الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة2 /2

داود السلمان

2021 / 5 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وتكاد تكون قضية المعري ونيتشة، قضية واحدة مشتركة، وأن كان الاول يبعد عن الثاني عقود طويلة، الا وهي صراعهما المرير مع المتصدين للدين، فقد كان هذا الصراع قائما على قدم وساق الى يومنا هذا. فقد تعرض الفلاسفة الى التصفيات الجسدية بالقتل، وبالتكفير والرمي بالإلحاد والزندقة وبالكفر احيانا، ففي اوروبا قُتل وكُفر وهُجر العشرات من الفلاسفة على يد رجال الدين، وخصوصًا في العصر الوسيط، فضلا عما تعرض له فلاسفة الاسلام مثل ابن الراوندي والحلاج المتصوّف، الامر الذي جعل من فلاسفة اوروبا ذلك العصر(العصر الوسيط) أن يكون جُلهم قساوستهم فلاسفة، ابتداء من اوغسطين الى توما الكويني حتى انسلم. وهذه الفترة هي تكاد أن تكون احط فترة مرّت بها الفلسفة الاوروبية، حيث اختلطت الفلسفة بالدين، بل هناك من استغل الامر، اما على عمد واما لأجل منفعة شخصية. لأن قضايا العلم امور عقلية كما هو معروف، وقضايا الدين امور نقلية، ايمانية محض، والحكم هو العقل" فشاور العقل واترك غيره هدرا...فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي". هكذا كان المعري يشيد بالعقل.
ونيتشة رفض الدين، او بالأحرى رجال الدين المعاصرين له آنذاك، وراوده الشك بدين آبائه واجداده، فالتمس غيره في "الانسان الاعلى" او السوبرمان، فهو لا يريد أن يرفض الدين جملة وتفصيلا، لكن ليس الدين الذي نكون خاضعين له بتطبيق تعالين يعدها سمجة وهجينة، يريد انسان سوبرمان قوي لا يخشى الصعاب، واما اله آبائه فما عاد يصلح لمساعدة الانسان من الشدائد، فحكم عليه بالموت، وتخلص منه نهائيا، والانسان الاعلى هو ليس الانسان الخانع المطيع للسلطان، بل أن الطاعة هذه لا ترتقي وسمو نفس هذا الانسان التي تريد التخلص من ركام العبودية والماضي السحيق، بل يريد انسان عصري، رافضا الاخلاق التي تربى عليها وهي "اخلاق العبيد" معتبرا أن تلك الاخلاق هي من ضع السلاطين، الغاية منها أن تطيعهم الرعية على اعتبارهم يمتلكون اخلاق تحثهم على الطاعة العماء، والهدف منها عدم الشقاق ليبقوا هم في سدة الحكم. اخلاق العبيد هذه تريد أن يبقى الانسان يرزح تحت طائلة تلك الاخلاق المتدنية، فلا يعترض ولا يرفض، ويرى نيتشة إنّ الانسان الاعلى، الانسان القوي، موجود في الشعب الالماني.
لذلك أن هتلر استغل فلسفة نيتشة هذه فسار على نهجها، مغالطا بذلك فلسفة نيتشة الحقة، اذ لم يرد نيتشة أن تُمحى الشعوب الاخرى من اجل شعب المانيا، كما فعل هتلر في تلك الجرائم البشعة بحق اليهود، بل عنى بالإنسان السوبرمان، كما نوهنا قبل قليل.
يقول نيتشة على لسان زرادشت "لقد أتيتكم بنبأ الإنسان المتفوق. إنه من الأرض كالمعنى من المبنى، فلتتجه إرادتكم إلى جعل الإنسان المتفوق معنى لهذه الأرض وروحًا لها.
أتوسل إليكم، أيها الإخوة بأن تحتفظوا للأرض بإخلاصكم فلا تصدقوا مَن يمنونكم بآمال تتعالى فوقها، إنهم يعللونكم بالمحال فيدسُّون لكم السم، سواء أجهلوا أم عرفوا ما يعملون أولئك هم المزدرون للحياة، لقد رعى السم أحشاءهم فهم يحتضرون، لقد تعبت الأرض منهم فليقلعوا عنها.
لقد كانت الروح تنظر فيما مضى إلى الجسد نظرة الاحتقار فلم يكن حينذاك من مجد يطاول عظمة هذا الاحتقار. لقد كانت الروح تتمنى الجسد ناحلًا قبيحًا جائعًا متوهمة أنها تتمكن بذلك من الانعتاق منه ومن الأرض التي يدبُّ عليها، وما كانت تلك الروح إلا على مثال ما تشتهي لجسدها ناحلة قبيحة جائعة، تتوهم أن أقصى لذاتها إنما يكمن في قسوتها وإرغامها".
وثمة مقاربة نهجية بين المعري والفيلسوف الالماني نيتشة، (وأن كان نيتشة وجودي والمعري متشائم) فالاثنان رفضا القائمين على الدين آنذاك، على اعتبارهم لا يريدوا الدين لأجل الدين، بل سخروا الدين لأجل مصالحهم الشخصية. وهذا ما اتفق معهما عليه الفيلسوف الالماني كارل ماركس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان