الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم النص لدى نصر حامد أبو زيد

هيبت بافي حلبجة

2021 / 5 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لاشك إن الدكتور نصر حامد أبو زيد مؤلف ، مفهوم النص دراسة في علوم القرآن ، نقد الخطاب الديني ، فلسفة التأويل ، التفكير في زمن التكفير ، يعتبر قامة فكرية مديدة وشاهقة ، يؤصل لمشروع إصلاحي تاريخي جزئي . لكن هل أستطاع أبو زيد أن يرتقي ، فعلاٌ ، إلى هذا المستوى ، سواء على صعيد مفردة المشروع التاريخي ، سواء على صعيد مفهوم النص . وهل أدرك أبو زيد إن ذلك التاريخ مشوه ومزور ومصنوع صناعة ، وهل أدرك إن تلك الشخصيات ، الرسول والخلفاء والصحابة ، ماكانت على هذه الشاكلة . وهل أدرك العلاقة الأركيولوجية مابين الخلفاء الأمويين والمعتقد اليسوعي ، وهل أدرك دور الخلفاء العباسيين في الإتيان بتاريخ جديد ومعتقد جديد وحديث جديد . وهل أدرك إن النص الإلهي قد نقص منه آيات وآيات ، قد زيد عليه مباشرة آيات وآيات ، هل أدرك إن الإله كان يوافق ، نصاٌ وحرفاٌ ، ماكان يقوله عمر بن الخطاب ، وماكان يجيش في صدر النبي من حيثيات جنسية . وهل أدرك إن موضوع الأحرف السبعة ليس إلا إشكالية من مئات الإشكاليات ، وهل أدرك لماذا يحرق عثمان بن عفان النسخ الأخرى من الكتاب المقدس المفترض . وهل أدرك مشكلة الناسخ والمنسوخ ، وإشكالية الإبليس . وهل أدرك إن التأويل كظاهرة تنم قبل كل شيء عن تناقض في المبنى وفي منطوق النص ، وهل أدرك إن التفكير في الجذور أولاٌ ثم في الفروع ، وهل أدرك إن النقد يشمل النص الإلهي أولاٌ ثم الخطاب الديني !! .
المقدمة الأولى : إن الإشكالية الكبرى لدى الدكتور نصر حامد أبو زيد تثوي في النقطة التالية تحديداٌ : إنه ليس فليسوفاٌ ، إنه ليس مفكراٌ يفتكر في الكليات ، إن ليس لديه أية فكرة عن قواعد وأسس وتأصيل التاريخ فيما إذا كان صادقاٌ أو كاذباٌ . إنه ، فقط ، مفكر يفتكر في الموضوعات الجزئية ، تلك الجزئيات التي لاتقترب مطلقاٌ من المحرم الإلهي ولا من النقاط الحمراء لرسوله ولا من تناقضات نصه . ومن يفتكر بهذه الطريقة ، أي يسلم تسليماٌ جاهلاٌ ومطلقاٌ بتلك الثلاثة ، الإله والرسول والنص ويناقش في البقية ويفكك رموزها زوراٌ وبهتاناٌ ويخضعها لتأويل تعسفي ليرضي تلك الثلاثة : يشكل إشكالية كبيرة في ركائز موضوعاته ، سواء في المعرفة ، سواء في الوجوديا ، لإنه مضطر أن ينحو منحى التبرير ، ومنحى التأويل . فهو ينتقد ، نقد الخطاب الديني ، بينما كان من الضروري والجوهري أن ينتقد ، نقد النص الإلهي ، لإن النص الإلهي ، فيما إذا كان إلهياٌ ، هو الذي يمنح الفرصة للخطاب الديني أن يتعثر ، أن يأول ، أن يخادع ويخاتل . وطالما هو ، في أصوله وحقيقته ، نص مأزوم في المعنى والمغزى ، وطالما هو نص يفتقر إلى تأويل أرضي فلايمكن أن يكون نصاٌ سماوياٌ . أذن ، وهذا هو مصدر ومبنى الأزمة لدى نصر أبو زيد ، هو يثبت وجود الإله ونبيه ونصه ، ليذهب إلى تأويل كل ما تبقى ، في حين كان من المفروض أن يذهب من التناقضات في النص وحياة النبي إلى معالجة أمر مهم : هل ثمة إله ، ولماذا يكون هناك إله ، وهل لديه نبي ولماذا يكون لديه نبي وهل حياة هذا النبي يتشابه مع حياة الأنبياء المفترضة ، وهل يمكن لهذا النص أن يكون نصاٌ إلهياٌ !! .
المقدمة الثانية : في موضوع النص والخطاب ، إن تعريف النص في التاريخ والتراث ، وحسب ماتفضل به الباحث المغربي محمد المفتاح ، هو نصنص النص نصاٌ ، أي رفعه رفعة ، أي أظهره إظهاراٌ ، أي حركه تحريكاٌ . والنص في أيامنا هذه ، وحسب موضوعنا الحالي ، هو المحدد المكتوب ، هو المحدد المدون ، هو المحدد مابين نقطتين ، هو المحدد بموضوعه ، ليعبر تعبيراٌ دقيقاٌ وصارماٌ وجلياٌ عن العلاقة مابين صاحبه ومابين المتلقى ومابين اللغة التي أسسته . والنص بهذا المفهوم يدنو من معناه ، يقترب من الباعث الكامن فيه ، يماهي لغته ، يتوازى مع ذاته . وهكذا يكون النص آية من القرآن ، أو سورة منه ، أو هو القرآن بتمامه وكماله ، أو هو جملة لغوية من الآية . وإذا أدركنا تمام الإدراك موضوع النص ومفهومه ، أدركنا ، على وجه التقريب ، ماهو الخطاب . فالخطاب يتجاوز النص لإنه أشمل وأعمق ، وقد يحتوي نصوصاٌ عديدة . وإذا كان النص هو تعبير ، وتواصل ، وتأطير وإظهار لموقف من مواقف المصدر في موضوع محدد ثابت ، فإن الخطاب يمثل ذهنية هذا المصدر ، ويقترب بالتالي ، أكثر من النص ، من حقيقة المصدر ، من شخصانية المصدر . وهكذا يكون القرآن كله خطاباٌ لصاحبه ، لإله المعتقد . وهكذا يمكن للمصدر أن يزعم : أنني أخطأت في التعبير عن هذا الموقف ، لكنه لايستطيع الإدعاء : أنني أخطأت في الخطاب ، وبهذا المفهوم يقترب الخطاب من المغزى بينما يقترب النص من المعنى ، مع إدراكنا كلية الإدراك إن المعنى ثابت في النص وإن المغزى يتحرك حسب السياقات التاريخية . ومن هنا تحديداٌ ، لاينتقد نصر أبو زيد الخطاب الإلهي قطعاٌ ، وحينما يقترب من النص الإلهي فإنه لا ينتقده إنما يقوم بصياغته تأويلاٌ ، وينتقد الخطاب الديني ، لإن هذا الإخير هو مجموعة نصوص تراكمية ، تأول النص الإلهي ، أي يأتي مصدر فقهي فيضع نصاٌ موازياٌ مؤولاٌ للنص الإلهي ، فنحصل على نصين ، فيأتي مصدر ثاني فيضع نصاٌ موازياٌ للنص الإلهي ومضاداٌ للنص الثاني ، وهكذا يكون لدينا تأويل وتاويل مضاد وتاول مضاد للمضاد ، ونصر أبو زيد يلعب في هذه المنطقة . لذلك هو يؤكد إن للنص الإلهي ، للقرآن جانبان ، الجانب الإلهي ، وجانب لغوي يتوازى مع حال تلك الجماعة ، ومن ثم وعيها ، ومن ثم ثقافتها ، وهذا ما يتبدى ، حسب زعمه ، في مسألة تحريم الخمر على ثلاثة مراحل ، وفي مسألة الناسخ والمنسوخ .
المقدمة الثالثة : في موضوع النص القرآني ، في موضوع الرسالة السماوية ، يؤكد نصر أبو زيد إن هذا يتضمن أربعة جوانب ، جانبان سماويان ، جانبان بشريان ، فالمصدر وهو إله سماوي ، وأداة التواصل وهو الملاك ، ثم النبي وهو متلقي بشري ثم اللغة وهي اللغة العربية . ويزعم ، إذا اسثنينا الإفتراضات اللاهوتية ، فإننا لانعرف شيئاٌ عن المصدر الإلهي إلا من خلال النص فقط ، الذي به يمكننا أن نفك الرموز ونحل الإشكاليات حول مجمل القضايا المتعلقة بهذا المصدر . وهنا لامناص من أن نذكر نقطتين جوهريتين حول معنى هذا الكلام . النقطة الأولى ينبغي أن نمايز مابين الفعل الإلهي والصفة الإلهية ، أو مابين صفة الفعل وصفة الذات ، فالإله ، في موضوع هذا النص ، يتصرف كمفهوم الفعل ، دون أن يبلغ ذلك إلى مايسمى عادة ، لدى الفقهاء ، بصفة الذات ، وهي الصفات الإلهية . النقطة الثانية إن النص القرآني اللغوي، في موضوع مفهوم النص ، لايتضمن فقط إشارات دلالية أو دوال تتعلق ببنية وطبيعة وأحوال اللغة من كناية وإستعارة ومجازية وعلاقتها بوعي تلك الجماعة و وثقافتها ، إنما تهدف إلى الإرتقاء بالمستوى العام في كل تلك المجالات إلى ماهو أعلى ، إلى ماهو أرفع ، إلى ماهو أنص . وهكذا ، وحسب نصر أبو زيد ، إن النص القرآني وهوالخطاب الإلهي ، وإن أعتمد على ، وأستند إلى البلاغة اللغوية لدى تلك الجماعة ، إلا إنه يتخطاها في كل تلك القضايا ، ويصنفها في مستوى مايسميه نصر أبو زيد ، بموضوع الإعجاز القرآني .
المقدمة الرابعة : يؤكد الدكتور نصر أبو زيد إن النص القرآني ، كأي نص إبداعي ، أدبي ، فني ، هو منتج ثقافي خضع لشروطه الخاصة وتولد من بيئته في حدود فكر ووعي وثقافة الجماعة . وكل نص لامندوحة من أن يولد داخل سياق معين ، سياق إجتماعي تاريخي مؤطر ، ومحدد في قوانين علم الكلام ، ومقيد بالقواعد اللغوية وشروطها ، فلانص خارج السياق ، والنص خارج السياق لامعنى له ولامغزى ولا إشارات دلالاية ولا رمزية . فالنص ، كنص ، محكوم بسياقه بتاريخانيته بثقافته بوعيه بإشاراته الدلالية والرمزية . والنص ، كإحدى تجليات اللغة ، يحدد ذاته ويحدد فكره ، وبالتالي معناه ، ومن ثم مغزاه في حدود وإطار إستراتيجة الخطاب ، خطاب المصدر ، خطاب إله الكون ، تلك الإستراتيجية التي ، إن غابت ، غابت بغيابها غائية النص ، ولبث عندها معناه الجامد الساكن . وهنا لامحيص من ذكر النقاط التالية : النقطة الأولى في موضوع الدلالة في النص الإلهي ، حيث إن مفردتي السماء والأرض ، على سبيل المثال ، تستخدمان بصورة دلالية ، ولاتدلان على الجرم السماوي أو على الجرم الأرضي ، فالسماء تدل دلالة تامة على ماهو مطلق العلو والأعلى ، في حين إن الأرض تدل دلالة تامة على ماهو مطلق الأسفل . النقطة الثانية في موضوع المجاز في النص القرآني ، فإن الآية : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فحق عليها القول فدمرناها تدميراٌ ، الإسراء 16 . أولت من قبل بعضهم إنها تؤكد على مطلق الجبرية في الفعل الإلهي ، وأولت من قبل بعضهم على إن مفردة ، أمرنا ، لم تأت من الفعل الثلاثي ، أمر ، إنما من الفعل الرباعي ، آمر ، الذي يعني زاد وتكاثر . والنقطة الثالثة في موضوع الرمز في الخطاب الإلهي ، فإن الإله أستخدم جملة من الرموز ، الجهنم ، الجنة ، النار ، الجحيم ، لتعبر عن العلاقة مابين الإنسان ومابين أعماله في حدود النتيجة والغاية ، كأنك تقول لإبنك : لابد أن تفعل هذا وإن لم تفعل فسوف أحجزك في غرفة مليئة بالحشرات والعناكب والفئران والثعابين والعقارب ، لكن في الحقيقة هي مفردات رمزية فلاتوجد غرفة من هذا النوع .
المقدمة الخامسة : يؤكد الدكتور نصر أبو زيد إن النص القرآني ، رغم إنه كلام الإله ، مرهون في حدوثه بأسباب النزول ، مرهون لكي يحدث بسبب بشري ، بسبب أرضي ، بسبب واقعة ما ، بسبب وضع ما ، بسبب علاقة النبي بالآخرين سواء بزوجاته سواء بقضية فرضت عليه . أي إن الحدث الأصلي جرى في الأرض ثم تدخلت السماء في تقرير مصيره ، في إظهار الحكم الإلهي فيه ، في تحديد الموقف العقائدي منه . وهنا لامحيض من توضيح النقاط التالية . النقطة الأولى إن هذا النص الإلهي ليس إلا موقف السماء من إشكاليات حدثت في مرحلة معينة ومؤقتة ومحددة في الجماعة البشرية ، في ظلال منطقة جغرافية بسيطة ، لدى أشخاص عاديين وبسطاء . فلو تغيرت الجماعة والجغرافيا والفترة الزمنية لتغير النص الإلهي ، ولكان لدينا نصاٌ آخراٌ ، نصاٌ مفارقاٌ عن هذا النص في حدود اللغة وكل الإشارات الدلالية والرمزية المرهونة بها ، نصاٌ مختلفاٌ بنيوياٌ عن هذا النص ، نصاٌ يمتلك أسباب نزول أخرى ، نصاٌ يفضي إلى ثقافة أخرى ، نصاٌ لايحتوي الآية الخامسة من سورة التوبة ، نصاٌ لايحنوي الآية : ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها . النقطة الثانية إن هذا النص لم يكن أزلياٌ ، إنما هو مخلوق ، وهو رأي المعتزلة ، وخلقه لم يكن مقصوداٌ في ذاته ، في حدوده ، في أحكامه ، خلقه لم يكن متطابقاٌ ، في التأصيل والأصالة ، تماماٌ مع الإرادة والرغبة والمشيئة الإلهية ، إنما تدخلت إرادته ورغبته ومشيئته في تقرير ماقد حدث ، والمفارقة كبيرة جداٌ . النقطة الثالثة إن الإله ما كان يملك رسالة خاصة ومحددة وشاملة ودقيقة للبشر ، ماكان يملك أحكاماٌ بذاتها بصورة مسبقة ، وهنا أيضاٌ المفارقة كبيرة مابين رسالة معدة جاهزة في تشريعها وأحكامها وأصولها بشكل مسبق ، ومقررة تماماٌ قبل النبوة ، ومابين رسالة تدخل الإله في تشريعها وأحكامها وأصولها فيما بعد النبوة . النقطة الرابعة ماذا كان موقف الإله قبل تعيين النبي ، وهل عينه على أمل أن يصدر شريعته ، أي شريعة الإله ، بناءاٌ على ماقد يأتي ، على ماقد يحدث ، أم ... والمفارقة قاتلة .
المقدمة السادسة : يؤكد الدكتور نصر أبو زيد إن فترة نزول الوحي ، وهو يشرح معنى الوحي بصورة صبيانية نتجاوزها ، أي فترة تنزيل النص القرآني ، أتت بهذا النص تحديداٌ في حدود المرحلة التاريخية والسياق التاريخي واللغة بكل أبعادها ، لكن قد سبقتها مرحلة أخرى ، ومن هنا التمييز مابين الثقافة الإسلامية والثقافة التي سبقتها ، وأتت بعدها مرحلة أخرى ، ثم أخرى ، وتغير السياق ، وتغيرت بنية اللغة في لسانيتها ، فلابد ، هنا ، أن نلجأ إلى التأويل ، أي فهم النص في فترة الوحي ثم فهم النص في مرحلة لاحقة عبر التأويل ، ويضطر هنا إلى القبول إن محتوى الدال ثابت لايتغير وهو المحتوى الموازي للنص في عهد النبي ، وإن محتوى المدلول هو المتغير ، وهو الذي يناسب تغيير محتوى السياق الجديد ، وكلما تغير السياق تغير المدلول ، إذن لدينا دال ومدلولات حتى هذا اليوم ، ومدلول جديد فيما بعد اليوم ، وجديد آخر . وهنا يبلغ أساس المفارقة مابين المعنى ومابين المغزى ، فالمعنى يتطابق مع الدال ، في حين إن المغزى يتطابق مع المدلول ، فالمعنى ثابت كالدال والمغزى متحرك كالمدلول ، أي إن المغزى هو محتوى المعنى في كل سياق تاريخي جديد ، وهذا هو جوهر العلاقة مابين النص ومابين الخطاب ، وهنا قد يقول أحدهم إننا وقعنا في تناقض حين ربطنا مابين المغزى والخطاب من جهة ، ومابين المعنى والنص من جهة ثانية ، نقول إن التناقض هنا شكلي ليس حقيقياٌ ، ودعونا ننسى المصطلحات ونذكر التأصيل : إن إله الكون له خطاب واحد ونصوص متعددة ، وإن المعنى الفعلي هو في الخطاب في ذهنية الإله لكنه حينما ينتقل إلى نص محدد فهو ينتقل بكليته ، أي إن النص يرث المعنى من ذهنية الإله ، أي من الخطاب الإلهي ، لكن بالمقابل إن النص قد تحقق في فترة معينة ولابد أن يستمر الخطاب إلى الأبد فيتحرك المغزى ضمن المعنى ، وهكذا يرتبط المعنى بالنص ويرتبط المغزى بالخطاب . وهنا لامحيص من ذكر نقطتين : النقطة الآولى لايحق للمغزى أن يتجاوز المعنى فيغدو النص التأويلي نصاٌ خارجاٌ عن النص الأصلي لاينتمي إليه ويخرق بالتالي الأس الأول القاعدي في الخطاب . كما لايحق للنص أن يتجاوز الخطاب فينتمي النص إلى خطاب آخر . وهذه هي القاعدة الجوهرية في عملية التأويل وكذلك في عملية الترجمة . النقطة الثانية إن التأويل هو أخراج المغزى من المعنى ، حسب تطور الحالة التاريخية ، حسب السياق اللغوي ، حسب حالة التطور البشري في العلم والمعرفة ، شريطة وشريطة فهم الخطاب تمام الفهم ، شرط وشرط فهم الخطاب الإلهي ، مع إدراكنا تمام الإدراك : إننا ندرك الخطاب الإلهي فقط ، وفقط ، وليس لدينا مصدر آخر ، من خلال النصوص الإلهية ، النص الإلهي ، النص القرآني .
ملاحظة لابد منها : إننا وفي كل حلقة نقدم إطروحات الطرف الآخر بأدق التعابير وأمثلها ، وبأجمل صورة ممكنة ، بل بشكل قد يكون أرقى من الشكل المطروح لدى الطرف الآخر ، لإن غايتنا ليست النقض إنما هو البناء التكاملي للقضايا المعرفية ليس إلا .
نكتفي بهذا ، ونصوغ مسوغاتنا النقضية كالتالي :
أولاٌ : في موضوع ما أجتهد فيه الدكتور نصر حامد أبو زيد ، وهو التفريق مابين المعنى والمغزى ، والمعنى يتثبت في النص الأول ، المصدر الأول للنص ، وهو الإله هنا ، والمغزى يتحرك من خلال المعنى عبر التاريخ كلما أستجد سياق جديد . المعنى هو سياقي حسب أبو زيد ومرتبط بسياقه الخاص به ولقد قسم نصر أبو زيد السياق إلى ثلاثة : السياق الخارجي ، السياق الداخلي ، سياق القراءة والتأويل . والسياق الخارجي لديه هو ، سياق عام يتجسد أولاٌ في القرن السايع الميلادي حيث علاقة الجزيرة العربية مع إمبراطوريتين كبيرتين الفرس والبيزنطة ، وسياق مكة ومركزها التجاري وموقعها الجغرافي ، وسياق سيرة النبي نفسه ، ومن ثم سياق أسباب نزول الآيات . والسياق الداخلي لديه هو ، سياق الجمل و هو سياق مقتبس من الجرجاني ، وسباق السرد الذي فيه يتحدد الكثير من مفهوم النص ، فهل هو نص توعيد وتهديد أم نص تشريعي وإقراري أم نص معلوماتي ، أي من خلال السرد يتحدد الغرض من النزول . وأما سياق القراءة والتأويل هو السياق الذي يلي السياق الأول ، حتى سياقنا الحالي المعاصر . وهنا نود أن نذكر خمسة مفارقات :
المفارقة الأولى إن السياق لايحدد المعنى كما فهمه أبو زيد إنما هو يقوي إدراكنا في فهمه ، أي من خلال السياق يمكننا أن ندرك معنى النص ومفهومه بصورة أوضح ، لإن النص يتمتع ، هنا على الأقل ، بثلاثة مزايا ، المزية الأولى إنه جزء من السياق نفسه ومكون له ومحدد لأبعاده وأبعاد ذاته ، فالماركسية كانت جزاءاٌ من السياق في مرحلتها ومكونة له . المزية الثانية إنه يتمرد على السياق حتى لو إنتمى إليه كلياٌ ولولا هذا التمرد لكان نصاٌ منسوخاٌ تافهاٌ غبياٌ ولإنتمى إلى خطاب مقيت مكروه كالنص في الخطاب الديني المعاصر البليد . المزية الثالثة إنه مستقل في أسه وفي خاصته ، فلايمكن أن يوجد نص إلا إذا تمتع بأسه وخاصته ، وإستقلاله يتبدى عبر فرديته ، عبر أسلوبه ولغته ، عبر إنتمائه إلى خطابه بنيوياٌ أو إلى خطاب عام إذا إشتركا في جذور المبنى والمقصد .
المفارقة الثانية إن العلاقة مابين المعنى والنص ، النص الحقيقي ، هي علاقة السياق بالسياق نفسه ، هي علاقة البنية بالبنية ، هي علاقة التاريخ بالتاريخ ، هي علاقة الجزء بالكل ، هي علاقة الإنتماء التكويني ، أي علاقة عضوية . فلايجوز أن ننقل المعنى والنص إلى مرحلة تاريخية أخرى ، إلى سياق آخر ، إلى سياق سابق أو إلى سياق لاحق ، لإن إن فعلنا ذلك فإننا ننقل السياق إلى سياق آخر وندمج مابين السياقات ، وننقل التاريخ إلى تاريخ آخر وندمج مابين مراحله . وهكذا إن فعلنا ذلك فإننا نفرغ التاريخي من تاريخانيته ، ونفرغ السياقي من سياقته ، ونفرغ المعنى من معناه ، ونفرغ النص من نصه . فالنص هو المولود في حدود تعريف صاحبه ، فتغدو المعادلة هي ، تعريف صاحب النص ، والنص والخطاب ، والنص والجدة ، والنص والمعنى ، لذلك من الإجحاف إيلاج مفردة المغزى في النص وبصورة تعسفية قسرية .
المفارقة الثالثة إذا إحتوى النص على المعنى أصالة ومن ثم إحتوى على المغزى في حدود مراحل التاريخ كما زعم أبو زيد ، فهذا يقتضي ، بالضرورة ، إن النص يحتوي على المعنى والمغزى أصالة ، يحتويهما في سياقه الأولي ، في مصدره . وهذا شيء طبيعي ، فالنص ينبغي ، عند تكونه وتكوينه ، أن يمتلك كافة عناصره الخاصة به ، ولن يسمح ، أي لن يسمح النص ، أن يتراكب عليه ، أو على عناصره ، عنصر غريب ، عنصر أتى من سياق آخر . وهكذا ، وفي الحالتين ، حالة أن يكون المغزى أصيلاٌ في النص وحالة أن يكون غريباٌ عنه ، تنهار المنظومة الفكرية ، لدى أبو زيد ، حول موضوع التأريل ، حول موضوع إن النص القرآني صالح لكل زمان ومكان . وهذا أمر طبيعي طالما إنه ، أي النص ، منتوج ثقافي ، منتوج سياقي ، منتوج بشري .
المفارقة الرابعة إذا تقيد النص بسياقه ، وهذا هو الأرجح ، فإن صاحب النص هو جزء من السياق ولايستطيع أن يتجاوز مرحلته التاريخية إلا من خلال محتوى التكهن ، والتكهن ليس عنصراٌ بنيوياٌ ، أي إن صاحب النص ، حينما دونه فإنه قصد المعنى والمبنى ، سواء على صعيد الإمتداد الطبيعي للتاريخ وللسياق ، سواء على صعيد التكهن . وهكذا فإن صاحب النص لايمكن إلا أن يكون عنصراٌ حقيقياٌ في السياق العام وفي التاريخ المشترك ، ومهما كانت نوعية نصه فإن هذا الأخير ينتمي ، كما ينتمي صاحبه ، إلى السياق والتاريخ المشتركين . ومن هنا فإن المعنى هو المعنى ، وأما مايسميه نصر أبو زيد بالمغزى فهو إحتيال فقهي ، هو إحتيال في غير موضعه . وننوه إن نصر أبو زيد ، لكي يخرج من فوهة القنينة ، ويحتال على مفهومه حول : إن النص القرآني هو منتج بشري ، أضطر أن يلعب لعبة المفردات هذه .
المفارقة الخامسة لو صدقت فرضية الدكتور نصر أبو زيد ، التفرق مابين المعنى والمغزى ، لصدقت حالة ولكذبت حالة ، لكذب موضوع التأويل ، ولصدق : إن الإله ، وهو صاحب النص ، قد أشار صراحة وجهرة إلى هذا الأمر . أي إن الإله كان يدرك ، تمام الإدراك ، ماهو المعنى في نصوصه ، وماهو المغزى فيها . لكن من الواضح ، وفي كافة نصوصه ، إنه لم يميز مابين الأمرين ، بل ولم يستطع التمييز أصلاٌ ، لإن ، ومن جملة أسباب عديدة أخرى ، مفهوم أسباب النزول يتناقض ويتعارض مع هذا التفريق ، ولايسمح حتى للمعنى أن يمتد عبر السياقات التاريخية اللاحقة . فأسباب النزول تقيد موضوع التنزيل ، موضوع النص ، فطالما إن السبب خاص فلايمكن أن يكون الموضوع إلا خاصاٌ حتى لو أتى بشكل عام ، ويمكننا أن نتذكر تلك النصوص التي عالجت علاقة النبي بزوجاته ، وبما ملكت يمينكم ، أو إمرأة وهبت نفسها خالصة لك دون سائر المؤمنين .
ثانياٌ : في محنته حول إن النص القرآني منتج ثقافي وإضطراره إن له جانبان ، فمن جانب هو كلام الإله ، ومن جانب هو سياق بشري ، إنه ، وفي الحقيقة ، يرتكب حماقة ليس بعدها حماقة ، فالنص القرآني وأي نص آخر لايمكن إلا أن يكون : إما من الإله نفسه ، ومنه فقط ، وإما أن يكون من سياق بشري ومنه فقط . وذلك لجملة مسوغات نذكر منها :
المسوغ الأول : إن النص القرآني ، طالما هو كلام الإله ، حسب نصر أبو زيد ، فهو في صميمه رسالة ، ورسالة كونية ، والتي بدونها لن يكون الإله إلهاٌ ، إلهاٌ لمن ، إلهاٌ بدون بشر . والرسالة الكونية ينبغي أن تكون جاهزة ومعدة ، أصالة وتأصيلاٌ ، لدى الإله نفسه ، حاضرة في ذهنه ، لأجل أن ينقلها كما هي كاملة للبشر ، لكي يلتزم بها الناس ، يلتزمون بأحكامها وتشريعاتها وأصولها ، فهل من المعقول أن يتركها الإله لإرادة البشر ولمقتضيات أسباب النزول .
المسوغ الثاني : إن النص القرآني إذا كان هو كلام الإله ، فلابد أن يتضمن مبدأ الغائية في بنيته ، مبدأ الغائية في خلقه ، مبدأ الغائية في أنطولوجيته ، فهل من المعقول أن يكون هو كلام الإله ، وقد خلقه الإله ، أن يكون مجرداٌ من الغاية ، ألا تكون له غاية ، إن هذا يفضي إلى العبث المطلق ، إلى المزاجية التامة . وإذا ماثبتت له الغائية فلابد أن يكون خارج سياق السياق البشري ، أن يكون خارج الإطروحات المزاجية للبشر .
المسوغ الثالث : في النص الإلهي وفي موضوع المعنى وعلاقته بالنص ، هل المعنى هو الذي يحدد مضمون النص أم إن النص هو الذي يحدد جوهر المعنى . ظاهرياٌ ، وفي النص الإلهي ، ونحن هنا نتحدث عن النص الإلهي ، إن النص هو الذي يحدد جوهر المعنى ، لكن هذا كلام سخيف ، وفي الحقيقة إن المعنى هو الذي يحدد مضمون النص ، فلولا المعنى في ذهن الإله لما كان هناك أصلاٌ نصاٌ يحتضن المعنى . لذلك من الضروري أن يكون المعنى أقدم من الأحداث التي أحدثت النص والتي أشكلت وشكلت المعنى ، أي أن تكون العلاقة من المعنى إلى النص إلى الواقع وليس من أحداث أسباب النزول إلى النص إلى المعنى . أي من المفروض ألا تكون معركة بدر هي التي تقرر أحكام الإله ، ولا زوجات النبي ، ولامسألة التبني ، ولا موضوع الفيء وخمسه ، لأسبقية المعنى في الذهن الإلهي على النص ، هذا من حيث المبدأ ، لكن هنا يعترضنا عارض : في الفعل إن معركة بدر وزوجات النبي ومسألة التبني وموضوع الفيء وخمسه هي التي قررت أحكام الإله : إن هذا الإعتراض لايلغي المفهوم الذي ذهبنا إليه بل يدعمه ويسنده ، إذا أدركنا إن علينا أن نطرح التساؤل التالي : إذا كانت هذه القضايا هي التي قررت أحكام الإله ، فهل تلك النصوص التي جملت ولخصت تلك الأحكام هي نصوص إلهية ، أم نصوص بشرية في حقيقتها ، إنها بالتأكيد كذلك لذلك إرتبك نصر أبو زيد في أساس وأسس منظومته الفكرية .
المسوغ الرابع : في موضوع خلق الإله للإنسان ، إذا كان الإله هو الذي خلق الإنسان ، فمن الضروري أن تكون الغاية ، ويكون المعنى وكذلك النص ، والرسالة كلها سابقة لعملية الخلق ، وإلا لأدى ذلك إلى تصور إن الإله قد خلق الإنسان ثم إفتكر أن يرسل له رسالة ، ومن ثم إنتظر أسباب النزول ، فصاغ تلك الرسالة ومن ورائها الغاية والمعنى في نص هو النص القرآني الحالي !!.
ثالثاٌ : في تحليل موضوع التأويل المجازي للآية : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فحق عليها القول فدمرناها تدميراٌ ، الإسراء 16 . يزعم الدكتور نصر حامد أبو زيد إن هذه الآية وأمثالها تعبر عن خطاب الوعيد والتهديد في سرد النص الإلهي ، ضمن مفهوم التأويل المجازي ، أي إن إرادة الإله لن تتجه إلى أن يهلك قرية ، وهو لن يأمر (سواء أكان معنى الفعل أمر أم آمر) مترفيها ، ولن يدمرها تدميراٌ . دعونا نحلل الاية إلى عناصرها اللغوية الأصيلة وهي : إرادة الإله ، رغبة الإله في هلاك قرية ، أمره لمترفيها ، ففسقوا ، فحق القول ، التدمير الكامل والتام . من المحقق إن مفردة ، إذا ، هي التي تقيد المعنى في كل الآية ، وهي تفيد في الرغبة ، وتنم عن الفرضية المطلقة ، فإذا ، هنا ، تحدد مصدر المعنى والفهم من خلال : إذا أردنا أن نهلك قرية ، والذي يؤكد ذلك المعنى والفهم هو إن مفردة ، قرية ، قد أتت بدون أل التعريف لتخدم تلك الفرضية ، أي رغبة الإله في هلاك قرية ، أية قرية كانت ، ثم ماذا يحدث بعد ذلك لايهم من زاوية موضوع رغبة الهلاك ، فالرغبة في الهلاك هو الأساس ، ثم لابد من حجة كي تتحقق تلك الفرضية ، فأمر الإله مترفيها ، ففسقوا ، وحكم الفسق هو تدمير تلك القرية تدميراٌ كاملاٌ . فماذا يعني ذلك بالنسبة إلى ماذهب إليه نصر أبو زيد ، إن هذه الآية صريحة وواضحة ولاتحتاج إلى تأويل مجازي ، والسبب الأساسي في ذلك هو : مفردة إذا ، مفردة قرية بدون أل التعريف ، مفردة تدميراٌ . تلك المفردات التي توضح رغبة الإله غير المقيدة بأي شرط في تدمير قرية ما دماراٌ . ولايفيد هنا ماذهب إليه بعضهم من إن الآية قد ضمرت مفردة غائبة ، إذ كان من المفروض أن تكون الآية : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ، بالطاعة ، ففسقوا . إن هذا السياق لايستفيم مع : وإذا أردنا أن نهلك قرية ، ثم هل تجب الطاعة للمترفين فقط ، ثم إن تدمير قرية كاملة دماراٌ مع حيواناتها وأطفالها والأمهات لاتناسب العلاقة مابين الطاعة ومابين الفسق ، ولاتناسب أية علاقة كانت ، سوى رغبة الإلهي في التدمير وفقط رغبته في التدمير ، وهذا ما يتعارض مع مفهوم الإله ، ويناقض المبنى في ذهنية الدكتور نصر حامد أبو زيد ، وهذا مابيناه في المقدمة الأولى ، هل الإله هو صاحب هذا النص ، وهل هناك إله ؟. وإلى اللقاء في الحلقة الحادية عشرة بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا نُحطِّم أصنامنا الثقافية !؟
صلاح الدين محسن ( 2021 / 5 / 19 - 13:39 )
فلندع أصنامنا قائمة , لكي لا تنهض بلادنا ابداً
تنوير تنوير تنوير / ولا نور ! ولا تَغيُّر ولا نهوض أو تقدم
تنويريون تنويريون تنويريون / والظلام يزداد حلكة
!!
ولكن التنوير مربح
هناك تنويريون تراجعوا أولاً ثم حصلوا علي الربح
طه حسين بعد كتابه - في الشعر الجاهلي - حصل علي شهرة . ثم تراجع . فصار وزيراً
وعلي عبد الرازق . تراجع بعد كتابه - الاسلام وأصول الحكم - .. وبعد التراجع صار وزيراً
بعد التراجع
أما الذي حصل علي الربح أولاً .. ثم تراجع فهو : نصر حامد أبو زيد
فقد منحته هولندا اللجؤ , وعينته أستاذاً باحدي جامعاتها .. وعلي الفور .. أرسل أبو زيد , تراجعاً رسمياً وموثقاً . وقال فيه ( ما نشرت مجلة روز اليوسف التي كانت متعاطفة مع قضيته مع السلطة ) : سيظل الاسلام هو الصرح الأشم
---
أشم !؟
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=563185

اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة