الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة البرلمانية في المغرب: الصلاحيات والحدود

محمد ضريف

2021 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المقدمة:
تعتبر المؤسسة البرلمانية من المرتكزات المؤسساتية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، نظرا لما تتوفر عليه من اختصاصات في مجال التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية. وهو ما أكده دستور 2011 في الفصل 70 منه حيث نص على أن " يمارس البرلمان السلطة التشريعية و يصوت على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية. ويتشكل البرلمان المغربي من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويأخذ أعضاؤه حسب الدستور تفويضهم من الأمة. وحقهم في التصويت شخصي ولا يمكن تفويضه. كما أضحت المعارضة عنصرا أساسيا داخل المجلسين و تشارك في وظائف التشريع والرقابة.
1- صلاحيات المؤسسة البرلمانية في دستور 2011:
منح دستور 2011 جملة من الاختصاصات المهمة للمؤسسة البرلمانية، سواء على مستوى التشريع أو مراقبة العمل الحكومي، وهي الصلاحيات التي من شأن تفعيلها على محك الممارسة السياسية؛ أن يقوي الاداء التشريعي والرقابي لهذه المؤسسة الدستورية.
1-1 الصلاحيات التشريعية للمؤسسة البرلمانية:
يعتبر التشريع من أهم مصادر القانون في العصر الحديث؛ بحيث يسعى الفعل التشريعي لوضع قواعد ملزمة لتنظيم العلاقات داخل المجتمع، وذلك من طرف سلطة أو مؤسسة عُهد لها بذلك دستوريا. وتعد الوظيفة التشريعية من الاختصاصات الأصيلة للمؤسسة البرلمانية، وذلك وفق التقسيم الثلاثي الذي طرحته نظرية "فصل السلط"، فالبرلمان المغربي بمقتضى الفصل 70 من دستور2011 أضحى يمارس "السلطة التشريعية"، وهو المبدأ الذي كرسته الدساتير المغربية السابقة ولو بشكل ضمني؛ حيث جاء في الفصل 44 من دستور 1992 على أنه "يصدر القانون عن مجلس النواب بالتصويت" وهذا ما أكده أيضا دستور 1996 في الفصل 45. لقد أصبح التشريع اختصاصا شبه حصري للبرلمان (الفصل 70 من الدستور)، حيث توسع مجال القانون، ليرتفع من 30 مجالا في دستور 1996، إلى أكثر من 60 مجالا في الدستور 2011.
ويختص البرلمان في مجال التشريع، بالتقدم بمقترحات القوانين، مناقشة والتصويت على: مشاريع القوانين، القوانين التنظيمية، قانون المالية، قانون الاطار والقوانين الدستورية والاتفاقية. كما أصبح التشريع حقا مشتركا بين غرفتي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، سواء من حيث اقتراح قوانين جديدة أو من حيث تعديل اقتراح قانون تقدمت به الغرفة الأخرى أو مشروع قانون، وهو ما نص عليه الفصل 78 من الدستور2011 عند تنصيصه على أن "لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين. تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين".



2-1 الصلاحيات الرقابية للمؤسسة البرلمانية:
تعد الرقابة البرلمانية، من الصلاحيات الكلاسيكية للبرلمان، وتهدف الى التحقق من مشروعية تصرفات الحكومة وسلامة أعمالها. وقد جاء دستور 2011 بمستجدات مهمة في مجال الرقابة البرلمانية، ومن بين الآليات الرقابية للبرلمان التي تضمنتها الوثيقة الدستورية:
- التنصيب البرلماني للحكومة، بحيث أصبحت الحكومة مطالبة بعرض برنامجها الحكومي أمام مجلسي البرلمان مجتمعين والحصول على ثقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب؛
- طرح الاسئلة الكتابية والشفوية: في إطار العلاقات بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، نص المشرع الدستوري في الفصل 100 من الدستور على أن " تُخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة. وتُدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها. وتُقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة".
- طرح ملتمس الرقابة: يعتبر هذا الاخير من الاليات الرقابية التي من شأنها انهاء العمر القانوني والسياسي للحكومة، فبمقتضى الفصل 105 من الدستور، يمكن " لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس"، و "لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم"، و" لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس، وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية"، و "إذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة ، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة سنة".
- لجان تقصي الحقائق: يعد تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، من أهم آليات الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، حيث "يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات و المقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها" . فطبقا لمقتضيات الدستور، يحق لكل ثلث أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس المستشارين، إضافة للملك، المبادرة بطلب تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق. وقد نص المشرع الدستوري في الفقرة الثانية من الفصل 67 على أنه " لا يجوز تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية، مادامت هذه المتابعات جارية، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق، سبق تكوينها، فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها". وتنص الفقرة الثالثة من الفصل 67 على أن " لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها، وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجس المعني، وعند الاقتضاء بإحالته إلى القضاء من قبل رئيس هذا المجلس" و " تخصص جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقارير لجان تقصي الحقائق".
- تقييم السياسات العمومية: تعد هذه الآلية الرقابية من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، والتي تصرح بأن "يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية"، فضلا عن ذلك، تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن " تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية و تقييمها"، هذا مع العلم بأن الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأن " يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين". كما نص الفصل 102 من الدستور على أنه " يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين و تحت مسؤوليتهم".
- مناقشة مشروع القانون المالي و قانون التصفية: طبقا للفصل 75 من دستور 2011، "يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان".
2- حدود المؤسسة البرلمانية
رغم الصلاحيات المهمة التي منحها دستور 2011 للمؤسسة البرلمانية؛ فهي لازالت تخضع لتأثير السلطة التنفيذية عن طريق ما يعرف بمبدإ "العقلنة البرلمانية " باعتبارها " تلك التقنية التي تروم تحديد اختصاصات البرلمان، أو مجال القانون على سبيل الحصر مقابل اختصاصات الحكومة أو مجال اللائحة" من جهة؛ وتأثير "العقلنة الذاتية" من خلال عدم اهتمام العديد من اعضاء البرلمان بالعمل النيابي.
1-2 قيود العقلنة البرلمانية:
اذا كانت الدساتير المغربية السابقة تمنح للملك فقط إمكانية حل البرلمان أو أحد مجلسيه، فمع دستور 2011، أصبح لرئيس الحكومة بمنطوق الفصل 104 إمكانية حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ داخل المجلس الوزاري. إن إعمال آلية "العقلنة البرلمانية" لا تجعل البرلمان في وضعية تابعة للملك فقط، بل إنها تجعله تابعا حتى للحكومة؛ فهذه الأخيرة بمقتضى الفصل 72 من دستور 2011 تعتبر المشرع الأصلي حيث ينص" يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون .
كما تهيمن الحكومة على وضع جدول الأعمال، فهي من تحدد مشاريع القوانين ومقترحات القوانين ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة. يضع مكتب كل من مجلسي البرلمان جدول أعماله، ويتضمن هذا الجدول مشاريع القوانين ومقترحات القوانين، بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة" (الفصل 82 من دستور 2011). كما يخول الدستور للحكومة أن تشرع بين الدورات البرلمانية" يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية"(الفصل 81 من دستور 2011). بالإضافة إلى تنصيص الدستور على أن" للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها (الفصل 70 من دستور 2011).
أما في يخص التصويت على القانون المالي فقد منح المشرع الدستوري للحكومة بمقتضى الفصل 77 من الدستور «رفض المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذ كان قبولها يؤدي، بالنسبة لقانون المالية، إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود». ومن بين التجليات الأخرى التي تبرز هيمنة الجهاز الحكومي على المؤسسة التشريعية، نجد الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور التي تنص على أن "يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية، وإنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع البرلمان عليها، وعندما يوافق على تلك النفقات، يستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور".
لقد عكست الولاية التشريعية التاسعة (2016-2011) هذا الوضع الدستوري؛ حيث تمت المصادقة على 21 مقترح قانون مقابل المصادقة على 359 مشروع قانون !!. تبين الفصول التي تم الوقوف عندها أعلاه و والممارسة التشريعية، مدى الهيمنة التي تمارسها السلطة التنفيذية على الممارسة التشريعية للبرلمان، سواء على مستوى التشريع العادي أو المالي، وهي هيمنة إذا كانت قد ارتبطت بأول تجربة دستورية لسنة 1962 في إطار تقنية «العقلنة البرلمانية»، التي تنتمي إلى التجربة الدستورية والبرلمانية الفرنسية، فإنها ظلت مستمرة في الوثائق الدستورية اللاحقة وفي دستور 2011.
2-2 قيود العقلنة الذاتية:
اذا كانت "العقلنة البرلمانية" كآلية دستورية تحد من الاختصاصات الاصيلة للمؤسسة للبرلمانية، وفق المنظور الذي تطرحه نظرية فصل السلط؛ فإن الممارسة التشريعية للمؤسسة البرلمانية أبانت على أن وجود صلاحيات تشريعية ورقابية مهمة في يد أعضاء مجلسي البرلمان، لا يساهم بالضرورة في تجويد وتحسين الاداء المؤسساتي للبرلمان؛ بحيث تم تسجيل ضعف المبادرة التشريعية للنواب والمستشارين ومشاركة نسبة ضعيفة منهم في عمل اللجان والجلسات العامة. ادى هذا الوضع الى التشكيك في التقدم الذي أحرزه دستور 2011 والذي فوض على وجه التحديد ممارسة السلطة التشريعية للمؤسسة البرلمانية.
كما أصبح تغيب أعضاء مجلسي البرلمان ظاهرة جلية، لاسيما، داخل عمل اللجان النيابية الدائمة. ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى تعدد مهامهم الانتدابية؛ وهو ما يؤثر بشكل سلبي على مشاركتهم ومساهمتهم في العمل التشريعي والرقابي، سواء داخل اللجان أو داخل الجلسات التشريعية العامة. ورغم تنصيص النظام الداخلي لمجلس النواب عن الاقتطاع من أجور النواب المتغيبين، فإن عدم تضمينه بإجراءات زجرية تضع حداً لهذا السلوك السياسي الذي يضر بصورة المؤسسة البرلمانية؛ جعل من تكرار هذه الظاهرة أمرا عاديا وروتينيا.




في الختام، إن الاختصاصات والصلاحيات التي منحها المشرع الدستوري للمؤسسة البرلمانية في دستور2011، والتي تهدف من الناحية النظرية، الى تقوية دور البرلمان، ولاسيما مجلس النواب باعتباره المؤسسة التمثيلة الاساسية، ظلت رغم أهميتها مقيدة بفعل "العقلنة البرلمانية"؛ حيث أضحى البرلمان مشرعا استثنائيا أمام الحكومة، سواء على مستوى الصلاحيات التي منحها المشرع الدستوري للحكومة على حساب البرلمان، أو ما تؤكده الممارسة السياسية والتشريعية لهذه المؤسسات. فضلا عن وجود قيد ذاتي مرتبط بسلوك الغياب وعدم الانكباب والاشتغال داخل اللجان النيابية وحضور الجلسات العامة من طرف بعض مجلسي البرلمان؛ ساهم في ضعف الاداء النيابي والمؤسساتي لهذه المؤسسة التمثيلية.
المراجع:
1- إدريس الفاخوري، اختصاصات البرلمان التشريعية في مشروع دستور 2011، نشرت في جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 01 يوليوز 2011؛
2- أحمد مفيد، الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور المغربي الجديد؛
https://manifest.univ-ouargla.dz/
3- أحمد بوز،«الاختيار الديمقراطي» في الدستور المغربي الجديد، ضمن أعمال ندوة 18-19 أبريل 2013 "الدستور المغربي الجديد على محك الممارسة"، تنسيق عمر بندورو، رقية المصدق، محمد مدني، منشورات la croisée des chemins,casablanca، 2014؛
4- أحمد بوز، البرلمان المغربي: البنية والوظائف، دراسة في القانون البرلماني المغربي، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، عدد خاص 2016.
5- امحمد المالكي، بنية توزيع السلطة في الدستور المغربي الجديد، مجلة النهضة، العددان الثالث والرابع، خريف وربيع 2012؛
6- Assma AHMYIANE, Le pouvoir législatif au Maroc entre rationalisation et auto rationalisation parlementaire. https://revues.imist.ma/index.php/JEMED/article/view/16237








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على