الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرصاصة الوردية

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2021 / 5 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يحدث ذلك غالباً في منتصف الشهر الثاني من الحمل، حين يبدأ العمود الفقري بالتشكل. حينها يكون الجنين غارقاً في ظلام الرحم المبهج الذي يهبه الحياة. وفي لحظة ما مجهولة، لا يستطيع أحد تحديدها، ولا تشعر بها الأم التي عادة ما تشعر بكل نسمة حياة تدخل من أنفها إلى رئتيها ، التي تستخلص الأوكسجين منها ، ثم تقوم به بتنقية الدم الذي يصل إلى الجنين السعيد. يحدث حينها أن تنطلق رصاصة من المجهول ، حيث لا يمكن لأحد معرفة مصدرها. هل هو داخل الجسد الأمومي المكتنز بالحياة والموت معاً؟ أم هو خارج الجسد، وخارج الزمان والمكان في بقعة لا يمكن تحديد إحداثياتها لا بعلم أو حدس.
تستقر تلك الرصاصة الصغيرة الوردية الوادعة بلطف قرب العمود الفقري . بل تحتمي بإحدى فقراته. تحيط نفسها بالأنسجة والغموض التشريحي ، فتستعصي على الكشف .
وحين يبدأ الطلق ، ويندفع رأس الجنين مستطلعاً عالمه الجديد. تفلت تلك الرصاصة من مكانها. وتندفع في شبكات الجسد.
ثم بعد شهور أو سنوات أو عقود ، تصل تلك الوديعة الغامضة إلى حيث تبطل عمل الجسد . فيحضر الموت المتأهب.
لم يكتشف أحد إلى الآن مكان اختبائها الأول، ولم يستطع أحد تطوير آلة لرصدها وهي تتجول في شبكة الشرايين والأوردة.
غير أن أفضل ما يقال في هذا المقام هو أنها تخضع لقوانين الفيزياء الكمومية. فلا يمكن تحديد مكانها إلا إذا تم رصدها. وهذه في الحقيقة هي لعبة القدر العظيمة. فلا يمكن رؤية الموت إلا إذا حضر .
وربما كان ذلك هو سبب العماء الوجودي الذي نحب الاحتفاء به وإيهام النفس أننا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً. لكننا في الحقيقة مجبرون على ادعاء ذلك ، ونحن نرتجف من الخوف أن تنهي تلك الرصاصة ذلك الادعاء المزيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد