الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبعاد ودلالات المواجهات المسلحة في القامشلي بين موالين للنظام السوري والأسايش الكردية

جوان ديبو

2021 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بتاريخ 20 من الشهر الماضي اندلعت اشتباكات مسلحة في مدينة القامشلي بشمال شرق سوريا بين قوات الأمن الداخلي (الأسايش) الكردية التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وميليشيات الدفاع الوطني التابعة شكلياً للنظام السوري وضمنياً لطهران. هذه الصدامات لم تكن الأولى من نوعها وغالباً لن تكون الأخيرة في سلسلة المواجهات الدامية المتقطعة بين الطرفين منذ 2015. سجل حافل من المواجهات بين الجانبين شهده الماضي القريب في مدينتي القامشلي والحسكة اللتين يتقاسمان النفوذ فيهما الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يقودها الكورد والنظام السوري والميليشيات التابعة له مثل "الدفاع الوطني". المواجهات الدامية بين الجانبين توقفت بعد وساطة روسية تخللها التعثر للوهلة الأولى وأفضت الى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأسايش على المناطق التي كانت تتحصن فيها ميليشيات الدفاع الوطني وتتخذها معقلاً رئيسياً لها.

البُعد الخارجي للمواجهات
اكتست المواجهات هذه المرة بين الجانبين منحى وطابعاً مغايراً عن سابقاتها من حيث الدلالات والأبعاد الخارجية والنتائج التي تمخضت عنها مبدئياً في الميدان. صحيح ان المواجهات كانت عملياً بين الأسايش الكردية وميليشيات الدفاع الوطني، لكنها ترميزياً ودلالاتياً كانت بين ايران والنظام السوري وروسيا الى حدٍ ما من ناحية وبين الولايات المتحدة من ناحية ثانية كون قسد والاسايش محسوبين على واشنطن في خارطة الصراع والنفوذ في سوريا وكون القوات والقواعد الأمريكية المرابطة في المنطقة كانت على مرمى حجر فقط من نقاط الاشتباك. النتائج التي أسفرت عن "اتفاق غير معلن" برعاية روسية صبت لصالح الأسايش وقسد حيث أفضت الى بسط سيطرتها على الأحياء التي كانت تتمركز فيها ميليشيا الدفاع الوطني، وبذلك لم يعد لها وجود فعلي داخل مدينة القامشلي. هذا بدوره يشير الى جنوح روسيا المبطن والضامر تجاه تحجيم دور الميليشيات التابعة لإيران التي باتت تقض مضجع روسيا كدولة عظمى تأبى الشركاء في الكعكة السورية التي تريد الاستحواذ عليها بمفردها.

دمشق وطهران تسعيان الى إشعال فتنة عربية – كردية
التأليب المستمر للنظامين السوري والإيراني لميليشيا "الدفاع الوطني" التي يشكل قوامها ابناء بعض العشائر العربية الموالية لنظام الأسد في شرق الفرات ضد قسد والأسايش التي يقودها الكورد والمدعومة أمريكياً يأتي في سياق المساعي الدؤوبة لدمشق وطهران من أجل "قومنة" الصراع في هذه المناطق، أي جعله أو تصويره زوراً بأنه صراع عربي – كردي. علماً بأن نسبة أبناء المكون العربي ضمن قوات سوريا الديمقراطية والأسايش تفوق نسبة المكون الكردي نفسه. هذا ما عدا ان مناطق شرق الفرات والتي يسميها الكورد بروج آفا، أي غرب كردستان أو كردستان سوريا، لم يسبق لها وان شهدت أية صراعات او حساسيات عرقية او دينية او مذهبية بين مكوناتها المختلفة من الكورد والعرب والسريان والآشور والأرمن وغيرهم. بالإضافة الى أن هذه المناطق كانت وما زالت رمزاً ومثالاً يحتذى به للتنوع والتعايش السلمي بين مختلف الأعراق والأديان والمذاهب. هذا فضلاً عن أنها باتت ملاذاً آمناً لمئات الآلاف من النازحين السوريين الهاربين من جحيم الحرب العبثية بين النظام الأسدي المدعوم روسياً وايرانياً وبين جماعات المعارضة السورية المتشددة المدعومة تركياً وقطرياً.
لجوء نظامي دمشق وطهران الى اسلوب محاولة اختلاق ازمة عربية – كردية في هذه المناطق يعكس تهالك وتآكل واستنفاد القوى الميدانية للنظامين في تلك المناطق وعجزهما عن إحداث اية تغييرات جوهرية في خارطة النفوذ التي تميل لغير صالحهما مقابل تمدد وتنامي نفوذ قسد المدعومة امريكياً. إيران تزاول في شمال شرق سوريا نفس اللعبة التي تمارسها في إقليم كردستان العراق ومؤداها إزعاج الولايات المتحدة والتحرش بها بشكل غير مباشر وذلك عبر الاستهداف المباشر ضد أهدافها والأهداف الصديقة بواسطة الميليشيات المحلية.
الغاية الإيرانية المرجوة من وراء ذلك هو محاولة بث الخوف والقلق في صفوف القوات الامريكية في كردستان العراق وكردستان سوريا بواسطة الأذرع والبيادق ودفعها للمغادرة للاستفراد بالكورد والانقضاض عليهم وخاصة في سوريا، كما فعلت ذلك تركيا في عهد الرئيس ترامب عندما منح الأخير الضوء الأخضر لأنقرة لغزو واحتلال مساحات شاسعة من المناطق الكردية التي كانت واقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية. كذلك ترمي ايران من وراء هذه التكتيكات الى تليين المواقف الامريكية حيال الملف النووي الإيراني على أمل العودة الى اتفاق 2015 دون شروط مسبقة. مبدئياً أتت المساعي الإيرانية أؤكلها في هذا المضمار وتجسد ذلك في الدعوة التي أعلنها وجهاء عشائر وقبائل عربية في الجزيرة السورية موالية لنظام الأسد الى أبناءهم بهدف "التكاتف والوقوف في وجه قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الأميركيين، وإعلان المقاومة الشعبية ضد المحتل الأميركي".

الولايات المتحدة تدخل على خط الأزمة
واشنطن بدورها دخلت على خط الأزمة وذلك من خلال تصريح أدلى به قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكينزي، لشبكة روداو الإعلامية الكردية وقال فيه أن "قوات سوريا الديمقراطية شريك مهم جداً لنا وهي تقوم بحماية جنودنا" وبخصوص الاشتباكات التي جرت بين قوات الأسايش وميليشيات الدفاع الوطني في القامشلي، أضاف ماكنزي: «سنبذل كل ما بوسعنا لتهدئة الوضع ... نريد حل مشكلة القامشلي عن طريق الحوار". في غضون ذلك وفي اعقاب الاشتباكات الدامية مباشرة عقد نائب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، ديفيد براونشتاين، اجتماعاً مع قادة الإدارة الذاتية في القاعدة الأميركية بالحسكة، ونقل تأييد إدارة الرئيس بايدن للإدارة الذاتية واستمرار التعاون معها ومع قوات سوريا الديمقراطية. ويجدر الإشارة هنا الى ان القوات الجوية الأمريكية تقوم باستمرار وبحزم لا يلين بصد اي تقدم لقوات النظام والميليشيات الإيرانية على حساب نفوذ قوات قسد في شرق وشمال شرق البلاد.
تتزامن هذه المواجهات أيضاً مع المساعي الأمريكية، التي دخلت عامها الثاني، والرامية الى رأب الصدع بين القوى السياسية الكردية في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقود الإدارة الذاتية من ناحية والمجلس الوطني الكردي المدعوم من حكومة اقليم كردستان العراق والمنضوي تحت لواء الائتلاف السوري المعارض الموالي لتركيا من ناحية ثانية. الهدف من هذه الجهود هو التأسيس لحالة كردية سورية مستقلة بمنأى عن المؤثرات الإقليمية وذلك بفك ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني وقيادته في جبال قنديل مقابل مغادرة المجلس الوطني الكردي للائتلاف السوري الموالي لأنقرة والمعادي للتطلعات الكردية في سوريا. تهدف واشنطن من وراء لملمة البيت الكردي المتبعثر في سوريا الى تقديم الكورد كوفد موحد في أية مفاوضات جادة بشأن الانتقال السياسي المتعثر في سوريا. على الرغم من التحديات والعوائق الكثيرة التي تمنع تكلل الجهود الأمريكية بأي نجاح متوقع بخصوص جمع القوى السياسية الكردية في سوريا في بوتقة سياسية واحدة، إلا أنها مع ذلك قوبلت بالتنديد والتشكيك بمراميها ومآلاتها من قبل النظام السوري وإيران وروسيا والائتلاف السوري المعارض وتركيا مجتمعة.

تغيير قواعد اللعبة في المنطقة
بغض النظر عن الروايات والتحليلات المتضاربة حول مجريات وتفاصيل الاشتباكات الأخيرة في مدينة القامشلي إلا أنها أوحت بشكل دامغ لا مراء فيه بالدلالات والأبعاد فوق الوطنية التي تمثلت في تدخل موسكو المباشر لفض الاشتباكات ورسائل واشنطن غير المباشرة بخصوص دعم الإدارة الذاتية وجناحيها العسكري والأمني، أي قسد والأسايش. كما أنها أدت إلى تغيير جديد في خارطة النفوذ لصالح الإدارة الذاتية المحسوبة على واشنطن والذي سيؤدي بدوره الى تغيير في قواعد اللعبة المشيدة على القوة. ومما يؤكد هذا الانطباع التصريحات التي أدلى بها ماكينزي في سياق شرحه للاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في عهد إدارة بايدن وكيف أن البيشمركة في إقليم كردستان العراق وقسد في شمال شرق سوريا يعتبرون حلفاء واشنطن في محاربة الإرهاب الداعشي واستئصال شأفته.

دمشق وموسكو وطهران وأنقرة والمعارضة السورية جميعهم ضد الكورد
الجميع متأهب للانقضاض على الإدارة الذاتية وجناحها العسكري قسد بمجرد انسحاب الولايات المتحدة من المناطق الكردية في سوريا، النظام السوري والميليشيات الإيرانية وروسيا وفصائل المعارضة السورية المتشددة وتركيا الأردوغانية. القاسم المشترك الوحيد بين جميع هذه الأضداد هو معاداة الحضور الكردي السياسي والعسكري المتنامي منذ 2011 والدور الذي بات يلعبه المكون الكردي ولأول مرة في التاريخ السوري الحديث والمعاصر. بصرف النظر عن الدوافع والأسباب، جميع هؤلاء اللاعبين يراهنون على انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، هذا الرهان الذي بقدر ما كان قاب قوسين او ادنى من التحقق في عهد الرئيس الجمهوري ترامب بقدر ما اصبح بعيد المنال نسبياً في عهد الرئيس الديمقراطي بايدن.
ليس للكورد في سوريا سوى الانتظار والترقب المشوب بالحذر وعقد بعض أو كل الآمال على الإدارة الأمريكية الجديدة إلى حين انقشاع الضباب عن سياسة بايدن السورية وتبلور استراتيجية امريكية واضحة المعالم والملامح حيال ما يجري في سوريا المنهكة ومستقبلها السياسي الغامض. لا يزال الأمل يحدو الكورد في ان تنصفهم قليلاً او كثيراً إدارة بايدن كما أنصفت إدارة بوش الابن بالصدفة التاريخية البحتة الكورد في إقليم كردستان العراق سنة 2003، بما أن الأنظمة والحكومات والنخب من الشعوب الحاكمة لم تنصف الكورد على مدى عقود، لا بل وحاربتهم بلا هوادة لأنهم تجرؤا يوماً ما وطالبوا ببعض الإنصاف والنزر اليسير من أنصاف الحقوق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة