الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الشاعر الكردي أديب حسن محمد أجراه نضال بشارة

أديب حسن محمد

2006 / 8 / 6
الادب والفن


حرصت على أن تتحرر قصيدتي من الرتم السائد للشعر الكردي في سورية
بدأ الشاعر الكردي السوري د. أديب حسن محمد نشاطه الأدبي من مدينته القامشلي، ثم نشر نتاجه منذ أواسط ثمانينيات القرن المنصرم في العديد من الدوريات المحلية والعربية والكردية. اهتم الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين بتجربته الشعرية في مقالتين. ساهمت الجوائز العربية التي نالها في تأكيد حضوره الأدبي، ففي حوزته مراكز أولى في جوائز مسابقة د. سعاد الصباح عام 1999 عن مجموعته الشعرية(إلى بعض شأني)، وجائزة عبد الوهاب البياتي 1999 عن مجموعته (موتى من فرط الحياة). وحاز على المرتبة الرابعة عام 2001 من مسابقة مجلة الصدى الإماراتية عن كتابه النقدي الأول (القصيدة الومضة)، وحاز عام 2004 جائزة طنجة في المغرب عن أفضل مجموعة شعرية منشورة بعنوان (ملك العراء). أمّا آخر ما صدر له فديوانه (وثامنهم حزنهم)عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق 2004. وحول صدى اهتمام الشاعر محمد علي شمس الدين بشعره، ونشر شعره بالكردية، ومفاصل أخرى جاء الحوار الآتي:
+ دعنا نبدأ من آخر حدث لديك، كنتَ قد أخبرتني أنك سوف تنشر بعضاً من أشعارك بلغتك الأم الكردية، ما الذي سيتضمنه هذا الكتاب؟ ولماذا تأخر نشرك بها؟
++ يراود أي كاتب مغترب عن لغته الأم حلم الكتابة بها، والأهم حلم التفكير بها، فلا يكفي أن تنقل الأفكار التي تنسجها باللغة العربية نقلاً ترجمانياً إلى اللغة الكردية، المسألة أبعد من ذلك، وتخص بنية التفكير ذاتها والخلفية اللغوية لهذا التفكير الذي يسبق العمل الإبداعي. إذ إنه من الصعوبة أن تفكر بلغة وتكتب بلغة أخرى، ومن هنا فإن المبدعين الكرد باللغة العربية أمامهم مهمة بالغة التعقيد عندما ينوون الانتقال إلى الإبداع بلغتهم الأم:الكردية. وقد ظل هذا الحلم يراودني كلما سمعت أغنية كردية، أو كلما حدثتني أمّي عن قريتي الكردية الجبلية النائية..عن وعولها، ومنحدراتها، وكرومها، ودبكاتها، وفجرها المؤقت بصياح الديوك الجبلية النزقة. وهذا الحلم يرافقني منذ بدايات تجربتي الشعرية، ولكن بسبب الظروف الصعبة التي نشأنا في ظلالها...لا مدارس كردية، لا معاهد، لا جامعات، لا كتب، لا مراجع، ولا حتى فسحة للإطلاع على تجارب الآخرين ممن غامروا بنشر قصائدهم الكردية في فترة انشغال الشعر الكردي بأغراض كلاسيكية، وبأشكال مؤطرة، دفعت إلى حدوث شَبَهٍ كبير بين المجموعات الشعرية التي صدرت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم. وسط هذه الحالة البرزخية من العوائق والصعوبات كتبت بعض القصائد النثرية باللغة الكردية، وابتعدت فيها عن المعجم الشعري الكردي الذي كان همه إيراد أكبر كمية من التسميات الكردية المباشرة المقتبسة من الملاحم الكردية الخالدة. وقلما اتجهت القصيدة الكردية السورية أبعد من ذلك، لذلك حرصت على أن تتحرر قصيدتي من الرتم السائد للشعر الكردي في سورية. حالياً أعكف على جمع تلك الومضات الشعرية التي كتبتها بلغتي الأم، لأصدرها قريباً في مجموعة شعرية لتكون باكورة إصداراتي الشعرية باللغة الكردية.
شهادة شاعر كبير
+ ما الأثر الذي تركته في ذاتك كتابة الشاعر محمد علي شمس الدين في (السفير الثقافي) عن ديوانيك الأخيرين، بغض النظر عن الملاحظات التي أوردها؟
++ كانت مفاجأة سارة أن يتناول قلم الشاعر المبدع محمد علي شمس الدين مجموعتيَّ الشعريتين الأخيرتين (ملك العراء) و (ثامنهم حزنهم) في مقالتين طويلتين نشرهما في جريدة (السفير). أما المفاجأة الثانية فهي أن المجموعتين قد نالتا قدراً من الإعجاب عنده، وهذا في حد ذاته شهادة مهمة من شاعر كبير أقدره وأعجب بأسلوبه وبشاعريته السلسة المتدفقة التي لا يشق لها غبار. زد على ذلك أن شمس الدين قريب جداً من المساحة الروحية التي تشتغل عليها بعض قصائدي، ولذلك مدتني مقالاته بثقة كبيرة في إبداعي، وشعرت أنني نلت بعضاً مما أستحقه بعد عراك طويل مع المفردات، وبعد تجاهل شعرائنا ونقادنا السوريين الكبار لتجاربنا الشعرية. إذ لم ينزل أي منهم من برجه العاجي ليكتب عن تجربتنا، كان المطلوب وما زال أن نكتب نحن عن عظمتهم فيما هم يدخنون التبغ ويستمتعون باحتساء النبيذ ويلقون علينا المواعظ من شرفاتهم العالية.
+ أين وصل مشروع كتابك عن الشاعر نزيه أبو عفش؟ وما أسباب اختيارك لدراسته؟
++ تحدثني عن مشاريعي المعلّقة فتثير بين جنبات روحي حزناً مكيناً. النقد عندي كما الشعر حالة إبداعية وليس معادلة رياضية، ومن هنا فأنا لا أستطيع نقد تجربة ما لم أكن قد اخترقت أسرارها، وعثرت على مفاتنها الخافية، وأسباب تفردها. وقد أغوتني تجربة الشاعر نزيه أبو عفش منذ أن سمعت قصيدته(ما يشبه كلاماً أخيراً)في مهرجان المحبة باللاذقية. كانت قصيدة متفردة، ذات كلمات موجعة، تثير فيك حاسة الحزن النبيل، فتجيش روحك التماعاً ولوعة، وأنت ترصد دمعة تترقرق خلف نظارته السميكة، لم أجد مفراً من قراءة هذا الشاعر الذي اصطادني حزنه، وأغوتني نوائحه، فتلقفتُ دواوينه كلها، وعكفت على قراءتها أولاً، ثم مقاربة عوالمها، وأسباب علو قاماتها. الكتاب شبه منجز لكنه يحتاج إلى بعض الوقت لكي يخرج بالصورة التي ارتئيها له.
تعويض وإغناء
+ هل أعدت النظر في كتابك (القصيدة الومضة - خصائصها - نماذج منها في الشعر العربي المعاصر) بعد هذه المدة التي انقضت على فوزك بالجائزة؟ ولماذا لم تطبعه حتى الآن؟
++ سؤالك هذا ذو شجن..إذ لم يشكل عليّ أمر في حياتي كما أشكل عليّ كتاب الومضة، فقد مرّ من خلال سلسلة من الفلاتر المتتابعة، وظل أرضاً مفتوحة تستقبل وتودع الكثير من الأفكار، دون أن يستقر على صورة أخيرة تؤهله للرسوخ كمنتج نهائي قابل للقراءة كمرجع أول في هذا الشكل الشعري. وبناء على ذلك فقد أعدت النظر فيه أكثر من عشر مرات دون مبالغة، ومرد ذلك إلى الملاحظات الكثيرة التي تعترض هذا البحث لأنه الأول في هذا المجال. وعندما أقول الأول لا أقصد هاجس الريادة الذي يراود الكثيرين من المشتغلين بالأدب، بل أقصد صعوبة توفر المادة البحثية المرجعية التي تعينك على إشباع البحث وتدعيمه بالإحالات الضرورية لأي مادة بحثية جادة. الكتاب في الأساس لا يروم أن يصبح مادة أكاديمية صارمة، وهذا يفرض أن يبني نسقه الخاص الذي يعوّض غياب المصطلح النقدي الأكاديمي الصارم، الأمر الذي زاد من صعوبة إنجاز الكتاب بصورة نهائية، وذلك بغية الخروج من العديد من الالتباسات التي أثارها خلال عرض نماذج منه في محاضرات وندوات بحثية مختلفة. زد على ذلك انشغالي وضيق الهامش المتاح من الوقت الذي تحتاجه دراسة من هذا النوع.. أحلم بأن أتفرغ لإنجاز هذا المشروع في القريب من الزمن، علماً بأن التأخر في طباعته لا يزعجني بل يزيد من هامش البحث وإغناء مقولاته.
قنصل الهواء
+ توقعت أن تتعمق أكثر في كتابة النقد بعد الجائزة وبدء دراستك لشعر أبو عفش، إلا أنك ذهبت إلى الرواية، أين وصلت بروايتك وهل ثمة أسباب خاصة جداً لكتابة الرواية؟
++ توقعت أنا أيضاً أن أتعمق بالنقد، ولكن المبدع لا يخضع لسلطة المخططات ولأجندات الإنجاز وللمعادلات الرياضية، إنه كائن تسيِّره قوة خفية تميل به في اتجاهات شتى، لم أكن أتوقع أبداً أن أدخل عالم الكتابة الروائية، لكن حماستي اشتعلت فجأة وأنا أقرأ إحدى قصصي القديمة غير المنشورة، أثارت فيّ تلك القصة انقلاباً روحياً غريباً، ولم أر نفسي إلا وأنا أخط السطر الأول من روايتي. وبعد تسعة أشهر كان المولود الغريب يصرخ طالباً الهواء، فسميته (قنصل الهواء)
أنجزت الرواية وأنا أدرك أنها مختلفة، وأن لغتها شديدة الصعوبة للقارئ العادي. ولكنها برغم كل ذلك رواية واعية لمقولاتها..لا تتشتت إلا لتلتم، ولا تسرد إلا لتشد القارئ إلى مناخاتها الغريبة. أدعي أنها تمتلك قدراً من خصوصية المكان الكردي..والإنسان الكردي..والمعاناة الكردية الطويلة. وهي رواية إنسانية قبل كل شيء، تنتصر للإنسان..ولحقه في الحياة الحرة الكريمة دون ظلم أو حرمان أو كراهية. كما أنها رواية تحاول دق أبواب غلّقتها أسئلة الوجود الإنساني الغامض على هذه الأرض.
+ هل تعتقد أنك بت تكتب قصيدتك الخاصة، ولم يعد لقصائد الشعراء الآخرين الذين يستهويك شعرهم أي تأثير عليها؟
++ منذ البدايات لم يستهوني شاعر بعينه، وقد نشأت على قراءات متعددة لشعراء شباب. الأسماء الشعرية الكبيرة قرأتها متأخراً، وهذا ما ساهم في إبعادي عن مجالاتهم المغناطيسية. ومع ذلك فإن عدم التأثّر بها أمر محال، نحن نكتب بلغة كتب بها ملايين المبدعين على امتداد تاريخها، واستهلكوا مفردات المعجم الشعري بأكملها، وعانوا هواجس متشابهة في العموم، كالحب والكره والحزن والغضب.. إلخ. بقي الأسلوب وهو مربط الفرس، فالأسلوب هو الذي يقدم شاعراً مختلفاً عن مجايليه، وخلال تجربتي الممتدة لأكثر من عقد ونصف لم أستطع الجزم بأنني بت أكتب قصيدتي الخاصة.
+ من المؤكد أن ثمة سؤالاً تطرحه بشكل دائم حول قصيدتك، فما هو؟
++ بصراحة أنا أطرح سؤالاً مركَّباً: هل تجاوزت سابقاتها من حيث التجديد في الأسلوب وفي الشكل من خلال العلاقة الجديدة بين المفردات والإيقاع الذي ينظمها؟ ثم:كيف سيستقبل القارئ قصيدتي؟ وماذا ستضيف هذه القصيدة لمجمل تجربتي الشعرية؟

--------------------------------------------------------------------------------
النور- العدد 251 (28/6/2006)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه