الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبران خليل جبران، وعلي شريعتي والحمار والاستحمار

احمد عناد

2021 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا اراد منا أو يوصل معنى ما من خلال حوار فلسفي خيالي بين حمارين، الحفيد والجد، حيث مر كلاهما فوق جسر أنطاكيا، فوجدا حجراً مكتوباً عليه: هذا ما بناه الملك الروماني..
دار حوار بين الحمارين، عرف فيه الحمار الحفيد أنّ الذي نقل أحجار الجسر هم أجداده الحمير، فوجه سؤاله للحمار الجد: لماذا لم يكتبوا: هذا ما بناه حمير أنطاكيا؟
معنى فلسفي عميق يستحق الوقوف عنده، إذ تخيّل الحمار الحفيد أنّ مجرّد مشاركة أجداده الحمير في بناء صرح الملك الروماني، يستوجب تكريمهم وكتابة اسمهم بجوار الملك.
وحمل سؤاله تعجباً واستنكاراً لإهمال ذكر الحمير، على الرغم مما بذلوه من مجهود وما تكبدوه من عناء، وعلى الرغم من دورهم المحوري في بناء صرح الملك.
ولكن الواقع يقول: الحمير مسلوبة الإرادة فاقدة الوعي، تسير وفق أهداف يضعها قائدها، فهي في المحصلة مُسَّخَّرة لتنفيذ ما يُراد لها، لا ما تريده هي، فالمسألة مسألة امتلاك الوعي والإرادة، قبل توفر القوة والعدد والعتاد.
وهنا يجب ان يتوقف الكثير بسؤال يطرح دوما لماذا يكتب اي نصر للقادة ويعمل من صنع ادوات النصر نقول هنا ياتي دور الاعلام والكاتب الذي يتملق القادة والسلطات اي يصنع لهم الهالة ويصل هو الى مآربه التي يريدها وهي المنفعة الشخصية .
ويبرز هنا دور العقل الذي يجب ان نتعلمه من الدرس الاتي :
إذا كان طفل صغير يستطيع أن يقود الجمل ويروّضه، على الرغم من ضخامته وقوته، فهذا طبيعي، على الرغم من فارق الحجم والقوة، لأن الطفل هنا هو صاحب الإرادة والهدف، والجمل مجرّد أداة سُخْرَة.
وبغض النظر عما قد ينتفع به الحمير من بعض عطايا الملك، وما قد يتميز به الحمير ذوو الحيثيات الخاصة، تقوم السياسة الثابتة للملك على سلب الإرادة والوعي عن الحمير، بواسطة دعامتين أساسيتين، هما، التجهيل والإلهاء.
يتم تجهيل الثور بإغماء عينيه وتركه يدور في الساقية بحركة دائرية عبثية، بُغية رفع الماء حيث يريد مُسَّخِره، ويتم إلهاؤه بالمنديل الأحمر في حلبة مصارعة الثيران، وبينما هو يَتَلَهى بمتابعة الهدف الوهمي، تنغرس السهام في رقبته، حتى يَخِر صريعاً وسط صيحات الانتصار من مُسَّخِرِه، وما زالت تلك القصة تتكرّر وتتعدّد أشكالها .
اما الاستحمار الذي قدمه شريعتي فيقول كاليه
من خلال عملية من الاستحمار النفساني بآلياتها الخفية، بحيث يقوم الطرف القابيلي (أو الأوليغارشي أي السلطة القائمة على المال والسياسة والدين) بتسخير الناس كالحمير، ومن هنا جاء معنى الاستحمار، وهي سيكولوجية نفسانية نجد لها في القرآن الكريم مثالا (كالحمار يحمل أسفاراً) ونجد لها في المأثور الشعبي حكايات جحا، وقراقوش، التي يستحمر فيها الحكام والملوك عامة الشعب بحيث لا نعد نعرف من يحمل من؟ الحمار أم الإنسان؟
ولنراجع هنا ما هي ماهية الاستحمار بنظر شريعتي؟
الاستحمار يعني تزييف ذهن الإنسان ووعيه وشعوره وحرف الإنسان عن ذاته ووعيه للوجود وغاياته، بما تنطوي عليه من شبكة من العلاقات بين الإنسان والمجتمع، والإنسان والطبيعة، والإنسان والله وهنا اصاب شريعتي كبد الحقيقة وعينها بهذه القراة والتي ممكن ان تكون ميزان لكل الايدلوجيات ايظا وليست فقط الايدلوجية الدينية وهذه واضحة جداً اليوم من كمية التطرف والتعصب التي يحملها اصحاب الايدلوجيات بكل صورها ولاتخفى علينا
قدم شريعتي قراة مبكرة ولم ينفرد الوحيد هو بهذه القراة فقد كان كرامشي مثلاً للقراة المبكرة عن المثقف حين قدم المثقف العضوي والمثقف التقليدي ودوره في المجتمع
وما علينا الا ان نمر على جورج اوريل والذي تقارب مع كرامشي بالفترة الزمنية بما كتب في افضل عملين بتقدير القراء له ولي شخصيا مزرعة الحيوان والقرائة المستقبلية في رواية 1984 والتي اجاد بها ملامسة الواقع اليوم .
أن الآلية المحورية للاستعمار الحديث هي (الاستحمار) عينه أو الاستعمار ـ الجديد (السيكولوجي أو التربوي، أو الثقافي)
واليوم نجدها واقعا والذي قدمه شريعتي في النباهة والاستحمار كباحث وعالم اجتماع شرقي وفي مجتمع اسلامي نفس النتيجة التي خرج بها كرامشي واوريل مثقف لايمت للثقافة بصلة وايدلوجية تستغل المواطن بابشع صورة
ثم شريعتي الذي نستطيع ان نقول انه قدم نموذج الاستغلال الديني لدى كهنوت الاسلام ان اردنا الفصل وليس التعميم .
وأول خطوة من خطوات الاستحمار هي »الاستنزاف« وتعني استنزاف الوعي، أو سلب الوعي، وحين يسلب الوعي يُستلب الإنسان كإنسان، ولا يبقى بعدها ذا خطر، سواء كان إنسانا عاديا، أم عالما أم فيلسوفا كابن سينا (الذي كان كاتبا عند جلالة الخاقان صاحب السلطان!). ومقابل علماء السلطان يضع علي شريعتي علماء الشعب (كأبي ذر الغفاري) وهو رمز لفقهاء الوعي الديني والوجودي.
والاستحمار نوعان: استحمار قديم واستحمار حديث. والدين كان دافعا قويا للاستحمار القديم، بينما الدافع للاستحمار الحديث يقوم على ثقافة الاستيهام والوسائل والأدوات الإعلامية والإعلانية.
والدين الحقيقي هو دين الوعي والمسؤولية، أما الدين الزائف (الاستحماري) فهو الدين المبني على الخرافة، والشفاعة، والأدعية، والزهد، والفخر بالقوم، والاعتزاز بالماضي

الخلاصة أنّ أي إنسان أو شعب يسير في الحياة فاقد الوعي، مغمض العينين، مسلوب الإرادة، يعطي تفويضا على بياض لمن يقوده، فسيكون مصيره مصير حمير أنطاكيا؛ وظيفتهم فقط: نقل أحجار لبناء صروح لغيرهم.
علينا ان ننشد الوعي ونجعله من جديد انشودة الاجيال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة