الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أركان الهيمنة الأمريكية ... و التحدي الصيني ... ( 1 )

آدم الحسن

2021 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


من المهم جدا لشعوب منطقتنا معرفة طبيعة اركان الهيمنة الأمريكية على العالم و منها على دول الشرق الأوسط و كذلك ما يسمى التنافس أو الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و أبعاده و مستقبله كي تعرف شعوبنا اين هي مصلحتها و تختار الموقف الذي يخدم مصالحها .

قبل كل شيء لابد من معرفة لماذا تحولت نظرة قادة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين من اعتبارها شريكا تجاريا كبيرا و مهما لأمريكا الى منافس يصل الى مرتبة العداء لها ...؟

لقد اخذت بوصلة سياسة الإدارات الأمريكية و استراتيجياتها تنحرف في الفترة الأخيرة بشكل تدريجي نحو اعتبار الصين ليس المنافس الأول لها فحسب و انما هي العدو الأول المحتمل لها , و هذا الانحراف صار يزداد كلما زادت قدرة الصين و تطورها في مجالات العلوم و التكنولوجية و زاد ثقلها الاقتصادي على الصعيد الدولي .

في بداية السبعينيات من القرن الماضي و مع بدأ مرحلة تطبيع العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين الشعبية و اقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما و قيام امريكا بسحب اعترافها بحكومة تايوان التي كانت تعتبرها امريكا قبل ذلك التطبيع الممثل الشرعي و الوحيد للصين الواحدة و بعد اقصاء حكومة تايوان ليس من المقعد الدائم في مجلس الأمن فقط و انما من عضوية الأمم المتحدة بشكل كامل و جلوس الصين الشعبية محلها كممثل شرعي و وحيد لكل الصين ... منذ تلك المرحلة بدأت العلاقات التجارية و تبادل المعرفة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات متعددة في تصاعد مستمر و سريع و تبعها في ذلك كل الدول الحليفة لأمريكا .. اليابان , دول اوربية , دول في جنوب شرق اسيا و غيرها حيث تدفقت الاستثمارات الأمريكية و من حلفاء امريكا على الصين بمئات مليارات الدولارات حيث وجدت شركات هذه الدول , في تلك الفترة , الصين عبارة عن سوق كبير و واعد و مغري .

في الجانب الصيني نشطت العملية الإصلاحية الكبرى التي أجْراها الإصلاحيون في الحزب الشيوعي الصيني بقيادة زعيمهم تنغ سياو بنغ و من بين ابرز تلك الخطوات الإصلاحية هي اقرار الدولة الصينية للعديد من القوانين و التشريعات التي تُنشطْ القطاع الخاص و تغذيه بالإمكانيات المادية لتمكينه من الصعود الى مصاف شركات الدول الغربية و تمنح المستثمرين الأجانب امتيازات كبيرة ادت الى جذب مستثمرين في شتى المجالات الصناعية المتطورة من معظم الدول الصناعية المتقدمة .

للوقوف على اسباب التحول في نظرة الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الصين حتى اصبحت بعض النغمات الأمريكية تجاهها حادة جدا لدرجة اعتبرت التنافس مع الصين قد اصبح صراعا يهدد المصالح الأمريكية في عموم دول العالم لابد من دراسة الأركان التي تعتمد و تستند عليها الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي و ما تفعله الصين لهدم هذه الأركان و انهاء عصر الهيمنة الأمريكية و ما يتبع ذلك من انتهاء لعصر الهيمنة الغربية على مقدرات شعوب العالم الآخر و على وجه الخصوص على شعوب الشرق و القارة الأفريقية التي كانت دولهم الى فترة قريبة عبارة عن حدائق خلفية للحضارة الغربية .

يمكن تلخيص أركان الهيمنة الأمريكية و التي كانت تعتبرها امريكا ضمن الخطوط الحمراء التي يجب أن لا تتجاوزها اية دولة بالأمور التالية :

اولا : الدولار الأمريكي و كونه العملة المهيمنة على النظام النقدي العالمي

المعروف أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان الدولار الأمريكي ليس في المرتبة الأولى في النظام النقدي العالمي فحسب بل كان العملة الأساسية الوحيدة الموجود في سوق النقد العالمي لأغراض التبادل التجاري بين الدول .

و بعد تعافي الاقتصاد الياباني و اقتصاديات اوربا الغربية و تجاوزها لأثار الحرب العالمية الثانية استعاد الين الياباني و بعض العملات الوطنية لدول اوربية عديدة مكانتها في سوق النقد العالمي و في التبادل التجاري بين الدول حيث اعطى ذلك عملات تلك الدول قوة تنافسية امام الدولار الأمريكي اجبرت الولايات المتحدة الأمريكية للجلوس مع الدول الصناعية الكبرى و اسسوا مجموعة اقتصادية لهذه الدول و اعطوها اسم مجموعة الدول الصناعية السبعة الكبار و من بين اهداف هذه المجموعة هو ضبط ايقاع النظام النقدي العالمي و وضع قواعد لعولمة جديدة تستند على نظام نقدي عالمي يحافظ على مصالح هذه الدول الصناعية الكبرى على حساب مصالح الكثير من دول العالم الأخرى .

و بذلك فَقدَ الدولار الأمريكي تفرده في سوق النقد العالمي لكنه ظل العملة الرئيسية المهيمنة على التبادل التجاري بين دول العالم المختلفة و استمر هذا الحال الى أن بدأت الصين في بدايات هذا القرن خطتها لإنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على نظام النقد العالمي و ذلك من خلال برنامج عمل و خطة تنفذ بشكل تدريجي لتحويل التعامل التجاري بين الدول من الدولار الأمريكي الى اعتماد عملاتهم الوطنية و هذه البداية شملت دول منظمة شنغهاي للتعاون و التي تضم ثمانية دول هي الصين و روسيا و الهند و باكستان و اربع دول من اواسط اسيا و رغم أن هذه الخطوة كانت جزئية أي التعامل بنسبة بسيطة من تبادلاتهم التجارية بالعملات الوطنية لكنها خطوة مهمة على طريق انهاء هيمنة الدولار الأمريكي فكانت جرس انذار كبير اشعر الإدارة الأمريكية بخطورة هذا التوجه الصيني الرامي خلق نظام نقدي عالمي جديد ليس فيه عملة مهيمنة مما سيفقد الدولار الأمريكي هيمننه على الاقتصاد العالمي .

لم تنفع كل تحذيرات امريكا لحلفائها و ضرورة ابتعادهم عن النهج الصيني الجديد للتعامل التجاري بين الدول حيث خرجت اليابان عن إطاعة السيد الأمريكي و ذلك بعقدها لاتفاقية مع الصين سنة 2018 تخص التعامل بعُملتيهما الوطنيتين لأغراض التبادل التجاري البيني بينهما و لحقها الاتحاد الأوربي ثم تركيا و بعض من دول جنوب شرق اسيا للاتفاق مع الصين حول نفس المسار الصيني للتعامل النقدي في التعاملات التجارية البينية بين الدول .

هذه السياسة النقدية بين الدول التي تعمل الصين على بناء قواعدها بشكل تدريجي و بطيء لكنه سيفقد الدولار الأمريكي مع مرور الزمن هيمنته على سوق التبادل التجاري الدولي ليتحول الدولار الأمريكي من عُمْلة مهيمنة على النظام النقدي العالمي الى عُمْلة وطنية حالها حال باقي العمل الوطنية الأخرى .

ما ارعب الإدارات الأمريكية المتعاقبة هو سير حلفاء امريكا كاليابان و دول الاتحاد الأوربي و غيرها من الدول للانضمام الى النهج الصيني لأن قادة هذه الدول رغم كونهم حلفاء لأمريكا إلا انهم لا يُفرطون بمصالح بلدانهم الوطنية بعد أن وجدوا في النهج الصيني مصلحة وطنية لبلدانهم و ادركوا إن الصين لا تسعى لجعل عملتها بديلا عن الدولار الأمريكي في هيمنته و انما انهاء الهيمنة نفسها .

هيمنة الدولار الأمريكية على النظام النقدي العالمي هو ركن واحد من بين اركان عديدة تستند عليها الولايات المتحدة الأمريكية في هيمنتها , هذه الهيمنة التي يتم اسقاط اركانها بشكل تدريجي من قبل الصين .
و لكي تكون الصورة أوضح لابد من تناول الأركان الأخرى للهيمنة الأمريكية التي ستتساقط الواحدة بعد الأخرى و هذه الأركان هي :

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار