الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فاشية الاستبداد العربي
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2021 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.
فريق دار الأكاديمية: أشرت في محاضرة سابقة إلى أن جل النظم الاستبدادية العربية «نظم فاشية بامتياز». هل يمكن أن توضح وجهة نظرك بذلك الصدد؟
مصعب قاسم عزاوي: الفاشية منظومة كليانية لإدارة المجتمع والاقتصاد والسياسة والفكر وإعادة صياغة وتعريف وتحوير كل منها لتخدم أهداف المنظومة الكليانية ورؤاها الإيديولوجية. والفاشية كنسق شمولي في تعريف وإدارة الدولة يبدو حاضراً بشكل عياني مشخص في جل الأنظمة العربية التي استبدلت «معسكرات الاعتقال الجماعي وغرف الإعدام بالغاز» بنماذج تتفوق على تلك الأخيرة في تفتقاتها الوحشية ممثلة «بسراديب الإفناء الجماعي وغرف التعذيب حتى الموت».
ومن الناحية الاجتماعية فإن الفاشية تعيد تعريف المجتمع على أنه تَجَمُّع من البشر على شكل خلية نحل الذين ليس لهم هدف من حيواتهم سوى ضمان ائتلافهم لتحقيق الهدف الفاشي الأسمى وهو «نقاء العرق والدم» بحسب نهج رواد الفكر الفاشي في حزب العمال الألماني القومي الاشتراكي المعروف شيوعاً بالحزب النازي؛ في ظل استسلام مطلق لذلك الكيان البيروقراطي المهول ممثلاً «بالدولة التنينية» المتغولة عمقاً وسطحاً وعمودياً وأفقياً على كل حركات وسكنات المجتمع ومؤسساته، والمسؤولة عن ضبط التزام كل أحياز المجتمع بشكل مطلق في سعي لا تراخ فيه لتحقيق ذلك الهدف الأسمى تحت طائلة «الويل والثبور وعظائم الأمور» لمن تسول له نفسه الخروج عن توجيهات «القائد الملهم» الذي يمثل رأس ذلك الكيان التنيني الشمولي.
ومن الناحية الفكرية فإن «الفكر الفاشي» يمثل العدوان الأكثر شراسة وبربرية على كل مفاهيم «عصر الأنوار»، ومبادئ الحريات الاجتماعية السياسية التي تمخضت عنها الثورة الفرنسية، وخاصة مفهوم «العقد الاجتماعي» المتسق مع منظار جان جاك روسو الذي أصل لذلك المفهوم فكرياً في أوج عصر الأنوار الأوربي من خلال كتابه المركزي الذي حمل عنوان «العقد الاجتماعي»، و الذي تمحور حول تأصيل مفهوم الحريات في مجتمعه الناهض، وما تعنيه من «أخوة بين البشر»، وارتباطها العضوي بما ارتأى دعوته «الحريات الطبيعية للإنسان»، و التي يمكن اعتبارها مقدمة على شكل مسلمة فكرية لا بد أن تؤدي بالضرورة إلى الاستنتاج المنطقي بأن البشر في المجتمع لا بد أن يكونوا «متساويين في الحقوق والواجبات»، وأن هيمنة فئة اجتماعية على أخرى يعتبر «انتهاكاً لحقوق البشر الأساسية في المساواة فيما بينهم»، و تفارقاً مع الميل الفطري الغريزي في وجدان كل منهم لتحقيق «التضامن» وتوطيد «التعاضد والتآزر» فيما بينهم في كل المستويات التي ترتبط بوجودهم العياني المشخص، وعلاقاتهم فيما بينهم في المجتمع «ككائنات اجتماعية». وجميع تلك المفاهيم التحررية التنويرية تم ابتلاعها فاشياً تحت يافطة «تذويب كل الأهداف» من أجل تحقيق «الهدف الأسمى مشخصاً بنقاء العرق والدم»، وما ترتب عنه فكرياً من تحول جهاز الدولة القمعي إلى آلة منظمة للرقابة على كل ما هو فكري، وإعمال مبضع الرقيب في «احتزاز» كل ما قد يبدو مخالفاً «لإيديولوجيا القائد الملهم» ومصالح نظامه الفاشي، بالتوازي مع التغول على «حق إعادة تعريف الحقيقة»، واعتبار التلفيقات والأكاذيب بكونها «حقائق قائمة بالقوة» لا بد من استبطانها بعجرها وبجرها، وتكرارها وترديدها، والاقتناع بصحتها، وعدم التفكر «بالمقدمات المنطقية» التي أفضت إلى تشكل تلك «الحقائق الضرورية»، بالإضافة إلى إعادة صياغة وكتابة «التاريخ»، وإعادة التفسير والتأويل «للحقائق التاريخية»، و«لوي أو كسر عنقها عند الضرورة» لجعلها متسقة مع جملة الأهداف «السامية» للنظام الفاشي وقادته «المنزهين» الذين لا بد للكل الجمعي من النظر إليهم بكونهم «آباء مسؤولين» عن المجتمع وكل أفراده لا بد من الانضباط المطلق في «طاعتهم» في السر والجهر.
وفي الحيز الاقتصادي، فالفاشية وبناها الشمولية، مرتبطة بشكل لصيق العرى بذلك النموذج الذي يتحول فيه النظام الفاشي ودولته التنينية، إلى «الرأسمالي الأكبر» في المجتمع والمشغل الأول للاقتصاد، بالتعاضد مع حفنة من المؤسسات الرأسمالية الخاصة، التي تعمل في آلياتها الداخلية وفق النموذج الفاشي نفسه الذي لا صوت فيه يعلو على «صوت مجلس الإدارة المنزه» الذي مهمته «إصدار الأوامر الفوقية» دون واجب الاستماع لأي من أولئك المرؤوسين في عديد موظفي تلك المؤسسات الرأسمالية الخاصة الذين «يتلقون الأوامر من عل» ولا خيار لهم سوى «بالانصياع الكلياني لها» لعدم وجود لآلية لإيصال صوتهم سواء عبر «نقابات» أو غيرها إلى «مجلس الإدارة المنزه» الذي هدفه الأول الحفاظ على علاقته «التعايشية» مع المنظومة الفاشية، وتنفيذ كل ما قد يتطلبه ذلك من «فساد وإفساد» في بنيان المجتمع ، و العمل الدائب لاختزال ذلك المجتمع و تحويله ليصبح محض «فضاء جغرافي يجمع قطيعاً من البشر يوحدهم فقط وجودهم الجسدي في نفس المكان والزمان».
وأعتقد بأن كل مدقق حصيف في آليات عمل الاستبداد العربي، يستطيع أن يتلمس بشكل عياني ملموس ومحسوس على «جلده المقروح» إن كان من أبناء «العرب المحسورين المقهورين» في الحدود الجغرافية «للسجون الكبيرة التي يدعونها دولاً»، و التي يريد «رعاتها الملهمون المنتخبون بقوة الحديد و النار» من «قطعان رعيتهم» التسليم بكل المسلمات التي «لا بد من القطيع الشعبي المستضعف المقهور» استبطانها وفق قاموس النظم الفاشية الآفلة التي لا زالت تعيد إنتاج «وجهها المتقيح المقيت» في غير بقعة من زوايا العالم العربي، بطرائق فانتازية وكوميدية سوداء في بعض الأحايين، لا بد أن يشعر بالغيرة الماحقة منها الفاشيون الأوائل إن قيض لهم تلمس تفتقاتها وطفراتها السرطانية عربياً.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الاحتلال الإسرائيلي يغلف عدوانه على غزة بأردية توراتية
.. بالأرقام.. كلفة قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي منذ بدء الحر
.. تزوجتا من شخص واحد.. زفاف أشهر توأم ملتصق من جندي أميركي ساب
.. لحظة اقتحام القوات الإسرائيلية بلدة المغيّر شمال شرق رام الل
.. نساء يتعرضن للكمات في الوجه من شخص مجهول أثناء سيرهن في شوار