الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت عادل الحياة غير عادلة

بشرى رسوان

2021 / 5 / 23
الادب والفن


أتحسس نبضه للمرة الألف
ليست جريمتى الوحيدةعلى أية حال٬ لم تكن خطيئتي الأولى ولا الأخيرة٬ رائحة الدم تصدع من كل شبر في جسدي٬ من يدي من ساقي من بين فخذي٬ أولها عندما رميت هرة جدتي من النافذة لا لشيء٬ لم تمت لسوء حظها٬ لكنها نزفت دما أمام مدخل البيت لونه غطى التراب ثم تخثر ٬لم أحفل بذلك٬ في المرة الثانية أمسكت ذيلها جررتهابقوة انغرست مخالبها في التراب تشبتت بكل الأشياء٬ خربشت يدي عضت أصبعي لكنني دفنتها .. دفنتها حية ترزق٬حفرت قبرها بيدي و رميت التراب فوق جسدها ٬ نبشتْ الأرض بمخالبها وأفلتت٬ فوجئت بها ٬ تحسست رأسهابلطف بالغ تملصت مني ركلتها٬ عجزت عن استيعاب اصرارها على الحياة ٬استفزني يقال أن للقطط سبعة أرواح ٬ لكنني لم أمنحها شرف الميتة السابعة٬ في المرة الثالثة أقفلت عليها الفرن الطيني ٬ سمعت مواءها كان يشبه البكاء لحد ما٬ رائحةالحريق تعربد في صدري تخنقني٬ صارت رمادا من دون مقاومة تذكر ومن دون ضجيج٬ هكذا اذا تموت الأشياء البالغة الروعة٬ نتفنن في ايذائها نقتلها بضمير مرتاح و شعور بارد٬انتصرت عليها كانت معركة ربحتها لم يساورني الندم قط ٬ نهاية تستحقها قلت في نفسي .ثم دم مليكة على يدي وأنا أخط وجهها و عنقها بأظافري حفرت خرائط حقدي على جسدها ٬ خدها الأيمن و جبهتها شددت عنقها بيدي و خنقتهاوصفتها بالبغي القذرة٬فكرت وقتذاك بتمزيق وجوهها المتعددة٬ ودم عذريتي الذي أهدر بغير حق ٬ثم دم طفلي الذي أجهضته في شهره الأول تخلصت من حياة جديدة في المرحاض٬ لم يكن بامكاني أن أمنح شيئا لهذا الوجود وجود تالف٬ رفضت أن أورط بائس اخر في هذا العالم القذر٬ أجهضت للمرة الثانية كنوع من الاجتهاد و ثالثة كأنما أؤكد الفكرة و أبصم عليها بالعشرة٬ عندما سألت مولانا قال لي« الأصل في الاجهاض عدم الجواز لانه اعتداء على الحياة لكن للضرورة أحكام» ٬وعندما طلبت رأيه الشخصي بعيدا عن الشرع قال «ﺈنه موضوع شائك لأنه يتعلق بالحياة وأنه لن يتورط به» ٬في الحقيقة لم يروقني رده٬ ما كان رأيه سيزحزحني فقراراتي مأخوذة و لن تغيرأفكاره فيا شيئا٬ جاءسؤالي من باب الفضول ليس ﺈلا٬ يصعب تجميل الحقيقة.
انه هناك في أقصى العتمة تتفاعل روائح جسده العفن مع هواء الغرفة٬ تشق سبيلها نحو أنفي٬ أدورحول جثته كالمجذوب ٬ الموت كما الولادة قدر لا يحتاج لأسباب قلت في نفسي٬لطالما فَكرتۡ في خنقه ٬في كتم أنفاسهِ داخل صدره٬ اعتقدت أنني سأسممه٬ قتل على مائدة الطعام ٬ أخلط سم الفئران مع طعامه أحركه ببطئ مع الحريرة* أو سلو* يدب في عروقه ويسري٬ يستفرغ أمعاءه الخاوية٬ يشحب لونه٬ ثم يأتي موته كهدية من السماء٬ نهاية تجيءقبل أوانها٬بشغف بالغ أقطع جسده لأطراف أعبئها في أكياس سوداء و أرميها للكلاب الضالة٬ أضلاع.. قلب.. جمجمة ٬ أوزعها بعدل مفرط بين الحاويات٬ أطوف بهاعلى الدروب المتفرقة باحثة لهاعن مأوى يليق بها .بنهم مفرط تخيلت المشهد مئات المرات٬ كررته في رأسي المريضة لا شيء يفلت من عقل عليل ٬قرأتۡ كتبا عن السموم عن زرنيخ.. الشكران الفسفور الباريوم والسيانيد. كان ذلك قبل أن أتظاهر بالحمل وأقصد دجاليين عرافين ونصابين لأجهض٬ ابتعتۡ أوراق الدفلى* وجذور الداد*وحبة كبيرة من العفصة٬ خزنتهم أعلى الرف في المطبخ٬ احتفظتۡ بمجموعة لابأس بها من النباتات السامة٬ ثم رحت أغرسهافي أۡصص على الشرفة. اكتشفت أن كل شي يمكن أن يتحول ﺈلى سم اذا زاد عن نسبة معينة في الجسم٬ حتى بكتريا الأمعاء يمكن أن تكون قاتلةاذا انتقلت للجهاز التنفسي أو مجرى الدم٬ مسببة تجرثم الدم٬ السر يكمن في النسبة وليست المادةبحد ذاتها٬ وفق ذلك ارتفاع نسبة الأدرنالين قد تؤدي لسكتة قلبية أو سكتة دماغية٬وارتفاع الأستروجين قد ينتهي بسرطان الرحم و الثدي .
مساءبارد وطويل أطول مما يجب٬ أشرب القهوة فوق جثته تماما٬ الدم في كل مكان شق أعلى رأسه يسيل يمتد من الجبهة ﺈلى الدقن ثم للعنق منها ﺈلى الأرضية يتمدد على السجاد٬ البقع على الجدارعلى الأريكة على حافة الطاولة٬ لونها يغدو أسودا٬ يتجمد يكون جلطات قاتمة٬ أشكال كثيرة خطوط و مدارات شيء يشبه اللوحة سريالية .هذه القطة لا تصمت تموء وتموء وتموء ...لا تتوقف أبدا تحتك بقدمي أدفعها بقوة٬ ترتطم بشيء ماثم تعود لتتمدد قرب الجثة٬ مواءها له وقع الطبل في رأسي٬حجبتۡ صوتها عن مسامعي٬ حاولت انتزاعها من طبلة أذني كنتۡ محقة بشأنها قطة تربية شوارع٬ لاتكف عن اللغط تحتضن بعضها تلتف ككرة صوف٬ تغمض عينيها ترفع ديلها ثم تلحس جسدها تلعق تلعق٬ أود أن ألعق أنا أيضا تجتاحني رغبة اللعق تدور في حلقة خلف ذيلها تركض... وتركض... لا تمسكه أبدا٬ تعبت حركاتها برأسي تدوخني أركلها مجددا تفرمعطوبة تنكمش تحت الطاولة تدفن رأسها بين أطرافها .فكرت في حمل جسده للحمام وجره و ﺈلقاءه في الحوض٬ ثم اذابته في الأحماض ليتبخر ليتحول لغازات خانقة٬ حرق عظامه بالما القاطع و ذر رماده في البحر٬ جالت في ذهني فكرة أخذه لوسط الشقة و سكب اﻹسمنت فوقه أصنع من جسده جدار٬ جدار أتوسده ـأضربه وأنطحه برأسي كلما هاج دمي٬ أنحته ثمتالا أنقش تفاصيله بدقة متناهية٬ أغرس الأزميل في صدره أفتحه للريح٬ أحدد شفتيه و تجويف عينيه أبعثه من جديد٬ وأعبده ألتمس بركاته في أيامي القاحلة٬ أجعله مزارا للنساء يشعلن شمعوعهن و يبتهلن تحت أقدامه ٬ ليمنحهن أطفالا ذكورا مثله٬رائعون كاملون وصالحون كالأولياء٬ أجعلة مائدة مستديرة أضع قهوتي الصباحية عليهاو أرقص فوقها ٬راقت لي فكرة المائدة المستديرة ٬ قد أجمده بالنيتروجين لربما لو تقدم العلم يعيدون له الحياة٬ أو أدفنه في الحديقة وأزرع شجرة تفاح فوق رأسه٬ كلما نضجت احداها وسقطت بين يدي قضمتها
دارت بالي أفكارخاطفة دون فائدة٬ كأن أقدمه وليمة للطيور الجارحة كما يفعل التيبتيين ٬ أو أتغذى على أعضائه كالأغوريين بدت الفكرة مثيرة للغثيان. في الحضارات القديمة كانوا يلتهمون موتاهم أبنائهم أو أبائهم ﺈنها طريقتهم في التعبير عن الحب أن تحب يعني أن تبتلع قريبك٬ أتخيلني أمضغ قلبك ألوكه أسحقه تحت أضراسي وأبتعله أحشره داخلي٬كأي عاشقة معذبة٬ للحب أشكال عدة.. على الأقل لست المجنونة الوحيدة على هذه الأرض ...بعض الحماقات لابد منها..أقهقه عاليا .
كانت لي خطط كثيرةبالنهاية تركته ليتعفن هناك فوق السجاد ٬ قدره مكتوب سلفا أنا قتلته٬ وجوده لا يشكل فارقا في هذه الأرض٬ ﺈنه يشبه الأخرين كل أولئك الذين عادوا لبطن الأرض منذ ملايين السنين. حتى الأرض ستموت وتختفي بعد خمس مليارات سنة من اﻵن لابد من نهاية لكل شيءلكسر رتابة ٬ الموت جزء من دائرة الحياة٬ لنقل أنه الجزء الأهم منها.لا أحد يهزم الموت
بردت القهوة أحبها ساخنة تفور٬مددت يدي نحو الطاولة وضعت الفنجان ﺈلى جانب أشياء مبعثرة كثيرة غير مهمة ٬ القهوة عادة لازمتني منذ زمن بعيد كانت جدتي مغرمة بها ٬ وهكذا وبمثالية مفرطة ورثتها كما عادات أخرى ٬ العادات لا تموت خاصة السيئة منها
أخبرني الطبيب و هو يلقي بابتسامته الباردة علي« عليكِ التوقف عن شرب الكافيين٬ الشاي المقليات و النشويات»٬ سرد لائحة طويلة من الممنوعات ٬ حرص على توثيقهافي ملفه ٬سمح لي بالتفاح والسبانخ الخس والخيار٬ «جسدك كتلة سموم »قال ٬ و كأنه أضاف شيئا جديدا أجهله ٬نصائحه تلسعني ٬ لائحة لا تتغير٬ تأتي بصيغة النهي فلا ألتزم بها لأزيد من يوم ﺈلى ثلاثة أيام كأقصى تقدير٬ و أعود لسابق عهدي ريجيم حفظته غيبا٬ أغدقت عليه بعشرات الأٍسئلة كالممسوس٬ من حقي أن أفهم جسدي قلت له طمرني بردوده لا أعي ماذا يقول... يثرثر.. ويثرثر تتسلل عيني للجدار خلفه٬ شهاداته موزعة بابتذال رهيب٬ مكتبةعتيقة برفوف خاوية ﺈلى جانبها جرة كبيرةباللون الأبيض و الأزرق٬ وودت كسرها أن أقذف بها٬ أسمع صوت ارتطامها بالأرض٬ تنشطرلألف شظية ٬ ثم أجمع تفاصيلها أقاوم رغبتي٬ أرفع عيني لوجهه لا يمكن انكار جاذبيته٬وجوه الغرباء فاتنة٬ يداه تتحرك بألية٬ يثرثر لا أسمعه٬ شفتاه تستحق العض مثيرة حد الهذيان ٬تقوداني نحو عنقه٬ ينبض الشريان تحت جلده أفكر بقطعه٬ أمد يدي نحو القلم أغرسه في عنقه٬ أضرب رأسه بالخزانة أضربه حتى الموت٬ يحرضني هوسي على أشياء كثيرة ٬ القتل لا يخلو من الجمال
أعدت التحاليل عشرات المرات٬نتائجهاأتت مربكة٬ كنت على يقين أن الأمر جدي هذه المرة ٬ راهن الطبيب على فطريات الكنديدا ألبكيان٬ظل مقتنعابالفكرة افترض أنه السكري فخفضنا السكر٬وامتنعتۡ عن الخبزالأبيض والنشويات لكن بلا جدوى٬ ثم أظهرت التحاليل أنها بكتريا غرام السالبة الكليبسيلا الرئويةاسمها بدا مميزا... الكلبسيلا بكتريا بنكهة الأرستقراطية٬ لا تشبه الزائدة الدودية على أية حال٬ ثم الأي كولاي ٬ الدواء في مجمله مضادات حيويةأراكمها ٳلى جانب سريري٬حقن تحاميل وأحيانا أقراص بنسلين٬سيبروفلوكساس٬ باكتريم ٬سيفكزيم وصفات الأطباء الغير مجديةلا تنتهي٬ ثم لا شيء يتغير القلق يأكلني لا سبب فعلي لهذه الأعراض ٬لم أعد واثقة بشيء٬ كان ينبغي أن أتقبل الوضع ٬ أغلقت الصيدليةوفتحت محل عطارة٬لطالما أمنت بحكمة جدتي فاطنة٬شربت الشيح الزعتر الخزمى الكركم الحامض٬ المعدنوس السالمية٬ الثوم ٬عصير البصل بعدهااغريس ثم المريوت شربتهامع الشاي و الماء واستعملتهاكمادات٬ثم قطرات لأذن بعد أن فقدت الأمل حقنتها شرجيا٬كنوع من الاجتهاد الفردي٬ أدخلتهالجسدي عبركل الطرق المفتوحة لوطال الأمرلمزقت جلدي و غرزتها ٬أصابتني نوبات من الهلع٬رهاب الميكروبات ٬أدركت متأخرة أن الأمراض لا تصيب الجسد وحده بل تؤثر في الحالة العقلية للشخص٬ ما حدث داخل جسدي لا يمكن تفسيره ٬يخيل لي أحيانا أنني أستدعي كل هذه الأمراض استدعيها من الحجيم
ببطئ شققت طريقي نحو المطبخ ٬ توقفت عند المغسلةبدت يدي ترتعش تحت الماء٬السائل الأحمر ينساب بخفة نحو المغسلة٬ أمام المرﺂة حملقت في وجهي توقفت لبرهة ٬ وجه أصفر باهث بلاتعابير٬ أتمنى أن أختفي أن أتلاشي أتبخر في الفضاء٬لا أِشبهني لا أِشبه أحدا أنا شيطان (الله يغفر٬ الناس لا تفعل) تخبرني جدتي (الله واسع الرحمة الناس لا ترحم).عدت للصالة ذبابة تحوم حول جسده تستقر فوق أرنبة أنفه٬ تتربع على عرشه٬ لا أحد يهزها أنه أشبه بتمثال شمع ٬عروقه بارزة أكثر من الازم٬ عاجز تماما٬ يبدو اﻵن أكثر وسامة أكثر من أي وقت مضى أقترب منه أقبله على أنفه٬ أتأمله أشعر بالاثارة برغبة في قضم خده ألمسه ٬ لازال ساخنا غضا و ناعما أرغب بتمزيقه بأسناني نهشه٬أضع أصبعي على فتحة أنفه أتحسس الهواء٬ لاشيء عيناه منطفئتان ٬ لقد تعودت عليهما بلونهما الأسود الحالك عيون لا يخطئها القلب ٬ با مكاني اقتلعهما اﻵن و الاحتفاظ بهما تذكارا في الثلاجة. منظره يثير الضحك حد البكاء خطوط تجاعيد خفيفةعلى جبهته شعيرات قصيرة على وجهه٬شيب على مقدمة رأسه٬وجهه منقبض مررت سبابتي على عنقه وصدره٬عقدت أزرار قميصه المفكوكة ضممته ﺈلي ٬التصقت به بقع الدم علقت بيدي و وجهي٬ حاولت رفع رأسه قليلا عن الأرض حاولت جاهدة لكنه كان أثقل من كل شيء٬رأسه كالصوان تركته جلبت وسادة ووضعتها ببطئ أسفل رأسه٬ أحضرت أخرى وضعتها قربه٬ تمددت بجانب مرقده٬ كمن يجاور خيبته٬ وجهي لوجهه تأملت ملامحه رائحةعطره الممزوجة برائحة الدم ٬وضعت رأسي على صدره غرست نفسي بين أحضانه ٬جربت أن أرفع يده أن أضعها فوق كتفي ليبدو و كأنه يطوقني لكني فشلت ٬ يداه متخشبة٬ أردت مشهدا رومانسيا لنهاية لن أحظى بها٬ في الواقع لن تحظى مطلقا بذلك المشهد هزيمتك شيء مفروغ منه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي