الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا أومن بالسحر (13) تفسير السحر من الواقع

بلحسن سيد علي
كاتب ومفكر

(Bellahsene Sid Ali)

2021 / 5 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بعدما بينت لك فيما ماضى تاريخ السحر وأصله، وبينت لك زيف من يدعون بأنه يؤثر في الإنسان وأنه سوى تخيل أو سحر الحواية أو سحر المسرح وتقنياته، وبعد كل الذي عرفته عن السحر سواء من الدين أو العلم أو التاريخ، فلتعلم أن السحر المتبقي اليوم هو سحر العلوم واستخدام مختلف التقنيات في خداع الأبصار، بل وحتى التحكم لحد بعيد في صنع الأوهام لدى البشر، وهذا النوع من السحر ستجده في كل المسابقات التي تهتم بالمواهب في الغرب وله عدة أنواع وهذا ليس موضوعنا، موضوعنا في هذه المقالة هو توضيح بعض الحالات التي نلاحظها من حولنا في الواقع التي تثبت لنا أنها قد تأثرت بالسحر، قد يقول قائل بأنك تناقض نفسك بقولك هذا، كلا عزيزي القارئ فالآن ومن خلال هذه المقالة ستصبح قادرا على تفسير أي حالة تنسب إلى السحر عن طريق العلم، فقط عليك أن تكتسب هذا التفكير العلمي بدل التفكير الخرافي، ولكي أوضح كلامي سأتكلم على أكثر الأمثلة انتشارا عندنا وهو الصرع، طبعا هذا المرض قديم قدم البشرية وما من حضارات إلا ولها طريقتها في التعامل مع حالاته، ولن نفصل الكلام عن أنواعه أو أسبابه إلا أننا سنتكلم عن ردة فعلنا اتجاهه، فنحن نرده دائما يا إما إلى السحر أو المس أو الجنون، فإذا رأينا إنسانا قد أصابته نوبة صرع، فإن أول ما سيتبادر إلى ذهننا أنه ممسوس أو مسحور أو مجنون، وسنحاول مباشرة أن نعطيه مفتاح حتى يخفف عنه نوبته، هذا التفكير الخرافي يمكنك تغييره بالتفكير العلمي الذي يفهم هذا المرض، ويعرف بأنه يأتي نتيجة اضطراب في جهاز الأعصاب المركزي (عصبي) بحيث يصبح فيه نشاط الدماغ غير طبيعي، الأمر الذي يُسبب حدوث الاختلاجات أو فترات تتميز بسلوك وشعور غير طبيعي وفقدان الوعي أحياناً، وهذا الاضطراب يمكن أن يمكث لثوان قليلة كما يمكنه أن يدوم لعدة دقائق، فعوض البحث عن مفتاح من المفروض أن تبحث في ملابس المصروع علك تجد مهدئاته الخاصة، وان لم تجدها فحاول أن تحمي المصروع من أن يؤذي نفسه بالسقوط على رأسه مثلا أو إصابة أحد أطرافه المرتعشة بسبب النوبة حتى يرتاح شيئا فشيئا، هذا المثال هو أبسط ما يمكنك أن تبدأ به حتى تفهم مما هو آت أن جزء كبير من الذين يعانون من هذا المرض عندنا ينسبون مرضهم للسحر أو المس أو الجن، وهذا لأننا لا نعرف بأن لهذا المرض عدة أنواع تختلف أعراضها تماما عن النوبات المعروفة عندنا، وإذا خيم الجهل على قوم حلة الخرافة لتفسير كل ما يلم بهم، أما إذا كان العلم هو السيد فإنه لا مكان لغيره في تفسير ما يحيق بهم من حوادث.
ثم أن الأمراض النفسية لا نعرف عنها شيئا ولا تكاد تجد من عامة النفس من له ولو بعض الإطلاع عن أسرار نفسية الإنسان، ولكنك لو فهمت كيفية تشكل هذه النفسية المعقدة لأدركت أن جزءا كبيرا مما يعاني منه أهلنا هو بسبب تلك الأمراض، ولا دخل للسحر أو المس فيها، لكن تأويلنا الخاطئ هو الذي جعلنا نردها في كل مرة إلى السحر والشعوذة، وكذلك إدراكنا الذي لم نتعلم عنه شيئا يعد سببا في انتشار الخرافات بين الناس، فليس كل من رأى شبحا يعني بالضرورة أن الجن قد تمثل له، لأن ذلك مستحيل كما رأينا من قبل، وإنما الذي رأى قد تخيل في دماغه وجود ذلك الشبح وخذ هذه المعلومة الجوهرية التي تقول بأن الدماغ لا يفرق بين الحقيقة والخيال، فإذا رأيت شبحا ما فاعلم أن دماغك هو من خيل لك ذلك الشبح ولا وجود له في الحقيقة، وهذا الذي يسمى بالهلوسة، فهناك من البشر من يسمع أصواتا أو يرى أشياء لا يراها غيره، وهذا قد يكون مصاب يا إما بالفصام ويا إما بالهلوسة، وهذه الامراض تصيب النفس كما تصيبك الإنفلونزا بالحمى، ولها على كل فرد تأثير كل حسب جسمه، وهذا الذي جعل الأمراض النفسية أو التي لها علاقة بالإدراك كثيرة ومتنوعة، ويمكنك أن تجد حالات نادرة لا يوجد منها إلا القليل في العالم بأكمله، وحتى لا أخرج كثيرا وأطيل عليك سأجيب على أصعب سؤال يطرح علي دائما هو كيف يصاب المريض بالمرض من جراء السحر بحيث يعجز الطب عن معابجته، هذا أصعب سؤال قد واجهني طيلة مسيرتي وقد امضيت العديد من السنوات في محاولة البحث عن سره، والحمد لله بعد كل ذلك المجهود وفقني الله لمعرفة الأسباب العلمية لذلك فانتبه لما سأقوله لك من فضلك.
أولا إن إصابة أحد الأشخاص بمرض معين يعحز عن الطب ليس بالضرورة مرجعه السحر، لأن هناك ما يعرف حاليا بالمرض الذاتي والشفاء الذاتي، وهذا معناه أن يقوم الدماغ البشري بإنشاء أو صنع المرض من دون مسببات، ولهذا يكون شفائه مستحيلا بالطب الحالي إلا عن طريق الدماغ نفسه، لكن كيف يحدث ذلك وكيف يستطيع الدماغ أن يخلق المرض إن صح التعبير، ولنأخذ الشلل على سبيل المثال، فلتعلم عزيزي القارئ أن الإيمان الجازم بشيء معين وتكرار التفكير به حتى وإن كان خيالا يخلق في الدماغ آلاف بل ملايين المسارات العصبية، وبحيث يمكن لفكرة معينة أن تخلق لك من المسارات العصبية ما يجعلها تنعكس يا إما سلبا أو إيجاب على شعورك، لأن الدماغ سيتجيب بعدها لتلك المسارات التي تفرض عليه وعلى الجسم إفراز بعض الهرونات التي تحدث الشعور عندك بالحزن أو بالفرح مثلا، فإذا اعتقد الإنسان بأنه سيصاب بمرض معين بغض النضر عن وجود السبب أو انعدامه، وشدة التفكير فيه، سيخلق ملايين المسارات العصبية التي تجعل الدماغ يبحث عن كيفية خلق ذلك المرض بأسباب ذاتية وهذه الأسباب أو الطريقة في ذلك لا تزال مجهولة لحد الآن، ومن ثم يحدث المرض بغير مسبب من المسببات التي نعرفها، ولهذا فإن الشفاء من هذا المرض لن يكون بالعلاج الذي نعرفه بل عن طريق خلق مسارات عصيىة موازية للشفاء، وذلك بالتفكير فيه والإيمان الجازم به، وعلى هذا النحو كان يعمل الطب القديم، فجميعنا يعرف أن أجدادنا كانوا يتداوون بأشياء قد أثبت الطب اليوم بأنها لا تصلح للعلاج، ولكنهم كانوا يشفون بها، هذا راجع كما قد فسرت للشفاء الذاتي والذي يلعب الدماغ فيه جزءا كبيرا بعد الإيمان القوي، وهذا الذي يفسر لنا شفاء بعض الأفراد بعد جلسات الرقية، لأن الرقية لو كانت هي الشفاء لكانت صالحة للجميع، لكن اعتقاد المريض الجازم بأن هذا الراقي سيشفى على يده، سيجعل من دماغه يبحث عن السبل والطرق عن ذلك الشفاء، لأنه لا يفرق بين الحقيقة والخيال أو الفكرة التي تجول في خاطر هذا الشخص، فيترجمها لواقع في أكثر الأحيان، ثم أن خلفيتنا الثقافية والأفكار التي نتلقها يوميا هي المسؤولة عن تلك الأمراض، لأن خرافة السحر ستجعلنا نخاف منه، والخوف ينتج تخيلات في الدماغ سواء برؤية أو سماع أو بالمرض، ثم تلك التخيلات تترجم من طرف الدماغ إلى واقع وأمراض ولهذا يصعب تشخيص أو إيجاد مسببات عضوية لهذه الأمراض، لأن سببها الرئيسي هو الدماغ وليس لضرر فيه، وإنما هي الطريقة التي يعمل بها وهي عدم تفرقته بين الخيال والحقيقة، وبالتالي فإن الدماغ هو اللغز والتصديق أو التكذيب إي الإيمان بشيء هو الذي يجعلك تخاف منه، ومن ثم يتشكل واقعك الخيالي بناء على هذا الخوف، لأن الدماغ يعتمد في تخيله على المعلومات المسبقة أو المكتسبة المخزنة عنده، ولا يمكنه أن يتخيل من العدم، فاجتهد في تمحيص معلوماتك وخاصة معتقداتك، لأنها تتحول إلى خيالاتك ومن ثم إلى حقائق، فإذا صدقت السحر والضرر المترتب عليه، فستصبح مثل المعلومات المسبقة جاهزة لتوظف في خيالاتك ومن ثم للتطبيق في واقعك من طرف الدماغ.
أما علاقة الساحر بالسحر نفسه فمن قبيل ذلك، لأن اعتقاد الساحر بأنه يتعامل مع الجن ويسخرهم سيجعل من دماغه يشكل له عالما يشبه العالم الافتراضي، وقد ثبتت أدلة كثيرة أن معظم ما يراه السحرة ما هو إلا هلوسات وليس حقيقة، ثم أن الدماغ أو العقل لا يعمل منفصلا بل متصلا بعقول من حوله، فاعلم أن أي فكرة تجول في خاطرك قد يكون لها نفس التأثير على من حولك بمثل تأثيرها عليك، وهذا ما يعرف اليوم بالتخاطر عن بعد، ومنه فإن الأفكار المنتشرة في مجتمعنا عن السحر هي التي تجعل منهم مسحورون وليس هناك قوة خارقة تفعل ذلك، وإذا كنت عرفت الآن السبب فاعلم أن الحل الأنسب هو تطهر خلفيتك الثقافية من كل هذه الأفكار، ومحاولة جعل خلفيتك علمية أكثر من كونها خرافية كما كانت، لأن هذه الحالات التي تصادفنا يوميا يمكنك أن تجد لها تفسيرات علمية فلماذا اللجوء إلى الخرافة إذن، فاعلم صديقي أن الذي به ألم أو شيء من السحر بأن ذلك الألم في دماغه وكيفية تفكيره، فإن هو غير تفكيره بداية بعدم تصديق الخرافة وتكذيبها وتعويد نفسه على التفكير بطريقة سليمة فسيذهب عنه ضره بإذن الله، ثم أن الشفاء الذاتي له قوة عجيبة وقد تكون في أغلب الأحيان شبه إعجازية للطب الحديث، وما الشفاء الذي يحصل بسبب الدعاء إلا من ذلك القبيل، لأن اعتقاد الإنسان الجازم بأن الله سيشفيه فإن ذلك سيحقق الشفاء ولذلك قال ربنا، "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني"، وهذا معناه بأنه إذا آمن الشخص إيمانا كاملا لا شك فيه بأن الله قادر على شفائه فإن ذلك سيحصل، وهذا الذي نقترحه على كل من به شلل مثلا أو مرض عجز الأطباء عن شفائه، أن يعود نفسه بالتفكير بالشفاء كأن يفكر في تحريك أطرافه لعدة سعات في اليوم، لأن ذلك التفكير سيخلق ملايين الخلايا العصبية التي تجعل من الدماغ يبحث عن طريقة الشفاء، بالإضافة إلى الدعاء الذي يمنحك الثقة بالله والطمأنينة في قدرته فاعلم أن الشفاء سيكون بيدك عزيزي القارئ.
ثم أنه هناك شيء آخر يجب أن أقدمه لك وهو الأخطاء المنطقية التي نقع فيها، ومثال هذه الأخطاء هو خطأ التعاقب، فتعاقب طقوس الساحر ومرض المسحور لا يدل على أن الأول سبب الثاني بالضرورة، لأن عند التحقق وجدنا بأن مرض المسحور منشأه الإيمان بالضرر ثم الخوف منه ثم تخيل ذلك الضرر ثم تحويله إلى واقع وحقيقة من طرف الدماغ، إن المعادلة بسيطة لمن فقه هذه الأمور، لكن العقل البدائي هو الذي يفسر المرض بالسحر تماما كما كان يفسر وقوع الكوارث الطبيعية بغضب الآلهة.
إن قوالبنا الفكرية هي أخطر علينا من السحر المزعوم، لأنها تفسر كل شيء نشاهده مخالف للمعهود بالجن، وما هو إلا هلوسات تحدث للدماغ السليم قبل المريض، ثم تفسر المرض أو الفشل أو عدم الزواج بالسحر وما هو في الحقيقة إلا قلة الوعي وغياب الفهم الصحيح لكيفية إدراك البشر، ثم تقول بأن المسحور يضطرب عند سماع القرآن، فيقوم الدماغ بترجمة ذلك إلا واقع، وإن جئت تتحقق من ذلك وجدته مجرد استجابة للقوالب الفكرية، وتقول لنا بأنه إذا هددك أحدهم بالسحر فإنك حتما ستشل أو في احسن الأحوال ستتعرض لمرض خطير، ولكن الذي يصيب بذلك الألم في الحقيقة هو تصديق ذلك الاتهام والخوف منه ومن ثم تخيله وفي الأخير تحويله إلى حقيقة من طرف الدماغ، فالإيمان بالسحر والخوف منه هو سبب الإصابة به، وإن اعتقاد الساحر الجازم بقدرته على الإيذاء أو الراقي بقدرته على الشفاء يؤثر في المسحورين أو الذين يودون أن يقوموا بالسحر وينتقل ذلك الاعتقاد الجازم إليهم في غياب كامل للوعي، وهذا بسبب الجهل وعدم القدرة على التساؤل أو إشغال العقل فيقع الضرر أو الشفاء.
وهذا التحليل العلمي يمكنك اسقاطه على كل الحالات التي تراها أمامك فستجدها قادرة على تفسيرها كلها، وهذا هو فضل العلم على الجهل والخرافة، لأننا للأسف قد تعودنا على الميل إلى الخرافة أكثر من ميلنا إلى العلم، لذلك أنا موقن أن حتى من يقرأ كلامي ويفهمه قد يميل إلى العودة إلى الخرافة ليس لأنه لم يقتنع، ولكن لأنه لم يستطيع الخروج من قالبه القديم، فلتعلم عزيزي القارئ بأن أهم ما في هذه المقالة هو الخروج من قوالبنا الفكرية وإنشاء أفكار جديدة تكون قادرة على طرد هذا الواقع الأليم الذي نعيش فيه، لأن السحر المزعوم يؤثر في الإنسان نتيجة الخلفية الثقافية للمجتمع وليس للفرد فقط، وإنما هذه الخلفية المتطورة عبر العصو وهذه الأفكار التي تشكلت وتطورت مع تشكل وتطور الثقافة والوعي الإنساني يصعب القضاء عليها وإن كانت خاطئة، لأن جذورها مركوزة في اللاوعي البشري لها قدرة أن تبقى لمدة طويلة خاصة عندما يضعف الوعي.
فها هو بحثي الكامل بين يديك يمكنك أن تعود إلى أي مقالة أردت وفي أي وقت لتفهم أكثر وأكثر، وان احتجت لأي سؤال فأنا مستعد لتفسير كل حالة على حدى فقط تحلى بالنية الصادقة في بحثك ولا تتوهم أنك تستطيع إعجازي، وحتى إن عجزت فاعلم أن ذلك لا يدل على أن السحر حقيقة، لأنك ستكون حينها قد ضربت دينك وتاريخ البشرية وكل ما وصل إليه العلم عرض الحائط، فقط لأنك لم تستطع تفسير حالة واحدة مما يحدث عن طريق السحر المزعوم، فكن عاقلا وابحث عن الحقيقة بعقلانية بعيد عن التقليد، وأنصحك أن تبتعد عن المشايخ لأنهم أكثر المستفيدين من تزيف الحقائق أولا، ثم لأنهم أبعد الخلق عن المعرفة التاريخية والعلمية فلا حاجة لنا بهم إلا إن هم فيما سبق تفقهوا والسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح