الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزوح جماعي

عذري مازغ

2021 / 5 / 18
كتابات ساخرة


نزوح جماعي!
عرف هذا الأسبوع في المغرب نزوح جماعي إلى مدينة سبتة المحتلة، كان نزوحا رائعا تم من خلال قطع المسافة غير المسيجة سباحة في البحر، استعمل النازحون فيها كل شيء من السباحة الجسدية إلى استعمال قوارير الزيت البلاستيكية إلى افلاك اللعب للأطفال في الشاطيء إلى الإطارات الهوائية إلى قشة خشب عائمة، المهم هو الهدف هو قطع تلك الامتار القليلة في البحر عوض صعود السياج، ملحمة عفوية رائعة خلقت حدثا في المغرب.
الرائعون عندنا اوصلوا قناعتنا فيما حصل بسبتة إلى براغماتية جذيرة بالمناقشة: "المسؤولية الكاملة في هذا النزوح الجماعي يعود للمواطنين لقلة التربية" وأفهمون تبعا لذلك حتى لا نلوم المدرسة ومن خلالها الدولة بأنها مسؤولية تربية "الوالدين"، بدا واضحا الآن واصبح أيضا ضروريا أن ندخل ركنا جديدا في التربية المغربية: "لا تهاجر بدون إذن نظامك ودون إذن والديك وجيرانك لأن ذلك من قلة التربية " المسؤولية إذن ليس للدولة فيها أثر، لكن الجارة الشمالية إسبانيا تحمل الدولة المغربية كل شيء وتتهمها بالتهور خصوصا احزاب اليمين الفاشي مثل هؤلاء الفاشيست الرائعون عندنا، ومع ذلك ورسميا توجهت الدولة الإسبانية إلى المغرب بأدب الديبلوماسية وذكرته بالتزاماته دون ان تدخل تلك العلة التي تعتمدها بعض المواقع الصفراء المغربية: المغرب فتح أبواب الرقابة على خلفية استقبال مغتصب النساء الصحراويات قائد الجمهورية الصحراوية (هذا الإدعاء مني على خلفية القضايا الجنائية المرفوعة ضده في إسبانيا من صحراويات يعشن بإسبانيا)، لكن إسبانيا بلغتها الديبلوماسية ردت: "إسبانيا قبلت المدعو إبراهيم غالي لأسباب إنسانية طبية وليس لأسباب سياسية ولا يجب أن نعطي للأمر أكثر من حجمه".
لكن الحقيقة الأخرى في الأمر وعكس ما ذهب إليه الرائعون في نظرية "قلة التربية" هو ان المسؤولون في حكومة المغرب مارسوا لأول مرة في حياتهم مفهوم "تامغرابيت" ضد الإسبان لكن بشكل متهور، ارادوا بالسماح لهذا النزوح أن يقولوا كما قالها قبلا ناطقوا وزارة الخارجية: "المغرب ليس حارس أوربا من المهاجرين"، إنه تعبير يعبر حتى عن وجهة نظري الشخصية، لكن مع اختلاف بسيط: عوض أن نتكلم عن سوء التربية للمغاربة كان علينا ان نسمح بالنزوح لأفارقة جنوب الصحراء وليس المغاربة بشكل يمكن تبرير الأمر إنسانيا: هؤلاء الأفارقة في الوضع السيء بالمغرب قصدوا في نزوحهم أوربا وليس المغرب الذي يشبه تماما الدول التي أتوا منها، ثم يختم عبارته الإنسانية بكونه لا يستطيع لدواعي إنسانية أن يحرم الأفارقة من حلمهم في العيش في أوربا تعويضا لهم عن النهب الذي مارسته شركات اوربا ودولها في إفريقيا..
من سوء الحظ ان هناك ضحية في هذا النزوح الجماعي(وهو ما لم تتكلم عنه المواقع المغربية) تشكل في غرق مغربي واحد (على الأقل حسب ما أوردته بعض المواقع في إسبانيا) وقد أتفهم نغص المواقع المغربية وفقا لمنطق هؤلاء الرائعون في التربية الوطنية عندنا: "يمكن أن نعتبر الأمر انتحارا ناتج عن سوء التربية وننهي تراجيديا أسرته بشراء كفن في "سبيل الله" لأنه لا يستحق حتى كفن".
أعجبتني تعليقات الفاشيست الإسبان لموازاتها أو مطابقتها ولو جزئيا لتصريحات الفاشيست المغاربة الوطنيين الأقحاح (سبحان الله! يخلق من الفاشيست ما يتشابه وارحم الذي قال ذات يوم بان الوطنية هي الملجأ الأخير للأنذال). نعم النزوح كان لقلة التربية لكن هذه المرة وهذا هو التفوات في التحليل عن الفاشيست بين البلدين، حزب فوكس العنصري يتهم الحكومة المغربية وليس الأفراد النازحين بقلة التربية، لكن بالمقابل يتهم حكمة الحكومة الإسبانية بالتهور وغياب الصرامة في التعامل مع النزوح "العفوي". إسبانيا تعرف أن تفجير النزوح يمكن معالجته سياسيا بالحوار وهو الأفق الأخير وليس بالعنف والنازحون غالبا سيضعونهم في مخيم في انتظار ترحيلهم إن لم يكن امر الترحيل قد بدأ بالفعل عوض "تربيتهم بالعصى" كما تفعل الحكومة المغربية. إسبانيا على الأقل تصرفت بعقل حين عملت على رد النازحين من الباب وليس من حيث دخلوا وبالرصاص لو كان يحكم النازيون الجدد مثل حزب فوكس لكانت الكارثة كأن تحصل مجزرة، ومن حسن حظ النازحين أيضا غياب وجود متطرفين نازيين على مقاس مستوطنين بسبتة الذين بدون شك ستؤيدهم الولايات المتحدة لو حصلت مشاكل ضخمة . (أوف على النموذج! الولايات المتحدة كنموذج للليبيرالية، البيض استوطنوا امريكا وانشاوا فيها مستوطناتهم، ازاحوا سكان الأرض إلى المواقع القاحلة وهم لمدة قرنين أو أكثر يسمون السكان الأصليين بالنازحين إلى المزارع التي سرقوها لهم وليس هم النازحون) وهذه الدولة الآن هي ما يعتمدها العالم في حل مشكل المستوطنات والنزوح.
كانت فرصة سعيدة أن يزور "النازحون المغاربة" سبتة التي نعتبرها محتلة مع معرفتي المسبقة ان الإسبان سيتحفظون كالأمريكان على ذلك ولهم كل الحق لأنهم قوة بالإقتصاد والعسكر أكثر منا، لكن الوم السلطات الإسبانية التي طوقت النازحين وجمعتهم في مكان واحد، كان عليهم أن يسمحوا للنازحين بزيارة الاماكن المقدسة بسبتة (أقصد الأماكن الممغربة على الأقل، من تامغربيت) بزيارة معالمها من باب السياحة الإنسانية وصلة الرحم بالأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق