الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدسية النص وجرأة الخروج عليه

محمود حمدون

2021 / 5 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


قيل أن: " تطرق الفرصة الباب ,كلما كان للشخص عين تراها وأذن تسمعها ويد تقبض عليها ورأس تستغلها " الحكمة السابقة , وجدتها منذ سنوات تتصدر مدخل أحد المحلات , لكن الحق أن إعادة قراءتها كل فترة تُجبرك على تدبر ما بها من معان كامنة .
والعبارة السابقة , سواء أكانت حكمة متوارثة عن السابقين أو نحتّها أحد اللاحقين عن تجربة ذاتية , إلاّ أن بها كم من الصدق يفوق ما بها من بلاغة واطناب لغوي عالي القيمة , وهو ما أجزم أن "الجيش المصري", كمؤسسة عسكرية أخذ بها وسار على دربها وعيًا بالحكمة , أو هديًا وراء منطق وعقل يدرك الأشياء ويعي طبيعة المتغيرات .
نعي جميعًا أن الاتفاقات الدولية دائما هي مجرد حبر على ورق ,ولا قداسة لها سوى ما ترتّبه من التزامات على أطرافها ,وما تُقرّه من حقوق لأصحابها , وفي حدود ما تقضي به مصالح الدول .. تلك حقيقة راسخة .
اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل , ليست استثناء من القاعدة السابقة , فقد جرت أحاديث ومناقشات سياسية مؤيدة لها أو معارضة .. بعضها وصل للتأكيد على أن تلك الاتفاقية تتضمن بنودًا وأبوابًا سرية تُحمّل مصر بالتزامات تكبّل حركتها وتنتقص من سيادتها !
الجدير بالذكر أن اتفاقية كامب ديفيد تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن ( بعد مشوار طويل من المفاوضات ) في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن.
وهي فعليًا حققت لمصر سيادة كاملة على سيناء , لكنها في نفس الوقت وضعت قيودًا على حركة القوات المصرية وبخاصة الأسلحة المشتركة ( المشاة والمدرعات) من التوغل حتى المنطقة " ج " والتي تقع ضمنها شمال سيناء والمناطق الحدودية بالكامل .
وواقع الحال , أن أحداث يناير2011 وما بعدها من وقائع كانت تمثل فرصة جيدة لإعادة صياغة الواقع الطبوغرافي في منطقة سيناء بالكامل , فقد ترتّب على قيام الثورة وانهيار سلطة الداخلية لأسابيع , أن فُقدت السيطرة تماما على مناطق حدودية سوء في الغرب مع ليبيا أو الجنوب مع السودان أو الشمال الشرقي في منطقة شمال سيناء بالكامل ,
المؤكد أن ثمة تدفقا كبيرا في العتاد العسكري بمختلف أنواع الأسلحة بخلاف أعداد هائلة من جنسيات مختلفة قد توافدت وتوطنت في شمال سيناء , وبغض النظر عمّا إذا كانت تلك العناصر كانت تعمل منفردة أو من خلال تنظيمات وأجهزة استخباراتية لفصل أو عزل مناطق من شمال سيناء عن مصر .. فالمؤكد يقينا أن تلك المشكلة قد أرقّت البلدان المجاورة وعلى رأسها إسرائيل نفسها ,
لعلها كانت فرصة لمصر فسارت على نهج الحكمة التي صدّرناها مقالنا هذا , حيث تمكنت للمرة الأولى من تاريخ توقيع اتفاقية " كامب دافيد " من إدخال أسلحة مشتركة , حتى مناطق الحدود , بالمخالفة لنصوص الاتفاقية الأصلية , فتغيّر الظروف وتعاظم المخاطر , جعل أطراف الاتفاقية يغضون الطرف عن قدسية النصوص, ومع تصدي مصر عسكريا لمهام في المناطق المتاخمة للحدود بشمال سيناء , زادت الحاجة أكثر لقوات إضافية , تطورت لإدخال قوات جوية لقصف معسكرات المتطرفين .. ووحدات كاملة من المشاة والمدرعات توطنت وتمركزت في ارتكازات ثابتة ومتحركة على السواء..
ما يعنينا أن الجيش المصري يواجه جماعات متشرذمة أو منظّمة في شمال سيناء , لعل المعادلة هنا لا تكون " ظاهريًا " في صالح الجيش المصري , خاصة وهو جيشّ نظامي ومصنّف في ترتيب متقدم على مستوى العالم . فلما طالت المدة بهذا الشكل؟
لكن قراءة المشهد من زاوية أخرى يعطي يؤيد فكرة أن بقاء القوات المصرية في مناطق بشمال سيناء يحقق أمرين لا ثالث لهما " لكل ذي بصيرة " :
* إعادة صياغة للاتفاقية مع إسرائيل في ضوء متغيرات جيوسياسية تفرض نفسها فرضًا وتعطي لمصر حق الدفاع عن أراضيها واستقرارها .
* تدريب القوات البرية والجوية (الاسلحة المشتركة) على العمل العسكري ,في كامل سيناء وبخاصة مناطق الحدود , علمًا بأن كافة الأجيال التي تعرف طبوغرافية سيناء من القادة السابقين , إما وافتهم المنيةّ أو خرجوا من الخدمة منذ زمن طويل . و القيادات الحالية ونزولًا حتى مستوى الجنود لا يعلمون عن سيناء كمسرح عمليات عسكرية شيئًا , وهو أمر في غاية الخطورة لم يكن له علاج في ظل جمود نصوص الاتفاقية وصعوبة تجاوزها إقليميًا ودوليًا .

الشاهد أن جرأة الخروج على قدسية النص , تستدعي توافر الظرف التاريخي , والوعي بوجود الفرصة ثم اقتناصها والعمل عليها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة