الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكاديميون العاجيون واستنهاض المجتمع الذاوي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 5 / 13
المجتمع المدني


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هي برأيك جملة الظروف الموضوعية اللازم تحققها واجتماعها لتأصيل وعي جمعي تقدمي مؤمن بضرورة التغيير لتحقيق حياة أفضل لجميع المواطنين في المجتمع؟

مصعب قاسم عزاوي: لأجل اندفاع أي قوة اجتماعية بأي تجاه وشكل معينين لتحقيق تغيير ما في المجتمع، لا بد من نضوج حد أدنى من الوعي العام Common Sense لدى الأفراد الذين يجتمعون ويتعاضدون لأجل تشكيل قوة التغيير الاجتماعي تلك، يستدمج في تكوينه تصوراً عاماً للنتائج التي يسعى للوصول إليها و سبل تحقيقها و توطيدها بشكل عياني مشخص في الميدان الاجتماعي، و بحيث يصبح ذلك الوعي منارة هادية لتلمس أكثر الطرق نجاعة في إمكانية تحقيق تلك الأهداف بأقل التكاليف المادية والمعنوية والبشرية والاجتماعية التي قد تكون باهظة في كثير من الحالات والسيناريوهات.
وأعتقد أن أي جهد يصب في سياق إعادة إحياء مفهوم «المجتمع» كحاضن اجتماعي لكل مصالح الأفراد المتشاركين فيه، بشكل يعاكس فعل ما فتئت تسعى له الفئات المهيمنة على المستوى الكوني ووكلائها في غير موضع من أرجاء المعمورة في التأصيل لمبدأ «الشخصانية المطلقة»، ونهج «اللهم أسألك نفسي»، وما توازى معهما من خطابات تلتقي حول نفس الهدف الذي يحول الإنسان من «كائن اجتماعي بامتياز» إلى «حيوان كاسر شارد» لا علاقة تربطه بأقرانه سوى «قوانين الغابة التي البقاء فيها للأكثر فتكاً وبأساً وصرعة»، وهو النموذج الذي تُأصِّل له كل وسائل الإعلام العالمي المعولم المسيطر عليها من قِبل نفس الشركات العابرة للقارات ومجمعاتها الصناعية العسكرية التقانية المحرك الفعلي لجل النظم السياسية على المستوى الكوني، تعضدها في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي وتقنياتها «الشيطانية» في إلهاء وتحوير وإعادة تنميط رؤى وأهداف البشر من حيواتهم ووجودهم الاجتماعي فيها.
والمحور الثاني الذي لا يقل أهمية عن ذلك الأول المرتبط «باستنهاض المجتمع مفهوماً وعملاً» يتعلق بتأصيل «التنوير والعقلانية والرشاد»، من مداخل تنسجم مع مستوى الوعي في المجتمع، ودون أن تكون مستجلبة بشكل فوقي أو استعلائي أو إرادوي يجعل من توطنها في وجدان الإنسان الاعتباري البسيط معضلة تنجم عن الصعوبة الفطرية في استبطان أي معطىً فكري غير متسق مع نسق الوعي العام التاريخي الاجتماعي الذي استشربه الشخص في مجتمعه الأول البسيط الذي نشأ فيه.
وهذا كله يستدعي اجتهاداً ممنهجاً لتأصيل «معرفة واستنارة» في المجتمع على شكل «ثقافة شعبية» تتجاوز ذلك المرتبط بنموذج «التعليم التقليدي» الذي يهدف إلى تشكيل قوة عمل متعلمة، دون أن يكون من أهدافه المحورية «تأصيل أدوات المعرفة النقدية التحليلية» لجوهر علاقة الفرد كمواطن متآثر مع محيطه الاجتماعي، قادراً على الإمساك بأوليات تكشف الأسباب المحورية التي تؤسس لكافة سياقات وأشكال المعاناة التي يكابدها في حياته. وذلك الجهد «التنويري» الذي لما يتكامل وينضج بعد في الحالة العربية لظروف تاريخية موضوعية، أعاقت تحول جهود المنورين الأوائل من عبد الرحمن الكواكبي وشبلي الشميل، وفرح أنطوان، ونجيب عازوري، ورفاعة الطهطاوي، وغيرهم، إلى جزء عضوي من بنيان «الوعي الجمعي العربي» لأسباب تعلقت بوأد الحالة النهضوية العربية في مهدها، وما تلاها من استعمار إمبريالي مرير، و ما لحق بتلك الأخير من استعمار مقيم عبر النواطير الاستبداديين المكلفين بتورية ذلك الاستعمار المستحدث بأشكال كوميدية سوداء لاستقلال شكلي عن إرادات المستعمرين القدماء الذين لم يرحلوا إلا شكلياً عن المجتمعات العربية.
ولتحقيق هذين الهدفين الموضوعيين لا بد للفئات المتعلمة في المجتمعات العربية، وخاصة تلك القابعة في المؤسسات الأكاديمية العربية، من التحول من حيز اعتبار ما تمكنت من مراكمته من معارف وخبرات بمثابة أوسمة و نياشين تتفاخر بها وهي تصول وتجول اختيالاً في الدهاليز الأكاديمية، وعبر ما تعلقه من شهادات وثناءات في إطارات مذهبة على جدران منازلها ومكاتبها، إلى حيز النظر إلى ذلك التأهيل المعرفي الرفيع الذي تمكنت من الوصول إليه بكونه «تكليفاً ثقيلاً» يشترط من كل من عديدها العمل المجتهد المصابر لتأصيل ما توصلت إليه من معرفة أكاديمية في المجتمع التي تعيش في كنفه بعد إعادة تبسيطها وتكثيفها وجعلها في متناول كل المستويات المعرفية للمتشاركين في الفضاء الحيوي لذلك المجتمع، في نسق يُصَيُّرُ عملية النهل المعرفي مهمة ميسرة لكل من يرغب بالحصول عليها، وبشكل متدرج في الصعوبة والتعقيد، وفي أي حقل معرفي كان، ينقل حالة المعرفة من حيز «التعلم لأجل العمل» إلى حيز «المعرفة لأجل الاستنارة»، وهو الرافعة الضرورية لكسر احتكار الفئات المهيمنة للمعرفة، و وضع اللبنات الأولى لتأصيل حالة من «الاستنارة الجمعية» في المجتمع، و هي التي تمثل اللقاح المعرفي وخط الدفاع الأكثر صلابة في وجه طوفان «الجهل وعقل القطيع الهائج» الذي دون الاجتهاد الدؤوب لتأصيل ترياقه الأوحد ممثلاً «بالاستنارة والرشاد» فسوف تبقى علاقات البشر فيما بينهم محكومة بقوانين «المجتمع الغابة» الذي لا ضالة أسمى في عقل ووجدان أبنائه من «تقتيل بعضهم بعضاً» والسير على «نهج قابيل في علاقته مع أخيه هابيل».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل