الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل الدور إسرائيل الدولة

جعفر المظفر

2021 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


كان الرئيس التونسي أبو رقيبة قد دعا فور صدور قرار تقسيم (1947) إلى القبول به, أي القبول بحل الدولتين وكذلك فعل الشيوعين العرب الذين إسترشدوا بقرار مركزهم الأممي في موسكو. أما أباؤنا الثوريون العقائديون القوميون فقد أصروا على ضرورة إعادة فلسطين كلها من النهر إلى البحر, وحتى إلى إلقاء اليهود في البحر, ثم أصروا على إعتبار المرحوم أبو رقيبة خائنا من الدرجة الأولى, وإعتبار الشيوعيين أخوة أشقاء لليهود الصهاينة.
في الخانة الثالثة كانت الأنظمة العربية ممثلة آنذاك بمصر والعراق والأردن أيضا قد وجدت نفسها في الموقف الصعب. لقد تمنى أولئك لو أن الظروف تخدمهم كما خدمت الرئيس التونسي أبو رقيبة يوم أعلن دعوته العقلانية للقبول بقرار التقسيم.
لكن أبو رقيبة أبو إلإستقلال التونسي كان يملك حينها كل مفاتيح السياسة في تونس, فهو بطل الإستقلال ضد الإحتلال الفرنسي وباني ومؤسس تونس الحديثة التي لم يكن أهلها مهتمين بغير قضيتهم, ولم تكن لهم علاقة حقيقية بقضية فلسطين على طريقة عرب المشرق الذين جعلوا منها قضيتهم المركزية.
ولم يكن بإستطاعة أنظمة المشرق الملكية أن تأخذ بنصيحة المرحوم بورقيبة لأنها كانت واقعة بين مطرقة شعوبها التي أشبعتها مناحة, وسندان الغرب الذي يهددها بالإزاحة, لذلك كان موقف هذه الأنظمة هو أن تحارب وأن لا تحارب , اي أن تحارب لترضي داخلها المهتاج, وأن لا تحارب لكي لا يضربها الغرب بالكرباج. وكانت (نكبة 48) حصيلة لهذه اللعبة.
قبل قرار التقسيم عاش يهود المشرق العربي في (تبات ونبات) مع أخوتهم من بقية الأديان, ولم يعرف عن عرب المشرق أنهم كانوا قد إضطهدوا اليهود أو تخاصموا معهم قبل يوم النكبة والتقسيم.
على خلاف ذلك كانت المجتمعات الغربية تكره اليهود وتحتقرهم وحتى أنها كانت تنصب لهم المشانق والمحارق. وكان اليهودي في نظرهم ليس أكثر من (شايلوك) المرابي الذي يعيش على لحوم المسيحيين كما رسمته ذاكرة الخالد شكسبير, لذلك إقتنعت ألمانيا مثلا أن الحل الوحيد للقضية اليهودية هو حرقهم أو تجميعهم في معسكرات وتجويعهم إلى حد الموت.
أما الغرب الرأسمالي الليبرالي وعلى رأسه بريطانيا وفرنسا فقد رآى أن الحل هو تجميعهم وإبعادهم إلى أرض ميعادهم فلسطين وذلك من أجل تحقيق غايتين متلازمتين, أولهما تطهير المجتمعات الغربية من يهودها ومن مشاكلهم, وثانيهما تحويلهم إلى شوكة في خاصرة الشرق العربي الرخوة, وكان مقدرا لهذا المشرق أن تؤلمه الشوكة كلما أراد أن يتحرك على راحته, وقد حدث ذلك حينما إشتركت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا في حرب السويس عام 1956 بعد تأميم مصر لقنالها وظهرت على العلن مهمة إسرائيل العضوية في خدمة الغرب الإستعماري.
أما حينما راحت مصر عبدالناصر وسوريا صلاح جديد تستعرضان خصومتهما على الحدود مع إسرائيل في عام 1967 فقد كان الردع الإسرائيلي حاضرا. إحتلت إسرائيل حينها كلما تبقى من أرض فلسطين إضافة إلى أراضي لدول عربية ثلاثة هي مصر وسوريا والأردن.
وفي عام 1973 حينما حاولت مصر وسوريا إعادة أراضيهما المحتلة وضعت أمريكا نيكسون كامل خزينها العسكري الإستراتيجي بإمرة الحكومة الإسرائيلية, وبدأت ضغوطها من أجل إخضاع الأنظمة العربية إلى الرغبات الإسرائيلية.
قبل فترة وقع تحت يدي واحدا من الخطابات النارية المصورة للرئيس بايدن أثناء بحثي عن المواد التي تفيدني في كتابة مقالة عن المسيحية الصهيونية. في إعتقادي أن كلمة بايدن في ذلك الخطاب الإنتخابي تعبر بوضوع عن معنى أمريكا (الصهيونية) وتلخص بالمفيد ما كنت قد كتبته سابقا عن (إسرائيل الدور وإسرائيل الدولة).
إن بايدن (الكاثوليكي الديمقراطي) يعلن بكل صراحة أنه (مسيحي صهيوني) وموضحا ذلك بقوله ( لو نظرنا إلى الشرق الأوسط أعتقد أن الوقت قد حان لإيقاف من يطلبون منا الإعتذار عن دعمنا لإسرائيل, لن يكون هناك اي إعتذار, لا شيء, إذا لم توجد إسرائيل لكان على الولايات المتحدة إختراع إسرائيل).
ولغرض التوضيح أكثر فهو يضيف (الذي ينبغي على الناس تفهمه الآن, وأن يكونوا واضحين وضوح الشمس أن إسرائيل تعد القوة الأكبر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كنت أقول لأصدقائي عندما يقولون لك هذه الأشياء سأقول تخيلوا ظروفنا في العالم بدون وجود إسرائيل كم عدد السفن الحربية التي ستكون هناك, كم عدد الجنود الذين سيتمركزون.)*
وقد وضعت بايدن (الكاثوليكي الديمقراطي) بين هلالين للتذكير بأن مفردتي المسيحية الصهيونية هي من إختراع قسم من البروتستانت ولا علاقة للكاثوليك بها, فهي بالأصل مفهوما دينيا إخترعته الكنيسة البروتستانتية بعد إنشقاقها عن كنيسة بابا روما التي تمثل الكاثوليك, ومعروف أن الكنيسة الكاثوليكية كانت قد ظلت حتى منتصف الستينات من القرن الماضي تضع دم المسيح في رقبة اليهود.
ثم إني أضفت إلى ما بين الهلالين مفردة (الديمقراطي) للتكير بأن بايدن كان يفترض أن يكون أقل حدة في الموقف من دعم إسرائيل, ولا يكون في السياسة ضد ما هو عليه في الدين, فالمسيحية الصهيونية هي بالأصل إختراعا "بروتسانتيا" إلتزم به المتطرفون الجمهوريون. غير أن أحكام الإنتخابات بإمكانها أن تضع الديني في خدمة السياسي وتحول الكاثوليكي الديمقراطي إلى مسيحي صهيوني, وكان ذلك قد حدث عام 1986
لكن الأشياء لم تبقَ على حالها. فجأة دخل (صدام حسين) على الأمور لكي يغيرها بشكل جذري. إن أولئك الذين يفاخرون بالصواريخ التي أطلقها صدام حسين ضد إسرائيل في معركة الكويت ينسون أن الضرر الحقيقي الذي أحدثه صدام حسين لإسرائيل كان في الحقيقة أشد بكثير مما أحدثته تلك الصواريخ التي وقع تسعون بالمئة منها في الصحارى.
إن (صدام), ودون أن يدري, كان أصاب الإستراتيجية الهجومية الإسرائيلية بمقتل حقيقي وليغير جوهريا من مضمونها الأساسي بخطاب بديل يعلن فيه (الآن إنتهت اللعبة ولم تعد أمريكا بحاجة ماسة إلى الدور بالنيابة التي تقوم به إسرائيل).
قبل دخوله إلى الكويت كانت إسرائيل تماما مثلما وصفها بايدن أشبه بحاملة طائرات وقاعدة عسكرية في خدمة أمريكا, ولفترة طويلة وفرت إسرائيل على أمريكا حاجتها إلى اي تدخل عسكري في المنطقة وأعفتها تماما من التدخل في منطقة الشرق العربي بعد أن عانت كثيرا من هزيمتها المرة في الحرب ضد الفيتناميين, وكان يكفي أي رئيس أمريكي أن يصفع وجه أي حاكم عربي بالكف الإسرائيلي إذا ما فكر بالتحرش بالمصالح الأمريكية.
كان الإتحاد السوفيتي على وشك الإنهيار حينما دخل صدام إلى الكويت, وقبلها كان الحكام المتحالفون مع أمريكا يحاولون بشتى الوسائل إخفاء علاقاتهم مع أمريكا. حتى السعودية التي كانت تدين بوجودها لتحالفها مع أمريكا صارت محرجة بسبب وجود القواعد العسكرية الأمريكية وكانت تعلن أنها على وشك التخلص منها, أما المحميات الأمريكية من مثل البحرين والإمارات والكويت وقطر فكانت جميعها تنفي وجود أية علاقة ذات أهمية, خاصة من الناحية العسكرية مع أمريكا.
دخول صدام إلى الكويت أدى إلى تراجع الدور بالنيابة , وما عاد بإمكان أي مسؤول إسرائيلي أن يباهي زميله الأمريكي بأنه لولا إسرائيل لما إستطاعت أمريكا تأديب المتمردين عليها في الشرق العربي وصولا إلى أفريقيا.
ذلك كان هو الزلزال. والإسرائيليون قبل غيرهم وقعوا في المأزق الصعب. دخول أمريكا إلى المنطقة وإصرارها على أن تكون هي السيدة المطاعة دونما حاجة للعصا الإسرائيلية أصاب دور هذه الأخيرة بشرخ كبير وربما أصابها بطعنة نجلاء.
في حرب الكويت أرادت إسرائيل أن تكون هي رأس الحربة لكن أمريكا طلبت أن تقف على الحياد, وحينما ضربها صدام حسين بصواريخه منعها بوش الأب ان ترد ولو بإطلاقة بندقية, وحين شرعت أمريكا تفاوض إيران على ملفها النووي أبلغتها أمريكا أنها لا تحتاج إلى مساعدة.
بطبيعة الحال نحن نتحدث هنا عن موضوعة إسمها زوال خطر العدوان الإسرائيلي ولا نتحدث عن زوال دولة إسرائيل, وبموجب ذلك أراني أعتقد أن إسرائيل صارت تتعمد أن تخلق الأزمات لكي تعيد تشغيل الدور, أما بايدن الأمريكي فهو لم يعد بحاجة إلى أن يكون بايدن الصهيوني. لقد حرره صدام حسين من هذه العقدة الكبيرة, وصار بإمكانه أن يكون أمريكيا دونما حاجة إلى أن يكون صهيونيا.
ما يجري الآن في غزة, وما هو متوقع أن يجري في مناطق أخرى, هي محاولة إسرائيلية لتشغيل الدور المعطل وإعادة الروح لمعنى الدولة الإسرائيلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بايدن” : “أنا صهيوني.. وإذا لم توجد إسرائيل لكان على أمريكا اختراعها”! - YouTube








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منطق
Muwaffak Haddadin ( 2021 / 5 / 22 - 06:24 )
Wa Masud الى الذي سمّى نفسه
بعد التحية
Masudأورد الدكتور المظفر نقاطا منطقية كان من المفيد للسيد
أن يرد على الحجة بالحجة
موفق حدادين

اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا