5 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعد فكرة العود الأبدي إحدى أهم القضايا التي يطرحها الجزء الثالث من مؤلف “هكذا تكلم زرادشت” وهي المركز الذي تدور حوله أفكاره، لأنها تأتي بعد فكرتيه الأخيرتين عن “الإنسان الأعلى” وعن” إرادة القوة”، وبذلك فهي قلب الكتاب النابض.

لقد بدأ زاردشت بالتبشير بالإنسان الأعلى “أنا أعلمكم الإنسان الأعلى”، الإنسان الأعلى، هو معنى الأرض، هو الصاعقة، والإنسان شيء ينبغي التفوق عليه فهو حبل مربوط بين الإنسان والحيوان، وهو وسيلة لا غاية.

غير أن الإنسان الأعلى الذي يطالب به زاردشت لا يمكن أن يتحقق حتى تتحطم الميتافيزيقا كلها،وينهار صرح المثالية الأفلاطونية- المسيحية بأسرها.

فإذا عرف الإنسان أن كل ما يعلو عليه من آلهة وأخلاق مثالية هو سبب شقائه وغربته عن نفسه وعن الأرض، أمكن للمثالية أن تنقلب رأسا على عقب، وتجاوز الميتافيزيقا وانتهاؤها، لا سبيل إليه إلا إذا سأل زاردشت كل موجود، وتسلل إلى قلب كل حي، ليكتشف هناك إرادة قوة .سوف يعرف أن إرادة القوة هي حقيقة الموجود وسر حياته وحركته “الصيرورة”.

ومادام كل موجود يتحرك داخل وعاء العالم، والعالم محكوم بحركة دائمة، فان الإنسان نفسه منجرف في دورة لا نهائية أو في ما يسميه نيتشه “بالعود الأبدي” .ولكن فكرته هاته سر يتهيب من الكلمة، ولغز يخشى التعبير عنه، إن زاردشت يتردد في الإفصاح عنه، ويحيطه بجدار من الكتمان ما بعده جدار، ذلك انه وليد الرؤية والإلهام، بعيد عن المنطق والعقل، انه يتخفى في ظل الرهبة والسكون، ويرتعش بحمى الكشف والجنون .فكرة العود الأبدي زحفت إلى زارادشت كما تزحف الحية إلى جوف الإنسان، أنها فكرة خانقة تلك التي تهمس له بأن كل شيء سيعود، سيرجع إلى ما لانهاية، وأن الحياة في ترحال وتجدد دائم .

العود الأبدي هو التحول العام في حياة الإنسان، الذي سيحول الجد مرحا، والثقل خفة، والتشاؤم رقصا وفرحا، كما أنه فضاء للحركة والحيوية الدائمين، ومجال يتسع للجسد حتى يعبر عن طبيعته المتحولة والمنفعلة؛فالعود الأبدي هو الذي سينتزع الجسد من تقوقعه وجموده ليلحقه بعالم التحول والصيرورة، حيث كل الأشياء في دينامية ونشاط، انه قانون الحياة . وهنا لا يخفي نيتشه إعجابه بقول هراقليطس “لا يمكن أن نستحم في النهر مرتين”، ولما كان جوهر الوجود هو الصيرورة، فستنتهي الفروق بين الروح والجسد، بين الماضي والمستقبل، عندئذ يكون الجسد هو ما كان في عمق التاريخ وهو ما سيشكل مستقبله، الجسد المشتاق هذا الشوق العظيم ليعانق العالم بكليته، يغمر ذاته في النور الشامل، يقف تحث سماء البراءة والاحتمال.

يعتبر نيتشه أن الحياة المستقبلية هي حياة الإنسان المبدع، الراقص والمرح، وهي ما ستتخذ فيها الأشياء أسماء جديدة، وينتصر فيها ديونيزوس على أبولون، ويحل الجسد مكان العقل، وستشهد الإنسانية عصر أفول الأصنام وميلاد الإنسان الأعلى (superman).

يقول نيتشه على لسان زاردشت:

“أواه .كيف ا أحن إلى الأبدية وأضطرم شوقا إلى خاتم الزواج ودائرة الدوائر، إذ يصبح الانتهاء عودة إلى الابتداء، أنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أما لأبنائي إلا المرأة التي أحبها لأني احبك أيتها الأبدية، أيتها الأبدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي


.. دول الاتحاد الأوروبي توافق على فرض عقوبات جديدة على إيران| #




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري