الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنيميا حادة في الاختيار 2 هل تعالج في الاختيار 3 ؟

محمد القصبي

2021 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


منذ عدة سنوات نشرت مقالاً في جريدة القاهرة كان عنوانه" هل يوجد مثقف إخواني؟" ..وانتهيت إلى أنه من الصعب على أي مثقف يمضى حياته مؤججا بشهوة المعرفة، وبالبحث عن إجابات لآلاف الأسئلة التي تلاحقه ..حتى وهو نائم ...من الصعب على انسان هذا حاله أن يسلم دماغه لشيخ
..ولا شيء لديه سوى : سمعا وطاعة!!
ليس هذا أبداً حال المثقف الحقيقي!
أحدهم ..أستاذ في الفيزياء النووية.. يقيم خارج مصر..عمل بالوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال رئاسة محمد البرادعي لها.. رد على مقالي باستنكار: كيف لايوجد بين الاخوان مثقفون ..والآلاف منهم أطباء وصيادلة ومهندسون..و..!!!
وكان ردي في مقال آخر: هؤلاء ليسوا مثقفين..بل متعلمين ..هدفهم ..هدف أسرهم منذ البدء..الالتحاق بما يزعمونه كليات القمة..ولاحاجة في ذلك لأن يعرفوا ..بل أن يُلقَنوا..ساعدهم في تحقيق الحلم وزارة التعليم التي تحولت إلى وزارة تلقين..بل وتلاشت الوزارة أمام جبروت مراكز الدروس الخصوصية .. التي يجري فيها تلقين الطلاب المعلومات التي يتوقع أن تأتي منها الامتحانات..حتى موضوعات التعبير التي تختبر موهبة الابداع الأدبي يتم حفظ ثلاثة أو أربعة موضوعات يتوقع المدرس ألا يخلو منها الامتحان ..وتصدق توقعاته!!
طالب تمت تنشئته على هذا النحو..الهدف المحوري أن يلتحق بإحدى كليات القمة..أليس من السهل اصطياده وإجراء عملية غسيل مخ له من قبل شيخ ..خاصة من هؤلاء المشايخ الذين يعانون من فقر في تعاليم الدين الحقيقي ..دين الله؟!
وهذا ماروعني من أحد أرباب تلك المهن المتميزة من أبناء قريتي..تمكنوا منه وأجروا له بسهولة عملية غسيل مخ ..وكان دائم التردد على اعتصام رابعة ..وحين يعود إلى قريته كان يردد على مسامع الشباب : ليتكم تتوجهون إلى رابعة.. رائحة المسك تفوح منها!!
كان يردد ذلك بطريقة آلية وكأنه روبوت مبرمج..هذا ماقاله لي بعض شباب القرية ..وكنت أعقب: ليتكم فعلا تزورون رابعة..رابعة هذه التي كانت أحد أجمل وأنظف أحياء القاهرة تحولت إلى مستنقع للقاذورات ولاتفوح منه سوى رائحة الصناء..!
لم أكن أبالغ ..فهذا ما كنت ألحظه من خلال مروري على اعتصام رابعة كل يوم في طريقي إلى عملي..أو لرصد مايجري!!
وهذا ماكنت أتمنى أن يتطرق إليه مسلسل " الاختبار 2" ..كيف يتم اصطياد شاب ..خريج إحدى كليات القمة، و من أرباب المهن المتميزة لتجرى له عملية غسيل مخ.. فيرى أن ميدان رابعة مع اعتصام "المجاهدين" تحول إلى قطعة من الجنة تفوح برائحة المسك ؟! ..
من بديهيات إبداع الحكي- سواء كان أدباً يُقرَأ أو دراما تسمع أو تشاهُد- البناء المتكامل للشخوص الرئيسية في العمل..
مجرم ارتكب جريمة قتل..بالطبع يتم تسليط الضوءعلى "ماذا حدث ؟".. ارتكاب الجريمة..لكن مهما بلغت كفاءة المخرج والممثل والكاتب في عرض تفاصيل الجريمة بشكل فني بالغ الجاذبية..لايكتمل العمل إلا بالإجابة على سؤال آخر محوري: لماذا أصبح هذا الشخص قاتلا؟
بل قاتلاً وبغل ..كما بدا من اعترافات أحد الإرهابيين في المسلسل أمام المقدم يوسف"أحمد مكي"..هذا الإرهابي شاب دون العشرين..كُلِف من قادة التنظيم باغتيال" ضابط شرطة" .. وحين رأى الضابط بصحبة ابنته ..انتابته الرغبة في قتله أمام الابنة.. لتذق مرار اليتم أمام عينيها !
كان رد فعل المقدم يوسف الذي يتولى التحقيق انفعاليا للغاية ..انهال ضرباً على الشاب الإرهابي وهو يصرخ : متصور نفسك ربنا!!..رد فعل طبيعي جدا..فالضابط يوسف في النهاية..انسان ..مصري..مسلم..وكلها منطلقات تتعارض تماما مع وحشية الإرهابي الصغير..
كيف تحول هذا الشاب الصغير إلى قاتل إلى حد تصور أنه الله بيده منح الحياة والموت؟ " هذا الخاطر واتاني وأنا أشاهد مقطع فيديو لداعشي وهو يذبح شابا..حيث برقت عينا الداعشي بوهج غريب..الاحساس بأنه الله ..قادرعلى كل شيء..يحيي ويميت"!!
اكتفاء مسلسل "الاختيار 2" برصد ماحدث من جرائم هذا الشاب وغيره من الإرهابيين انتقاص جسيم.. خاصة حين يتعلق الأمر بظاهرة خطيرة كظاهرة الإرهاب، هدفها ليس فقط الاستيلاء على مفاتيح قصر الاتحادية ..بل و تقويض ثوابت الدولة المصرية..وبالتالي لكي تلعب مثل هذه المسلسلات دورها بالغ الأهمية في نشر الوعي و تحصين العقول ضد الفكر الإرهابي لابد من التطرق بقوة لخطوط انتاج التطرف؟..كيف يتم صناعته ؟ كيف يتم استغلال إخفاق شاب مثلاً في التحقق أو سخطه لعدم تمكنه من الحصول على وظيفة بينما من هم أقل علما وكفاءة تبسط أمامهم السجاجيد الحمراء للوظائف الراقية في تحوله إلى بركان للفكر المتطرف ؟ كيف أسهم انهيار النظام التعليمي واختفاء فنون الموسيقى و الرسم وحصص القراءة الحرة وزيارة المكتبة في تصحر شهوة المعرفة وذبول ملكة التذوق في تغذية بعض من أبنائنا بالفكر المتطرف ؟ كيف يمكن استغلال الغليان الجنسي في تقديم إغراءات بسبايا في الدنيا وحور عين في الآخر لاستقطاب الشباب..؟
وأنا أكتب سطوري تلك يلوح طيف ابن قريتي ذاك الشاب الصغير المسالم الذي ينتمي إلى أسرة طيبة ومع ذلك تحول إلى إرهابي خطير!!
مراهق صغير كان يلاحق زميلاته في الصف الأول الثانوي بغزلياته ..والد إحدى الطالبات شكا لوالد المراهق الصغير، ليعنف ابنه مرارا..وخلال إحدى زياراتي للقرية التقيت بالأب..سألته عن ابنه ..فتهلل وجهه ..وقال: الحمد لله ..ربنا هداه..ودايما في المسجد ..وحتى بطل يتفرج على التليفزيون لأنه حرام!!
اعتراني شيء من القلق ..بدأت أتقصى أخبار الشاب..لأفاجأ بأنه سلم كيانه وبعض من شباب القرية والقرى المجاورة لأحد مشايخ البترودولار..هذا الشيخ الذي نراه يتحدث وهو يبكي عن زهد النبي الكريم ..بينما يلمع معصمه بساعة ذهبية بمئات الالاف.. شيخ البترودولار هذا كان يزور القرية كثيرا وتزوج إحدى فتياتها..والتف حوله بعض من الشباب ..منهم هذا الشاب المراهق..الذي أصبح لايرى الدنيا والآخرة إلا من خلال أحاديث وفتاوي هذا الشيخ....لكن في مرحلة لاحقة اختفى الشاب الصغير من القرية..يبدو أنه تجاوز مرحلة مشايخ البترودولار.. لينخرط في مرحلة أخرى "الجهاد ضد المجتمع الكافر" ..لتداهمنا الأخبار بإلقاء القبض عليه وادانته بالانتماء لتنظيم أنصار بيت المقدس.. وبالاشتراك في ارتكاب جرائم إرهابية بشعة منها مداهمة محل صاغة وقتل صاحبه المسيحي وتفجير مديرية أمن الدقهلية وغيرها..
هذا الشاب يقبع الآن في زنزانته ببدلته الحمراء في انتظار لحظة يساق فيها إلى حبل المشنقة ؟
..بينما أحد صناعه ..شيخ البترودلار إياه..مازالت تتوهج نجوميته ..ومازال ينهنه وهو يتحدث عن زهد الرسول بينما يلمع معصمة بساعته الذهبية
ألا يبدو مسلسل "الاختبار2" منقوصا لأنه يسلط الضوء
فقط على ما فعله هذا الشاب من جرائم ..دون أن يجيب على السؤال المحوري: لماذا تحول من شاب بسيط ينتمي لأسرة طيبة ..إلى إرهابي خطير؟ ألا يبدو المسلسل منقوصا لأنه تجاهل دور الشيخ البترودولاري في تحويل هذا الشاب إلى إرهابي؟" خلال اعترافات الإرهابي عادل حبارة الذي نفذ فيه حكم الإعدام..تحدث عن التأثير القوي لهذا الشيخ البترودولاري على حياته"!
أتذكر ..حين التقيت ببعض من القادة الأفغان في بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد في الثمانينيات
.. حكى لي أحدهم بألم " إن لم تخني الذاكرة ربما كان برهان الدين رباني الذي أصبح رئيسا لأفغانستان عام 1992 " حكى لي عن الفهم الخاطيء للدين من قبل بعض المجاهدين العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان للجهاد ضد الغزو السوفييتي.. إن التقى واحد منهم بأنثى لاتنتمي لجماعة المجاهدين فقد يدفع بها إلى حفرة على جانب الطريق ويواقعها باعتبارها سبي له!!
وماذا لو انتهى" جهاده" بسقوطه قتيلا؟
هو شهيد ..تترقب وصوله إلى الجنة اثنتان وسبعون من حور العين !!
أهوالغليان الجنسي الذي يجري توظيفه جيدا لاصطياد الشباب وضمهم إلى التنظيمات الإرهابية .."وما أكثر الجرائم التي ارتكبها كفرة داعش ضد آلاف السوريات و الإيزيديات في العراق تحت مسمى السبي وجهاد النكاح" !
بالطبع .. ليس الغليان الجنسي الدافع الوحيد للاستجابة لإغراءات الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية .. ثمة عوامل كثيرة اقتصادية وثقافية تطرقت إلى بعضها الباحثة د. منال علام في كتابها " خوارج العصر" الذي شرفت بإدارة ندوة عنه في معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ عامين..خلفيات جذرت لها أيضا دراسات للأمم المتحدة والبنك الدولي ومرصد الأزهر لمواجهة فتاوي التطرف ..تلك الأبحاث والدراسات ينبغي أن تكون نصب أعين الكاتب والمخرج وكل طاقم العمل لأي مسلسل يخوض في ظاهرة بالغة الخطورة مثل الإرهاب..هذا يساعد في تقديم عمل يسهم في تحصين عقول الشباب ضد مغريات الإرهاب الأسود..بل وأن يحرص الأب والأم على أن تكون عيونهما "مفنجلة"..تجاه أي تغيير مهما كان بسيطا في حياة الابن..فقد يكون هذا التغيير استجابة ل"طُعم" تنظيم إرهابي لضمه..
وهذا مالفت نظري من خلال سلوك أحد شباب عائلتي..كان ذلك منذ 20 عاما..حينها كان في الصف الثالث الإعدادي..
فوجئت به خلال جلسة عائلية ينهض ويغلق التلفاز..نظرت إليه بدهشة ..فقال: التليفزيون حرام!!
اصطحبته إلى غرفة مجاورة..وبهدوء بدأت أحفزه على الحديث..واستجاب..عرفت منه مصدر رؤيته تلك..شيخ في مسجد..عرفت أيضا أنهم أحاطوه باهتمام يتجاوز أي اهتمام يلاقيه في أسرته أو مدرسته.. في البداية ألقوا في طريقه بفتى في مثل سنه..أصبح صديقه المقرب..شجعه على الصلاة في المسجد ..هناك التقى بشيخ وتلاميذه..إن غاب عن صلاة فرض في المسجد يطرق بابه صديقه للسؤال والاطمئنان..بدأوا يودعون بين أنامله كتب ..الموضوعات تصب في جوهر الدين..الصلاة ..الزكاة..التكافل..وببطء ممنهج دفعوا إليه بكتب أخرى تتعلق بابتعاد المجتمع عن الدين ..ولابد من التغييرو الإصلاح..ثم كيف يكون التغيير إلا بالجهاد ضد الطواغيت الذين يحكمون.. من رئاسة وحكومة وجيش وشرطة..؟!
بمشقة وعبر الحوارات المستمرة تمكنت من انتشاله من تلك الأجواء..
فإن كان هذا الشاب الذي يعمل الآن محاضراً في إحدى الجامعات البريطانية..تم تنويره بمخاطر هذا الطريق الملغم بالتطرف..فغيره..نماذج منهم تعرض لها "الاختيار2" لم يجدوا من يمد لهم يد العون ..وتغافل المسلسل عن سبل اصطيادهم..
وهو خطأ..بل خطيئة..أن ينقل لنا الكاتب من دفاتر الشرطة والنيابة فقط ماارتكبه الضابط محمد عويس والإرهابي فارس وغيرهما من جرائم إرهابية دون أن يقدم لنا إجابة عن سؤال حتمي :لماذا أصبحوا إرهابيين وخونة؟
تلك الخطايا..آمل تداركها في "الاختيار3" الذي ينبغي بدء الاستعداد له فورا..خاصة من قبل الكاتب هاني سرحان..والمخرج بيتر ميمي حيث يتعين عليهما البدء في التنقيب عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أدت إلى تحول العديد من أبنائنا إلى قنابل وأحزمة ناسفة من خلال الغوص في الأبحاث التي أجريت في هذا الشأن داخل مصر وخارجها .. من خلال دراسة نماذج لهؤلاء الإرهابيين .. من خلال التعرض لحالة بائعة الخضار الأمية سامية شنن التي تطلع إليها مأمور مركز كرداسة ومن حولها ليغيثوه برشفة ماء فإذا بها تلقي في جوفه بماء النار..
لماذا فعلت سامية شنن هذا؟
الإجابة على لماذا تلك الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الشاقة لتعطيل خطوط انتاج الإرهاب!
انتصارنا في حربنا ضد الإرهاب ليس فقط رهنا بنجاحنا في تحصين الشوارع..بل ومالا يقل أهمية نجاحنا أيضا في تحصين العقول..
ليكن الاختيار 3 خطوة على الطريق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس