الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متاهة البحث عن الذات !

محمد بلمزيان

2021 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مفارقة غريبة نعيشها في عصرنا الحالي، الذي يشهد تطورا متسارعا لأشكال التكنولوجيا وتقليعاتها المتعددة، والتي مست جميع مناحي حياتنا اليومية إما اختيارا أو إجبارا على المسايرة ،وهي دليل قاطع على التطورات الهائلة التي يقدمها العلم لفائدة الإنسانية بغض الطرف عن اختلاف الهويات والأقوام، حيث تستفيد البشرية من غلات تلك الإختراعات وتتفاوت نصيبها بالطبع حسب وضعية القدرات الشرائية لشعوبها، والتي تضطر أفقرها الى اقتنائها بأغلى الأثمان مقابل الإستفادة من هذه الخدمات التي اصبحت لا غنى عنها من أجل تحريك دواليب الحياة اليومية، في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والطبية والثقافية وغيرها من المجالات الحيوية، فهي بقدرما يسرت على الناس الفرصة من أجل الإنخراط في (مجتمع الإعلام والتواصل) وإن كانت هذه التعابير تفوق الواقع الحقيقي وتعسفا على جوهر الأشياء ، وبغض الطرف عن حجم الفواتير الغالية المقدمة والتي تجني ارباحها بطبيعة الحالة كبريات الشركات التي تستثمر في مجال التجارة بالمعلومة لإعادة توزيعها من أكبر مصدر متحكم في صنبورها والى أصغر حلقة استهلاكية ليصير الى ابسط إنسان على الكوكب الأرضي الذي يصبح الطعم السائغ والطلوب لهذه الشركات الباحثة عن الربح والربح فقط وجنيه بكل الطرق المتاحة لها وشفط ألبان أبقار الدول الفقيرة ، والى حدود هذه المرحلة تبقى الأمور واضحة في ظل معادلات النظام الرأسمالي القائم على مراكمة الأرباح بتعميق الفوارق الطبقية ، لكني ما يحير حقا هو هذا الواقع المزري الذي تعيشه البشرية في خصم هذا الحجم المتنامي للطفرات المتتالية للإكتشافات العلمية والتي تتحول من مصدر سعادة للعديد من الأقوام الى منبع للتعاسة والبؤس للعديد من البشر، حيث تتردى الأوضاع الإجتماعية وتنهار القيم الإنسانية النبيلة وتزداد مظاهر البؤس الإجتماعي والتفاوت الطبقي، ويزداد حجم ثقافة التفاهة وتنتشر لغة السفهاء مشكلة أرضية خصبة لتناميها وتعشيشها في المجتمع، ولا يحتاج المرء الى عناء كبير للوقوف على هذه المظاهر التي تتخذ عناوين أزمة حقيقية في منظوماتنا التعليمية ، منعكسة على جميع الأصعدة الأخرى،مشكلة عوائق جمة في وجه أي تطور مجتمعي،بالرغم من ما تتيحه التكنولوجيا العصرية من فرص النماء الشخصي والتكوين الذاتي ومراكمة المعارف المتاحة من خلال الإبحار في محركات البحث والمواقع المختلفة في الأنترنت، وما يمكن أن يجنيه الراغب في ذلك من مصادر خصبة وثرية في المعارف المختلفة، مقارنة مع وضع الندرة والفقر في الحصول على مصادر العلم والمعرفة التي كانت غير متاحة إلا عبر اقتناء الكتاب غالبا ما تكون بأسعار باهضة إن وجدت في السوق أصلا. مناسبة هذا الكلام ما نعاينه يوميا من مظاهر مخزية ومقززة غير مشرفة لسلوكات شبابنا في علاقاتهم بمحيطهم اليومي، حيث تهاوت القيم الى الحضيض وأصبح كل من يتأبطا كراسا مطويا او حقيبة سامسونيت، يحمل جهاز سامسونغ غالبا من أرفع الأصناف والطراز تجده متأملا ( بعيدا عن التأمل الفعلي النابع عن التركيز) تائها في متاهات الإبحار في مواقع لا تضيف أية قيمة لجوهر الفرد بقدرما تستدرجه من حيث يعلم أو لا يعلم الى متاهات تافهة وخالية من اي قيمة معرفية أو ثقافية، مشكلة بذلك أنموذج ونمط حياته اليومية، وهي نماذج الحياة الغربية في مختلف تجلياتها، الأمر الذي يولد عن ذلك صدمة بين المعيش الحقيقي الذي هو الواقع وبين الخيال والعالم الإفتراضي، وهو لا يتقن أي اسلو ب للحواروالتواصل اليومي ، مع انعدام قيم الإحترام والوقار للصغير للكبير ، وسرعان ما يجد المرء نفسه منجذبا بين ثقافتين غير متجانستين بل ومتصارعتين أحيانا كثيرة حد التناقض ، بين ثقافة تقليدية مشوبة بتوابل عصرية مزيفة ومدمجة بكيفية قسرية في منظوماتنا التعليمية لغرض المسايرة لركب العصر وفقط من أجل تلميع الصورة عبر الإعلام والبرهان على التطور والعصرنة، والحال اننا ما زلنا لم نلتحق بالركب ومتخلفين في جميع الأصعدة، وما يزال تعليمنا يركز على التعليم وليس التعلم، يركن الى الحفظ والإستظهار وعلى هذا الأساس يقيم المتمدرس ونسبة قدرته على الإجترار وليس الإبتكار ،والحال أن التعليم يجب ان ينتقل الى ومرحلة التعلم وغتاحة الفرصة للمتعلم على الخلق والإبداع والإستثمار في العقل البشري من أجل اقتحام مجالات البحث العلمي في مختلف أصنافه المختلفة ذات المردودية الوازنة والفعلية على مقدرات الشعوب، وقد أصبحت بلدانا كثيرة لا تتوفر على اي ثروات باطنية او شواطيء ، مضرب مثل في هذا النبوغ العلمي البارز، وتعطي لنماذج بلدان راقية مثل بلدان الدول الإسكندنافية، وذلك لم يتأت إلا بفض برامجها التعليمية والتقنية الجيدة التي سطرت بالبنط العريض عنوانا بارزا حول كيفية الإستثمار في العقل البشري من أجل تحقيق التنمية الحقيقية تنعكس مباشرة على وضعية المواطن وتمس جميع مظاهر حياته اليومية في كل تفاصيلها من وضعية الحسن الى الأحسن وهكذا دواليك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص